الاتحاد الأوروبي أطلق مهمة بحرية لمكافحة سفن المهربين ساعيا للحصول على تفويض لها من مجلس الأمن الدولي، إلا أن المهمة الأوروبية تنحصر حاليا بأعمال المراقبة وتبادل المعلومات، دون أن يكون لديها تفويض باعتراض السفن وتدميرها. يُذكر أن المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة أعلنت الأسبوع الماضي أن أكثر من 300 ألف مهاجر ولاجئ عبروا المتوسط إلى أوروبا منذ بداية 2015، بينهم نحو 110 آلاف إلى ايطاليا والباقي إلى اليونان. أن الهجرة ظاهرة تاريخية ساهمت في إعمار الأرض، وهي تلعب دورا مهما في تلاقي مجموعات بشرية متنوعة الثقافات، وفي بناء حضارة إنسانية مشتركة. ولا يقلل من هذا الطموح كون الهجرة في المرحلة التاريخية المعاصرة ذات اتجاه واحد، بسبب الأوضاع السيئة في مناطق كثيرة من الدول النامية، ولانعدام التوازن في العالم، مما جعل المهاجرين غير الشرعيين يخاطرون بحياتهم وبكل ما لديهم، حالمين بتحقيق مستوي معيشي أفضل، والتخلص من شبح الفقر الذي يطاردهم في بلادهم. يأتون من إفريقيا إلي ليبيا عبر الحدود الجنوبية للصحراء الغربية الليبية، لينطلقوا بعدها بقوارب شبه بالية عبر مياه البحر المتوسط، ويتوجهون في الغالب نحو شواطئ أوروبا. الكثير منهم يبحر باتجاه الشواطئ الإيطالية، في حين يتوجه القسم الآخر إلي شواطئ اليونان ومالطا أو إسبانيا. منهم من وصل إلي وجهته، بعد أن تم إنقاذه من الغرق، ومنهم من لم يحالفه الحظ، وأصبح جثة هامدة ابتلعتها مياه المتوسط. هذا المشهد الدرامي الذي تجري أحداثه قبالة شواطئ جنوب القارة الأوروبية لا يزال يتكرر. وقد تفاقمت مشكلة الهجرة غير الشرعية، خاصة في العقد الأخير من القرن العشرين، من الشمال الإفريقي، بوابة الجنوب الفقير، إلي أوروبا غير الراغبة في استقبال المزيد من المهاجرين، بعد أن كانت في حاجة ملحة إلي الأيدي العاملة المهاجرة لإعادة أعمارها بعد الحرب العالمية الثانية. بل أصبحت هاجسا يؤرق بلدان الاتحاد الأوروبي، ويثير بها الكثير من الجدل لما تطرحه من مشاكل من مختلف الأنواع. ونتيجة لذلك، أصبحت قضايا الهجرة تصنف في أغلب دول المجموعة الأوروبية من أهم القضايا الأمنية، خاصة بالنظر إلي العلاقة المحتملة بين الإرهاب والمهاجرين، حيث أصبح من الاحتمالات الواردة وجود أعضاء جماعات إرهابية بين المهاجرين، وتحوم الشبهات حول المسلمين من إفريقيا. ونظرا للنواحي والاعتبارات السابقة، بدأ اهتمام حكومات دول الاتحاد الأوروبي بمشكلة الهجرة غير الشرعية، في محاولة لوضع حلول لها، وذلك بالتعاون وبالاشتراك مع الحكومات المحلية لدول جنوب المتوسط. غير أن هذا الاهتمام من قبلها قد ركز بشكل أساسي علي ضرورة وقف فلول الهجرة غير الشرعية إلي شواطئ أوروبا، بآليات أقل ما توصف بها أنها أمنية. ومن هنا، يثور التساؤل حول ما إذا كانت المقاربة الأمنية التي انتهجها الاتحاد الأوروبي تعد الحل الأنجع لهذه المعضلة أم لا. وبعبارة أخري، تتمحور الإشكالية الرئيسية لهذه الدراسة في: ما مدي فعالية ونجاحه الحلول الأمنية التي كرسها الاتحاد الأوروبي للحد من الهجرة غير الشرعية من دول الشمال الإفريقي? من جانب الاتحاد الأوروبي على خلفية تكرار مأساة غرق قوارب تحمل مئات المهاجرين انطلقوا من سواحل ليبيا، وهي عملية عسكرية تندرج ضمن إطار سياسة الأمن والدفاع المشترك للاتحاد الأوروبي لمواجهة شبكات تهريب المهاجرين في البحر المتوسط. وقال مصدر جزائري مأذون له، إن المقترحات الأوروبية تشبه إلى حد كبيرة تلك المقترحة قبل 10 سنوات من قبل فرنسا وإسبانيا على موريتانياوتونس، بإقامة مراكز عبور للأشخاص الذين يعتقلهم حرس الحدود البرية والبحرية بتهمة الهجرة غير الشرعية، ويُحتجَزون مؤقتاً لفرز المؤهلين منهم للجوء في أوروبا لدواعٍ سياسية وإنسانية، على أن تتولى تونسوموريتانيا طرد المهاجرين الذين تعتقد أوروبا أن شرط الهجرة غير متوفر فيهم. واعتبرت الجزائر حينها أن فرنسا وإسبانيا تريدان من دول المغرب العربي أن تؤدي دور «الدركي المتقدم» في منطقة المتوسط، واحتجت بشدة على ما وصفته «حلاً بوليسياً» للهجرة السرية. وأدخلت الحكومة الجزائرية بعد 5 سنوات، تعديلات على قانون العقوبات تتعلق ب «الهجرة»، تتضمن مقاربة أمنية ردعية لمواجهة تلك الظاهرة، إذ تهدد المهاجر غير الشرعي بالسجن. ويجدر القول بأن الهجرة والتنمية الاقتصادية مترابطتان على نحو وثيق، كما أن الافتقار إلى التنمية والديمقراطية في أنحاء من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وكذلك في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء وسجلها الاقتصادي الهزيل، والطابع الشمولي الذي تتسم به بعض أنظمة الحكم، وانتهاك الحقوق السياسية وعدم احترام حقوق الإنسان: هي كلها ظواهر تم تحديدها على نطاق واسع بأنها مصادر لانعدام الاستقرار السياسي والعنف والتطرف، فضلا على أن بعض البلدان في هذا الجزء من العالم تعاني الفساد البنيوي على المستويات الاقتصادية والسياسية، وفي الوقت الحالي تقدر الأممالمتحدة بأن ما نسبته 23% من سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يعيشون على أقل من دولارين في اليوم لان مهمة المنظمة تتضمن حماية الأرواح وإنقاذ الأفراد من الموت في البحرين الأبيض والأحمر، وتقديم حافز لهم من خلال خلق مزيد من فرص العمل والتدريب، لجعلهم أكثر ملائمة لسوق العمل في الدول المتلقية لتلك الهجرة، وبالأخص في الدول الأوروبية. ورغم تعدد الأسباب التي تؤدى إلى هذه الظاهرة ,إلا أن الدوافع الاقتصادية تأتى في مقدمة هذه الأسباب ,فالتباين في المستوى الاقتصادي بين الدول المصدرة للمهاجرين ,والتي غالبا ما تشهد افتقارا إلى عمليات التنمية وقلة فرص العمل وانخفاض الأجور ومستويات المعيشة ,وما يقابله من ارتفاع مستوى المعيشة والحاجة للأيدي العاملة في الدول المستقبلة للمهاجرين ,بجانب عوامل اجتماعية وثقافية ونفسية وتاريخية وقفت وراء هجرة العديد من الشباب المصري لدول أوربا وبخاصة إلى إيطاليا ,أملا في وضع اجتماعي أفضل . تعتبر الهجرة غير الشرعية أو السرية ظاهرة عالمية موجودة في كثير من دول العالم المتقدم منها والنامي , فهي ظاهرة إنسانية طبيعية قديمة قدم التاريخ عرفتها وستعرفها كل الشعوب وستستمر لفترة طويلة من الزمن ما دام هناك تباين في الموارد وفرص العمل ووسائل وأساليب الحياة ,ورغم أن الهجرة السرية إلى أوربا من الشمال الأفريقي بصفة عامة هي إحدى الظواهر القديمة والمستمرة ,إلا أنه في السنوات الأخيرة شهدت زيادة كبيرة في أعداد المهاجرين, وأصبحت إحدى القضايا المزعجة ومشكلة تؤرق الدول المستقبلة للمهاجرين غير الشرعيين,مما جعل هذه الظاهرة أحد اهتمامات دول الاتحاد الأوربي,غير أن هذا الاهتمام الكبير من قبل حكومات الاتحاد الأوربي,وكذا الحكومات المحلية لدول جنوب المتوسط ركز بشكل أساسي على ضرورة وقف فلول الهجرة غير الشرعية إلى شواطئ أوربا بآليات أقل ما توصف به بأنها أمنية, إذ تتجاهل الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والنفسية والثقافية التي تدفع بالشباب إلى التضحية بأرواحهم في سبيل إيجاد فرصة عمل والتخلص من شبح البطالة والفقر الذي يطاردهم في موطنهم الأصلي . اتضح أن الهجرة أخذت منحى غير شرعي أمام تشديد إجراءات السفر والإقامة في الدول الأوربية ,فلجأ الشباب للزواج من أجنبيات مقابل مبالغ مالية كبيرة ,وإن لم يتمكن من ذلك فلن يجد أمامه سوى المقامرة برحلة بحرية سرية مع أحد مهربي المهاجرين ,يصعب التكهن بنتائجها ,بجانب العديد من الإشكاليات والتعقيدات سواء للبلدان المصدرة للعمالة أو المستقبلة للمهاجرين ,وبالتالي أصبحت الهجرة بأبعادها وإشكالياتها المختلفة قطاعا علميا مثل بقية القطاعات الأخرى لابد من التعامل معه على هذا الأساس كالصحة والتربية والتعليم والثقافة,لأن ظاهرة الهجرة ستحدد بشكل أو بآخر مصير الكثير من المجتمعات العربية والدول النامية الأخرى التي ستعانى لاحقا من هذا النزيف المستمر في الطاقة البشرية من جهة ,والدول المضيفة المهددة بعديد المشاكل الاندماجية الثقافية والسياسية والدينية والعرقية الناجمة عن الهجرة على المدى البعيد من جهة أخرى **كاتب المقال دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية