تركة الجنزوري ثقيلة جدا، ويخطئ من يظن ان الامر هين؛ فجميع القطاعات في مصر اصابها الشلل التام منذ اندلاع ثورة يناير وفشلت الحكومات المتعاقبة بداية من حكومة الفريق احمد شفيق، مرورا بحكومة د. عصام شرف في تسيير الاعمال، وحل المشكلات المتراكمة، التي اصبحت شوكة في ظهر الثورة حتي حكومة د. الجنزوري التي ورثت تركة مليئة بالألغام قابلة للانفجار في اي لحظة، وربما قد تؤدي الي انهيار الاقتصاد المصري بالكامل. فالتحديات امام الجنزوري وحكومته كثيرة جدا، خاصة أنها حكومة مطعون علي شرعيتها من قبل القوي الثورية والتي مازالت تحاصر مجلس الوزراء حتي كتابة هذه السطور، وترفض دخول رئيس الحكومة الي مكتبه وايضا القوي الاسلامية والتي تريد تشكيل حكومة عقب الانتخابات مباشرة علي اعتبار انها ستحصد مقاعد الاغلبية في الانتخابات البرلمانية؛ الامر الذي ادي الي رفض الاخوان المسلمين الاشتراك في المجلس الرئاسي؛ مما سيزيد الامور تعقيدا. ورغم كل هذا، فإن هناك ملفات ساخنة جدا ربما تؤدي الي تفاقم الامور بشكل غير عادي خلال الايام القليلة القادمة؛ لأنها تحتاج الي مشرط جراح ماهر قادر علي استئصال آلام مصر التي تئن منه منذ سنوات طويلة. الجنزوري امامه مجموعة من التحديات من اجل الخروج بمصر من عنق الزجاجة وتحقيق الأمن ودفع عجلة الاقتصاد والمضي قدما في تحقيق أهداف الثورة، وفي مقدمتها تحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين أحوال المواطنين. اول هذه الاولويات تتمثل في عودة الأمن والأمان والانضباط للشارع المصري وأن يتركز دور وزراة الداخلية على الشق الجنائي وليس السياسي كما كان الحال في ظل نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك. وبالفعل بدأ اللواء محمد ابراهيم يوسف وزير الداخلية الجديد في قيادة العديد من الحملات المكبرة لاستعادة الامن في الشارع والقبض علي البلطجية؛ لأن تحقيق الأمن هو مفتاح لإعطاء دفعة للاقتصاد وعودة حركة السياحة وتدفق الاستثمار، خاصة أن عدم الاستقرار واستمرار أعمال البلطجة والسرقات وترويع المواطنين من شأنه أن يؤدي إلى عزوف السياح الذين يسعون لقضاء عطلاتهم في جو آمن عن القدوم لمصر، كما أنه يؤدي إلى هروب الاستثمارات حيث إن رأس المال جبان وينشد دائما استقرار الأسواق التي يعمل فيها. أما الأجندة الاقتصادية، فتحمل في اولويات جدول أعمالها مجموعة من الأفكار المتخصصة في الملف الاقتصادي، ومن بين هذه الأفكار استكمال المشروعات الاقتصادية المفتوحة التي تم إنفاق مليارات الجنيهات عليها حتى تجني ثمارها قريبا لصالح المواطنين مثل مشروعي توشكى وشرق العوينات والمنطقة الاقتصادية الخاصة شمال غرب قناة السويس، التي ستصبح منطقة صناعية ضخمة تستخدم التقنيات الحديثة في الإنتاج والتسويق والإدارة كما ستصبح منطقة ترانزيت عالمية للسلع العابرة من القارة الآسيوية إلى أوروبا والأمريكتين والعكس. وتشمل المشروعات أيضا إحياء مشروع استصلاح الأراضي غربي الدلتا الذي يضيف مساحات واسعة من الأراضي المنزرعة خاصة بالحبوب والمحاصيل الزيتية وبنجر السكر، مما يعني اهتمام حكومة الجنزوري بقطاع الزراعة خاصة مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الأسواق العالمية مع تزايد عدد السكان في مصر في الوقت الذي حذرت فيه منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة من أزمات غذائية مستقبلية مع ارتفاع عدد سكان العالم ليصل إلى سبعة مليارات نسمة. أيضا علي رأس الأولويات نجد الملف الصناعي والخاص بفتح المصانع المغلقة وعددها 1600 مصنع وتشجيع المصانع التي تعمل بنصف طاقاتها على العودة للعمل بكامل قدرتها لزيادة الإنتاج وعودة الصادرات بقوة وتحقيق الهدف الذي يحتل الأولوية القصوى في جدول أعمال الحكومة الجديدة وهو توفير فرص عمل جديدة للشباب والعمل على حل مشكلة البطالة. ومن أهم محاور تركة الجنزوري الصعبة تحقيق العدالة الاجتماعية باعتبارها من أولويات أهداف الثورة، وتعديل بعض القوانين لتحقيق العدالة الاجتماعية ومنها قانون الضريبة العقارية الذي أثار الكثير من الانتقادات والجدل، ويقضي التعديل بإعفاء المسكن الخاص من الضريبة، وأن يدرس مجلس الوزراء اقتراحا بزيادة حد الإعفاء من الضريبة للمسكن حتى المليون ونصف المليون جنيه مراعاة لارتفاع اسعار العقارات وزيادة معدلات التضخم. أيضا هناك ملف قانون الضريبة العقارية الحائر بين التأجيل والتطبيق وكذا قانون التأمينات الجديد الذي لايقل في حيرته عن قانون العقارات، وان كان د. كمال الجنزوري رئيس مجلس وزراء حكومة الانقاذ الوطني، قد اشار في مؤتمره الصحفي إلي ان هذه القوانين وغيرها ستكون علي مائدة حوار مجلس الوزراء في اولي جلساته. أما بالنسبة لملف قانون التأمينات الجديد، والذي يحظي باهتمام اصحاب الاعمال والمعاشات في الوقت نفسه، فإن القانون الجديد لاتشوبه عيوب، وان كانت الاعتراضات والانتقادات التي توجه له تتعلق بتفسير بعض المواد لذا فمن المحتمل تأجيل العمل بالقانون لحين صدور اللائحة التنفيذية التي ستجيب عن كل الاستفسارات الفنية التي تعترض تطبيقه. وهناك ملف اكثر خطورة وهو اعادة النظر في الاجور ورفع الحد الادني للاجور للعاملين بالقطاعين العام والخاص، وتحسين الاوضاع المالية لاصحاب المعاشات ورفع معاشاتهم بشكل مرض. الي جانب ذلك، هناك نحو 5 ملايين من العمالة المؤقتة والموسمية وغير المنتظمة وهم من اصحاب الاجور المنخفضة التي لابد من تعديلها لتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة. والملف الاخر هو ان مصر في امس الحاجة لاتخاذ اجراءات تقشفية لبدء خفض العجز دون ان يتم فرض أي ضرائب جديدة بجانب قروض صندوق النقد الدولي التي سعت الحكومة السابقة للحصول عليها، ناهيك عن ارتفاع تضخم الاستهلاك في المناطق الحضرية في مصر إلى 9.1 بالمئة سنويا في نوفمبر من 7.1 في المائة في اكتوبر وارتفع معدل البطالة في الربع الثالث الى 12 في المائة من 9 في المائة في العام السابق. وانخفض صافي الاحتياطيات الدولية بنحو 40 في المائة بحلول نهاية اكتوبر مقارنة مع نهاية عام 2010 . وهذه ملفات اخري ساخنة تنتظر حكومة الجنزوري. ايضا اكثر من ملف اقتصادي شائك لا يمكن لحكومة د. كمال الجنزوري أن تتغاضي عنه؛ في المقدمة بطبيعة الحال قضية عجز الموازنة وبالقطع لا يمكن للحكومة التغاضي عن ملف سلامة الغذاء والذي ظل القانون الذي يحكمه حبيس الادراج طوال 3 سنوات رغم تعيين رئيس لهيئة اطلق عليها اسم "هيئة سلامة الغذاء". ولا يمكن للحكومة أن تتناسي أوضاع شركات قطاع الاعمال العام وما يعانيه بعضها من عدم توافر سيولة لاصلاح هياكلها التمويلية.. ولا شك ان هناك قضية في غاية الاهمية الا وهي الشركات التي حكم بعودتها الي ملكية الدولة بعد فترات طويلة من بيعها للقطاع الخاص. وفي ضوء عدم حسم حقيبة وزارة الاستثمار وقطاع الاعمال العام، أصبح العديد من الملفات المهمة بالشركات تحت تصرف د. كمال الجنزوري شخصيا انتظارا للسيناريو القادم الذي طرحته بعض المصادر بالحكومة والذي يتضمن إعادة تجربة تعيين أحد رؤساء الشركات القابضة مفوضا عاما لادارة الشركات تحت رئاسة رئيس الوزراء وتكون له كل الصلاحيات فيما عدا التشريع.. وهي التجربة التي لاقت نجاحا لبعض الوقت. وأكدت مصادر بقطاع الاعمال أنه من بين المشكلات التي تحتاج تدخل د. الجنزوري تأجيل البت في ملف شركات قطاع الاعمال التي أعادها القضاء الي الدولة بحكم قضائي بعد بيعها لمستثمرين، وهي شركات طنطا للكتان، وغزل شبين الكوم والمراجل البخارية، واخيرا العربية للتجارة، حيث تضمن الملف ما حدث من بلبلة اثناء وزارة د. عصام شرف الذي تسرع.. وأكد لكل من المهندس عادل الموزي رئيس الشركة القابضة للصناعات الكيماوية، والمهندس زكي بسيوني رئيس القابضة للصناعات المعدنية، والمهندس محسن الجيلاني رئيس الشركة القابضة للنسيج علي ضرورة تنفيذ قرار استعادة الشركات، وعدم الطعن علي الاحكام التي اصدرها القضاء الاداري، وهو الامر الذي رفضه د. علي السلمي بعد ايام حينما استعرض ملف هذه الشركات وأدرك انها تعاني من مشكلات جسيمة في التمويل وتتطلب أموالا طائلة لاعادتها للعمل، اضافة الي وجود ثغرات واضحة في الاحكام القضائية التي اصدرها القضاء الاداري، مع تهديدات المستثمرين الاجانب باللجوء للتحكيم الدولي وتشويه سمعة مصر، هذا الامر أدي لتغيير موقف الحكومة حيث اصدرت قرارات لرؤساء الشركات القابضة الثلاثة بالطعن علي الاحكام. والملف الاخر والاهم هو انتقال شركة "عمر أفندي" في تبعيتها للشركة القومية للتشييد الي الشركة القابضة للسياحة والسينما التي تمتلك شركات بنزايون وصيدناوي وهانو المتشابهة في النشاط مع عمر أفندي، حيث عرض المهندس أحمد السيد رئيس الشركة القومية للتشييد هذا الملف علي د. علي السلمي وتم ارجاء البت فيه لحين انتهاء د. كمال الجنزوري من تشكيل الوزارة الجديدة؛ حيث ينص القانون علي أن رئيس الوزراء هو الوحيد صاحب قرار نقل تبعية إحدي الشركات التابعة لشركة قابضة، ومن المنتظر ان يصدر الجنزوري خلال ايام قرارا بنقل عمر أفندي للشركة القابضة للسياحة والسينما. ويبقي الملف الاكثر خطورة في قطاع الاعمال وهو شركات النسيج، حيث اكد المهندس محسن الجيلاني رئيس الشركة القابضة عن حاجته لدعم من الشركات القابضة الاخري ليوفر رواتب موظفيه، وبسبب انشغال الوزارة السابقة بلملمة أوراقها لم يوقع د. السلمي علي قرار الموافقة علي قيام بعض الشركات القابضة "بتسليف" القابضة للنسيج 57 مليون جنيه لدفع الرواتب، واضطر الجيلاني الي دفع رواتب نوفمبر الماضي من حصص شراء الاقطان لحين انتهاء د. كمال الجنزوري من الموافقة علي قيام الشركات القابضة بدعم زميلتها القابضة للنسيج حتي يتم العثور علي حل جذري لهذه المشكلة. وعلي اية حال الملفات الملقاة علي عاتق الجنزوري ثقيلة جدا وتحتاج الي سنوات طويله فهل سينجح في انجازها ويكتب لوزارته عمرًا جديدًا؟ فالامر في غاية الصعوبة.