بعد سنوات من التعامل الحذر والسياسات المزدوجة، يبدو أن ساعة الحقيقة قد اقتربت لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية فى عواصم القرار الغربية وعدد من دول العالم فالتصريحات المتتالية الصادرة من واشنطنوعواصم أوروبية أخرى لم تعد مجرد ردود فعل على أحداث آنية، بل هى نتاج تراكمى لفشل الجماعة فى لعب أى دور بناء، وتورطها فى شبكات الإرهاب والتطرف، وانقساماتها الداخلية التى أفقدتها أى وزن سياسى.. وبينما يرى محللون أن العالم أدرك أخيراً أن الإخوان هم «الجذر الفكرى» والمنبع الأيديولوجى للتطرف ومعظم التنظيمات الإرهابية، وبصماتها موجودة على جميع المنظمات والجماعات الإرهابية مثل القاعدة وغيرها، يرى آخرون أن هذا التحول قد يكون مجرد «إعادة تموضع استراتيجى» تمليه المصالح المتغيرة لتلك الدول، مما يفتح الباب أمام تساؤلات حول جدية هذه الخطوات وتوقيتها وتداعياتها، وهل تلك التصريحات ما هى إلا ألاعيب سياسية جديدة لتلك الدول عبر تصريحات إعلامية ولن يكون هناك قرارات رسمية من الدول الكبرى بتصنيف الإخوان كجماعة إرهابية فى دولها. التنظيم الإرهابى أصل التطرف وخيانته مكتوبة بحروف غربية خبراء: السقوط من الداخل أفقده دوره الوظيفى لدى الغرب دبلوماسيون: يكشف ازدواجية المعايير الدولية وفى البداية يرجع د. أشرف سنجر أستاذ السياسات الدولية التصريحات التى صدرت من الخارجية الأمريكية ومن دول أوروبية أخرى بدراسة ادراج جماعة الإخوان الإرهابية على قائمة الإرهاب، إلى انحسار وانكسار دور الجماعة منذ سقوطها بثورة 30 يونيو فى مصر، واختفاء وظيفتها التى يمكن أن تستخدم فى إدارة ملفات أو السياسات الخارجية لتلك الدول.. ودلل على ذلك ذهاب تلك الجماعة للتخندق مع الجماعات الصهيونية فى إسرائيل عندما تظاهروا أمام سفارة العروبة وتحت علم دولة الاحتلال، بجانب انقسام الجماعة الإرهابية على نفسها حتى داخل الدول العربية أو التيارات المتعارضة فى دول مختلفة، وكل هذه الأمور جعلت لدى الخارجية الأمريكية تقييمًا آخر، واتضح ذلك فى تقديم نائب تكساس «تيد كروز» مشروعة بحظر جماعة الإخوان فى الولاياتالمتحدة واعتبارها جماعة إرهابية.. خاصة أن هذا التنظيم منذ نشأته فى ثلاثينيات القرن الماضى كان هدفه الأساسى هو تقسيم الدول الوطنية وجعل جماعة الإخوان الإرهابية شوكة فى ظهر أى مشروع تنموى أو حضارى، ولكنهم انكسروا مع إرادة شعب مصر العظيم ورئيسها المقدام فيما اتخذه من قرار جرىء فى إزالة هذه الجماعة الإرهابية من السيطرة على حكم مصر وحكم دول عربية أخرى.. وبالتالى أصبح دور تلك الجماعة ليس له أهمية ويمثل خطرًا على الدول التى احتضنتها ودعمتها. اتخاذ القرار ويفسر الدكتور أشرف سنجر تلكؤ بعض الدول فى اتخاذ قرار إدراج الإخوان كجماعة إرهابية إلى تقييمهم بأنه يمكن الاستعانة بهم مرة أخرى فى ظل السعى إلى خلخلة السيادة الوطنية أو النظم العربية، ولكن لابد أن نتأكد تمامًا أن الشعوب العربية أصبحت واعية لمن يتاجر بالدين ومن يتلاعب بالمشاعر، لأنه رغم قسوة وآلام أزمة غزة لكنها كشفت الوجه القبيح لهذه الجماعة، حينما حاولوا أن يروجوا لدفع المصريين وغيرهم الموجودين فى دول أوروبا أو الولاياتالمتحدةالأمريكية بالتظاهر أمام السفارات المصرية بالخارج. ومن جانبه يؤكد د. رامى عاشور أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن دلالة صدور التصريحات الأمريكية خلال الفترة الأخيرة تجاه جماعة الإخوان، تعكس أكثر من شىء، إن الاتجاه العام فى الولاياتالمتحدةالأمريكية حالياً هو إثبات أو تصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية، لأن ذلك التصرف سيساعد على التظاهر بالموقف الأخلاقى للولايات المتحدةالأمريكية أو للإدارة الأمريكية أمام الجمهور الأمريكى، والشرق الأوسط كله والمجتمع الدولى.. هذا بجانب أنهم تأكدوا إن الإخوان المسلمين وراء مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكيةCAIR، وهى هيئة غير هادفة للربح فى الولاياتالمتحدةالأمريكية تعمل كغطاء لهم ليعطى الشرعية لعمليات الإخوان فى أكثر من دولة، .. كما أنهم تأكدوا أن الإخوان المسلمين مرتبطة بشبكات التطرف فى الشرق الأوسط، وهذا سيجعلهم يرون أن بداية تجفيف منابع التطرف أو الحركات المتطرفة فى الشرق الأوسط يبدأ بتجميد أو تجفيف تمويل أو تواجد الشبكة الأم «الإخوان»، مضيفاً إن هذا الأمر الذى يعد قيداً لدول كثيرة فى منطقة الشرق الأوسط تعتمد فى تحركاتها على هذه التنظيمات، وكذلك أى دولة تعتمد على الأيديولوجيات الدينية، مثلما كانت حركة حماس فى البداية مع الإخوان وارتمت فى أحضان إيران. وأضاف الدكتور رامى عاشور أن تأثير ما يحدث من الممكن أن يتسبب فى تلاشى الأذرع الإقليمية الرئيسية لبعض الدول فى منطقة الشرق الأوسط وعلى رأسها « التنظيم العالمى للإخوان المسلمين» وذلك لأن أوروبا ستفعل مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية، وبالفعل هناك اتجاهات فى فرنساوبريطانيا لحظر الإخوان المسلمين ونشاطهم المتلاحظ بشكل كبير. ويرجع د. رامى عاشور تلكؤ الدول الكبرى فى تصنيف الإخوان كجماعة إرهابية، إلى الاعتقاد أن الإخوان المسلمين لهم تأثير على الجاليات الإسلامية المنتشر عددها بشكل كبير جدًا فى دول كثيرة مثل دول أوروبا خاصة بعد ثورات الربيع العربى، فبدأت الدول نفسها تتحرك بحذر، لكن مع علو أصوات الدول العربية نفسها التى تصنف الإخوان كجماعة إرهابية واستغلال حالة الاحتقان والكره الشعبى لحماس، بدأت الدول تتجرأ على هذا الأمر، خاصة أن حماس فى البداية كانت تعد رمزاً من رموز جماعة الإخوان والمقاومة، بدأ ذلك الفكر يتلاشى بعد معرفة حقيقة حماس، وهو الأمر الذى أعطى الجرأة لبعض الدول لتصنيف الإخوان كجماعة إرهابية.. وبالتالى سيتحول تباطؤ الدول إلى سلسلة من السباق لإعلان الإخوان جماعة إرهابية. تشويه الدين الإسلامى وأشار الدكتور رامى عاشور إلى تبعيات تصنيف جماعة الإخوان فى أكتر من دولة كمنظمة إرهابية، حيث يرى أنه سيتسبب فى التضييق على المسلمين بشبهة احتمالية التورط أو العضوية السرية فى جماعة الإخوان، وسيتضح ذلك فى تعامل المجتمع الدولى مع المسلمين، وفى نفس الوقت يكمن الخوف فى توظيف ملاحقة جماعة الإخوان على إنها عداء للدين الإسلامى، وهو الأمر الذى سيكون فى صالح الإخوان المسلمين.. ويقترح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الاقتضاء بما تم تنفيذه فى مصر بحذف كلمة المسلمين من مسمى جماعة الإخوان، حتى لا يتم تشويه الدين الإسلامى، ولا يجدوا المبرر بأن يتم محاربتهم لأنهم مسلمون، خاصة أن الغرب يختلف عن الشرق فى استطاعتهم التفرقة بين المسلمين العاديين والإخوان، وهو الأمر الذى سيجعل المستقبل محفوفًا بالمخاطر تجاه الدين الإسلامى ،لأنه سيكون الضحية عند اعتباره دين إرهابى، وسيكون ذلك فى صالح جماعات كثيرة مثل الصهيونية العالمية. فتح الملف أما د. طارق فهمى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة فيؤكد أن فتح ملف جماعة الإخوان أصبح لا يقتصر على الإدارة الأمريكية فقط، لكنه ممتد فى العديد من الدول الأوروبية، مثل بريطانيا التى تعيد النظر فى ملف جماعة الإخوان المسلمين، وجماعات الإسلام السياسى، وكذلك ألمانيا بالإضافة إلى النطاقات العربية والإقليمية الخاصة بفتح ملف جماعة الإخوان.. ويفسر أن التباطؤ فى النظر إلى ملف الجماعة، يرجع لبعض الدول، حيث ثبت أن مجلس العموم فى بريطانيا فتح الملف أكثر من مرة، وأغلقه لعدم توافر الأدلة الكافية لهذا. وكذلك يلعب التنظيم الدولى فى ألمانيا دورًا مهمًا فى هذا الإطار، حيث يحدث فى سياقات إقليمية ودولية كبيرة، ويستطيع إحباط وإفشال الكثير من الخطوات الخاصة بفتح هذا الملف، خاصة أن جماعة الإخوان الإرهابية لا تحتاج لأى إشارات دولية للتعامل معهم كحركة إرهابية. ويرى الدكتور طارق فهمى أن الموقف الأمريكى سيكون مراوغًا، ليس فيه جدية، خاصة أن النص الخاص بلجنة الاستماع والإنصات لفتح الملف، يحتاج إلى مزيد من الجهود من قبل السيناتورز ومساعديهم فى هذا الأمر، بالإضافة إلى الأجهزة الأخرى المعنية بإدارة الملف، ورغم عدم توافر معلومات كثيرة، لكن فى النهاية الأسباب التى تدفع الآن للنظر فيها هو وجود أدلة لكنها تحتاج إلى براهين بالنسبة لممارسات جماعة الإخوان الإرهابية، ومدى أضرارها من الناحية الأمنية والاستراتيجية فى هذه المناطق. ويوضح السفير د.إسلام حمدى المراقب الحكومى الدائم لدى الأممالمتحدة أن السياسة الدولية لا تتحرك بالضرورة وفق منطق زمنى متسق مع الواقع الميدانى، بل تحكمها أولويات ومصالح تتغير بتغير السياق الدولى، فجرائم الإخوان لم تكن يومًا محل شك؛ فالتاريخ القريب والبعيد يوثق تورطهم فى أعمال عنف وتحريض وإرهاب فكرى وسياسى، ولكن ما تغير فى الفترة الأخيرة هو زاوية الرؤية لدى الدول الكبرى، وعلى رأسها الولاياتالمتحدة. خطاب مزدوج وأضاف الدكتور إسلام حمدى أنه خلال السنوات الماضية، كانت بعض العواصمالغربية تتبنى خطابًا مزدوجًا من ناحية تعترف بخطورة التنظيمات المتطرفة مثل داعش والقاعدة، ومن ناحية أخرى تتعامل مع الإخوان باعتبارهم «قوة سياسية معارضة» يمكن استثمارها لتحقيق أهداف مرحلية، مضيفاً ومع تراكم الأحداث والأدلة، أصبح من الواضح أن الإخوان يمثلون الجذر الفكرى والتنظيمى الذى خرجت منه معظم التنظيمات الإرهابية.. لذلك فإن التصريحات الأخيرة تعد إعادة تموضع استراتيجى، ورسالة بأن العالم لم يعد يتسع لمزيد من التساهل مع الإرهاب والتطرف بأقنعته المختلفة، بجانب أنها محاولة لتوحيد الموقف الدولى تجاه مكافحة الإرهاب دون ازدواجية أو انتقائية. وأشار الدكتور إسلام حمدى إلى أن جرائم الإخوان ليست بحاجة إلى «معلومة جديدة» لتأكيدها؛ فهى مثبتة تاريخيًا وموثقة فى ملفات أجهزة الأمن فى المنطقة وخارجها، لكن طريقة التعامل معها تغيرت، لم تعد هذه الدول قادرة على غض الطرف، خاصة مع تزايد الضغوط الداخلية والخارجية التى تطالبها بموقف واضح تجاه كل من يهدد السلم والأمن الدوليين، مشيرا إلى أنه على سبيل المثال، هناك تقارير حديثة من أجهزة استخباراتية غربية تؤكد وجود تشابكات مالية وتنظيمية بين الجماعة وشبكات عابرة للحدود تمارس أنشطة مشبوهة، من بينها غسل الأموال وتمويل الإرهاب، كما أن عدداً من الهجمات الإرهابية التى وقعت فى مناطق مختلفة بالعالم كشفت عن جذور فكرية وتنظيمية مرتبطة بالإخوان. ورقة ضغط وشدد السفير د.إسلام حمدى المراقب الحكومى الدائم لدى الأممالمتحدة، على أن التلكؤ فى إدراج الإخوان كجماعة إرهابية لا يعود إلى نقص الأدلة بل إلى تقديرات سياسية معقدة، منها الاعتبارات السياسية والاستراتيجية، حيث إن بعض الدول الغربية استخدمت الجماعة كورقة ضغط أو كأداة نفوذ فى الشرق الأوسط وأفريقيا، هذا الاستخدام جعل اتخاذ قرار حاسم ضدها مسألة مؤجلة، لأنها كانت تُعتبر أحيانًا جزءًا من معادلة التوازن السياسى فى المنطقة.. هذا بجانب الهواجس الحقوقية والإعلامية لأن الغرب لديه حساسية مفرطة تجاه أى قرار قد يُفسر على أنه تقييد للمعارضة السياسية، وهو ما جعل بعض الحكومات تخشى أن يُستغل تصنيف الإخوان فى الداخل كذريعة لقمع الحريات، رغم أن الواقع يثبت أن الجماعة لا علاقة لها بالعمل السياسى السلمى، بل هى تنظيم عقائدى مسلح فى جوهره .. ويعد التخوف من التداعيات الأمنية أحد تلك العوامل، حيث إن بعض العواصمالغربية كانت ترى أن تصنيف الجماعة قد يدفعها إلى تحالفات أكثر خطورة مع تنظيمات أشد تطرفًا، أو قد يدفع كوادرها إلى العمل السرى العنيف، لكن التجارب أثبتت أن التراخى هو ما يغذى الإرهاب، وأن الوضوح فى الموقف الدولى هو الطريق الأمثل لمحاصرته. وأكد الدكتور إسلام حمدى على أنه مع تغير المعطيات الدولية وتزايد التهديدات الإرهابية، لم يعد مقبولًا أن يستمر هذا التناقض، المجتمع الدولى مطالب اليوم بموقف موحد، فالإرهاب لا يمكن تجزئته أو التعامل معه بانتقائية.