ان المهام الفكرية التي تواجهها الفلسفة العربية المعاصرة, تجعل الفيلسوف مفكراً استراتيجياً ان صح التعبير طالما يخطط للمستقبل ويفكر به ويبلور التصورات المختلفة ليصوغ من خلالها ما تطرحه عليه الممارسة الثقافية والاجتماعية والسياسية التي تواجه حجب اشكالياتها وتتداخل مع الصراع حول مفاهيم عدة كالكون والانسان. ومع كل الأهمية التي يتمثل بها الإسهام الفلسفي في مرحلة التحولات التي تخوضها التجربة العربية بمختلف الأصعدة فقد تأخر الانتاج الفلسفي المتخصص في دراسة قضايا الفكر العربي المعاصر الى مابعد الحرب العالمية الثانية أي الى بلوغ نضال الفكر القومي التقدمي مستوى جديداً والتخلص من حجبه وابراز طابعه التقدمي ووعيه العميق لواقع الامة وجدلها الخاص وتمثله تيارات الفكر المعاصر ووعي ازماتها الذاتية. وان تزامن افصاح الفكر الفلسفي عن انشغاله بواقع الفرد يجدد وعي النهوض وتجذر رؤية الفرد للمستقبل ويفيدنا عن التساوق الابداعي لأطر الثقافة الفردية المعاصرة من مواقعها المختلفة وهذا بعد ان استطاع التيار الفكري ان يشكل بمضمونه الفلسفي دفقاً غنياً عُدَّ الممثل الأبرز للحضور الفلسفي الذي لابد به نستقي من روافد تاريخنا الحي . ومهما كان حال التساوق الذي أشرت إليه فإن هناك مسألة كبيرة تفصل فلسفتنا المعاصرة عن دورها في رفع الحجب التي تعرف بالتخلف الثقافي وهذا الأخير ينتج عن ضيق فرص النشاط الفكري الحُر في المجتمع العربي ونقص مستلزماته وتأثير النزعات الانسحابية التي روجت لها بعض التيارات الفلسفية الغربية والهدف هو إبعاد الفلسفة عن وظائفها التقويمية تحت دعاوى تحويل الفلسفة إلى أداة للتحليل اللغوي والمنطقي, الأمر الذي يسحب العقل النقدي من الحياة إلى مجال التجريدات وتعجيز العقل من إيجاد المعنى أو أي قيمة في العالم الموضوعي. ولا ننسى ان المفهوم الاشكالي للنهضة من شأنه ان يبقى في خواطر النكوص والتردد عن الخوض في تعقيدات الواقع, وهذا لفرط مايجده المثقفون من صعاب ومايحيط بهم من تحولات مؤثرة في مستوى نشاطهم الفكري وجوّهم العلمي. لذا يصح أن يكون الحديث عن الحُجب التي تعيق الفكر ناجماً عن تضخم الإحساس بالإحباط وبتوسع من ابسط أمور الحياة إلى تحقيق الطموح, مما أوجد شق بين وضع الفرد وانجازاته ومما لاشك فيه أن إشكالية الفرد تتحول إلى إشكالية كلية بهذا الحجم ما لم ينظر إليها من خلال جدلية النهضة للفكر المطلق واستخدام ادوات تجاوزها بمعرفتها والنفاذ الى طبقات تكوينها وتلافيفه, ستضاعف حالة القلق المشروع على مصير فكر الفرد وتحوله إلى رهاب مخيف . إن علاقة حاضر فكر الفرد بالماضي وبحاضر الفرد الغربي لابد أن تدفعه أكثر إلى تحديد أسلحته وشحذها لمواجهة قضايا الحُجب الافتراضية وفتح مجال للفكر الايجابي دون الغرق في مشكلات المعرفة في مقابل مشكلات الأهداف . على فرض أن( كوننة) الفكر الحضاري وصبغه بألوان التمركز والهيمنة تكفي لربط الثقافي المعرفي بالسياسي الأيديولوجي في بناء المشروع الفلسفي العربي المعاصر, وهذا هو مدخلها لمرحلة بناء النظريات الفلسفية وتأسيس أفكارها المرجعية الموجهة في مختلف الميادين. ولكن ارتكاز التفكير الفلسفي الى مخططه الثقافي التنويري لابد ان يضعه امام قضايا الخصوصية والإشكاليات الأيديولوجية وادراك الوعي التاريخي بالهوية والتطور, فلنتقدم نحوها ولابد من الوصول الى المعقولية التامة بإدخال عنصر النظام وتحديد هدف لغرض المطابقة بين الإنسان والطبيعة على الرغم من اقرارها بالتغاير بينهما. والوقوف على النقلة التي تحققت بعد ان تحطمت روابط الفكر المحجب القائم على القداسة وتم الارتياد لمجال البحث في قوانين الكون وهنا لابد من الفرد ان يضيف للائحة هموم نهوضه التخلص من حجب فكره ومخاوفه المفترضة وهذا لن يتم مالم يقترن بالمعرفة. كي لا يعود الإنسان مرة اخرى خاضعاً لمنطق الجمود كي لا يهبط مرة ثانية الى مستوى الاغتراب عن كل تلك المكاسب, لتجبر العقلانية والمادية الى إحالته إلى أداة تدعم قيم مجتمع استهلاكي ومناخه الفكري فلابد على كل إنسان التخلص من مخاوف خُلقت من الوهم كي ينهض الفكر الفلسفي من جديد في ظل ثورة المعلومات والاتصالات. **كاتبة المقال كاتبة وباحثة عراقية