سلامًا مصريًا بعلم الوصول. أرض السلام مصر.. منها السلام.. وعليها سلام. سلامًا مصريًا خالصًا. إلى اليمين وإلى الشمال .. إلى الجنوب وإلى الغرب. تتوالى الانتصارات. إجهاض مخطط التهجير بمؤتمر شرم الشيخ نصر عزيز. إيقاف حرب غزة نصر آخر. إنجاح وقف حرب غزة نصر فوق عظيم، نظرًا لما أحيط بتلك الحرب من محاولات وتجرؤات ومعادلات دُبِّرت بليل فى الطريق للإعداد لمزيد من التغولات على التاريخ وعلى الجغرافيا. بالتاريخ والجغرافيا صنعت مصر السلام. وفى الملمات لدى القاهرة القدرة على تحدى الجغرافيا لصناعة سلام على الطريقة المصرية. -1- يبقى السلام المصرى يمينه المسئولية، ويساره الخلق، ومن أعلاه القدرة، ومن تحته اليقين بأن الإرادة تلين الحديد، وأن العزم يصنع المعجزات. الأسبوع الماضى توالت المشاهد. تقدير من العالم فى بروكسل، ورسائل من مصر فى احتفالية السلام بالعاصمة الإدارية. فى الاحتفالية جدد عبدالفتاح السيسى ثوابت الدولة المصرية فى التعاطى مع أزمات الإقليم ومع تقلبات السياسة فى العالم. توازن الدولة المصرية بين قوة الموقف وإنسانية القرار. تبقى قدرة الدولة حاضرة فى المشهد بكل الرشد مع القدرة على الردع. صحيح .. الشعب الذى يرفض الهزيمة هو وحده القادر على صناعة النصر. الانتصارات فى عصر التكنولوجيا وحروب السوشيال ميديا مختلفة الأوجه ومتعددة الوسائل. توسعت وتعددت أشكال الانتصارات، كما اختلفت أشكال الحروب، وأشكال الأسلحة، وأشكال الجبهات. لا تزال مصر ركيزة الاستقرار وضمير الإنسانية تمضى الدولة بخطى ثابتة نحو تأكيد السلام القائم على العدل، وعلى الكرامة الإنسانية، لا على المساومات أو المصالح المؤقتة. اختصر عبدالفتاح السيسى المشهد كله فى احتضان الطفلة الفلسطينية «ريتاج». الصورة متداولة، وبلغة مواقع التواصل هى تريند للآن. والصورة هى جوهر موقف مصرى لا يرى القضية الفلسطينية على أنها مجرد صراع سياسى بقدر ما هى قضية ضمير ومسألة هوية من الطراز الأول. لا تتحدث الدولة المصرية عن السلام كما يتحدث آخرون ودمتم؛ إنما تصنع مصر السلام بجهود أثبتت قدراتها على تغيير المعادلات، وإبطال التفاعلات مهما كانت درجات الشدة، ومهما كان الإصرار من آخرين على الانفلات وعلى إحداث انفجارات متعمدة فى طريق موهوم للسيطرة. جدد عبدالفتاح السيسى التأكيد على أن السلام خيار مصرى استراتيجى، تعمل عليه دولة، ويحميه جيش قادر وقت المقتضى. لم تجبل الدولة المصرية على الاعتداء، لكنها، وعلى مسرح التاريخ، لم تسمح بالمساس لا بأمنها ولا بثوابتها ولا بجواهر قضاياها العادلة. -2- فى بروكسل استقبل عبدالفتاح السيسى تحايا حارة من دول الاتحاد الأوروبى، وقد تحققت لاءاته الثلاث: لا للتهجير .. ولا لسرقة الأرض.. ولا لتصفية القضية. حفاوة استقبال لرئيس الدولة المصرية استمرت أيامًا، ومزيد من الدلالات على تقدير عالمى لدور مصرى ظاهر أثبت للجميع أن الطريق للسلام، رغم الصعوبات ورغم الدسائس ومحاولات اللعب على الحبال هو الأنجح والأجدر وهو الحل الوحيد. انعكس النجاح المصرى فى إتمام مؤتمر شرم الشيخ بمزيد من التقدير لدولة، ظلت على ثباتها فى الوقت الذى أجبرت الظروف والملابسات البعض على التسليم بأن القضية فى نهاياتها وأن المخططات قد اقتربت من التحقق. رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبى أقرت بأن مصر أثبتت أنها الأقوى، وأنها أجبرت العالم على أن يعود إلى الرشد أو إلى الصواب، وأجبرته على أن يمتثل فى النهاية لوجهة نظر تمسكت بها الدولة المصرية إلى آخر المطاف، حيث أجبرت كل القوى، بما فيها قوى الشر على الانصياع. وأثنت رئيسة البرلمان الأوروبى على دور محورى لعبه عبدالفتاح السيسى، وما زال يلعبه فى إقليم ملتهب. وصفت رئيسة البرلمان الأوروبى قيادة رئيس الدولة المصرية بالركيزة الأساسية لاستقرار الشرق الأوسط وجنوب المتوسط. لم تكن الحوادث هينة، ولا كانت الخطوب بعيدة. لكن إرادة القاهرة غيَّرت مواقف واشنطن، وأوقفت أوهام تل أبيب. دفع ثبات القاهرة إلى تغيرات أخرى فى السياسات الأوروبية، دفعت للاعتراف غير المسبوق بدولة فلسطين، ودفعت فى الوقت نفسه إلى مواجهات أولى من نوعها بين أوروبا وواشنطن، وبين أوروبا وإسرائيل، ووضعت لأول مرة حكومة تل أبيب فى مواجهة العالم. -3- وقت كتابة هذه السطور، كانت المعدات المصرية قد بدأت دخولها إلى غزة حيث الخطوات الأولى فى طريق طويل، لإتمام مراحل اتفاق شرم الشيخ، وصولًا إلى إعادة إعمار القطاع. أنظار العالم تتجه نحو مؤتمر إعادة إعمار غزة بدعوة مصرية. تعمل مصر على قدم وساق. ما زال الكثير فى الأفق فى الطريق لوصول الأمور إلى تمامها. يبقى التوافق «الفلسطينى الفلسطينى» طرفًا أهم فى أركان معادلة التسوية. ومع أحاديث التوافق «الفلسطينى الفلسطينى» تبقى إرادة خالصة على مائدة وطنية، بعيدًا عن المصالح، وعن الخلافات وعن الاختلافات مطلوبة فى الطريق لمزيد من التسويات العادلة. الجهود المصرية أكبر من هائلة لإتمام المصالحة الوطنية بين الفصائل الفلسطينية، المؤشرات تظهر نتائج إيجابية. فتح اتفاق شرم الشيخ الباب أمام أكبر فرصة لتوحيد الصف الفلسطينى فى الطريق لإعادة ترتيب البيت من الداخل وإعادة صياغة المشهد فى القطاع. لم تكف تحركات القاهرة بالتعاون مع واشنطن لضمان استمرار مسار السلام. الاتفاق على حكومة أو جهة موحدة لإدارة قطاع غزة فى الأيام المقبلة هى المساهمة الأكبر التى تضفى على تنفيذ اتفاق السلام أبعادًا أكثر هدوءًا وتفاؤلًا. التوافق «الفلسطينى الفلسطينى» على من يتولى إدارة غزة، فى إطار بنود المرحلة الثانية ضرورى لمنع استغلال أية ثغرات من يمينيين على الجانب الآخر ما زالوا يتحينون الفرص. الأخبار المتداولة تشير إلى أجواء إيجابية بين الفصائل الفلسطينية فى اجتماعات القاهرة، وتشير أيضًا إلى إدراك فلسطينى متزايد لضرورة التوافق الآن قبل غدٍ. استمرار الانقسام بين الضفة والقطاع غزة يخدم أجندة إسرائيلية تعمل، للآن، على تفتيت الجغرافيا ومنع قيام الدولة المستقلة. يبقى توحيد المؤسسات الأمنية والإدارية تحت سلطة فلسطينية واحدة ضمانًا لوحدة القرار ووحدة السلاح الفلسطينى، وضمانًا حقيقيًا لمنع التلاعب من الحريديم. بعضها خطوات ليست سهلة للآن، لكنها ممكنة، ولازمة وضرورية وخيار لا بد منه واختيار لا يجب أن يتغافل عنه أحد فى هذه المرحلة الفارقة. تتطلب مثل تلك الخيارات إرادة حقيقية وتنازلات متبادلة تتجاوز كل العقبات فى مرحلة مفصلية تعدو فيها المصالحة ضرورة وطنية. مصر تعمل.. بلا كلل ولا ملل، لكن على الآخرين أن يعملوا.. وفق ما استطاعت مصر إقراره من فرص.. للتقدم إلى الأمام.