الشاذلي بن جديد - الرئيس الجزائري الأسبق نادراً ما تجد رئيساً يأخذ بيد شعبه طوعاً إلى الحرية والديمقراطية.. رئيساً يقرر أن يفتح الباب لتأسيس الأحزاب ولانتخابات تنافسية حرة ونزيهة وأن يتسامح مع معارضيه.. إنه «الشاذلى بن جديد» رئيس الجزائر الأسبق، الذى وافته المنية بعد ظهر أمس الأول فى مستشفى «عين النعجة» العسكرى بالعاصمة الجزائرية إثر إصابته بالسرطان. صعد بن جديد إلى سدة الحكم فى مفاجأة كبيرة بعد وفاة سلفه هوارى بومدين فى 1979، إلا أنه شرع فى مجموعة من الإصلاحات تحولت جميعها إلى كوابيس، حينما تبنى حزمة من الإصلاحات الاقتصادية التى تضمنت تحرير الاقتصاد والتجارة أدت إلى انفجار اجتماعى عارم ومجموعة من الاضطرابات أسفرت عن مئات القتلى والجرحى فى أكتوبر 1988. وعلى الرغم من سعيه لإضفاء الطابع الديمقراطى على مؤسسات الدولة الجزائرية وتبنيه دستوراً تعددياً فى فبراير 1989، وكذلك تخليه عن رئاسة الحزب الواحد، «جبهة التحرير الوطنى»، فى يوليو 1991، أجبرته المؤسسة العسكرية على الاستقالة فى 1992 بعد أن منحت إصلاحاته الفرصة للجبهة الإسلامية للإنقاذ، للفوز بالدورة الأولى للانتخابات التشريعية فى 1991، مما أدخل البلاد فى دوامة من العنف بين الدولة والإسلاميين أودت بحياة 200 ألف جزائرى وعرفت ب«عقد الدم». وولد بن جديد بقرية بوثلجة، بولاية عنابة فى 14 أبريل 1929 ونشأ فى أسرة متواضعة، مما دفعه للعمل فى وقت مبكر قبل أن يلتحق بجيش التحرير الجزائرى فى جبال منطقة قسنطينة مع بداية حرب الاستقلال من الاستعمار الفرنسى (1954 - 1962)، ثم انتقل إلى الجيش الجزائرى وتدرج فيه حتى رتبة عقيد قبل أن يصبح رئيساً للجزائر. وقضى بن جديد حياته، بعدما أجبرته المؤسسة العسكرية على الاستقالة، قيد الإقامة الجبرية حتى وصول الرئيس الحالى عبدالعزيز بوتفليقه للحكم، الذى أعاد إليه حريته لكنه استمر بعيداً عن السياسة وحرص على الانزواء بعيداً عن أعين الإعلام حتى صيف 2008، وتحديداً فى شهر يوليو، حينما اختار الشاذلى مدينته الطارف لينطق بأول موقف سياسى. وحينها، كشف الشاذلى عن أسرار استقالته قائلاً «اقتنعت أن النظام الذى كنت أسيره لأكثر من 12 سنة قد وصل إلى نهايته، ولا يمكن أن يضيف شيئاً للأجيال القادمة، واقتنعت بحتمية رحيله لصالح نظام برلمانى مستقل يقوده الشباب ولا يقوم على مبدأ الشرعية الثورية». والجزائريون فى انتظار مزيد من الأسرار عن تلك المرحلة الحرجة فى تاريخهم، مع نشر مذكرات بن جديد الذى يخرج جزؤها الأول إلى النور فى الأيام القليلة القادمة.