رغم قرار المحافظة بحظر هدم المنزل نظراً لقيمته فإنها تركته للإهمال فتحول إلي خرابة القنصل الأمريكي جاء يوماً لزيارة البيت وعندما رآه رحل ولم يعد سيد درويش 17 مارس قبل 118 عاماً ولد فنان الشعب سيد درويش.. ببيت فقير في حي كوم الدكة بالإسكندرية لا تتعدي مساحته 57 مترًا، ورغم هذا شهدت جدرانه تدفق موهبة الطفل سيد.. كما شهد أحلامه وآلامه ومعاناته وكفاحه ونجاحه وإنكساراته وانتصاراته وقبل كل شيء ألحانه الخالدة. واليوم وكعهدنا برموزنا وتراثنا.. حولنا بيت فنان الشعب إلي مقلب قمامة الشعب.. حولنا البيت الذي كان يضج يوماً بالحياة، وتهتز أرجاؤه بصوت وألحان الشيخ سيد إلي مجرد «جدران» متهالكة ينشر الجيران غسيلهم علي أحد جوانبها.. و«سقف» تم هدمه فتحول البيت بهدمه إلي «خرابة» يلقي فيها الجيران قمامتهم، وتقضي فيها الحيوانات الضالة حاجتها. و«باب خشبي» يغلقه جنزير، علقت عليه لوحتان، الأولي لسورة الفلق ربما خشية الحسد «حيث إننا شعب يدعو لحسد وحقد الشعوب الأخري لكثرة لا مبالاتنا تجاه كل ما هو قيم ومهم» واللوحة الثانية عليها جمجمة وسكينة!! وببُوية حمراء كتب عليها حائط المنزل من الخارج «ملك ت..» ربما ليسجل ورثة المنزل ملكيتهم التاريخية «لخرابة سيد درويش» لا ندعي هنا أننا نقدم سبقاً صحفياً بصورة بيت سيد درويش.. فكل الإسكندرانية يعلمون أن بيت فنان الشعب تحول إلي مزبلة.. ولو أنهم لا يعلمون فهم يتوقعون من حيث ندعو الله دوماً ألا يخيب توقعاتنا بمسئولينا. ربما كان السبق هو أن تلك الصور لم تحرك ضمير مسئول هنا أو هناك.. هذا إذا كان لديهم ضمير ليتحرك لإنقاذ البيت ويحوله إلي متحف يضم مقتنيات سيد درويش.. بينما حركت الصور ضمير القنصل الأمريكي السابق بالإسكندرية، حينما أتي لزيارة البيت بصحبة محمد رجب رئيس جمعية رجال الأعمال بالإسكندرية، حينذاك، حيث امتعض القنصل الأمريكي وقتها بأساً وأسفاً علي حال البيت وحال المصريين قبله.. وأبدي محمد رجب لوعة لم تصل لجيبه، ثم انصرف كل منهما إلي حال سبيله وكأن شيئاً لم يكن. فلا أمريكا تبرعت لترميم البيت.. ولا خرج مليم من جيب محمد رجب.. ولا رأت محافظة الإسكندرية أنها أولي بابنها من الأمريكان.. ولا شعر محافظو الإسكندرية بالانزعاج.. ولا خجلت وزارة الثقافة.. وخاب أمل صاحب البيت الذي آلت إليه ملكيته برحيل عائلة سيد درويش التي كانت تقطن البيت.. فقد كان يظن أنه سيكسب ذهبًا من وراء البيت.. كان يظن أن مسئولي الدولة سيأتون إليه راكعين لبيعهم البيت، وأن محبي سيد درويش سيتهافتون عليه ويعلنون مزايدة لمن يدفع أكثر لتحويل البيت إلي متحف.. وأن التبرعات ستنهال عليه بعد أن يدفعه كرم أخلاقه للتنازل عن البيت.. غير أن كل هذا لم يحدث.. مع إنه لو سأل كويس كان سيعلم أننا هدمنا قبله بيت بيرم التونسي.. وحولنا بيت جمال عبدالناصر إلي مزبلة.. وأننا هدمنا مسارحنا.. وأننا حولنا سينماتنا إلي مستنقعات. ورغم كل هذا إلا أن الأمل ظل باقياً لدي علي شتيوي الشهير بعلي علينو وارث الأرض وصاحب المقهي الذي يقع علي أول شارع سيد درويش في كوم الدكة، في أن النخوة ستظهر فجأة لدي أحد مسئولينا فيهب لنجدة البيت مما آل إليه. قال لنا علينو بأسف وأسي بالغ «تخيلي محدش عرض عليا يشتري بيت سيد درويش غير بتراب الفلوس، أهله عرضوا عليا 15 ألف وبعدين رفعوها ل70، مع إنهم لو دفعوا 240 ألف هخلص.. لكن تقولي إيه؟!». علمنا أن البيت مدرج ضمن العقارات المحظور هدمها لقيمتها.. فتمنينا لو أن القوانين التي تحظر هدم العقارات تشمل بند حظر تحويلها إلي مقلب زبالة، ولكن ما رأيناه أن البيت تم هدمه بالفعل. ويقول علينو بفخر «إحنا خدنا موافقة من حي وسط بالهدم.. وإن شاء الله لو محدش اشتراه هطلع بيه عمارة»، ثم استدرك «ولو برضه الدولة لسة عايزة تعمله متحف أنا عنيا ليها، بس شكلهم كده مش هيعملوه حاجة، خلاص أستفيد أنا منه بدل ما هو مرمي كده لاحظ أن مساحة الأرض 57 مترًا، لم نندهش لكلمات علينو.. فليس مطلوباً منه أن يحافظ علي تراث لا ترغب الدولة في الحفاظ عليه.. يقول الحاج عبدالقادر وهو رجل مسن يسكن في البيت المقابل: «ناس كتير بتيجي هنا، ومحدش بيعمل حاجة، وبصراحة بننكسف لما السياح بييجوا يصوروا البيت» والواقع أنه لو كان هناك أحد غير عبدالقادر بينكسف لما كنا نكتب هذا الموضوع الآن. أما أصحاب الشأن أهل سيد درويش فبدا عليهم اليأس التام.. حيث قال لنا حسن البحر درويش حفيد سيد درويش والشقيق الأكبر للمطرب إيمان البحر درويش، «عايزة الصراحة. أنا هجيب لك من الآخر، الدولة لا ترغب في عمل متحف لسيد درويش، وهي جملة عرفنا منها أن الرجل خاض مفاوضات طويلة أشبه بتلك الموجوده في الأراضي المحتلة دون أن يصل لشيء.. قال لنا «ماهم هدموا بيت بيرم التونسي، جت علي بيت سيد درويش»، وتساءل الرجل عن سبب توقف الاحتفالات بذكري سيد درويش في سبتمبر من كل عام . وكشف عن اقتراح كان قد تقدم به لمحافظ الإسكندرية الأسبق إسماعيل الجوسقي لتحويل منطقة كوم الدكة إلي منطقة سياحية وتحويل بيت سيد درويش القابع فيها إلي متحف، إلا أن أحداً لم يفعل شيئًا.. لا الجوسقي ولا من سبقه ولا من خلفه، ووصف درويش حملات جمع التبرعات التي قادها سمير صبري وآخرون لتحويل البيت إلي متحف بأن «كله هجص» ثم تركنا وذهب ليحضر لحفلة عن ذكري ميلاد جده بنادي سبورتنج يوم 24 مارس الجاري، وهو الحفل الذي سيسبقه حفل آخر في دار الأوبرا يوم 19 الجاري بعد أن صرنا لا نملك سوي الاحتفالات، أما ساعة الجد فلن تجد سوي هذه الصور.