شهدت السوق العقارية الإيرانية ازدهارا ملحوظا فى الآونة الأخيرة، حيث يجد البعض فيه استثمارا أفضل لأموالهم في ضوء انخفاض أسعار الفائدة عن التضخم. فقد دفعت نيجار احتشامي ما يعادل ستة ملايين دولار بالريال الإيراني نقدا في الفترة الأخيرة مقابل شقة فاخرة، لكن هذه الشقة ليست في نيويورك أو لندن.. إنها في عاصمة الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وقالت احتشامي- 56عاما- وهي مصممة داخلية من عائلة إيرانية ثرية تعيش في ضاحية راقية بشمال طهران "أنا مليونيرة في عيون الناس بفضل هذه الشقة التي تبلغ مساحتها 300 متر مربع، لكن لا شيء اخر في حياتي يشبه حياة المليونير." وأضافت وهي تبعد حقيبة يدها الفاخرة التي تحمل علامة "هيرميس التجارية" ثم تغلق نافذة الشقة "هنا أشعر وكأني داخل طائرة هليكوبتر، بوسعي أن أرى المدينة كلها." وقصة نيجار هي حكاية لها أصداء في دول كثيرة في الغرب وتتمثل في ارتفاع أسعار المساكن لعوامل منها تيسير القروض. ويأمل منصور باغري رجل الاعمال المقيم في ألمانيا منذ عام 1980 أن يكون ثروة من سوق العقار في إيران. ويقول انه يحصل على قروض من اوروبا ويشترى شققا في طهران، مضيفا انه سيصبح ثريا فى القريب العاجل. ويقول محللون اقتصاديون ان الطفرة العقارية في إيران -رابع أكبر منتج للنفط في العالم- غذتها السياسات الاقتصادية للرئيس محمد أحمدي نجاد منذ انتخب عام 2005. وارتفعت أسعار العقارات بأكثر من 100 % في عام 2007 بعد ارتفاعها نحو 65 % في 2006 وأكثر من 50 % في 2005. ويرى بعض الخبراء الاقتصاديين مجالا كبيرا لاستمرار ارتفاع السوق لان الإيرانيين يجدون في العقارات استثمارا أفضل لاموالهم في ضوء انخفاض أسعار الفائدة عن التضخم. وقال الاقتصادي رضا عبدي زادة ان الأسعار المرتفعة قد تكون فقاعة، وربما تكون زائفة وغير منطقية، لكنها حقيقة واقعة. مضيفا انه من الناحية التاريخية فان أسعار المساكن لم تنخفض قط في إيران، ربما تحاول الحكومة من وقف ارتفاع الأسعار لكنها لن تنجح في خفضها. وعقب انتخاب الرئيس أحمدي نجاد طرحت حكومته خطة لتقديم قروض "سريعة الاثر" وقدمت مبالغ كبيرة للافراد والشركات ممن لديهم خطط لخلق وظائف في إيران التي تجاوز معدل البطالة فيها 10 %. وهذه السياسة الائتمانية عامل رئيسي في ارتفاع التضخم وقد أزعجت الكثيرين ومن بينهم محافظ البنك المركزي طهماسب مظاهري. وقال الاقتصادي سعيد ليلاز "لقد خلقت مشاكل قائمة منذ ذلك الوقت"، وأشار الى أن المشكلة الرئيسية هي السيولة المالية الضخمة. وقد قالت الحكومة ان من استخدموا الاموال للاستثمار العقاري وليس لخلق الوظائف سيحرمون من الحصول على قروض جديدة لمدة خمس سنوات. وكان الرئيس أحمدي نجاد خفض أسعار الفائدة رغم نمو كبير في السيولة في عام 2007 مما أثار انتقادات الساسة والاقتصاديين، وأصبحت أسعار الفائدة الان أقل من التضخم الذي يتجاوز حاليا 20 %. وقال الوكيل العقاري علي افشري "عندما لا تتاح فرصة أخرى للاستثمار وتكون أسعار الفائدة بالبنوك نحو 16 % فمن الطبيعي أن تتدفق الاموال على العقارات." وحاولت الحكومة الحد من ارتفاع الأسعار لكن جهودها لم تكلل بالنجاح. ويبلغ عدد من يدخلون سوق العقار للبحث عن مسكن كل عام نحو مليون شخص، في حين أن إيران لاتبني سوى 600 ألف وحدة سكنية جديدة سنويا. ويقول السياسي محمد خوشهره ان العجز في الوحدات السكنية يبلغ 6. 1 مليون مسكن. وقال حميد تقوي وهو موظف حكومي يعول ولدين انه باع شقته التي تبلغ مساحتها 60 مترا مربعا في طهران لسداد تكاليف زواج ابنه عام 2007، ومنذ ذلك الحين تزايدت صعوبة تأجير شقة أصغر مساحة. وأضاف "أردت شراء شقة أصغر ببقية المال لكن يبدو أنني سأصبح بلا مأوى في سن الخامسة والخمسين خلال أقل من عامين." ومن العوامل التي تغذي النار أن بعض سماسرة العقارات والمحللين يتوقعون قفزة ضخمة في الأسعار خلال الشهور المقبلة وسط تصاعد الضغوط الدولية على إيران لوقف برنامجها النووي. وقد فرضت الاممالمتحدة ثلاث مجموعات من العقوبات على إيران بسبب البرنامج النووي، كما وضعت واشنطن ثلاثة من البنوك الرئيسية في إيران في قائمة سوداء وانسحبت بنوك اوروبية من التعامل مع إيران تحت ضغوط أمريكية. وتوقع السمسار مهرداد ديواني مزيدا من الاستثمار في مشروعات البناء وقال ان انخفاض أسعار الفائدة والطلب القوي على الاسكان بالاضافة الى شبح فرض مزيد من العقوبات الدولية على إيران سيغذي الأسعار. ولعب رأس المال الاجنبي دورا كبيرا في نجاح السوق بسبب الاموال التي يحولها الإيرانيون المقيمون في الخارج والتي يعتقد محللون أنها زادت منذ فرضت أول عقوبات دولية على إيران عام 2006. ويرى الاقتصادي باغر سفاريان ان الخوف من تجميد الاصول بسبب النزاع النووي، والركود الاقتصادي في الغرب أدى الى زيادة وتيرة التدفقات المالية على إيران. وقال المهندس منصور خليليان الذي يعمل في بناء مساكن شعبية في جنوبطهران انه يتوقع ارتفاع الأسعار في عام 2008 بسبب طفرة صناعة البناء في مختلف أنحاء البلاد بما في ذلك البلدات القريبة من طهران حيث يعيش الكثير من العمال الفقراء. وأضاف ان الناس لديهم أموال ولا يثقون بالنظام المصرفي في إيران بسبب عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، ولان الدولار والذهب يفقدان قيمتهما فان الناس تفضل الاستثمار في العقارات. ويقول محمد رحيمي الموظف الحكومة البالغ من العمر 35 عاما ان من المستحيل عليه وزوجته سيمين الان شراء شقة صغيرة في طهران. ويضيف "اذا لم نأكل ولم نشرب ولم ننفق شيئا لمدة 40 عاما فربما نتمكن من شراء بيت مساحته 20 مترا مربعا، وهذا بالطبع اذا لم ترتفع الأسعار." (رويترز)