وقال جل شأنه: {أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم فى الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون} الزخرف 32، وقال جل شأنه:{ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا فى الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير} الشورى 27، ومن هنا نهى الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين عن التحاسد وعن تمنى ما فضل الله به بعض الناس على بعض من الجاه ولمال، لأن ذلك التفضيل قسمة من الله صادرة عن حكمة وتدبير وعلم بأحوال الناس وبما يصلح المقسوم له من بسط فى الرزق. فقال تعالى فى سورة النساء :{ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما} النساء 32 والتمنى فى اللغة : مأخوذ من المن، وهو القدر لأن المتمنى يقدر جهود الأمر، والاسم المنية والأمنية.. وأما فى الاصطلاح: فهو طلب حصول الشيء سواء كان ممكنا أو ممتنعا والعلاقة بينه وبين الحسد هى أن الحسد نوع منه كما ذكر الزركشى فى المنثور. وظاهر الآية: يدل على أنه ليس لأحد أن يتمنى ما هو مختص بالآخر من المال والجاه وكل ما فيه تنافس، فإن التفاضل قسمة ظاهرة عن حكيم خبير.. قال ابن عباس : لا يقل أحدكم: ليت ما أعطى فلان من المال والنعمة والمرأة الحسناء كان عندى، فإن ذلك يكون حسداً ولكن يقل: اللهم اعطنى مثله.. أى أن الحسد ممنوع والغبطة جائزة. فالحسد معناه فى اللغة والاصطلاح: أن يتمنى الحاسد زوال نعمة المحسود.. قال تعالى :{أم يحسدون الناس على ما أتاهم الله من فضله}النساء 54، وقال- صلى الله عليه وسلم-:"إياكم والحسد.. فإن الحسد يأكل الحسنات، كما تأكل النار الحطب"، وقال فى حديث البخارى: "لا حسد إلا فى اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وأناء النهار، ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار" فمعنى قوله "لا حسد" أى لا غبطة أعظم وأفضل من الغبطة فى هذين الأمرين.. وقد نبه البخارى على هذا المعنى حيث بوب لهذا الباب "باب الاغتباط فى العلم والحكمة. أما الحقد فمعناه: طلب الانتقام وتحقيقه أن الغضب إذا لزم كظمه لعجز عن التشفى فى الحال رجع إلى الباطن واحتقن فيه فصار حقداً، وسوء الظن فى القلب على الخلائق لأجل العداوة فهو ثمرة الغضب، والحسد ثمرته، لأن الحقد يثمر ثمانية أمور من بينها الحسد.. فالحقد يحمل صاحبه على تمنى زوال النعمة عن عدوه فيغتم بالنعمة التى تصيبه ويسر بالمصيبة التى تنزل به كما قال:{إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط} آل عمران 120.أما الشماتة فى اللغة فهى : الفرح بما ينزل بالغير من المصائب والشماتة والحسد يتلازمان لأن الحسود يفرح بمصائب الغير. وأما العين، فالمراد بها الإصابة بالعين التى يسمى صاحبها عائنا وهى الواردة فى قوله - صلى الله عليه وسلم: "العين حق" والحاسد والعائن يشتركان فى أن كلا منهما تتكيف نفسه وتتوجه نحو من تريد أذاه إلا أن العائن تتكيف نفسه عند مقابلة العين والمعاينة، والحاسد يحصل حسده فى الغيبة والحضور.. قال يعين الرجل نفسه، وقد يعين بغير إرادته بل بطبعه وهذا أردأ ما يكون من النوع الإنسانى. والحسد بمعنى : تمنى زوال النعمة عن الغير حرام بإجماع الأمة لأن اعتراضه على الحق ومعاندة له والأصل فى تحريمه: الكتاب والسنة والمعقول، أما الكتاب فقوله تعالى :{ومن شر حاسد إذا حسد} فقد أمرنا سبحانه وتعالى بالاستعاذة من شر الحاسد وشره كثير.. وقد اختلف أهل التأويل فى الحاسد الذى ورد الأمر بالاستعاذة من شره، فقال قتادة: المراد شر عينه ونفسه.. والحاسد كما قال القرطبي: عدو نعمة الله.. لأنه أعان عدو الله وهو إبليس حيث إن من أسباب الحسد الغفلة والنسيان أن الله سبحانه هو وحده الرزاق المعطى الوهاب مقسم النعم والأرزاق وهو سبحانه ليس بظلام للعبيد لذلك فجزاء الحسود فى الدنيا خزى وعذاب ونار. والعلاج من الحسد كما بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاث لا ينجو منهن أحد: الظن والطيرة والحسد".. فإذا ظننت فلا تحقق وإذا تطيرت فامض وإذا حسدت فلا تبغ أى فلا تتجاوز.. وإذا انتابتك غفلة فارجع إلى الله تعالى فوراً فهو وحده المعطى الكريم الذى لا تنفد خزائنه واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليماً".