يشهد العالم برمته أحداثاً متلاحقة ومتضاربة في ظل تحولات إجتماعية، سياسية، وإقتصادية يكاد يكون العقل البشري أحياناً غير قادر على ملاحقتها، وتحليلها وتفسيرها ضمن أطر وإستراتيجيات واضحة المعالم. وبفضل ذلك تعددت أساليب صناعة الخبر؛ كنتيجة طبيعة وحتمية لهذا التزاحم فى الأحداث. وقد أدى ظهور السوشيال ميديا إلى خلق نموذج جديد من الإعلام التفاعلي المعتمد على المخاطبة الرقمية فساعدت الأفراد أن يعيشوا في مجتمع إفتراضي وأدت إلى تغيير أنماط حياتهم اليومية الإجتماعيه والتربويه. ومع التزايد المستمر لمستخدمى مواقع السوشيال ميديا، أصبح الناس يتسابقون ويتمتعون بتبادل المعلومات والأخبار بين بعضهم البعض وخاصة إذا كانت تلك الأخبار ذات صلة بقضايا راهنة. وعلى الرغم من أن أغلبهم قد لا يعتقدون في صحة هذة الأخبار، إلا أنهم يتناقلونها ويتمتعون بنشرها ، ما ساهم فى سرعة إنتشار الأخبار الخاطئة والمعلومات المضللة عبر تلك المواقع مثل فيس بوك، أكس ويوتيوب وغيرها والتى عرفت إقبالا واسعاً وإستخداماً كثيفاً من قبل شرائح المجتمع المختلفة. هذا وقد سارعت غالبية القنوات الفضائية في الآونة الأخيرة إلى الإنضمام إلى شبكات التواصل الاجتماعي لما لها من أهمية كبيرة وإنتشار واسع، ما ساهم في نشر وتبنى الأخبار المختلفة الحقيقية منها والمزيفة بين أفراد مجتمعنا وساعد على نشروترويج الأفكار بسرعة أكبر لتصل إلى آفاق أوسع، ما أثر على إدراك المتلقي للواقع. إن هذا الوضع خلق حالة من الفوضى، والعشوائية فلم يعد القارئ يستطيع السيطرة على الكم الهائل من الأخبار فضلاً عن التحليلات، والتوقعات، وإصدار الأحكام التي أصبحت وبفضل التطورات المتسارعه فى مجال الإتصالات وتقنيه المعلومات تظهر في جزء من الثانية بل وتتحول إلى ترند يصبح موضوع الساعة خاصهً بعد أن تحول العالم إلى قرية كونية صغيرة تنتقل فيها الأخبار إلى جميع أنحاء الكرة الأرضية في أجزاء من الثانية. لقد شهدنا في الآونة الأخيرة ظاهرة إنتشار المعلومات الخاطئة والمغلوطة بكثافة عبر وسائل التواصل الإجتماعي المختلفة والتى أصبحت تمثل ظاهرة خطيرة بل ومشكلة تهدد السلم العام والأمن المجتمعى، حيث تمتلئ مواقع السوشيال ميديا بالعديد من الشائعات والأكاذيب والمعلومات الزائفه، والتي غالباً ما تهدف إلى خداع الرأى العام وتضليل الجمهور وتحفز المشاعر العامة السلبية وتعمل على تأجيج الصراعات والفتن، وهو ما يشكل تهديدات خطيرة للأمن والسلم العام. ومن الواضح أن كثرة عدد المستخدمين للسوشيال ميديا وسهولة النشر بها قد أدخلتا المتلقى في متاهة حتى أصبح من الصعب التمييز بين ملايين من الصفحات المزيفة أو المفبركة عما سواها من صفحات حقيقية، فلا شيء أسهل من أن يمسك الشخص هاتفة وينشر ما يشاء وينطلق عبر هذه المنصات المختلفة متحدثاً عن قضايا الساعة التي يمر بها المجتمع في شتى المجالات والتخصصات. فالكل أصبح إعلامى يدلو بدلوه فى شئون المجتمع دون أى ضوابط، ومن هنا أضحى إنتشار المعلومات الخاطئة عبر السوشيال ميديا مصدر قلق واسع النطاق خاصة وأن الجمهور يتفاعل معه بكثافة تحت حافز وتأثير هذه الأفكار المشوشة والمضللة. لقد أصبحت قضية نشرالأخبارالكاذبة والمغلوطة وفبركة الوقائع والبيانات أو ما يسمى "بالتضليل الإعلامي" عبر منصات السوشيال ميديا المختلفه لاسيما الفيس بوك مصدر قلق واسع النطاق حيث أضحت ظاهرة بل ومشكلة تؤرق الدول والمجتمعات نظراً لأثارها وتداعياتها السلبية والخطيرة وباتت تشكل تهديدات كبيره للسلامة العامة والترابط المجتمعى. وعلى الرغم من حقيقة أن نشر الأكاذيب والمعلومات المضللة ليست ظاهرة جديدة، إلا أن التقدم التكنولوجي قد خلق بيئة خصبة لإنتشار الأخبار المزيفة بسرعة عبر مواقع السوشيال ميديا المختلفة، والتى أصبحت أرض خصبة لتوليد الشائعات والأكاذيب وبث الفتن وتوزيع ونشر الأخبار المغلوطة، والتي غالباً ما تهدف إلى تزيف وعى المتلقى لتبنى رُؤىً وأفكار خاطئة. وبالتالي فمن المهم دراسة إنعكاسات هذه المتغيرات على الساحة الإعلامية لمشاركتها الفعلية في نشر أفكار مضللة للجمهورعبر إستخدام ركائز تعزيزية تساعد في التأثير على إدارك الأشخاص للحياة الواقعية فى تلك البيئة الملوثة والتي من طبيعتها نشر وتعميم الرسالة التضليلية أيا كانت طبيعتها فقد تكون بهدف خلق زخم إعلامي هائل من أجل التأثير على المجتمع والسيطرة على ثقافتة وإحلال ثقافة جديدة من خلال بث معتقدات أخرى مكانها، أو بهدف خلق حالة من البلبلة بشكل متعمد ومقصود عن طريق ترديد الأكاذيب وتزييف الحقائق وبث معلومات مغلوطة ومفبركة عبر تلك البيئة التي تساعد على نشر المعلومات المضللة و ترويج الأفكار الهدامة داخل المجتمع. أعتقد أن مواقع التواصل الاجتماعي باتت مطالبة بتغيير تفاصيل أدائها وظبط علاقتها بمستخدميها، لكن يبدو أن المشهد أكثر تعقيدا مما أتصور حيث أن محاولات تحجيم إنتشار الأخبار الكاذبة والتصدي لعمليات التضليل الإعلامي ما تزال غير فعالة بالكامل وبما يكفي، إذ ما تزال هناك العديد من الثغرات التي ينفذ من خلالها ذلك التدفق الهائل من الأخباروالأفكار والمعلومات بهدف التشويش على القناعات والمواقف أو تغيير قناعات الرأى العام. إن التضليل الإعلامي لم يعد مجرد أكاذيب، وتزييف للحقائق والوقائع السياسية والإقتصادية والإجتماعية فحسب بل إن الأمرقد تعدى ذلك، وأصبح علماً قائماً بذاته وفن له أساتذتة وطلابة، فقد تحول من الممارسه العفوية إلى الإعتماد على عمليات واسعة، منظمة وممنهجة تعتمد على جملة من التقنيات والأساليب تعمل على هندسة الرأى العام وإحداث التغيرات المطلوبة للتأثيرعلى الثقافة والوعى المجتمعى، وإعادة تشكيل العقول وصولاً لبناء رأي عام يتناغم مع الأهداف المراد تحقيقها. **كاتب المقال مستشار التكنولوجيا وخبير أمن المعلومات