د. مجدى توفيق أحد النقاد الذين تميزوا برؤيا موضوعية في تناول الاعمال الابداعية حيث يرى أن كل عمل يكتب في واقعنا الثقافي لابد أن يحتوى على مفاهيم جديدة وآراء مختلفة وتحليل خاص لقضايا الواقع والانسان من خلال احتواء هذا العمل على ذاكرته الخاصة .. وقد عبر عن هذه الفكرة في كتابه النقدى "الذاكرة الجديدة" الذى يتناول مفهوم الذاكرة في الروايات المعاصرة. والناقد صدر له من قبل مجموعة من الكتابات النقدية منها : مفهوم الإبداع الفني في النقد العربي القديم.التراث المصنوع.مدخل إلى علم القراءة الأدبية.مفاهيم النقد ومصادرها عند جماعة الديوان.المعرفة التاريخية للنقد العربي القديم.الأدب والحياة.كيف يحكي النقاد؟ الذاكرة الجديدة.فنون البلاغة. اصداء باقية وإن كان الكتاب قد صدر منذ سنوات إلا أن اصداءه مازالت تلقى نقاشا بين المثقفين والمبدعين حيث يأتي مصطلح "الذاكرة الجديدة " ليساهم في تفسير اتجاهين في هذا المجال وهما: الذاكرة الواقعية والذاكرة الخيالية. فلم يعد من المناسب الآن أن تدور الرواية أو القصة المعاصرة في لمسات مستمدة أو متأثرة بالماضى وبما كان يمارسه من كتابة الأدباء الرواد مثل العقاد وطه حسين والمازني والحكيم وغيرهم في بدايات النهضة الأدبية والثورة الثقافية.. هناك دائما ذاكرة جديدة يكتب من خلالها المبدع ليعبر عن جماليات الكون ويمزج بين الطبيعة والذات ويحث القراء على البحث والتأمل ونفض قضايا الواقع ومحاولة ايجاد حلول للأزمات السياسية والانسانية. يدعو الناقد في مفهومه الذاكرة الجديدة إلى نظرية الابداع وليس الاتباع التي تحدث عنها أدونيس في كتابه الشهير. وهذا الابداع ليس وصفا دقيقا موثقا لحدث أو مجموعة من المواقف في الحياة وإنما ثورة تحد لفساد الواقع ورفض للزيف والشعارات التي تطلقها الأنظمة لاحتواء الفكر والمفكرين والثوار.. التجربة الجمالية شرطا جوهريا من شروط الذاكرة الجديدة وهذه الجمالية لابد أن تتميز بالمتعة الذهنية وتثير الدهشة حتى يشعر القارىء أنه يواجه نصا مختلفا وليس تقليديا. نصا جديدا فياضا بالخيال والمغامرة والتشويق يمكنه أن يتجاوز أساليب الكتابة والتعبير المعتادة ليحقق قدرا من الحرية في الانفعال والتعبير ببساطة تامة تأسر المتلقى وتقرب له العمل الأدبي وتفتح عالما جديدا أمامه. ذاكرة التخيل من هنا تأتي أهمية كتاب "الذاكرة الجديدة" للدكتور مجدي توفيق الذي اجتهد لتفسير الظاهرة من خلال مجموعة من النصوص التي بحث فيها وليؤكد أن الذاكرة ليست أرشيفًا للمحفوظات ولكنها طاقة تخيل وإبداع. فكانت الروايات التي تناولها بالتحليل من خلال هذا المصطلح تصدر عن الشعور بالقلق تجاه ذاكرة الأمة، فهي تحتاج إلى توسيع وتصويب أحيانًا، وتحتاج إلى حذف وتغيير أحيانًا أخرى، وفي كل الأحيان تسعى إلى بناء ذاكرة جديدة كأنها تمارس ثورة معرفية باطنية صامتة، لها جذور في اليأس من إصلاح الوضع الراهن إذا عولنا في تغييره على قوانينه الراهنة وعلاقاته القائمة وذاكرته الماثلة. ومن خلال التحليل النقدي الذى يمارسه الناقد في كتابه يفند أمامنا قضايا كثيرة تتصل بالانسان العادي في حياته اليومية فهو يرى ان الانسان قد يتعمد احيانا ان ينسى كل شىء مر به ويخلع عن ذاكرته كل الاحداث والصور ثم يبدأ من جديد تكوين ذاكرته الجديدة التي تبدأ في مواجهة الواقع. ومن الملاحظات الأخرى في كتابه "الذاكرة الجديدة" أنه توصل إلى النتيجة قبل الشروع في البحث، لا العكس، وقد قال ذلك في السطر الأول من مفتتح الكتاب: "كنت أقرأ رواية هاني قطب الرفاعي" الكوميديا الشيطانية"، حين بدا لي أن الرواية قد أفقدت بطلها ذاكرته لغير سبب ظاهر. ثم بدا لي وأنا أنتهي من قراءتها، ثم وأنا أناقشها في برنامج إذاعي. وهكذا يكون فقدان الذاكرة في الرواية يرمز إلى أننا في حاجة إلى أن نمحو ذاكرتنا أحيانًا، ونمحو معها معارفنا جميعًا، حتى نؤسس معرفة جديدة صحيحة، ستجعل ما كان هامشيًا مركزيًا، وستجعل ما كان مركزيًا هامشيًا، وستزيح أكوام الأكاذيب والخرافات والأوهام، وتستبدل بها حقائق منيرة، تصنع معرفة جديدة، وتصنع معها ذاكرة جديدة. وانتابني شعور جارف بأن موضوع الذاكرة بعامة، والذاكرة الجديدة بخاصة، له أهميته الكبيرة في الأدب، وتزداد أهميته مع الروايات التي ينشرها شباب الكُتَّاب في مصر في السنوات الأخيرة". ونفهم من مصطلح الذاكرة الجديدة أيضا بان بعض الأدباء قد يرفعون صوتهم بالاحتجاج والرفض ويناضلون من أجل مجتمع خال من الفساد ولكن هناك البعض الآخر الذي يعري المجتمع ويعرض للخلل المتراكم أو أنه يكشف الجرح ونزيف الدماء ويصف الدمار والهلاك. والفرق هنا يكمن في ذاكرة كل من هؤلاء الذين يكتبون . هل استطاعوا حقا تحفيز الذاكرة إلى رؤى جديدة في الحياة؟ هل استطاعوا من خلال قوة الخيال وخصوبته التفاعل مع الواقع ومزجه بكفاح الانسان ونضاله؟ لابد أن تكون هناك بطولة ما في الرواية يقوم بها البطل او الشخصية المحورية ليحقق التوازن والانسجام بين الواقع والخيال وتظل ذاكرته بعيدا عن التشتت والضياع وتنسج خيوط العمل الجديد في إتقان وثقة واحكام. اسلوب الكتاب أما عن أسلوب الكتاب فقد تميز بالعمق في التعبير والتحليل والبساطة في التعبير ويبدو أننا نواجه نوعا من النقد الذي يعايش تجارب الانسان اليومية وليس نقدا فلسفيا بعيدا عن الواقع ؛ وهذا ما جعل كتابات مجدى توفيق تتميز بالفكر الجاد واللمسات الانسانية .واتبع أيضا أسلوبًا أكاديميًا يقوم- مثل الرسائل الجامعية- على تفصيل كل عناصر موضوعه، من كل جوانبها، فيقف عند كلمة "الذاكرة" مثلًا ويتتبع تجلياتها ليس في الأدب فقط رغم أنه موضوعنا ولكن في الفلسفة والتاريخ والبلاغة.. إلخ. هذه التفاصيل "العلمية" تجعلنا نسأل عن القارئ الذي يتوجه إليه هل هو قارئ الأدب؟ أم دارسه؟ وإذا كانت الإجابة أنه يتوجه إلى القرَّاء، أمثالي، فإن هذه التفاصيل باتت عبئًا، اضطرتني إلى تقليب الصفحات أحيانًا للوصول إلى الغاية النهائية التي أتوق إليها. هذا من جهة. ومن جهة أخرى يستطرد في شرح معظم المصطلحات التي ترد في بحثه استطرادًا يطول أحيانًا حتى يكاد ينسينا الغاية الأساسية، مثال ذلك توقفه عند مفهوم "تيار الوعي" لمجرد أنه يريد أن ينفي عن الكتابة الجديدة اندراجها تحته، بالرغم من أن المصطلح بات واضحًا عند معظم القراء، على الأقل لأنه قديم. وهو لم يكتفِ بشرح المصطلح، بل تعرض لروايات عالمية استخدمته، أو ابتدعته على الأرجح، احتلت الروايات حيزًا فاق الحيز المخصص للروايات المبحوثة، مثل رواية "أليسيس" لجيمس جويس، وهو ما يثير سؤال الأصل والفرع.