أتحدث اليكم اليوم عن رحلة عظيمة والجميع يعلم بتفاصيلها ، ولا أعتقد أن مسلما واحدا لا يعرف مجمل هذه الرحلة المباركة ( رحلة الإسىراء والمعراج ) لكن لا أريد ان اتطرق للحديث عن تفاصيل الرحلة ، فالحديث عنها له علماؤه ومشايخه . إنما أتحدث عن المحنة والشدائد والتى سبقت تلك الرحلة ، والدروس والعبر المستفادة منها . فما من محنة تصيب المؤمن مطلقا الا ورائها منحة وفرج ، فالمحنة تنتهى بمنحة . فالدنيا فى الأصل دار ابتلاء وليست دار استواء ، ومنزل ترح لا منزل فرح ، فمن عرف الدنيا لم يفرح لرخاء ،ولم يحزن لشقاء ، فالرخاء والشقاء مؤقت . ( اللهم إليك أشكو ضعف قوتى ، وقلة حيلتى ، وهوانى على الناس ، أنت رب المستضعفين وأنت ربى ، إلى من تكلنى ؟ إلى بعيد يتجهمنى ام إلى عدو ملكته أمرى ، ان لم يكن بك غضب علي فلا أبالى ، غير أن عافيتك هى أوسع لى . أعوذ بنور وجهك الذى اشرقت له الظلمات ، وصلح عليه امر الدنيا والأخرة أن يحل علي غضبك ، أو أن ينزل بي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة الا بك) . كلمات خارجة من قلب طاهر صادق متضرع إلى الله ضراعة من فقد النصير ، ولم يجد سوى العدو اللدود . كلمات خارجة من قلب من استنفذ كل اسباب الأرض ، ولم يبقى أمامه الا مسبب الأسباب . كلمات وتضرع من أغلقت أمامه كل أبواب الأرض ، وينتظر النصرة والعزة من خالق الأبواب . فقد صل الله عليه وسلم النصير والحبيب ، والحب والحنان بموت زوجته خديجه ، وعمه ابوطالب . ….ووجد الظلام والقسوة والغلظة والجفاء والآذى من قومه بمكة ، فآخذ بآسباب الأرض ، وتوجه الى الطائف آملا" فى النصرة ، لكنه صل الله عليه وسلم لم يجد فى الطائف سوى ظلاما" وقسوة وغلظة وآذى أشد مما ترك فى مكة . فخرجت تلك الكلمات الصادقة المؤمنة بربها لتصعد إلى السماء ، فيهتز لها عرش الرحمن ، ويسمعه من بيده ملكوت السموات والأرض ليبدله من جفاء الأرض وضيقها وظلمتها لحفاوة السماء وسعتها ونورها ، وعلى أثرها كانت ( رحلة الإسراء والمعراج ) فيا من أبتليت فى الدنيا ووجدت من ظلمتها وقسوة أبناءها وجفاء سكانها ، فهون عليك وأقتضى بحبيبك محمد صلى الله عليه وسلم .وأصرخ بقلبك وروحك وكل كيانك ذليلا وتضرع الى من بيده مفاتيح كل شىء، فمهما كانت الشدة والقسوة والبلاء سيأتى الفرج واليسر من الله لا محاله ، وثق بالله خيرا ، وطمئن قلبك ، فإن الله لا يبتلى عبدا" فى الدنيا الا وبه خيرا" كثيرا" ، حتى وإن ظننت العكس . فعلق قلبك بالله . لولا الظلم والقسوة والجفاء والبلاء ما كان التكريم لرسول الله فى الإسراء والمعراج . ولولا البلاء لكان يوسف عليه السلام مدللا فى حضن أبيه ، ولكنه مع البلاء أصبح عزيز مصر ، لولا البلاء ما تركت السيدة هاجر وطفلها الرضيع دون مأكل ولا مشرب ولا مأوى فى صحراء جرداء قاسية مخيفة . لكن مع البلاء أنزل فيها قرأن يتلى إلى يوم القيامة . وسنت سنة يقتضى بها الرجال والنساء إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ( الصفا والمروة ) يا من قست عليك الدنيا واظلمت ، كن على يقين أيها المبتلى ، أن هناك شيئا" ينتظرك بعد البلاء ، ليبهرك الله به . فينسيك قسوة القلوب وظلمة الدنيا ، ومرارة الألم . فإن الله ما أشقاك الا ليسعدك ، وما أخذ منك الا ليعطيك ، وما أبكاك الا ليضحكك . وما أبتلاك الا ليفرج عنك ويفرحك . يارب فى هذة الأيام المباركة نرفع إليك أكف الضراعة ، لا اله لنا سواك فندعوه ولا رب لنا غيرك فنرجوه ….. قست بنا الدنيا ، وضاقت علينا الأرض بما رحبت ، وجارت علينا قلوب البشر ، اللهم افتح علينا من رحمتك وعطفك ، وفرج همومنا واستر عيوبنا ، واحسن خاتمتنا . وامتنا على التوحيد والإسلام . . أتقدم بخالص التهاني للأمة العربية والأسلامية بمناسبة ( الإسراء والمعراج )