برز في السنوات الأخيرة بالمشهد الثقافي المصري مفهوم الكتابة الجديدة، وتكرر مع تجارب نصية إبداعية ساهمت بشكل لافت في طرح استراتيجيات جديدة تطرح رؤي وبني فنية تخلخل النسق الثقافي العام. فمصطلح الكتابة الجديدة يثير عدة اشكاليات تتعلق أولاها بمفهوم «الجدة»، فإذا كان هناك الكتابات الجديدة فما هي الكتابة القديمة؟ وربما كانت الاشكالية الثانية هي أن الحديث عن الكتابة الجديدة ينصب علي طليعة هي أكثر تجريبية ومغامرة ومن ثم يمارس الحديث الدائر حول الكتابة الجديدة نوعا من الاستبعاد والاقصاء لتيارات ووجوه مختلفة تملأ الساحة الثقافية في اللحظة الراهنة. فهذا الملف هو استقصاء متعدد المحاور لما يثيره مفهوم الكتابة الجديدة يشارك فيه مجموعة من الروائيين والنقاد والمثقفين، يمثلون حساسيات ثقافية متعددة وأجيالاً عمرية مختلفة. أستاذ النقد الحديث بجامعة القاهرة والناقد د.«حسين حمودة» وصف مصطلح الكتابة الجديدة بأنه مصطلح «مراوغ» جدا، لأن في كل عصر من العصور هناك ما يسمي «الكتابة الجديدة» خاصة بهذا العصر تكون هذه الكتابة جديدة بالقياس إلي ماسبقها لأنها تضيف ملامح جديدة ومختلفة عما يكتب في نفس زمنها. وأضاف أن الكتابة الجديدة لا ترتبط أبدا بعمر معين أو جيل فكتابات «بدر الديب» مثلا في نهاية الأربعينات من القرن العشرين ظلت جديدة إلي فترة التسعينات - وربما - لاتزال جديدة حتي الآن إذن فهناك كتابة جديدة الآن بهذا المعني، كما كانت جديدة في كل ثقافة من الثقافات الإنسانية. وفي سياق متصل أكد أنه لابد من التفريق بين مصطلح الكتابة الجديدة، ومصطلح الرواية الجديدة الذي ارتبط بفترة الستينات في تاريخ الرواية الفرنسية علي «أية حال» معني الكتابة الجديدة يقودنا إلي التفكير في العلاقة بين الأجيال وأتصور أن فكرة الأجيال في الأدب تحتاج إلي مراجعة وعن الزخم والرواج الشديد الذي نلحظه في الآونة الخاص بالقصة والرواية؟ أجاب أنه بالفعل تشهد مصر في تلك المرحلة رواجا وزخما علي مستوي الإنتاج الذي ينتمي إلي القصة والرواية، وربما ليست مبالغة في أن نلاحظ ظهور رواية أو مجموعة قصصية جديدة تقريبا كل يوم. وأضاف أن التفكير في الأسباب يقودنا إلي التفكير في قدرة السرد ذاتها عن التعبير عن العالم بكل معطياته وتياراته. وأكد أن هذا الرواج والانتشار للروايات الجديدة له علاقة ببعض الروايات التي أعيد طبعها لمرات عديدة، وهو ما يشكل ظاهرة الروايات الأكثر مبيعا. وضرب مثالاً «بعمارة يعقوبيان» للروائي علاء الأسواني ورواية «بنات الرياض» للكاتبة «رجاء عالم». فمثل هذه النوعية من الكتابة «الجديدة» اجتذبت قطاعا أكبر من الجمهور القراء خارج الدائرة التي تتعامل مع الأدب. يمكننا أن نقول إنها اجتذبت جمهوراً آخر من غير المحترفين. أما الروائي الكبير «إبراهيم اصلان» قال لا أستطيع أن أدعي أنني امتلك مفهوما للكتابة الجديدة ولا أستطيع أن أقول عندما جلست للكتابة في البدايات وفي كل مرة أكتب فيها كنت في سبيلي لكتابة شيء جديد أو مختلف. فهل يعقل لكي أكون فارقا ومختلفا واكتب كتابة جديدة علي أن أضع خارطة لكل من كتب قبلي لكي اتجنبه وأضيف شيئا مختلفا. أعتقد أن هذا الكلام غير منطقي فالجدة - ومن وجهة نظري - تعني الكاتب، فالكاتب هو الجديد وتجربته الحياتية والإنسانية واتساقه مع ذاته هذا هو الجديد. فسيظل الكاتب هو الإضافة شريطة أن يكون «هو» ليتمسك بالكتابة التي تمثل صوته الخاص بغض النظر عن القديم والجديد، فليس منطقياً أن يكون هناك إنسان قديم، دائما هناك إنسان جديد، وبالتبعية تكون الرؤية جديدة فتصبح الكتابة جديدة وعن رأيه في كتابات الروائيين الجدد وأهم ما تتسم به كتاباتهم؟ قال إن الأمانة لا تقتضي أن يكون لديه رأي عام فيما قراءت، ربما «الناقد» هو الذي عليه أن يكون هذا الرأي. أما أنا مازلت احتاج لوقت لاستخلص ملامح فنية عامة، ممكن أن نتلسمها في أعمال الأجيال القادمة. ولكن مع ذلك أوأكد أن هناك مجموعة من الشباب الموهوبين الذين يتميزون بدرجة عالية من الحساسية. ولكن أرجو منهم بأن يكون هناك درجة من التمهل وعدم الاستعجال وأن يقوم «الكاتب» ببذل جهد أكثر في كل عمل يقدمه لأن ذلك سوف يضمن له نتائج أفضل، وتصبح روايته جيدة «وعرقها محفف». وعلي جانب آخر فرق الروائي الكبير «بهاء طاهر» بين مفهوم الروائيين الجدد، والسمات الجديدة التي تتميز بها أعمالهم. وأشار أن الساحة المصرية الآن تشهد حراكا روائيا ضخما تصنعه مجموعة كبيرة من الشباب هي بالقطع موهوبة ومختلفة، ومتنوعة، من حيث أسلوب الكتابة ومن حيث جرأة طرح الموضوعات، وهذا لا يقتصر علي الكتاب الشبان فقط فهناك كتاب كلاسيكيون ولكنهم يتمتعون بروح التجربة والمغامرة. وفي سياق متصل أشار أنه مازال يطلق عليه الروائي الشاب «بهاء طاهر» وهو جاوز الستين من عمره، وعند سؤالي لأي جيل ينتمي بهاء طاهر «برغم أن روايته «واحة الغروب» تحمل سمات جديدة ومختلفة عن مجمل روايته وصدرت منذ شهور قليلة. أجاب دون تردد إنه ينتمي لجيل الستينات، غاية الأمر أنه مازال يعيش حتي الآن، «اطال الله لنا في عمره». وأضاف صاحب «الحب في المنفي» أن أهم ما يميز الكتابة الجديدة، أو كتابات الشباب - علي حد تعبيره- سرعة الايقاع، وتنوع الموضوعات وجدتها والجرأة في الطرح وسهولة اللغة، لكنه عاب أن التبسيط في اللغة يصل أحيانا إلي حد الركاكة، ويصبح هذا التبسيط «مخلاً» في بعض الأحيان ويفقد اللغة أهم ما يميزها وهو جرسها الجمالي. وأشار أن هناك اخطاء لغوية كثيرة لاحظها في كتابات الشباب من حيث التراكيب النحوية والصرفية. وعن أهم الكتاب الشباب الذي يحب «بهاء طاهر» أن يقرأ لهم؟ - قال إن الساحة الآن مليئة بالشباب المهموم والمهتم والموهوب فهم يملئون الساحة الثقافية - وعلي سبيل المثال - «محمد علاء الدين» «منصورة عز الدين» «طارق إمام» «محمد صلاح العزب» و«جدي الكومي». «إبراهيم المعلم» صاحب ورئيس دار الشروق أحد أهم دور النشر المؤثرة في الحركة الثقافية كلها علي مدار نصف قرن. يري أنه ليس هناك ما يسمي بالكتابة الجديدة هناك ما يسمي بالكتابة الجيدة وغير الجيدة، هناك أعمال تظل وتبقي في وجدان البشرية تتأثر بهم وتؤثر فيهم، وأعمال أخري تتسم بالخفة تتبخر سريعا، ويزول تأثيرها. والشروق منذ أن بدأت وحتي الآن تهتم بالجيل الجديد والجيل القديم علي حد سواء، بالكلاسيكية، والنيوكلاسيكية والحديث والمعاصر، شريطة أن يكون هناك مستوي فني جيد علي كل المستويات سواء خاص ببنية العمل وتقنياته. اتفقت «أهداف سويف» الروائية المخضرمة صاحبة ثلاثية «خارطة الحب» المترجمة عن الانجليزية التي صدرت عن دارالشروق مع رأي إبراهيم المعلم أن الفن الجيد هو الذي يضمن له جدته وبالتالي يضمن له خلوده وبالتالي يصبح العمل الفني جديدا كلما قرئ سواء في أي مكان أو أي عصر طالما أنه يتماس مع الإنساني الذي في ظني أنه لا يتغير أبداً. وعلي جانب آخر «أعربت منصورة عز الدين» الروائية الشابة التي صعدت روايتها «ما وراء الفردوس» إلي ترشيحات جائزة البوكر. إن مفهوم الجدة ليس محصورا في الشباب فقط وليس لها علاقة بالسن، فالكتابة الجديدة تعني أن الكتاب بصفة عامة يطمحون في إضافة شيء جديد في كتاباتهم بشرط أن تكون هذه الإضافة ليس لمجرد الإضافة فقط ولكنها في صلب العمل نفسه، ولا أكون مغالية عندما أقول إن الجديد هو الذي يفرض نفسه في الكتابات بناء لما يجود به العالم الآن من تغيرات جذرية هي بالأحري جديدة ومختلفة عن ذي قبل، فكيف لنا أن نفصل العالم عن المبدع وهو جزء منه. وفي سياق متصل «اشارت» أن مصطلح الكتابة الجديدة «هو مصطلح مطاط» ويثير مفاهيم ومدلولات كثيرة فهل المقصود به تلك الكتابات التي يكتبها الشباب في اللحظة الآنية، أم مقصود به السمات الجديدة التي يفرضها كل عصر، وعلي هذا أري أن الرواية الأولي «دون كيشوت» تتسم بكل التقنيات الجديدة وما يثار حولها من جدل في هذه الآونة، وتعتبر «منصورة عز الدين» أن الكتابة الجديدة هي التي تتماس مع الطرح الإنساني بمعني أوضح تتواصل مع البشر إينما كانوا، ومتي وجدوا. وعن الجديد والمختلف الذي اضافته «منصورة» منذ صدور أول رواية لها «متاهة مريم» إلي روايتها الأخيرة ما وراء الفرودس؟ - قالت: إن كل عمل هو الذي يفرض تقنياته وآليات التعامل معه من داخله وهو الذي يجيب عن أسئلته من داخل هذا النسيج، ولا يمكن لأي كاتب مبدع عندما يشرع في كتابة عمله الجديد أن تكون هناك نية مبيتة ومضمرة داخله بأن يجب عليه أن يصنع شيئا جديدا ومختلفا عن أعماله السابقة، لمجرد أن يكون هناك اختلاف فقط. وأشارت أنه يجب علي النقاد والقراء وهم المنوط بهم هذا الدور، في أن يكتشفوا الجديد والفارق في الأعمال الإبداعية المتراكمة والمتوالية والمتحركة مع حركة الزمن نفسه. «وجدي الكومي» روائي شاب مجرب ومغامر ومختلف، ومع ذلك رفض تماما ما يسمي مصطلح الكتابة الجديدة وأضاف أن الذي أطلق هذا المصطلح ليس له قدرة علي فهم واستيعاب ما يصفه ويكتبه الشباب في هذه الفترة تحديدا. وإن مقومات النجاح تكمن في الجهد الذي بذله كل مبدع مع نفسه أولا ثم علي عمله. وأوضح أنه أعاد كتابة روايته «شديد البرودة ليلا» أكثر من ست مرات، حتي انتهي إلي نتيجة تتسق أولا مع رؤيته ووعيه بنفسه ووعيه بالعالم من حوله. وأضاف أن أهم ما يميز هذا الجيل الجديد أنه يحب بعضه سواء النقاد والمبدعين أو بين المبدعين انفسهم. وأشار أن الساحة الروائية والنقدية تزهو بمجموعة كبيرة من شباب المبدعين منهم الروائي «أحمد الفخراني» والقاص «محمد عبدالنبي» والناقد الكبير «أحمد حسن» والشاعر «وائل السمري» والروائيون طاهر الشرقاوي، صلاح العزب، طارق إمام علي سيد. ويبقي الروائي والناقد «سيد الوكيل» ليقدم لنا تعريفا عن مصطلح الكتابة الجديدة يتسم بالمغايرة لأنه يجمع بين وجهتي نظر فرؤية الناقد الذي يمتلك القدرة علي التفكيك والتحليل ورؤية العالم من منظور تختلف عن رؤية المبدع الذي يلملم الخيوط ويجمعها في معمار متجانس وبنية واحدة ولحسن الحظ أنه يمتلك هاتين الخاصتين وهو في كل الأحوال مبدع. فيبدأ كلامه في أنه في حالة خجل لما تثيره الكتابة الروائية الجديدة من صخب وجدل ووصف هذا الضجيج بأنه «بلا طحن» لأن التجديد يأتي وفق ظروف ومعطيات كل جيل والجديد الموجود الآن هو علي مستوي الموضوع، وليس علي مستوي التقنيات، والمطور في التقنية محدود للغاية. وبرغم كل هذه الكتابات الجديدة لم تحقق الرواية المصرية مكانة عالمية كما حققتها أمريكا اللاتينية علي سبيل المثال لأنه ليس هناك جديد في الأداء، هناك بورصة مفتوحة، والمعيار لم يعد جودة الكتابة، أصبحت الدعاية والإعلان ودور النشر والمسابقات والجوائز هي التي تحدد الجودة. وأضاف أن الرواية الجديدة وهذا المصطلح بدأ في التسعينات، ولم يتبلور هذا المفهوم حتي الآن وأن كل مرحلة كان فيها طموح بتجديد في مسار الكتابة له لكن التجديد يتم عبرالتراكم وليس عبر التحولات الكبري أو المشاريع الكبري، مثل ما حدث في جنوب أفريقيا وشرق آسيا وأمريكا اللاتينية. وفي سياق متصل أشار أنه ليس كل الكتاب الجدد يكتبون كتابة جديدة، وإذا كان هناك بعض الملامح تم بلورتها فهي ليست سوي محاولة للتمرد والخلاص من هيمنة الرواية السينية بالتحديد لأن هذه المرحلة هي التي قدمت معيارا للتجديد لأنه كان هناك مشروع تيار من خلال الواقعية بنوعيها الاشتراكية والجديدة، والواقعية التي تكتب في مصر الآن تنقسم إلي تيارين تيار يجدد القديم، وهذا يتجسد في الكتابات التي تهتم بالطبقات المهمشة سواء كانت سياسية، أو اجتماعية مثل كتابات «حمدي أبوجليل» وتتسم بفضح المسكوت عنه داخل هذه المجتمعات. كما نلحظ ذلك جيدا في كتابات «سعيد نوح» وهناك تيار آخر جديد مازالت ملامحه غير واضحة ينطلق من المتخيل وليس الواقع ويلعب فيه الخيال دوراً كبيراً لكنه يتواصل مع الواقع عبر مجالات فنية خاصة ويمثل ذلك كتابات «أحمد ناجي» رواية «فانيليا» لطه الشرقاوي، هدوء القتلة «لطارق إمام». وهذا التيار يتشكل علي استحياء وهذه النوعية من الكتابة تختلف عن الفانتازيا والكابوسية «لكافكا» يمكن أن نطلق عليها «الواقعية التجلية» وعن التجديد في روايته منذ روايته الأولي فوق الحياة قليلا حتي «شارع بسادا» قال: أعتقد أن هذه الرواية جسدت كل هذه الملامح مجتمعة من هذه الملامح علي سبيل المثال حضور المؤلف داخل النص، الذي يرتبط بملمح له علاقة بالتكنولوجيا الجديدة وأن الانسان أصبح شيئاً «مادة» وليس مشاعر واحاسيس. وأضاف «أن روايته» «شارع بسادا» لم تقرأ حتي الآن، لأنها تتحدي فكرة الذائفة العادية فالذي يحدد ما هي الرواية الجديدة الآن ليس أهلا بالثقة، لأن معيار الكتابة الجديدة أصبح معيارا استهلاكيا تدبره دور النشر والإعلام، والاحتكام لذلك إلي عدد القراء هو حكم اقتصادي وليس ثقافياً، لذلك سيظل الحراك الثقافي، حراكا محليا لا يحقق مشروعا أدبيا يضعنا في مكانة عالمية.