كل ما تريد معرفته عن بطاقة ائتمان التيتانيوم في بنك مصر    بعد اعتقاله، شقيق لاهور شيخ جنكي يهدد ب"تدمير السليمانية"    أسفر عن مصرع وإصابة أسرة بأكملها، أول صور لمنزل سوهاج المنهار ومدير الأمن ينتقل للموقع    بسمة بوسيل تكشف عن تعاونها مع رامز جلال وطرح دويتو غنائي جديد    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 22- 8- 2025 والقنوات الناقلة    أخبار فاتتك وأنت نائم| إيقاف الرحلات الجوية إلى إيران.. جرائم قتل غامضة تهز فرنسا    قمة ألاسكا.. سلام «ضبابي»| ترامب وبوتين «مصافحة أمام الكاميرات ومعركة خلف الأبواب»    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الجمعة 22 أغسطس 2025    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري الجمعة 22-8-2025 بعد ارتفاعه في 7 بنوك    «زي النهارده«في 22 أغسطس 1945.. وفاة الشيخ مصطفى المراغي    «زي النهارده» في 22 أغسطس 1948.. استشهاد البطل أحمد عبدالعزيز    معجزة جديدة ل أطباء مصر.. طفلة جزائرية تقف على قدميها مجددًا بعد علاج 5 أشهر (فيديو)    أسعار الأسماك والخضروات والدواجن اليوم 22 أغسطس    90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الجمعة 22 أغسطس 2025    كيف يتصدى مركز الطوارئ بالوكالة الذرية لأخطر التهديدات النووية والإشعاعية؟    درجة الحرارة تصل 42 .. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم    إصابة 8 أشخاص.. الاستماع لأقوال المصابين في حادث طريق الكريمات    الجيزة: قطع المياه 6 ساعات اليوم الجمعة حتى غد السبت عن هذه المناطق    شراكة حضارية جديدة بين مصر والصين في مجال التراث الثقافي «المغمور بالمياه»    «مخضوض وواخد على خاطره».. رضا عبدالعال يقيم شيكو بانزا    لو بطلت قهوة.. 4 تغييرات تحدث لجسمك    الإيجار القديم.. محمود فوزي: تسوية أوضاع الفئات الأولى بالرعاية قبل تحرير العلاقة الإيجارية    انفجار مقاتلة أمريكية فى مطار ماليزيا    عاصي الحلاني ينتقد فكرة ظهور المعجبات على المسرح.. ماذا قال؟    علي الحجار ينسج حكايات الشجن.. وهاني حسن يرقص للحياة على أنغام السيمفوني في محكي القلعة    نجم الزمالك السابق يهاجم كولر بسبب عمر الساعي    مقتل شاب في الأقصر إثر مشاجرة بسبب المخدرات    انخفاض جديد في عيار 21 بالمصنعية.. أسعار الذهب والسبائك اليوم الجمعة بالصاغة محليا وعالميا    صفات برج الأسد الخفية .. يجمع بين القوه والدراما    محمد رمضان يستفز جمهوره في مصر ب فيديو جديد: «غيرانين وأنا عاذرهم»    وائل الفشني يكشف موقفا محرجا تعرض له: «أنبوبة بوتاجاز أنقذتني من بلطجي»    إذاعة القرآن الكريم| هاجر سعد الدين أول سيدة بمتحف الأصوات الخالدة    هل يمكن تحديد ساعة استجابة دعاء يوم الجمعة ؟ دار الإفتاء توضح    «خير يوم طلعت عليه الشمس».. تعرف على فضل يوم الجمعة والأعمال المستحبة فيه    حرق الكنائس.. جريمة طائفية ودعوة للتدخل الأجنبي    بيان «المحامين» يكشف الحقيقة في اجتماعات المحامين العرب بتونس    نجوى فؤاد: أطالب بمعاش يكفي احتياجاتي وعلاجي    نجاح أول حالة غسيل كلوي طوارئ للأطفال بمستشفى دسوق العام    مصر والسعودية علاقات ممتدة وآمال معقودة    تصدر المصري والقطبين "يوم فوق ويوم تحت"، ترتيب الدوري المصري بعد الجولة الثالثة    آدم كايد يعرب عن سعادته بفوز الزمالك على مودرن سبورت    ياسر ريان يشيد بأداء المصري: هو المنافس الحقيقي للأهلي على لقب الدوري    المندوه يكشف آخر تطورات أزمة سحب أرض أكتوبر ويكشف حقيقة المول    التعادل الثالث.. سموحة وزد يتقاسمان النقاط بأمر تقنية الفيديو    ترامب: سأشارك في دوريات مع الجيش والشرطة بواشنطن    أونروا تحذر: عمليات الاحتلال في غزة تنذر ب"تسونامي إنساني" غير مسبوق    تعليم الجيزة تواصل أعمال الصيانة والتجديد استعدادا للعام الدراسي الجديد    قبل انطلاق النسخة الثالثة.. صفقات أندية دوري المحترفين موسم 2025-2026    تنفيذ حكم الإعدام في مغتصب سيدة الإسماعيلية داخل المقابر    تنفيذ حكم الإعدام بحق قاتل زوجين في «مجزرة سرابيوم» بالإسماعيلية    غرق طالب طب بروسيا خلال إجازته الصيفية في مطروح    إعلام فلسطيني: استشهاد طفل بقصف إسرائيلي على مخيم النصيرات وسط غزة    مش هتشتريه تاني.. طريقة عمل السردين المخلل في البيت    مصرع شابين غرقا بنهر النيل فى دار السلام بسوهاج    اليوم.. فصل التيار الكهربائى عن عدد من مناطق وأحياء مدينة كفر الشيخ    خالد الجندي: الدفاع عن الوطن وحماية مصالحه من تعاليم الإسلام    هل يستجاب دعاء الأم على أولادها وقت الغضب؟.. أمين الفتوى يجيب    رئيس المعاهد الأزهرية يتفقد المشروع الصيفي للقرآن الكريم بأسوان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد شلتوت: عزلة المبدع فرصة للحوار مع الذات
نشر في صوت البلد يوم 25 - 04 - 2020

يأتي رمضان هذا العام في ظل ظروف خاصة، وسط حالة الحظر التي تطوِّق العالم، جراء فيروس كورونا، لكن الأديب والناقد المصري أحمد رجب شلتوت، يقول إن عزلة المبدع تكون فرصة للانفراد بالذات، والحوار معها. وأكد شلتوت في ، أن حظر التجول سيتيح فرصة لقراءة الكتب، لافتاً إلى أن فعل الكتابة لديه لا يتأثر بالصوم، كما تطرَّق إلى أصداء الشهر الكريم في المنجز الأدبي العربي، حيث يرى أن الصوم عمل على استدعاء القصيدة، وكذلك الرواية لم تتجاهل هذا الشهر، لافتا إلى أن روايات أديب «نوبل» نجيب محفوظ تغوص في الطقوس الشعبية الرمضانية. وفيما يلي نص الحوار:
- ماذا يمثل شهر رمضان بالنسبة لك على مستوى الكتابة والإبداع؟
قيل إن رمضان من الرمض، وهو شدة الحر، ومنه الرمضاء، أي الأرض الشديدة الحرارة، وقيل إن الرمض هو الإزالة والمحو، وأعتقد أن المعنى المجازي لرمضان يجمع بين الرأيين، فهو ما يرمض المرض من الإنسان، وكذلك يرمض الذنوب أو يجعلها رماداً، فرمضان هو الشهر المخصص لتنفيذ فرض الصيام، "صوموا تصحوا"، وبما يؤدي إليه الصيام، رغم ما فيه من مشقة إلى غفران الذنوب. وبالنسبة لي، خصوصية رمضان على مستوى الكتابة تنبع من اختلافه عن بقية الشهور بالنسبة للمجتمع ككل، فصيام النهار يقسم اليوم إلى قسمين؛ الأول: نهاري، فالصيام يسبغ على العمل مشقة، تمتد إلى ما بعد الرجوع إلى البيت، فينفرد المرء بنفسه قارئاً للقرآن أو محاولاً النوم. أما القسم الثاني، فيبدأ بلمة العائلة حول مائدة الإفطار، فهو قسم ليلي بامتياز يستلزم السهر، ففيه جلسات سمر أمام التلفزيون أو من دونه، وفيه الخروج لصلاة القيام (التراويح)، بعدها لا نشعر أن اليوم انتهى، بل أمامنا متسع من الوقت قبل السحور، أقضيه غالباً في صحبة الكتب. أما الكتابة، فلها وقتها الذي تختاره. وبالنسبة لي، فإن كتابتي لا تتأثر بالصوم في رمضان.
الشعر العربي
- في المنجز الأدبي العربي، لماذا يظهر شهر الصوم وأجواؤه بوضوح في النصوص الشعرية أكثر من السرد الروائي؟
لأن الشعر العربي أكثر ذاتية من الرواية، فالشاعر يصب مشاعره التي تثيرها الأجواء الرمضانية في قصيدة، ومنذ صدر الإسلام ورمضان حاضر كموضوع في الشعر العربي، فالحالة التي يبعثها الصيام في نفس الصائم تكون مناسبة لاستدعاء القصيدة، لكن هنا أؤكد أمرين؛ أولهما أن أغلب هذه القصائد مجرَّد نظم متماثل أنتجته بواعث متشابهة (الصيام وآثاره)، لذا فالجيد فيها قليل، ومنه مثلا قصيدة المبدع الكبير محمود حسن إسماعيل، التي يقول فيها مخاطباً رمضان: ورحت تسد للأجواد شرعاً من الإحسان علوي النظام، بأن الجود حرمان وزهد أعز من الشراب أو الطعام. وثانيهما أن العلاقة بين الشعر والصيام لم تقتصر فقط على النفوس المؤمنة، فها هو أبونواس يتبرم من طول الشهر، ويقول: ألا يا شهر كم تبقى، مرضنا ومللناكا إذا ما ذكر الحمد لشوال ذممناكا.
أما بالنسبة للرواية، فالأمر يختلف، فهي بناء معقد متشابك لا يمكن أن تقتصر أحداثه على الصيام، ولا يكون انفعالاً لحظياً كالذي تعبِّر عنه القصيدة العربية، خصوصاً التقليدية منها، ويتسع مداها الزمني لأكثر من شهر رمضان، لكن ذلك لا يعني أن الرواية العربية تجاهلت الشهر الكريم، لكن حضوره فيها يختلف، فرمضان شهر كامل له طقوسه وفروضه، ومن خلالهما يترك أثره المميز في الناس وفي حياتهم اليومية، وهي الأمور التي قد تعالجها الرواية.
- لماذا يبدو ما يمكن تسميته مجازاً ب"أدب رمضان" فضيلة غائبة عن الإبداع؟
فيما يتعلق بأدب رمضان، أنا لا أرتاح لمثل هذه التسميات، فالأدب أدب، لا يتم تمييزه وفقاً لشهور أو أماكن، والمسألة عندي لا ترتبط بالجنس الأدبي بقدر ما ترتبط بصدق المشاعر والموهبة وإجادة التعبير.
- هل تتطلب الكتابة الإبداعية عن رمضان أديباً بمواصفات خاصة؟
كما قلت لك، المسألة تتطلب فقط الموهبة والصدق والإجادة، ونأخذ كمثال روايات أديبنا نجيب محفوظ، فأنت تجد للشهر حضورا في الثلاثية، وفي "بداية ونهاية"، و"خان الخليلي"، و"المرايا"، وأعمال أخرى، من دون أن يكرر محفوظ نفسه. ففي "خان الخليلي" وجدنا رمضان جزءا من النسيج الروائي، أثر في الأحداث، وفي الشخصيات وتفاعلها مع بعضها البعض، ومع المكان. وقد أفاد الكاتب من كل ذلك في رسم الإطار الواقعي لروايته وحركة بطلها الذي كان يؤجل في رمضان ممارسته لعادة القراءة اليومية إلى ما بعد الإفطار، حيث يكون تركيزه أعلى. وفي "بداية ونهاية" يأتي رمضان على الأسرة التي فقدت عائلها، فلم تستطع توفير احتياجات الشهر الكريم. وفي "الثلاثية" يأتي رمضان، فيغير السيد أحمد عبدالجواد وشلته عادتهم في السهر الماجن. وفي رواية "قلب الليل" نجد رمضان حاضراً، من خلال السهرات والأمسيات الفنية حتى السحور. وفي "المرايا"، يذكر أن ليالي رمضان كانت فرصة جميلة للصغار يجتمعون في الشارع بلا اختلاط، ويتراءون على ضوء الفوانيس، وهم يلوِّحون بها في أيديهم، ويترنمون بأناشيد رمضان. فقد غاصت هذه الروايات في تفاصيل الطقوس الشعبية المصرية. ولم يكتفِ محفوظ بوصف الاحتفالات الدينية وشعائرها، بل كان القارئ يجلس إلى مائدتي الإفطار والسحور، ثم يغوص مع الشخوص في حالاتهم الروحية عند سماعهم صوت الأذان، أو حين يخشعون في الصلاة، فقد التقط طقوس ما بعد الإفطار وصاغها في أكثر من رواية.
أعمال فنية
- ما أهمية تحويل الأعمال الأدبية التي تطرقت إلى رمضان لأعمال درامية وعرضها في هذا الشهر، مثل مجموعة "صائمون" للكاتب أحمد بهجت، و"في بيتنا رجل" لإحسان عبدالقدوس؟
اعتادت الأسرة العربية أن تجتمع في رمضان أمام التلفزيون لتتابع المسلسلات والأعمال الدرامية، وأعتقد أن الاهتمام يجب أن يكون بتقديم أعمال فنية جيدة تمتعهم وترتقي بهم، سواء تطرقت إلى رمضان أم لا، فقصر الاهتمام على مثل هذه الأعمال يجعل من مجرد موضوعها جوازاً للمرور مما قد يسوغ أعمالاً هابطة.
- إلى أي مدى يعتبر رمضان هذا العام فرصة للقراءة، في ظل التوقف عن العمل وحظر التجول جراء فيروس كورونا؟
حظر التجول هذا العام سيغيِّر من أشياء كثيرة، وسيحرم الناس من ممارسات اعتادوا عليها في ليالي رمضان، منها الخروج لصلاة التراويح والتنزه بعدها. أعتقد أن الوقت الذي كانت تستغرقه هذه الأشياء ستحظى به الكتب، على اختلاف أنواعها، ووفق تفضيلات القراء، وقد تستمر السهرة مع القراءة حتى وقت السحور، ثم صلاة الفجر، فليس ثمة خروج إلى العمل في الصباح التالي، بل قراءة حتى الفجر، ثم نوم أغلب فترات النهار.
- وكيف أسهمت العزلة المنزلية التي اضطر إليها البشر حالياً في تعزيز سلوك القراءة والعودة إلى الكتاب باعتباره أفضل صديق؟
العزلة تبدو سجنا للإنسان العادي، تجسِّد له الحرمان في أجلى معانيه، فلو كان محباً للقراءة معتاداً عليها فسيجد في سجنه متنفساً تتيحه الكتب. أما عزلة المبدع، فهي ليست كذلك، تكون فرصة للانفراد بالذات، والحوار معها. بالنسبة لي، استشعار الخطر الذي يمثله الوباء لا يمثل كابوساً، "كورونا" قد يعني الموت، لكن أشياء أخرى كثيرة تعنيه، ومن لم يمت ب"كورونا" مات بغيره. أعيش حياة عادية إلا قليلاً، فظروف الإعاقة الحركية التي تصاحبني منذ طفولتي وضعتني في حالة دائمة تشبه العزلة، تعايشت معها، وتآلفت معها، فالأمر إذن ليس جديداً عليَّ، ما جد فقط مع الحظر هو عدم الذهاب للعمل، ومن ثم زاد الوقت المتاح للقراءة، ولملاحظة فزع المفزوعين.
يأتي رمضان هذا العام في ظل ظروف خاصة، وسط حالة الحظر التي تطوِّق العالم، جراء فيروس كورونا، لكن الأديب والناقد المصري أحمد رجب شلتوت، يقول إن عزلة المبدع تكون فرصة للانفراد بالذات، والحوار معها. وأكد شلتوت في ، أن حظر التجول سيتيح فرصة لقراءة الكتب، لافتاً إلى أن فعل الكتابة لديه لا يتأثر بالصوم، كما تطرَّق إلى أصداء الشهر الكريم في المنجز الأدبي العربي، حيث يرى أن الصوم عمل على استدعاء القصيدة، وكذلك الرواية لم تتجاهل هذا الشهر، لافتا إلى أن روايات أديب «نوبل» نجيب محفوظ تغوص في الطقوس الشعبية الرمضانية. وفيما يلي نص الحوار:
- ماذا يمثل شهر رمضان بالنسبة لك على مستوى الكتابة والإبداع؟
قيل إن رمضان من الرمض، وهو شدة الحر، ومنه الرمضاء، أي الأرض الشديدة الحرارة، وقيل إن الرمض هو الإزالة والمحو، وأعتقد أن المعنى المجازي لرمضان يجمع بين الرأيين، فهو ما يرمض المرض من الإنسان، وكذلك يرمض الذنوب أو يجعلها رماداً، فرمضان هو الشهر المخصص لتنفيذ فرض الصيام، "صوموا تصحوا"، وبما يؤدي إليه الصيام، رغم ما فيه من مشقة إلى غفران الذنوب. وبالنسبة لي، خصوصية رمضان على مستوى الكتابة تنبع من اختلافه عن بقية الشهور بالنسبة للمجتمع ككل، فصيام النهار يقسم اليوم إلى قسمين؛ الأول: نهاري، فالصيام يسبغ على العمل مشقة، تمتد إلى ما بعد الرجوع إلى البيت، فينفرد المرء بنفسه قارئاً للقرآن أو محاولاً النوم. أما القسم الثاني، فيبدأ بلمة العائلة حول مائدة الإفطار، فهو قسم ليلي بامتياز يستلزم السهر، ففيه جلسات سمر أمام التلفزيون أو من دونه، وفيه الخروج لصلاة القيام (التراويح)، بعدها لا نشعر أن اليوم انتهى، بل أمامنا متسع من الوقت قبل السحور، أقضيه غالباً في صحبة الكتب. أما الكتابة، فلها وقتها الذي تختاره. وبالنسبة لي، فإن كتابتي لا تتأثر بالصوم في رمضان.
الشعر العربي
- في المنجز الأدبي العربي، لماذا يظهر شهر الصوم وأجواؤه بوضوح في النصوص الشعرية أكثر من السرد الروائي؟
لأن الشعر العربي أكثر ذاتية من الرواية، فالشاعر يصب مشاعره التي تثيرها الأجواء الرمضانية في قصيدة، ومنذ صدر الإسلام ورمضان حاضر كموضوع في الشعر العربي، فالحالة التي يبعثها الصيام في نفس الصائم تكون مناسبة لاستدعاء القصيدة، لكن هنا أؤكد أمرين؛ أولهما أن أغلب هذه القصائد مجرَّد نظم متماثل أنتجته بواعث متشابهة (الصيام وآثاره)، لذا فالجيد فيها قليل، ومنه مثلا قصيدة المبدع الكبير محمود حسن إسماعيل، التي يقول فيها مخاطباً رمضان: ورحت تسد للأجواد شرعاً من الإحسان علوي النظام، بأن الجود حرمان وزهد أعز من الشراب أو الطعام. وثانيهما أن العلاقة بين الشعر والصيام لم تقتصر فقط على النفوس المؤمنة، فها هو أبونواس يتبرم من طول الشهر، ويقول: ألا يا شهر كم تبقى، مرضنا ومللناكا إذا ما ذكر الحمد لشوال ذممناكا.
أما بالنسبة للرواية، فالأمر يختلف، فهي بناء معقد متشابك لا يمكن أن تقتصر أحداثه على الصيام، ولا يكون انفعالاً لحظياً كالذي تعبِّر عنه القصيدة العربية، خصوصاً التقليدية منها، ويتسع مداها الزمني لأكثر من شهر رمضان، لكن ذلك لا يعني أن الرواية العربية تجاهلت الشهر الكريم، لكن حضوره فيها يختلف، فرمضان شهر كامل له طقوسه وفروضه، ومن خلالهما يترك أثره المميز في الناس وفي حياتهم اليومية، وهي الأمور التي قد تعالجها الرواية.
- لماذا يبدو ما يمكن تسميته مجازاً ب"أدب رمضان" فضيلة غائبة عن الإبداع؟
فيما يتعلق بأدب رمضان، أنا لا أرتاح لمثل هذه التسميات، فالأدب أدب، لا يتم تمييزه وفقاً لشهور أو أماكن، والمسألة عندي لا ترتبط بالجنس الأدبي بقدر ما ترتبط بصدق المشاعر والموهبة وإجادة التعبير.
- هل تتطلب الكتابة الإبداعية عن رمضان أديباً بمواصفات خاصة؟
كما قلت لك، المسألة تتطلب فقط الموهبة والصدق والإجادة، ونأخذ كمثال روايات أديبنا نجيب محفوظ، فأنت تجد للشهر حضورا في الثلاثية، وفي "بداية ونهاية"، و"خان الخليلي"، و"المرايا"، وأعمال أخرى، من دون أن يكرر محفوظ نفسه. ففي "خان الخليلي" وجدنا رمضان جزءا من النسيج الروائي، أثر في الأحداث، وفي الشخصيات وتفاعلها مع بعضها البعض، ومع المكان. وقد أفاد الكاتب من كل ذلك في رسم الإطار الواقعي لروايته وحركة بطلها الذي كان يؤجل في رمضان ممارسته لعادة القراءة اليومية إلى ما بعد الإفطار، حيث يكون تركيزه أعلى. وفي "بداية ونهاية" يأتي رمضان على الأسرة التي فقدت عائلها، فلم تستطع توفير احتياجات الشهر الكريم. وفي "الثلاثية" يأتي رمضان، فيغير السيد أحمد عبدالجواد وشلته عادتهم في السهر الماجن. وفي رواية "قلب الليل" نجد رمضان حاضراً، من خلال السهرات والأمسيات الفنية حتى السحور. وفي "المرايا"، يذكر أن ليالي رمضان كانت فرصة جميلة للصغار يجتمعون في الشارع بلا اختلاط، ويتراءون على ضوء الفوانيس، وهم يلوِّحون بها في أيديهم، ويترنمون بأناشيد رمضان. فقد غاصت هذه الروايات في تفاصيل الطقوس الشعبية المصرية. ولم يكتفِ محفوظ بوصف الاحتفالات الدينية وشعائرها، بل كان القارئ يجلس إلى مائدتي الإفطار والسحور، ثم يغوص مع الشخوص في حالاتهم الروحية عند سماعهم صوت الأذان، أو حين يخشعون في الصلاة، فقد التقط طقوس ما بعد الإفطار وصاغها في أكثر من رواية.
أعمال فنية
- ما أهمية تحويل الأعمال الأدبية التي تطرقت إلى رمضان لأعمال درامية وعرضها في هذا الشهر، مثل مجموعة "صائمون" للكاتب أحمد بهجت، و"في بيتنا رجل" لإحسان عبدالقدوس؟
اعتادت الأسرة العربية أن تجتمع في رمضان أمام التلفزيون لتتابع المسلسلات والأعمال الدرامية، وأعتقد أن الاهتمام يجب أن يكون بتقديم أعمال فنية جيدة تمتعهم وترتقي بهم، سواء تطرقت إلى رمضان أم لا، فقصر الاهتمام على مثل هذه الأعمال يجعل من مجرد موضوعها جوازاً للمرور مما قد يسوغ أعمالاً هابطة.
- إلى أي مدى يعتبر رمضان هذا العام فرصة للقراءة، في ظل التوقف عن العمل وحظر التجول جراء فيروس كورونا؟
حظر التجول هذا العام سيغيِّر من أشياء كثيرة، وسيحرم الناس من ممارسات اعتادوا عليها في ليالي رمضان، منها الخروج لصلاة التراويح والتنزه بعدها. أعتقد أن الوقت الذي كانت تستغرقه هذه الأشياء ستحظى به الكتب، على اختلاف أنواعها، ووفق تفضيلات القراء، وقد تستمر السهرة مع القراءة حتى وقت السحور، ثم صلاة الفجر، فليس ثمة خروج إلى العمل في الصباح التالي، بل قراءة حتى الفجر، ثم نوم أغلب فترات النهار.
- وكيف أسهمت العزلة المنزلية التي اضطر إليها البشر حالياً في تعزيز سلوك القراءة والعودة إلى الكتاب باعتباره أفضل صديق؟
العزلة تبدو سجنا للإنسان العادي، تجسِّد له الحرمان في أجلى معانيه، فلو كان محباً للقراءة معتاداً عليها فسيجد في سجنه متنفساً تتيحه الكتب. أما عزلة المبدع، فهي ليست كذلك، تكون فرصة للانفراد بالذات، والحوار معها. بالنسبة لي، استشعار الخطر الذي يمثله الوباء لا يمثل كابوساً، "كورونا" قد يعني الموت، لكن أشياء أخرى كثيرة تعنيه، ومن لم يمت ب"كورونا" مات بغيره. أعيش حياة عادية إلا قليلاً، فظروف الإعاقة الحركية التي تصاحبني منذ طفولتي وضعتني في حالة دائمة تشبه العزلة، تعايشت معها، وتآلفت معها، فالأمر إذن ليس جديداً عليَّ، ما جد فقط مع الحظر هو عدم الذهاب للعمل، ومن ثم زاد الوقت المتاح للقراءة، ولملاحظة فزع المفزوعين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.