مدخل قصة موت لا تبدأ من النهاية في مساء 29 أكتوبر 2025، دخل الطفل يوسف محمد مدحت (4 سنوات) إلى مستشفى شربين العام باحثًا عن جرعة أكسجين. وبعد عشرة أيام، في 8 نوفمبر 2025، خرج منه جثة هامدة .. بعدما خسر معركته مع المرض، والأخطر من ذلك؛ مع الإهمال. القصة التي تهز الرأي العام في الدقهلية ليست مجرد حالة وفاة، بل نموذج صريح لما يمكن أن تفعله الفوضى الطبية والإدارية في حياة طفل بريء، وسط مستشفى حكومي يعيش خارج الزمن والرقابة..هذا هو الموجز وإليكم الأنباء بالتفصيل: الفصل الأول البداية.. تشخيص خاطئ يقود إلى النهاية كل شيء بدأ بورم بسيط في رقبة الطفل. في 27 أكتوبر، ذهبت والدته إلى طبيب عيادة خاصة، الذي شخص الحالة بأنها "التهاب في الغدة الليمفاوية"، وأعطاه حقنة مضاد حيوي.الورم اختفى، لكن ظهرت أعراض جديدة: آلام بالبطن وضيق تنفس حاد.. الطبيب الخاص طلب منها عمل أشعة، ثم حوّل الطفل إلى مستشفى شربين العام لتلقي جلسة أكسجين، مؤكدا أن الأمر لا يحتمل التأخير. الأم.. ترددت في دخول المستشفى الحكومي، لكنها رضخت لإصرار الطبيب.. وكان ذلك القرار الفاصل في حياة يوسف. الفصل الثاني داخل مستشفى الموت منذ لحظة دخوله المستشفى، بدت الفوضى واضحة. تلقى يوسف أربع جلسات أكسجين متتالية دون تقييم لحالته.ثم قررت طبيبة الاستقبال تحويله إلى قسم الرعاية لمتابعة جلسات أخرى. وفي الثالثة فجرا من يوم 29 أكتوبر، تم إدخال الطفل إلى العناية المركزة للأطفال بعد تدهور مفاجئ في التنفس. بدا مستقراً نسبيا في اليوم الأول، لكن صباح اليوم التالي فوجئت والدته بإدخاله على جهاز التنفس الصناعي دون إذن مسبق. هنا تقول الأم ل"الزمان المصرى"؛"قال لي الدكتور امضي بسرعة عشان نحطه على التنفس الصناعي وإلا هيموت، وبعد ما مضيت، قال لي: أنا أصلا حاطه من بدري بس محتاج توقيعك عشان الورق!". من هنا بدأت مرحلة التدهور السريع: تورم في جفن العين وكف اليد، وعدم تفسير واضح من الأطباء.أحدهم قال إن السبب "من تأثير الأدوية"، وآخر قال "حساسية"، لكن لم يخطر ببال أحد أن القلب في حالة قصور حاد. الفصل الثالث المستشفى.. بلا أجهزة ولا ضمير بينما كان جسد يوسف الصغير يقاوم الموت، كانت أسرته تقاوم بيروقراطية المستشفى وإهمالها ..فأجهزة التحاليل معطلة، والأهل يدفعون يوميا لإجراء التحاليل خارج المستشفى. والأدوية والمحاليل يتم شراؤها من الصيدليات الخارجية..أضف إلى ذلك نقص الكوادر الطبية، وعدم وجود استشاري متخصص في متابعة الحالات الحرجة..والطامة الكبرى ؛أطباء امتياز يتولون الإشراف على العناية المركزة دون إشراف كفء. وتضيف والدته ململمة اشلاء حزنها ؛"كل ما نسأل على يوسف، يقولوا مش عارفين عنده إيه! مرة يقولوا فيروس، مرة كورونا، مرة التهاب، ومفيش تشخيص واحد صح." الفصل الرابع مأساة الإدارة.. والقطط التي تشارك المرضى غرفهم لم يتوقف الأمر عند سوء الخدمة الطبية، بل تعداه إلى كارثة بيئية وصحية داخل المستشفى. فقد وثّقت أسرة الطفل بالصور وجود قطط وحشرات داخل قسم رعاية الأطفال، وعندما سألوا الممرضة، أجابت ببرود: "هاتوا رش!"؛وبالفعل، تم رش القسم بمبيد حشري في وقت وجود الأطفال، رغم أن أغلبهم يعاني من مشاكل تنفسية حادة - في مشهد أقرب للعبث منه إلى الطب- كما تم رفض استقبال بعض الحالات الحرجة لعدم وجود "تذكرة دخول" في منتصف الليل، مما يثير تساؤلات حول أولوية الورق على الأرواح. الفصل الخامس تشخيص متأخر.. بعد فوات الأوان في 3 نوفمبر، وبعد تدخل من إحدى المسؤولات بالمستشفى، تم إجراء أشعة مقطعية أظهرت "التهاب رئوي حاد".استمر الوضع دون تحسن لثلاثة أيام.عندها استدعى والد الطفل طبيب صدر خارجي في 6 نوفمبر، ليكتشف أن هناك مياها على الرئة، ويطلب عمل أشعة إيكو للقلب. والنتيجة كانت كارثية؛ قصور في عضلة القلب بنسبة 80% بسبب استمرار الطفل على منومات لمدة ثمانية أيام متواصلة.ولم يُتخذ أي إجراء عاجل لإنقاذ حياته، وفارق الطفل الحياة فجر 8 نوفمبر 2025. أخطاء قاتلة استطلع موقع "الزمان المصرى"رأي أحد الاستشاريين في طب الأطفال (فضل عدم ذكر اسمه)، الذي قال:"ما ورد في الحالة يظهر سلسلة أخطاء طبية وإدارية جسيمة منها: أولاً: غياب التشخيص المبكر لقصور القلب. ثانيًا: استخدام مفرط للمنومات دون رقابة على العلامات الحيوية. ثالثًا: التأخر في استدعاء استشاري مختص بالقلب أو الرعاية الحرجة. مثل هذه الأخطاء كفيلة بإحداث فشل متعدد في الأعضاء حتى الموت. وبحسب القانون رقم 415 لسنة 1954 بشأن مزاولة مهنة الطب، والمادة 244 من قانون العقوبات المصري، فإن أي إهمال أو تقصير من طبيب يؤدي إلى وفاة مريض يعد قتلًا خطأ نتيجة إهمال جسيم. وهنا يقول المستشار القانوني د. أحمد الجندي؛"إذا ثبت أن الطفل يوسف تُوفي نتيجة تقصير في المتابعة أو تشخيص خاطئ، تتحمل المستشفى والطبيب المسؤولية المشتركة، سواء المدنية أو الجنائية.ويحق للأسرة التقدم ببلاغ رسمي إلى النيابة العامة بطلب التحقيق العاجل، مع تقرير طبي موثق من جهة مستقلة." الفصل الأخير من يتحمل مسؤولية يوسف؟!! حتى إعداد هذا التحقيق، لم تصدر مديرية الصحة بالدقهلية أي بيان رسمي، ولم تُفتح لجنة تحقيق داخل المستشفى، رغم مطالبة الأسرة بمحاسبة المسؤولين.ويظل السؤال مفتوحا؛ من يحاسب عندما يتحول المستشفى إلى مقبرة؟من يعوض أماَ فقدت طفلها بسبب توقيع روتيني وجهاز تنفس صناعي غير مبرر؟ صرخة أم وأمل مجتمع "ابني مات عشان اتولد غلبان".. بهذه الكلمات تختصر والدة يوسف حكاية آلاف المرضى الذين يدخلون المستشفيات الحكومية كل يوم على أمل النجاة، فيجدون فيها طريق النهاية. القضية ليست في مستشفى شربين وحدها، بل في منظومة تحتاج إلى إنعاش شامل: رقابة، كفاءة، إنسانية..لأن يوسف لم يمت بالمرض، بل مات من الإهمال واللا مبالاة.