أشاحت مرجان حميدي بوجهها عن محل الجزار في منطقة مزدحمة بسوق ايرانية كبيرة. فمحاولتها شراء البقالة بأسعار معقولة لا تمضي على ما يرام. قالت بخيبة أمل "كل شيء أصبح باهظ الثمن في الاسابيع القليلة الماضية .. لكن دخل زوجي كما هو. كيف يمكن أن أعيش بهذه الطريقة.." ويتضافر تشديد العقوبات الدولية المفروضة على ايران بسبب برنامجها النووي المثير للجدل مع تضخم جامح مما يقيد قدرة الطبقة العاملة الايرانية على اعالة نفسها وعائلاتها. ويهيمن عدم التيقن والصعوبات المالية على الاجواء قبيل انتخابات برلمانية مقررة في الثاني من مارس اذار. ويبلغ معدل التضخم الرسمي 21 بالمئة لكن منتقدين للرئيس محمود أحمدي نجاد وسياسته الاقتصادية يقولون ان تلك الارقام زائفة وان التضخم الحقيقي حوالي 50 بالمئة. قالت الام البالغة 52 عاما أثناء وقوفها في السوق المغطاة النابضة بالحياة "قدرتي الشرائية تتراجع كل يوم تقريبا وأسعار الاغذية الاساسية تقفز بين عشية وضحاها." وقالت حميدي وهي تشير الى سعر اللحم "مدخراتي المصرفية تنكمش. لا أستطيع تحمل تكاليف المعيشة التي لا تطاق بالاعتماد فقط على معاش التقاعد الذي يتقاضاه زوجي." المصدر رويترز وبسعر يبلغ 25 دولارا للكيلو يصبح اللحم على نحو متزايد خارج متناول ايرانيين كثيرين. وقبل ثلاثة أشهر كان السعر أرخص عشرة دولارات. مريم بخشيان مواطنة ايرانية أخرى جاءت الى السوق لشراء القماش. وشأنها شأن معظم الناس كان بالها منشغلا بالاسعار المرتفعة. قالت بابتسامة لم تخف احباطها "الامر يدعو للسخرية .. في حين أستطيع بصعوبة تلبية حاجاتي اليومية فان بعض الناس يقومون بتخزين البضائع تخوفا من نقص محتمل في المستقبل." وفي الشهر الماضي تقاطر ايرانيون كثيرون على المتاجر وأفرغوا الارفف تحسبا لانباء سيئة. ونتج ذلك عن تكهنات متنامية بأن اسرائيل والولايات المتحدة ستشنان ضربات عسكرية ضد المواقع النووية الايرانية. وعلى الجانب الاخر من المدينة كان مجتبى (60 عاما) الموظف الحكومي المتقاعد يشتري للتخزين من متجر فاخر وذراعاه تنؤان تحت عبء أكياس التسوق المنتفخة. قال متحدثا عن خططه الطارئة لمواجهة نقص في السلع "انس المواد القابلة للتلف مثل اللحم. اذا حدث أي شيء للكهرباء فستضطر الى التخلص من كل شيء." وقال "من الافضل شراء الارز والاغذية المعلبة والمعكرونة والمعجنات وزيت الطعام" مضيفا أنه اشترى حتى الان 400 كيلوجرام من الارز وصناديق من الاغذية المعلبة وضروريات أخرى. وفي حين أن العقوبات على ايران ليست أمرا جديدا فان الجولات الاحدث استهدفت صناعة النفط والمؤسسات المالية في مسعى لحمل القيادة على التخلي عما يعتقد الغرب أنه برنامج لانتاج أسلحة نووية. وتصر طهران على أن أنشطتها النووية سلمية. وتقول الحكومة ان العقوبات لا تؤثر تأثيرا يذكر لكن تهاوي قيمة العملة الايرانية الريال يثير فزع الايرانيين. ورغم اجراءات من البنك المركزي الايراني لدعمه فقد الريال نصف قيمته مقابل الدولار منذ ديسمبر كانون الاول. ويبحث الايرانيون بحثا حثيثا عن ملاذات امنة لمدخراتهم ويتكالبون على شراء العملات الصعبة أو الذهب. وفي حين يلقي كثيرون باللوم على العقوبات في ارتفاع الاسعار فان هناك استياء شديدا أيضا ازاء الحكومة لتطبيقها اصلاحات اقتصادية أدت الى سحب الدعم المكثف لاسعار الوقود والمواد الغذائية الاساسية في نهاية 2010. ويعبر منتقدون كثيرون من بينهم أعضاء بالبرلمان عن مخاوفهم علنا بشأن الاصلاحات ويقولون ان دعما نقديا شهريا قدره 40 دولارا للفرد لا يكفي. ونقلت صحيفة همبستجي عن محمد رضا بهونار وهو نائب كبير بالبرلمان قوله "قد نصل الى مرحلة يتمنى الناس فيها لو أن القانون لم يطبق قط." وفي أنحاء البلاد يبدي بعض الايرانيين تشككا في أن الادلاء بأصواتهم في الانتخابات بعد أقل من أسبوعين يمكن أن يحسن أوضاعهم. ويبدي الزعماء قلقا متزايدا من ضعف نسبة المشاركة في انتخابات يهيمن عليها الهم الاقتصادي. قالت بارفين (59 عاما) وهي ربة بيت من مدينة جورجان في جنوب البلاد "لا أحد في عائلتي يعتزم التصويت .. هذا اخر شيء نفكر به. ما الفائدة.. "العقوبات مشكلة لكن السياسات الاقتصادية لحكومتنا مشكلة أيضا. الحياة أصبحت لا تطاق." وفضلا عن الاسعار فان البطالة مبعث قلق اخر للايرانيين الذين يحاولون تلبية حاجاتهم. وعلى مدى العام المنصرم كان للصعوبات المالية المتصاعدة عواقب وخيمة على مختلف الشركات الكبيرة والصغيرة. عشرات الالاف من الوظائف ألغيت وتتحدث مواقع المعارضة عن اضرابات لعمال لم يحصلوا على أجورهم لشهور. وبدلا من التفكير في الانتخابات الوشيكة يبدو ايرانيون كثيرون منشغلين بايجاد السبل للحد من معاناتهم وزيادة مواردهم. وبالنسبة للشبان والطبقات الوسطى المتعلمة يعني هذا الخروج من ايران. هدف رضا هو السفر الى فرنسا. قال المحاسب البالغ 30 عاما وهو يقف في طابور عند السفارة الفرنسية في طهران "لا أريد أن أنجب طفلا هنا .. يمكن أن أصبح بلا عمل في أي لحظة. لا أمل لي ولزوجتي هنا. "كل ما أريده هو السفر. مستعد حتى للعمل في ماكدونالدز." ولحامد هاشمي هدف مماثل هو السفر الى كندا. وقال مدير التسويق البالغ 31 عاما بينما كان يناقش الزيادة الكبيرة في أسعار المنازل في الاسابيع الاخيرة "أتقاضى راتبا جيدا لكنه لا ينفع بشيء .. حتى اذا ادخرت كل دخلي سأقضي عمري كله كي أشتري منزلا." أما كاميار فقد حصل بالفعل على تأشيرة دخول للنرويج حيث تلقى عرضا للدراسة بالجامعة. وقال مهندس الكمبيوتر البالغ 26 عاما "ما الذي سأخسره.. .. بدون مساعدة والدي لا أستطيع أن أعول نفسي ناهيك عن أن أتزوج."