تنسيق الجامعات 2025| إعلان نتيجة المرحلة الأولى «الأحد».. وموعد بدء المرحلة الثانية    المصريون بالسعودية يواصلون التصويت في انتخابات «الشيوخ»    المصريون في البرازيل يشاركون في انتخابات مجلس الشيوخ 2025    انطلاق قمة «ستارت» لختام أنشطة وحدات التضامن الاجتماعي بالجامعات لعام 2024-2025    مجلس الشيوخ المصري.. ثمرة عقود من التجربة الديمقراطية    تطوير 380 مركزا تكنولوجيا بالمحليات والقرى والمدن وأجهزة المجتمعات الجديدة    أسعار اللحوم الحمراء اليوم السبت 2 أغسطس    تعاون بين «الجمارك وتجارية القاهرة».. لتيسير الإجراءات الجمركية    النقل: استمرار تلقي طلبات السائقين الراغبين في الانضمام للبرنامج التدريبي المجاني    شركة خدمات البترول البحرية تنتهي من تطوير رصيف UGD بميناء دمياط    خلال مظاهرات تل أبيب| مبعوث ترامب يزور أهالى الأسرى الإسرائيليين بغزة    «يونيسف»: مؤشر سوء التغذية في غزة تجاوز عتبة المجاعة    "من القاهرة للإخوان.. شكرا لحسن غبائكم".. حلقة جديدة من برنامج "الكلام علي إيه" مع همت سلامة    حارس الزمالك يرفض الرحيل في الميركاتو الصيفي    مدرب نيوكاسل: أعرف أخبار إيزاك من وسائل الإعلام.. وأتمنى رؤيته بقميص النادي مجددا    القبض على البلوجر سوزي الأردنية داخل شقتها بالقاهرة الجديدة    الأرصاد: أجواء غائمة جزئياً على شمال البلاد وفرصة لأمطار خفيفة بالقاهرة    تحرير 844 مخالفة مرورية لعدم تركيب الملصق الإلكتروني    حفل أسطوري.. عمرو دياب يحقق أعلى حضور جماهيري في مهرجان العلمين    مراسل إكسترا نيوز: الوطنية للانتخابات تتواصل مع سفراء مصر بالخارج لضمان سلاسة التصويت    بأداء كوميدي وملاكمة فلاحة.. «روكي الغلابة» يحصد 6 ملايين في 48 ساعة    في 16 قرار.. تجديد وتكليف قيادات جديدة داخل وحدات ومراكز جامعة بنها    «بيت الزكاة والصدقات»: غدًا صرف إعانة شهر أغسطس للمستحقين    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ عالم أزهري يجيب    79 مليون خدمة طبية لمنتفعي التأمين الصحي الشامل في 6 محافظات    «الصحة» تطلق منصة إلكترونية تفاعلية وتبدأ المرحلة الثانية من التحول الرقمي    مدبولي يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات بمجلس الوزراء خلال يوليو 2025    مفاجأة.. أكبر جنين بالعالم عمره البيولوجي يتجاوز 30 عامًا    "صحة غزة": شاحنات تحمل أدوية ومستلزمات طبية ستدخل القطاع اليوم عبر منظمة الصحة العالمية    انخفاض الطن.. سعر الحديد اليوم السبت 2 أغسطس 2025 (أرض المصنع والسوق)    ابحث عن طريقة لزيادة دخلك.. توقعات برج الحمل في أغسطس 2025    تنسيق المرحلة الثانية للثانوية العامة 2025.. 5 نصائح تساعدك على اختيار الكلية المناسبة    21 مصابًا.. ارتفاع أعداد المصابين في حادث انفجار أسطوانة بوتاجاز بمطعم بسوهاج    شكل العام الدراسي الجديد 2026.. مواعيد بداية الدراسة والامتحانات| مستندات    تنظيم قواعد إنهاء عقود الوكالة التجارية بقرار وزاري مخالف للدستور    موعد مباراة بايرن ميونخ ضد ليون الودية والقنوات الناقلة    وزير الرياضة يشهد تتويج منتخب الناشئين والناشئات ببطولة كأس العالم للاسكواش    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على طرق القاهرة والجيزة    زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب شمال باكستان    الهيئة الوطنية للانتخابات: تواصل دائم مع السفراء لمتابعة انتخابات مجلس الشيوخ بالخارج    أيمن يونس: شيكابالا سيتجه للإعلام.. وعبد الشافي سيكون بعيدا عن مجال كرة القدم    تعرف على منافسات مصر بسابع أيام دورة الألعاب الأفريقية للمدارس بالجزائر    22 شهيدا في غزة.. بينهم 12 أثناء انتظار المساعدات    ترامب يخطو الخطوة الأولى في «سلم التصعيد النووي»    وفاة والد معتمد جمال مدرب الزمالك السابق    سعر الأرز الشعير والأبيض اليوم السبت 2-8-2025 في أسواق الشرقية    تنسيق الدبلومات الفنية 2025.. رابط تسجيل اختبارات كليات الهندسة والحاسبات والتجارة والزراعة (المنهج)    سعر الذهب اليوم السبت 2 أغسطس 2025 يقفز لأعلى مستوياته في أسبوع    الصفاقسي التونسي يكشف تفاصيل التعاقد مع علي معلول    مقتل 4 أشخاص في إطلاق نار داخل حانة بولاية مونتانا الأمريكية    عمرو دياب يشعل العلمين في ليلة غنائية لا تُنسى    محافظ سوهاج يقرر غلق محلين بسبب مشاجرة بعض العاملين وتعطيل حركة المواطنين    كما كشف في الجول – النجم الساحلي يعلن عودة كريستو قادما من الأهلي    استشارية أسرية: الزواج التقليدي لا يواكب انفتاح العصر    حسام موافي ينصح الشباب: مقاطعة الصديق الذي علمك التدخين حلال    أمين الفتوى: البيت مقدم على العمل والمرأة مسؤولة عن أولادها شرعًا (فيديو)    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ د. يسري جبر يوضح    وزير الأوقاف يؤدي صلاة الجمعة من مسجد الإمام الحسين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد شلتوت: عزلة المبدع فرصة للحوار مع الذات
نشر في صوت البلد يوم 25 - 04 - 2020

يأتي رمضان هذا العام في ظل ظروف خاصة، وسط حالة الحظر التي تطوِّق العالم، جراء فيروس كورونا، لكن الأديب والناقد المصري أحمد رجب شلتوت، يقول إن عزلة المبدع تكون فرصة للانفراد بالذات، والحوار معها. وأكد شلتوت في ، أن حظر التجول سيتيح فرصة لقراءة الكتب، لافتاً إلى أن فعل الكتابة لديه لا يتأثر بالصوم، كما تطرَّق إلى أصداء الشهر الكريم في المنجز الأدبي العربي، حيث يرى أن الصوم عمل على استدعاء القصيدة، وكذلك الرواية لم تتجاهل هذا الشهر، لافتا إلى أن روايات أديب «نوبل» نجيب محفوظ تغوص في الطقوس الشعبية الرمضانية. وفيما يلي نص الحوار:
- ماذا يمثل شهر رمضان بالنسبة لك على مستوى الكتابة والإبداع؟
قيل إن رمضان من الرمض، وهو شدة الحر، ومنه الرمضاء، أي الأرض الشديدة الحرارة، وقيل إن الرمض هو الإزالة والمحو، وأعتقد أن المعنى المجازي لرمضان يجمع بين الرأيين، فهو ما يرمض المرض من الإنسان، وكذلك يرمض الذنوب أو يجعلها رماداً، فرمضان هو الشهر المخصص لتنفيذ فرض الصيام، "صوموا تصحوا"، وبما يؤدي إليه الصيام، رغم ما فيه من مشقة إلى غفران الذنوب. وبالنسبة لي، خصوصية رمضان على مستوى الكتابة تنبع من اختلافه عن بقية الشهور بالنسبة للمجتمع ككل، فصيام النهار يقسم اليوم إلى قسمين؛ الأول: نهاري، فالصيام يسبغ على العمل مشقة، تمتد إلى ما بعد الرجوع إلى البيت، فينفرد المرء بنفسه قارئاً للقرآن أو محاولاً النوم. أما القسم الثاني، فيبدأ بلمة العائلة حول مائدة الإفطار، فهو قسم ليلي بامتياز يستلزم السهر، ففيه جلسات سمر أمام التلفزيون أو من دونه، وفيه الخروج لصلاة القيام (التراويح)، بعدها لا نشعر أن اليوم انتهى، بل أمامنا متسع من الوقت قبل السحور، أقضيه غالباً في صحبة الكتب. أما الكتابة، فلها وقتها الذي تختاره. وبالنسبة لي، فإن كتابتي لا تتأثر بالصوم في رمضان.
الشعر العربي
- في المنجز الأدبي العربي، لماذا يظهر شهر الصوم وأجواؤه بوضوح في النصوص الشعرية أكثر من السرد الروائي؟
لأن الشعر العربي أكثر ذاتية من الرواية، فالشاعر يصب مشاعره التي تثيرها الأجواء الرمضانية في قصيدة، ومنذ صدر الإسلام ورمضان حاضر كموضوع في الشعر العربي، فالحالة التي يبعثها الصيام في نفس الصائم تكون مناسبة لاستدعاء القصيدة، لكن هنا أؤكد أمرين؛ أولهما أن أغلب هذه القصائد مجرَّد نظم متماثل أنتجته بواعث متشابهة (الصيام وآثاره)، لذا فالجيد فيها قليل، ومنه مثلا قصيدة المبدع الكبير محمود حسن إسماعيل، التي يقول فيها مخاطباً رمضان: ورحت تسد للأجواد شرعاً من الإحسان علوي النظام، بأن الجود حرمان وزهد أعز من الشراب أو الطعام. وثانيهما أن العلاقة بين الشعر والصيام لم تقتصر فقط على النفوس المؤمنة، فها هو أبونواس يتبرم من طول الشهر، ويقول: ألا يا شهر كم تبقى، مرضنا ومللناكا إذا ما ذكر الحمد لشوال ذممناكا.
أما بالنسبة للرواية، فالأمر يختلف، فهي بناء معقد متشابك لا يمكن أن تقتصر أحداثه على الصيام، ولا يكون انفعالاً لحظياً كالذي تعبِّر عنه القصيدة العربية، خصوصاً التقليدية منها، ويتسع مداها الزمني لأكثر من شهر رمضان، لكن ذلك لا يعني أن الرواية العربية تجاهلت الشهر الكريم، لكن حضوره فيها يختلف، فرمضان شهر كامل له طقوسه وفروضه، ومن خلالهما يترك أثره المميز في الناس وفي حياتهم اليومية، وهي الأمور التي قد تعالجها الرواية.
- لماذا يبدو ما يمكن تسميته مجازاً ب"أدب رمضان" فضيلة غائبة عن الإبداع؟
فيما يتعلق بأدب رمضان، أنا لا أرتاح لمثل هذه التسميات، فالأدب أدب، لا يتم تمييزه وفقاً لشهور أو أماكن، والمسألة عندي لا ترتبط بالجنس الأدبي بقدر ما ترتبط بصدق المشاعر والموهبة وإجادة التعبير.
- هل تتطلب الكتابة الإبداعية عن رمضان أديباً بمواصفات خاصة؟
كما قلت لك، المسألة تتطلب فقط الموهبة والصدق والإجادة، ونأخذ كمثال روايات أديبنا نجيب محفوظ، فأنت تجد للشهر حضورا في الثلاثية، وفي "بداية ونهاية"، و"خان الخليلي"، و"المرايا"، وأعمال أخرى، من دون أن يكرر محفوظ نفسه. ففي "خان الخليلي" وجدنا رمضان جزءا من النسيج الروائي، أثر في الأحداث، وفي الشخصيات وتفاعلها مع بعضها البعض، ومع المكان. وقد أفاد الكاتب من كل ذلك في رسم الإطار الواقعي لروايته وحركة بطلها الذي كان يؤجل في رمضان ممارسته لعادة القراءة اليومية إلى ما بعد الإفطار، حيث يكون تركيزه أعلى. وفي "بداية ونهاية" يأتي رمضان على الأسرة التي فقدت عائلها، فلم تستطع توفير احتياجات الشهر الكريم. وفي "الثلاثية" يأتي رمضان، فيغير السيد أحمد عبدالجواد وشلته عادتهم في السهر الماجن. وفي رواية "قلب الليل" نجد رمضان حاضراً، من خلال السهرات والأمسيات الفنية حتى السحور. وفي "المرايا"، يذكر أن ليالي رمضان كانت فرصة جميلة للصغار يجتمعون في الشارع بلا اختلاط، ويتراءون على ضوء الفوانيس، وهم يلوِّحون بها في أيديهم، ويترنمون بأناشيد رمضان. فقد غاصت هذه الروايات في تفاصيل الطقوس الشعبية المصرية. ولم يكتفِ محفوظ بوصف الاحتفالات الدينية وشعائرها، بل كان القارئ يجلس إلى مائدتي الإفطار والسحور، ثم يغوص مع الشخوص في حالاتهم الروحية عند سماعهم صوت الأذان، أو حين يخشعون في الصلاة، فقد التقط طقوس ما بعد الإفطار وصاغها في أكثر من رواية.
أعمال فنية
- ما أهمية تحويل الأعمال الأدبية التي تطرقت إلى رمضان لأعمال درامية وعرضها في هذا الشهر، مثل مجموعة "صائمون" للكاتب أحمد بهجت، و"في بيتنا رجل" لإحسان عبدالقدوس؟
اعتادت الأسرة العربية أن تجتمع في رمضان أمام التلفزيون لتتابع المسلسلات والأعمال الدرامية، وأعتقد أن الاهتمام يجب أن يكون بتقديم أعمال فنية جيدة تمتعهم وترتقي بهم، سواء تطرقت إلى رمضان أم لا، فقصر الاهتمام على مثل هذه الأعمال يجعل من مجرد موضوعها جوازاً للمرور مما قد يسوغ أعمالاً هابطة.
- إلى أي مدى يعتبر رمضان هذا العام فرصة للقراءة، في ظل التوقف عن العمل وحظر التجول جراء فيروس كورونا؟
حظر التجول هذا العام سيغيِّر من أشياء كثيرة، وسيحرم الناس من ممارسات اعتادوا عليها في ليالي رمضان، منها الخروج لصلاة التراويح والتنزه بعدها. أعتقد أن الوقت الذي كانت تستغرقه هذه الأشياء ستحظى به الكتب، على اختلاف أنواعها، ووفق تفضيلات القراء، وقد تستمر السهرة مع القراءة حتى وقت السحور، ثم صلاة الفجر، فليس ثمة خروج إلى العمل في الصباح التالي، بل قراءة حتى الفجر، ثم نوم أغلب فترات النهار.
- وكيف أسهمت العزلة المنزلية التي اضطر إليها البشر حالياً في تعزيز سلوك القراءة والعودة إلى الكتاب باعتباره أفضل صديق؟
العزلة تبدو سجنا للإنسان العادي، تجسِّد له الحرمان في أجلى معانيه، فلو كان محباً للقراءة معتاداً عليها فسيجد في سجنه متنفساً تتيحه الكتب. أما عزلة المبدع، فهي ليست كذلك، تكون فرصة للانفراد بالذات، والحوار معها. بالنسبة لي، استشعار الخطر الذي يمثله الوباء لا يمثل كابوساً، "كورونا" قد يعني الموت، لكن أشياء أخرى كثيرة تعنيه، ومن لم يمت ب"كورونا" مات بغيره. أعيش حياة عادية إلا قليلاً، فظروف الإعاقة الحركية التي تصاحبني منذ طفولتي وضعتني في حالة دائمة تشبه العزلة، تعايشت معها، وتآلفت معها، فالأمر إذن ليس جديداً عليَّ، ما جد فقط مع الحظر هو عدم الذهاب للعمل، ومن ثم زاد الوقت المتاح للقراءة، ولملاحظة فزع المفزوعين.
يأتي رمضان هذا العام في ظل ظروف خاصة، وسط حالة الحظر التي تطوِّق العالم، جراء فيروس كورونا، لكن الأديب والناقد المصري أحمد رجب شلتوت، يقول إن عزلة المبدع تكون فرصة للانفراد بالذات، والحوار معها. وأكد شلتوت في ، أن حظر التجول سيتيح فرصة لقراءة الكتب، لافتاً إلى أن فعل الكتابة لديه لا يتأثر بالصوم، كما تطرَّق إلى أصداء الشهر الكريم في المنجز الأدبي العربي، حيث يرى أن الصوم عمل على استدعاء القصيدة، وكذلك الرواية لم تتجاهل هذا الشهر، لافتا إلى أن روايات أديب «نوبل» نجيب محفوظ تغوص في الطقوس الشعبية الرمضانية. وفيما يلي نص الحوار:
- ماذا يمثل شهر رمضان بالنسبة لك على مستوى الكتابة والإبداع؟
قيل إن رمضان من الرمض، وهو شدة الحر، ومنه الرمضاء، أي الأرض الشديدة الحرارة، وقيل إن الرمض هو الإزالة والمحو، وأعتقد أن المعنى المجازي لرمضان يجمع بين الرأيين، فهو ما يرمض المرض من الإنسان، وكذلك يرمض الذنوب أو يجعلها رماداً، فرمضان هو الشهر المخصص لتنفيذ فرض الصيام، "صوموا تصحوا"، وبما يؤدي إليه الصيام، رغم ما فيه من مشقة إلى غفران الذنوب. وبالنسبة لي، خصوصية رمضان على مستوى الكتابة تنبع من اختلافه عن بقية الشهور بالنسبة للمجتمع ككل، فصيام النهار يقسم اليوم إلى قسمين؛ الأول: نهاري، فالصيام يسبغ على العمل مشقة، تمتد إلى ما بعد الرجوع إلى البيت، فينفرد المرء بنفسه قارئاً للقرآن أو محاولاً النوم. أما القسم الثاني، فيبدأ بلمة العائلة حول مائدة الإفطار، فهو قسم ليلي بامتياز يستلزم السهر، ففيه جلسات سمر أمام التلفزيون أو من دونه، وفيه الخروج لصلاة القيام (التراويح)، بعدها لا نشعر أن اليوم انتهى، بل أمامنا متسع من الوقت قبل السحور، أقضيه غالباً في صحبة الكتب. أما الكتابة، فلها وقتها الذي تختاره. وبالنسبة لي، فإن كتابتي لا تتأثر بالصوم في رمضان.
الشعر العربي
- في المنجز الأدبي العربي، لماذا يظهر شهر الصوم وأجواؤه بوضوح في النصوص الشعرية أكثر من السرد الروائي؟
لأن الشعر العربي أكثر ذاتية من الرواية، فالشاعر يصب مشاعره التي تثيرها الأجواء الرمضانية في قصيدة، ومنذ صدر الإسلام ورمضان حاضر كموضوع في الشعر العربي، فالحالة التي يبعثها الصيام في نفس الصائم تكون مناسبة لاستدعاء القصيدة، لكن هنا أؤكد أمرين؛ أولهما أن أغلب هذه القصائد مجرَّد نظم متماثل أنتجته بواعث متشابهة (الصيام وآثاره)، لذا فالجيد فيها قليل، ومنه مثلا قصيدة المبدع الكبير محمود حسن إسماعيل، التي يقول فيها مخاطباً رمضان: ورحت تسد للأجواد شرعاً من الإحسان علوي النظام، بأن الجود حرمان وزهد أعز من الشراب أو الطعام. وثانيهما أن العلاقة بين الشعر والصيام لم تقتصر فقط على النفوس المؤمنة، فها هو أبونواس يتبرم من طول الشهر، ويقول: ألا يا شهر كم تبقى، مرضنا ومللناكا إذا ما ذكر الحمد لشوال ذممناكا.
أما بالنسبة للرواية، فالأمر يختلف، فهي بناء معقد متشابك لا يمكن أن تقتصر أحداثه على الصيام، ولا يكون انفعالاً لحظياً كالذي تعبِّر عنه القصيدة العربية، خصوصاً التقليدية منها، ويتسع مداها الزمني لأكثر من شهر رمضان، لكن ذلك لا يعني أن الرواية العربية تجاهلت الشهر الكريم، لكن حضوره فيها يختلف، فرمضان شهر كامل له طقوسه وفروضه، ومن خلالهما يترك أثره المميز في الناس وفي حياتهم اليومية، وهي الأمور التي قد تعالجها الرواية.
- لماذا يبدو ما يمكن تسميته مجازاً ب"أدب رمضان" فضيلة غائبة عن الإبداع؟
فيما يتعلق بأدب رمضان، أنا لا أرتاح لمثل هذه التسميات، فالأدب أدب، لا يتم تمييزه وفقاً لشهور أو أماكن، والمسألة عندي لا ترتبط بالجنس الأدبي بقدر ما ترتبط بصدق المشاعر والموهبة وإجادة التعبير.
- هل تتطلب الكتابة الإبداعية عن رمضان أديباً بمواصفات خاصة؟
كما قلت لك، المسألة تتطلب فقط الموهبة والصدق والإجادة، ونأخذ كمثال روايات أديبنا نجيب محفوظ، فأنت تجد للشهر حضورا في الثلاثية، وفي "بداية ونهاية"، و"خان الخليلي"، و"المرايا"، وأعمال أخرى، من دون أن يكرر محفوظ نفسه. ففي "خان الخليلي" وجدنا رمضان جزءا من النسيج الروائي، أثر في الأحداث، وفي الشخصيات وتفاعلها مع بعضها البعض، ومع المكان. وقد أفاد الكاتب من كل ذلك في رسم الإطار الواقعي لروايته وحركة بطلها الذي كان يؤجل في رمضان ممارسته لعادة القراءة اليومية إلى ما بعد الإفطار، حيث يكون تركيزه أعلى. وفي "بداية ونهاية" يأتي رمضان على الأسرة التي فقدت عائلها، فلم تستطع توفير احتياجات الشهر الكريم. وفي "الثلاثية" يأتي رمضان، فيغير السيد أحمد عبدالجواد وشلته عادتهم في السهر الماجن. وفي رواية "قلب الليل" نجد رمضان حاضراً، من خلال السهرات والأمسيات الفنية حتى السحور. وفي "المرايا"، يذكر أن ليالي رمضان كانت فرصة جميلة للصغار يجتمعون في الشارع بلا اختلاط، ويتراءون على ضوء الفوانيس، وهم يلوِّحون بها في أيديهم، ويترنمون بأناشيد رمضان. فقد غاصت هذه الروايات في تفاصيل الطقوس الشعبية المصرية. ولم يكتفِ محفوظ بوصف الاحتفالات الدينية وشعائرها، بل كان القارئ يجلس إلى مائدتي الإفطار والسحور، ثم يغوص مع الشخوص في حالاتهم الروحية عند سماعهم صوت الأذان، أو حين يخشعون في الصلاة، فقد التقط طقوس ما بعد الإفطار وصاغها في أكثر من رواية.
أعمال فنية
- ما أهمية تحويل الأعمال الأدبية التي تطرقت إلى رمضان لأعمال درامية وعرضها في هذا الشهر، مثل مجموعة "صائمون" للكاتب أحمد بهجت، و"في بيتنا رجل" لإحسان عبدالقدوس؟
اعتادت الأسرة العربية أن تجتمع في رمضان أمام التلفزيون لتتابع المسلسلات والأعمال الدرامية، وأعتقد أن الاهتمام يجب أن يكون بتقديم أعمال فنية جيدة تمتعهم وترتقي بهم، سواء تطرقت إلى رمضان أم لا، فقصر الاهتمام على مثل هذه الأعمال يجعل من مجرد موضوعها جوازاً للمرور مما قد يسوغ أعمالاً هابطة.
- إلى أي مدى يعتبر رمضان هذا العام فرصة للقراءة، في ظل التوقف عن العمل وحظر التجول جراء فيروس كورونا؟
حظر التجول هذا العام سيغيِّر من أشياء كثيرة، وسيحرم الناس من ممارسات اعتادوا عليها في ليالي رمضان، منها الخروج لصلاة التراويح والتنزه بعدها. أعتقد أن الوقت الذي كانت تستغرقه هذه الأشياء ستحظى به الكتب، على اختلاف أنواعها، ووفق تفضيلات القراء، وقد تستمر السهرة مع القراءة حتى وقت السحور، ثم صلاة الفجر، فليس ثمة خروج إلى العمل في الصباح التالي، بل قراءة حتى الفجر، ثم نوم أغلب فترات النهار.
- وكيف أسهمت العزلة المنزلية التي اضطر إليها البشر حالياً في تعزيز سلوك القراءة والعودة إلى الكتاب باعتباره أفضل صديق؟
العزلة تبدو سجنا للإنسان العادي، تجسِّد له الحرمان في أجلى معانيه، فلو كان محباً للقراءة معتاداً عليها فسيجد في سجنه متنفساً تتيحه الكتب. أما عزلة المبدع، فهي ليست كذلك، تكون فرصة للانفراد بالذات، والحوار معها. بالنسبة لي، استشعار الخطر الذي يمثله الوباء لا يمثل كابوساً، "كورونا" قد يعني الموت، لكن أشياء أخرى كثيرة تعنيه، ومن لم يمت ب"كورونا" مات بغيره. أعيش حياة عادية إلا قليلاً، فظروف الإعاقة الحركية التي تصاحبني منذ طفولتي وضعتني في حالة دائمة تشبه العزلة، تعايشت معها، وتآلفت معها، فالأمر إذن ليس جديداً عليَّ، ما جد فقط مع الحظر هو عدم الذهاب للعمل، ومن ثم زاد الوقت المتاح للقراءة، ولملاحظة فزع المفزوعين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.