إن الدولة تبذل جهوداً حثيثة لتمهيد الطريق أمام رواد الأعمال الجدد وتقدم كافة أشكال الدعم للمشروعات الجديدة منذ بدايتها كفكرة ومروراً ببدء العمل والتوسع والتعثر واستعادة النشاط مرة أخرى . أن الكثير من الدول اهتمت بتنمية هذه المشروعات ولعل تجارب بعض الدول أكبر دليل علي ذلك فمثلا اليابان بالرغم من أنها لا تتمتع بثروات معدنية أو مواد أولية ومعظم إنتاجها يعتمد علي استيراد أغلب مواردها الاولية إلا إنها حققت تقدما كبيرا في مجال الصناعة لدرجة كبيرة ويرجع ذلك الي ما اتبعته الحكومة من توفير الدعم الكامل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة آخذ العديد من الاشكال بداية من إقامة المجمعات الصناعية وتقديم التمويل اللازم وتبني الحكومة لهذه المشروعات خوفا عليها من الافلاس وتقديم التدريب الفني والاداري لأصحابها كل ذلك ساعد هذه المشروعات علي الانتاج بجودة عالية طبقا للمواصفات مما أدي الي اعتماد المشروعات الكبرى علي إنتاج هذه المشروعات فضلا عن أن كثير من الصناعات الكبرى أصبحت تتخلي عن إنتاج الكثير من مكونات التصنيع وإسنادها الي المشروعات الصغيرة باعتبارها الاكثر تخصصا. تمثل المشروعات الصغيرة والمتوسطة إحدى القطاعات الاقتصادية التي تستحوذ على اهتمام كبير من قِبَل دول العالم كافة والمشروعات والهيئات الدولية والإقليمية, والباحثين في ظل التغيرات والتحولات الاقتصادية العالمية, وذلك بسبب دورها المحوري في الإنتاج والتشغيل وإدرار الدخل والابتكار والتقدم التكنولوجي علاوة على دورها في تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية لجميع الدول. ولكن من الملاحظ أن الوضع الحالي للتنمية الاقتصادية في الدول النامية ومنها مصر متردي ومعدلات النمو منخفضة، ومما هو مشاهد استفادة الدول المتقدمة في تحقيق مستوى عالي من التنمية الاقتصادية من خلال تنبي ودعم سياسيات واضحة لتفعيل دور المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وقد ظهر ذلك في محاولة القضاء على البطالة والحد من الفقر، بل وتحقيق رفاهية اقتصادية في بعض الدول. وتُمثِّل هذه طبيعة مشكلة الدراسة التي يهدف الباحث بحثها ومعالجتها، وذلك من خلال إلقاء الضوء على الدور الذي تقوم به المشروعات الصغيرة في تحقيق التنمية الاقتصادية. يختلف تعريف المشروعات الصغيرة والمتوسطة بين الدول الصناعية والنامية مما يجعل من الصعوبة إجراء المقارنة بينهما، فالمشروعات التي تعتبر متوسطة في الدول النامية تعد صغيرة في الدول الصناعية، كما أن المشروعات الكبيرة في الدول النامية تعد متوسطة في الدول الصناعية. وفي سبيل مواجهة الصعوبات في المقارنة درجت العديد من الدول المتقدمة والنامية على تبني تعريف منظمة العمل الدولية والتي تعرف المشروعات الصغيرة بأنها المشروعات التي يعمل بها أقل من 10 عمّال والمشروعات المتوسطة التي يعمل بها ما بين 10 إلى 99 عاملاً، وما يزيد عن 99 تعد مشاريع كبيرة. ويمكن تعريف إدارة المشروع الصغير بأنها الاستخدام الأمثل لموارد المشروع البشرية والمادية المتاحة للوصول إلى الهدف المنشود في أسرع وقت وبأقل تكلفة ممكنة، كما أنها التنفيذ الأمثل لمهام المشروع باستخدام الآخرين وتفويض السلطات مع مراعاة حسن التخطيط ودقة المتابعة. تعتبر ظاهرة البطالة من أبرز التحديات التي تواجهها دول العالم في الوقت الراهن ،بسبب انعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية كونها ظاهرة اقتصادية واجتماعية تلقي بظلالها على الاقتصاد وعلى المستوى المعيشي فهي تعني حرمان الفرد من مصدر الدخل ،وتغذي الفقر ،وتعطل جزء من طاقة المجتمع إلى غير ذلك من الانعكاسات السلبية والتي قد تعصف بالاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للدولة. ولتفادي ذلك عملت حكومات الدول المتقدمة والنامية على السواء على إيجاد الآليات الكفيلة باحتواء الظاهرة ،وقد ساد لفترة طويلة منطق أن الإدارات والهيئات والمؤسسات العامة الضخمة هي المراكز الأكثر استقطابا للأيدي العاملة ومن ثم امتصاص البطالة غير أنه عمليا أصبحت عاجزة عن استيعاب الأعداد المتزايدة من طالبي الشغل ،لذلك اتجهت الاهتمامات إلى آليات أخرى لمواجهة البطالة تعتمد بالدرجة الأولى على المبادرات الفردية للبطالين ،وتجسيدها في شكل مشاريع صغيرة ومتوسطة وقد أثبتت التجارب فعالية هذا التوجه لما يتميز به هذا النوع من المشاريع من خصائص تجعلها أكثر قدرة على احتواء ظاهرة البطالة بسبب سهولة تأسيسها وضآلة رأس المال الذي تحتاج إليه وقدرتها على التوسع جغرافيا وقطاعيا . غير أن هذا التوجه يقتضي ضرورة احتضان الدولة لهذه المبادرات الفردية ومدها بالدعم المالي والفني وخلق أجهزة مرافقة لها وقد اعتمدت مصر هذا التوجه لذلك جاءت هذه المداخلة كمحاولة لاستعراض التجربة الجزائرية في مواجهة البطالة اعتمادا على المشاريع الصغيرة والمتوسطة وذلك من خلال أهم الأجهزة الحكومية التي أنشأتها بغية دعم ومرافقة هذه المشاريع والتي تأتي في مقدمتها الوكالة الوطنية لتشغيل الشباب وصندوق التأمين على البطالة ووكالة تطوير الاستثمار مع التطرق إلى حزمة الامتيازات التي يوفرها كل جهاز للمشاريع المعتمدة من طرفه ووصولا إلى نتائج هذه التجربة في امتصاص البطالة وفي تطوير قطاع المشاريع الصغير والمتوسطة. يلاحظ أيضا تفاوت الاقتصاديات العربية في استيعاب العمالة بالدول العربية، حيث يتبين من خلال البيانات الواردة في التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2008 أن قطاع الخدمات يوظف حوالي 55.8% من إجمالي القوى العاملة العربية مقابل حوالي 27.7% في قطاع الزراعة، و16.5% في قطاع الصناعة. وبشكل عام يمكن القول إن سوق العمل العربية تعاني من عدة ضغوطات نذكر منها ما يلي: 1. ضغوط سكانية لزيادة حجم الداخلين الجدد لسوق العمل. 2. ضغوط اقتصادية لزيادة حجم الديون وخدماتها، وتنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي، وإعادة الهيكلة لدعم اقتصاد السوق، وخفض الدين العام، وترشيد الإنفاق العام، وتحقيق مزيد من الانفتاح الاقتصادي. 3. تباطؤ النمو الاقتصادي. 4. ضعف مستوى الإنتاجية في معظم القطاعات الاقتصادية. 5. سوء التخطيط التربوي وعدم التوافق بين مخرجات التعليم والتدريب المهني والتقني واحتياجات سوق العمل. 6. تراجع ملحوظ في حركة تنقل الأيدي العاملة العربية والتي ساهمت لعقود من الزمن في تخفيف أعباء البطالة في بلدان الإرسال العربية، بالإضافة إلى الهجرة العائدة من أوروبا نتيجة تقليص فرص العمالة العربية لصالح عمالة من أوروبا الشرقية في إطار توسعات الاتحاد الأوروبي. لذلك يتم قياس دور المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومساهمتها في الاقتصاد من خلال ثلاثة معايير رئيسية هي المساهمة في التشغيل والإنتاج وحصتها في العدد الكلى للمنشآت في الاقتصاد حيث يبلغ عدد المشروعات الصغيرة والمتوسطة في مصر ( متضمنة المشروعات متناهية الصغر ) أكثر من 2.5 مليون مشروع تمثل حوالي 99% من مشروعات القطاع الخاص غير الزراعي وتساهم في 80% من الناتج المحلى الإجمالي وتغطى نحو90% من التكوين الرأسمالي وتستوعب حوالي 75% من فرص العمل ، ويدخل سنويا 39 ألف مشروع جديد مجال الإنتاج "1″ يعتبر التمويل من أهم العوامل الحاكمة والمؤثرة على قدرة المشروعات الصغيرة والمتوسطة على الإنشاء والتشغيل والاستمرار والنمو وينطبق هذا على الدول النامية والمتقدمة ، وتحصل هذه المشروعات على احتياجاتها التمويلية من عدة مصادر أهمها :- -التمويل الذاتي اعتمادا على المدخرات الشخصية لصاحب المشروع أو إجمالي المدخرات العائلية ، ويتصف قطاع هذه المشروعات في مصر بانخفاض القدرة على الادخار ، مما يحد من التمويل الذاتي المتاح، ويلجأ بعض أصحاب هذه المشروعات إلى مصادر الائتمان غير الرسمية التي تتصف بارتفاع أسعار الفائدة . – **كاتب المقال دكتور في الحقوق وخبير في القانون العام ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية ومستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والإستراتيجية بفرنسا