لم يكن يعلم المبدع بيرم التونسي عندما قال: "ليه تهدموني وأنا اللي عزكم باني" أن هذه الكلمات ستكون رثاءً له ولغيره من عباقرة الإبداع السكندري كسلامة حجازي ومحمود الشريف وفنان الشعب سيد درويش كبيرالموسيقي العربية الحديثة .. الذي يناله – الآن - مالايصدقه عقل من أحفاده ومحبيه ومريديه .. فما حدث أقل مايوصف به أنه مثال ضارخ على نكران الجميل والانتقاص من قدر المبدعين . تبلغ مساحة منزل سيد درويش 57 مترا مربعا، وهو عبارة عن ثلاث غرف والمدخل مكشوف عن سقف المنزل المبني من الطوب الانتري وهو ضمن قائمة المنازل المحظور هدمها بسبب قيمتها التاريخية؛ وفي عام 1992 خلال الاحتفالية بمئوية ميلاد سيد درويش أقيم مؤتمر أعده السيد وسام مرزوق، وكيل أول وزارة الثقافة بالإسكندرية، ومعرض لمقتنيات سيد درويش منها العود والعصا والنوت الموسيقية وتمت مناقشة المحافظ الأسبق إسماعيل الجوسقي في وجود حسين مهران، رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة السابق، بأن يخصص للعائلة التي تسكن منزل سيد درويش شقة أخري إلى أن يصدر قرار بتحويل المنزل إلي متحف وتوضع به المقتنيات، وقام بالفعل أعضاء المؤتمر بزيارة المنزل مع تقديم اقتراح من قبل الدكتور حسن البحر درويش بتحويل منطقة كوم الدكة إلي مزارات سياحية لمرور أكثر من 100 عام علي أبنيتها ولوجود المنزل الذي ولد فيه سيد درويش بها، وانتظر الجميع صدور قرار بتحويل كوم الدكة إلي حي سياحي ولم يتم اتخاذ أي إجراء حتي الآن ؛ وفي بداية الألفية الثالثة تبني نادي روتاري الإسكندرية مشروعاً لشراء منزل سيد درويش من الورثة وتحويله إلي متحف، وقام أعضاء النادي بزيارة المنزل وتم انتداب الدكتور بدر الخولي استاذ العمارة بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية برفقة الدكتور حسن البحر، حفيد سيد درويش، لاتخاذ قرار حول إمكانية ترميم المنزل حتي يكون صالحاً لجعله متحفاً.. وبعد المعاينة أعد التقرير الذي زفاد أن المنزل يحتاج إلي ترميم وإعادته لوضعه «تنكيس» وليس هناك أي مشاكل أو عيوب فنية أو هندسية به، وكانت هذه الجلسة في وجود رئيس حي وسط في هذا الوقت الذي طلب أخذ الخطوة الأولي من الجهات المختصة وأبدي أعضاء نادي روتاري استعدادهم لدفع قيمة التعويض المناسب لمن يسكنون المنزل علي أن يصدر القرار بجعله متحفاً من خلال موافقة المحافظة ووزارة الثقافة، ولم يحدث أيضاً أي شيء ؛ وقبل ذلك بقليل في أواخر التسعينيات قام الدكتور عمر الحديدي القنصل الفخري لفنلندا بتقديم مذكرة إلي محافظ الإسكندرية الأسبق بدعمه لفتح باب التبرعات لشراء منزل سيد درويش، وبدأ الدكتور الحديدي بالتبرع بخمسة آلاف جنيه وكان ذلك ضمن الاحتفال بمرور 50 عاما علي دولة فنلندا وقام بدعوة السيد المحافظ إلا أنه اعتذر عن عدم الحضور! وقبل ذلك في عام 1996 تعرض المنزل كله للهدم بعد أن قام أحد ورثة المنزل، الذي كان يعمل ضمن أعضاء المجلس المحلي المنتخب لحي وسط، باستصدار قرار هدم واعتمد القرار فعلاً.. ولكن لحسن الحظ انتبه البعض وجري تحقيق في الواقعة وتحويل القرار إلي النيابة الإدارية التي برأت المتهمين لأنهم استندوا في الدفاع إلي حجة أنهم لم يخطروا بالجدول الخاص بالمنازل المحظور هدمها ؛ وفي عام 97 دارت معركة بين السكان وبعض ورثة المنزل استخدمت فيها الأسلحة اليدوية وتم عمل مصالحة واستمر الوضع هكذا إلي أن تم هدم الأسقف والحوائط وأصبح المنزل مقلباً للقمامة!؛ وفي عام 2007، تم هدم باقي الحوائط وقامت عربات المخلفات بنقل باقي أطلال المنزل، ورحل منزل سيد درويش إلي الأبد ليلحق بصاحبه ؛ هذه اللامبالاة وعدم التقدير لسيد درويش لم يقتصرا علي ذلك ؛ فرغم أن الموسيقار محمد عبدالوهاب والسيدة أم كلثوم توجد تماثيل لهما بالمركز القومي بدار الأوبرا لكن حتي الآن لم يتخذ قرار بوضع تمثال لسيد درويش بجانبهما وتم الاكتفاء فقط بوضع رأس تمثال لسيد درويش بمدخل أوبرا الإسكندرية منذ مدة لا تزيد علي شهرين فقط! ؛ ودعك من المباني والتماثيل، فحتي موسيقي سيد درويش لا تدرس في معهد الموسيقي، وحتي الإذاعة المصرية التي توجد بها ألحان لسيد درويش منذ نشأتها عام 1924 الا أنها لا تذاع سوي في الاحتفال بذكري ميلاده أو وفاته ؛ وقد كُرم سيد درويش في سوريا وتونس ولبنان، ولولا ظهور ايمان البحر درويش عام 1983 وتكوين كورال سيد درويش عام 1997 الذي قدم أكثر من 140 حفلاً بقيادة د.حسن البحر - لطمست معالم سيد درويش نهائياً. أين منازل هؤلاء المبدعين السكندريين: سلامة حجازي بيرم التونسي ومحمود الشريف وسيد درويش؟!؛ وأين ذكراهم حتي في المتحف القومي بالإسكندرية؟ سؤال يحتاج الى اجابة من حكومة الثورة .