وذكر أن المخابرات المصرية قد أبلغته أن إسرائيل قد شكلت لجنة لبحث أسباب إنتشار البرنامج المصري المعادي " صوت المعركة " بين الإسرائيليين الذين يعرفون اللغة العربية، فاتصل هو علي الفور بوزير الإعلام " جمال العطيفي " وسأله عما إذا كان تم تكريمي أم لا للدور الذي قمت به؟ وقال له بالحرف الواحد : " الكنيسي قالب الدنيا في إسرائيل ياتري كرموه أم لا ؟، وقد أبلغني الوزير بذلك الحوار وقال إنه مقتنع بدوري ،حيث إنه تابعني أثناء أحد المؤتمرات السياسية قبل الحرب لذلك فتقديراً منه أيضاً سوف يصدر تعليماته بترقيتي استثنائياً لكنني قلت له: إنني لم أذهب للجبهة بهدف الحصول علي ترقية لأنني من الممكن أن أستشهد في أي لحظة، لذلك طلبت منه ألا يخدش العلاقة التي بيني وبين الدور الذي قمت به وإذا كان يريد تكريمي فليكن للإذاعيين والعاملين بالتليفزيون .. وذلك بإنشاء نقابة للإعلاميين ،وقد ردد " العطيفي " هذه الواقعة أكثر من مرة قبل أن يترك موقعه وقبل أن يتمكن من تحقيق وعده بإنشاء نقابة لنا . وكشاهد عيان نشرت العديد من المقالات والدراسات تحت عنوان حرب العقول وأبرزت المواجهة بين فريق العقول المصرية، والعقول الإسرائيلية .. وكيف نجح فريقنا في التخطيط الرائع الباهر لهذه الحرب من كل جوانبها ولم يغفل أي شيء وبالطبع في مقدمتها عملية الخداع والتضليل للعدو و الذي ابتلع الطعم المصري كاملاً ولم يفهم نوايانا، بل تصور أن كل ما نقوم به من تحركات عسكرية تحت بصره هي مجرد مشروع تدريبي، وكانت كراسة الفريق " الجمسي " التي ضمت خطة الخداع والتضليل للعدو مثلاً رائعاً لانتصار فريق العقول المصرية. - الرئيس السادات لعب دورا إعلاميا بارزا في تنفيذ خطة التضليل والخداع.. بدأ من قرار طرد الخبراء الروس من مصر.. ما تعليقك؟ بالفعل فشخصية الرئيس السادات كان لها دور حاسم فقد أعطي الرجل انطباعاً لإسرائيل والغرب بأنه لا يملك الجرأة علي إتخاذ قرار الحرب، بل إنه قد تم تسريب إحدي الصور الخاصة به وهو يرتدي المايوه علي شاطئ البحر وبجواره كلب يداعبه مما أعطي انطباعاً للعدو بأنه يريد أن يمارس حياته كالملوك ولا يشغله التفكير في القيام بحرب لتحرير الأرض والكرامة العربية وبذلك لعب السادات شخصياً دوراً أساسياً في خطة الخداع والتضليل كما أنه تحمل الكثير من الانتقادات التي توجه له في الداخل بأنه ليس الزعيم الذي يتخذ قرار الحرب، ولعله اعتبر هذه الانتقادات جزءاً من خطة الخداع التي اعتمدها . وبالنسبة لقرار طرد الخبراء الروس من مصر فقد كان من أخطر القرارات التي اتخذها الرئيس السادات قبل حرب أكتوبر وكان قراراً صائباً %100 بغض النظر عما قيل إنه كان من الممكن أن يبرم السادات صفقة مع أمريكا لتضغط هي علي اسرائيل بالانسحاب من سيناء مقابل إنهاء الوجود السوفيتي في مصر .. إلا أن ما حدث يؤكد أنه لو كان الخبراء الروس ما زالوا في مصر أثناء الحرب لنسب إليهم الفضل في الانتصار، كما أن وجودهم في المواقع القيادية كان من الممكن أن يربك حسابات القيادات العسكرية المصرية ،بل لقد ظهر أن من بين الخبراء الروس من كانوا يهوداً ويدينون بالولاء لإسرائيل. - بصفتك إعلاميا كيف تصف لنا حقيقة "الثغرة" ومن كان يحاصر من ؟ أؤكد كشاهد عيان علي أن " الثغرة " فعلاً كما وصفتها هي عملية تليفزيونية بحتة وأن الجنود الإسرائيلين كانوا في حالة رعب تماماً حتي بدا أنهم هم الذين يتعرضون للحصار ،وأذكر أن العميد " عادل سوكة " وكان القائد الذي تم تكليفه بإعداد قوة لتصفية الثغرة قد أبلغ القيادة العسكرية، والسياسية بأنه أصبح مستعدا تماماً للقضاء علي تلك " الثغرة " نهائيا ولكن " مذي كسينجر " وزير الخارجية الأمريكي حينها كان قد أبلغ الرئيس " السادات " بأن الأمريكان لن تسمح للجيش المصري بتصفية الثغرة نهائياً وذلك بعدما علم وتأكد من ضعف موقف الجنود الإسرائيليين في الثغرة، ومن قوة الاستعداد للقوات المصرية للقضاء علي الثغرة . - ما تقييمك لدور الإعلام الإسرائيلي قبل حرب أكتوبر، والحرب الشرسة التي خاضتها أجهزتهم الإعلامية لكي تحبط المقاتل المصري؟ حقيقة كانت الدعاية الإسرائيلية صارخة وكانت من بين الموانع الرهيبة التي كانت تقف عقبة في وجه قواتنا وكان من المستحيل إزالة هذا المانع النفسي الذي خلقته الحرب النفسية الشرسة التي أدارها باحتراف الإعلام الاسرائيلي والإعلام الغربي لكي يحبط المقاتل المصري والعربي ويصيبه باليأس والإحباط علي أساس أن الجيش الاسرائيلي هو الجيش الذي لا يقهر، وأن الجندي الإسرائيلي هو " السوبر مان " الخارق، وتم ذلك باستغلال نكسة يونيه67 التي كسبها جيش الدفاع الإسرائيلي في غفلة من الزمان ولم يدخل الجيش المصري حينها في حرب حقيقية وكانت خسارته بسبب قرار الانسحاب الخاطئ المتعجل الذي أصدرته القيادة العسكرية حينها .. وبالتالي ركزت الحرب النفسية الإعلامية ضدنا علي تصوير الجيش المصري العربي بأنه عاجز، ولا يفهم في التخطيط، والتنفيذ وأن الجندي المصري لا يعرف شيئا عن فنون القتال سوي الانسحاب أو التسليم للعدو !! - صف لنا الإعلام الإسرائيلي بعد حرب أكتوبر في ظل الهزيمة التي لحقت بهم وأثبتت أن الجيش الإسرائيلي أكذوبة صنع إعلامهم؟ طبيعي أن المقارنة بين ما كان ينشر ويذاع عن جيش الدفاع الإسرائيلي منذ وقوع النكسة بل ما قبل حرب أكتوبر مباشرة أو حتي أول أيام الحرب شييء مختلف عما نشر بعد الحرب فقد كان الجندي الإسرائيلي يتمتع بثقة كبيرة في نفسه فهو " السوبر مان " وهذه الثقة جاءت كنتيجة للحروب الثلاثة التي دارت مع الجيوش العربية " 48، 56، 67 " وانتصر فيها الجيش الإسرائيلي نتيجة للأخطاء العربية أو التقصير، وليس نتيجة لإهمال أو ضعف في الجندي العربي، وقد برعت الدعاية الإسرائيلية في ترسيخ هذه الثقة في نفوس جنودهم الذين اطمأنوا تماماً لقدراتهم علي مواجهة الجندي العربي المتخلف الضعيف الجبان " المنسحب دائماً " وإذا رأينا ما نشر وأذيع علي ألسنة قادة وجنود إسرائيل وهم في حالة انهيار كامل بعد الحرب مما جعل المقارنة بين ما كان يقال وبين ما اعترفوا به يعتبر تجسيداً للهزيمة الإسرائيلية التي كان من الممكن أن تكون هزيمة ساحقة لولا أن الامريكان أقاموا جسراً جويا.