"مصالحة، لا مصالحة"، مصطلحان فرض بهما الرئيس عبد الفتاح السيسي، جدلاً واسعًا في البلاد، بين لحظة وضحاها، بأن صرَّح في موضعين مختلفين أمرين متناقضين، بشأن إنهاء الخلاف مع جماعة الإخوان المسلمين، وعودتها لممارسة الحياة السياسية. الرئيس السيسي، تحدث وقت أن كان مرشحًا في الانتخابات الرئاسية، بأنه لا وجود لجماعة الإخوان في الساحة، على الصعيد السياسي، ما أحدث توجهًا في الدولة، لا سيما إعلاميًا من قبل قنوات تليفزيونية، تدعم الرئيس، بأنه لا مصالحة مع جماعة، اعتبرها النظام إرهابية، بداعي تورطها في أعمال عنف وتفجيرات. الوضع، الذي وُصف ب "المحتقن"، استمر منذ الثالث من يوليو مع الإطاحة بالرئيس المعزول، محمد مرسي، إلى الآن، في مشهد يراه المعارضون انقلابًا عسكريًا على أول رئيس منتخب، غير أن المؤيدين يقولون إن الإطاحة بمرسي جاءت عقب ثورة شعبية، انحاز لها الجيش. السيسي الذي رفض المصالحة، وقت أن كان مرشحًا، عاد ليقبلها بعد أن صار رئيسًا، إلا أنه اشترط نبذ العنف، حيث قال في حوار مع وكالة "الأسوشيتد برس"، أمس الأحد، إنه من المقبول عودة جماعة الإخوان إلى الساحة السياسية، بشرط نبذ العنف، والالتزام بالسلمية. ليست قرار الرئيس ياسر عبد العزيز، الخبير الإعلامي، قال: "تصريحات السيسي بإمكانية عودة الإخوان مرة أخرى بشرط نبذ العنف ليست مبادرة من الرئيس للتصالح، والحديث عن كون السيسي يقصد المصالحة هي قراءة خاطئة لتصريحات الآمس". عبد العزيز أضاف: "موقف الدولة من التنظيم الإخواني واحد، فهناك حكم صادر ضد الجماعة باعتبارها تنظيمًا إرهابيًا وبالتالي فهو لا يملك المصالحة مع جماعة مصنفة إرهابيًا، والسيسي أحال فكرة عودة عناصرالإخوان للحكم إلى الشعب حينما قال إن الإخوان في حاجة إلى التصالح مع الشعب أولاً، فمن ينبذ العنف يمكنه العودة للعمل في الحياة السياسية". جورج إسحاق، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، رأى أنَّ فكرة التصالح مع الإخوان ليست بالمسألة الهينة، معتبرًا أنها لا تحتاج إلى كثير من الوقت، بل إجراء حوارات عديدة، ستسغرق أكثر من خمس سنوات، مشيرًا إلى أن تصريحات الرئيس أتت بحسن نية رغبة منه في إيقاف أعمال العنف التي تساهم فيها جماعة الإخوان المسلمين، مشدِّدًا في الوقت نفسه على ضرورة وجود موافقة الشعب على تلك المبادرة. عمرو سنبل، المحلل السياسي، وصف تصريح الرئيس السيسي بإمكانية عودة الإخوان للحياة السياسية ب "الدبلوماسي" بهدف الاستهلاك الخارجي فقط، في ظل وقوف أمريكا والدول الأوروبية في صف الإخوان، وفق رؤيته، مشيرًا إلى أن الشعب اختار السيسي رئيسًا ليقضي علي جماعة الإخوان، على الصعيدين السياسي والاجتماعي. الدكتور جمال زهران، أستاذ العلوم السياسية، أعرب عن رفضه لما جاء في تصريحات الرئيس السيسي, حيث قال: "جماعة الإخوان خرجت من التاريخ بعد قرار حلها، فهي جماعة دموية، وبشكل عام أرى أن تصريح السيسي جاء لتخفيض الضغوط من قِبل أمريكا، وهذا ما يمكن أن نقبله ولكن بصفة مؤقتة". زهران أضاف: "هذه التصريحات بداية انفصال السيسي عن الشعب، لأنه هو من أطاح بالإخوان، والشعب طالبه بتطهير المجتمع منهم، فالإخوان والحزب الوطني وجهان لعملة واحدة، والسيسي من قال لا وجود للإخوان، وعلى السيسي أن يتراجع عن تلك التصريحات التي لن يقبلها الشعب". كريمة الحفناوي، عضو الجمعية الوطنية للتغيير، ذكرت: "لا يوجد شخص يمتلك القدرة على إعادة جماعة الإخوان المسلمين للحياة السياسية مرة أخرى سواء كان هذا الشخص رئيس الجمهورية أو غيره، لأن هناك حكمًا قضائيًا صدر يفيد بأنها جماعة إرهابية إضافة إلى أن الدستور يمنع خلط الدين بالسياسة، والدستور يمنح حرية الفكر وهذا ما قصده السيسي في تصريحاته، فهو أشار إلى أن لأعضاء الإخوان القدرة على العودة للعمل السياسي كسياسيين بعيدًا عن العمل كتنظيم". مناورة سياسية يسري الغرباوي، الباحث السياسي بمركز الأهرام الاستراتيجي، قال: "تصريح الرئيس السيسي موفق بشكل كبير، لكن قبل إجراء المصالحة لابد أن ينبذ الإخوان العنف فعليًا، والرئيس بهذا التصريح رمى الكرة في ملعب الإخوان، فلو لم ينبذوا العنف سيحكمون علي أنفسهم بالنفي من الحياة السياسية". الغرباوي، أوضح أن تصريحات الرئيس ليست تضارب في الآراء، إلا أنها جاءت سياسية، تهدف لتهدئة الأجواء ومحاولة رأب الصراع الداخلي، مع إرساء قيمة السلمية ونبذ العنف، التي تحدث عنها كثيرًا، لافتًا إلى أنه من الضروي أن يُواجه ذلك باعتذار من الجماعة، للشعب وتأكيدهم على نبذ العنف. بينما يرى حسام عيسى، الخبير السياسي، أن تصريحات الرئيس الأخيرة ليست بها تضارب مع موقفه من الإخوان، لا سيما أن السيسي فرَّق بين الجماعات الإرهابية، ومن ينبذ العنف ولم يشترك في العمليات الإرهابية، وفق تعبيره، مؤكدًا أن السيسي يدعو للمصالحة مع الإسلاميين بشرط نبذهم للعنف القائم على يد بعض منهم، كما قال. الدكتور حسن وجيه، أستاذ التفاوض الدولي، نفى فكرة عرض الرئيس لمبادرة المصالحة مع الإخوان، مشيرًا إلى أنه ترك الأمر للشعب ليحدد علاقة الإخوان بمصر، مؤكدا أن الشعب يرفض فكرة وجود جماعة الإخوان من الأساس، في ظل عدم وجود أرضية مشتركة بين النظام الحالي والجماعة لإتمام المصالحة. موقف السيسي لم يتغير أسامة الغزالي حرب، القائم بأعمال رئيس حزب المصريين الأحرار، نوَّه إلى أنَّ جماعة الإخوان ارتبطت بالعنف السياسي تاريخيًا، غير أنه اعتبر أنَّ الرئيس السيسي كان فاتحًا ذراعيه للجماعة، إلا أنها رفضت. حرب أشار إلى أن المصالحة مع الإخوان ليس مناسبة في هذا التوقيت، مفسرًا الأمر بما أسماه "الرفض الشعبي"، الذي تواجهه الجماعة، وبخاصةً مع استمرار العمليات الإرهابية، حسب وصفه، التي تستهدف قوات الأمن والمنشآت. حرب أضاف: "السيسي موقفه واضح من الإخوان منذ البداية، ولم يغيره فهو عندما تكلم عن عدم وجود للإخوان بالحياة السياسية كان يقصد الذين ينتهجون العنف وهو ما أكده مؤخرًا بأنه يرحب بالإخوان الذين نبذوا العنف وعادوا لرشدهم". المستشار يحيى قدري، نائب رئيس الحركة الوطنية، لفت إلى أن ما قاله رئيس الجمهورية هو أنه يمكن لأعضاء جماعة الإخوان، الاندماج في الحياة السياسية، بعد فترة، بشرط أن يكونوا غير متورطين في أي أعمال عنف وأن يتركوا الجماعة، الأمر الذي اعتبره يتماشى مع ما تحدث عنه السيسي خلال الانتخابات الرئاسية، بأنه لا تواجد للإخوان في الحياة السياسية، موضحًا أن القصد من الإخوان في هذا الإطار يتمثل في فكر العنف، غير أنه رأى أن جماعة الإخوان "إرهابية"، لا يجب المصالحة معها على الأقل في هذه المرحلة. عبد الغفار شكر، رئيس التحالف الشعبي الاشتراكي، رأى: "يستطيع أعضاء الإخوان أن يندمجوا داخل الحياة السياسية ويشاركوا بالانتخابات مثل أي فصيل آخر لكن بشرط الالتزام بالسلمية، وأنا مع المصالحة ولكن أعتقد أننا يجب أن نتمهل بعض الوقت حتى نهيئ الرأي العام لتقبل هذا الأمر.