بداياتٌ جديدة ونهارٌ آخر … صباحه مختلف، ونهاره لا يشبه الأمس … وإن كان فجره من ليله الحالك قد انبلج … إنه ابن الأمس الضروس، حياة من الموت ولدت … شهرٌ قد مضى وزمانٌ آخر قد بدأ … الوجوه نفسها ما تبدلت … لكنها القلوب قد تغيرت … سكنتها القوة … ملأتها العزة … غمرتها النشوة … تحركها روح النصر وإرادة البقاء … السماء صافية زرقاء لا حجب فيها … فيها سحائب خير … وغيوم تبشر .. لكن … لا قصف فيها كالرعد، ولا قنابل وصواريخ تسقط كما المطر … انقشعت الغيوم من السماء وتبددت سحائبها السود … ركامٌ وبقايا أبنية، وعفارٌ وغبارٌ والكثير من الأتربة … ثيابٌ ملونةٌ كالجبال، وألعاب أطفالٍ مبعثرةٍ مكسرةٍ قد داستها أقدام غيلان … غاب العدو ورحل … فر أو اندحر … لقد اندثر … لا .. لن يعود إلى بلادي … ولن يفكر في قتل أهلي وأبناء شعبي … أظنه قد تعلم … في المساء عندما يجتمعون أظنه سيتعلم … وسيندم … عندما يلتقون ويفتقدون غائبهم ويلمسون جرحهم … سيذكرون جريمتهم … وسيتعلمون … لن يعودوا لمثلها … فقد تغير الزمان وتبدل الرجال … قد علموا أنهم يعيشون زماناً آخر … فيه فرسانٌ لم يترجلوا عن صهوة جيادهم، ولم يسقطوا السيف من قبضات أيديهم … أنفاقهم قصور … وثغورهم أكثر سعادةً من البيوت … البندقية تزين أكتافهم، وأحزمة الطلقات ترصع صدورهم … إنها أوسمةٌ وتيجان … وشهاداتٌ وعلاماتٌ … حاملها يرتقي، ومالكها يتقدم، يجتازون بها الدنيا، وفي الآخرة هم السابقون الأولون الفائزون … أصحابها في العيون، وفي حنايا القلوب يسكنون … ندين لهم، ونحفظ فضلهم، ونشكر جهدهم، وعلى وقع خطاهم نمضي ونسير … صمتٌ يطغى وأقدامٌ تزحف … لم يعد هناك قصفٌ ولا غارة ولا طائرة … سكتت المدافع ورجعت الدبابات … خرج الناس إلى الشوارع والطرقات … بعضهم يبحث عن أفراد أسرته … وغيرهم ينقب عن بقايا أجساد أهله … هنا جسدٌ تحت الأنقاض … وهنالك يدٌ وبقايا جذعٍ ولا أطراف … ما زال الموت يسكن في الطرقات وتحت المباني وخلف الأبواب … لم يرحل الموت ولم تنتهِ أحزانه في بلادي … إنه يتجدد كل حين، ويعود ليقول للناس أنني ما زلت هنا لم أرحل … لكنه سيرحل … سيغادرنا ويرحل … ها هي عصاه على كتف الراحلين قد حملوها معهم … لن يعود الحزن إلى بلادي … ولن يكسو الوجوم وجوه أهلي … اليوم أراهم رغم الحزن يفرحون … ورغم الفقد يفرحون … أصابهم القرح لكنهم يبتسمون … الألم يعتصر قلوبهم لكنهم على أقدامهم يقفون … لا يئنون ولا يصرخون … ولا يبكون ولا يفجرون … إنهم باسم المقاومة يهتفون … ولها يدعون … إنهم إليها ينتسبون … وفي صفوفها يعملون … إليها ينتمون … وعليها سيحافظون … شهيدهم رحل والبندقية في يده … الجريح ينعب بالدم جرحه ويترقب … هو على موعدٍ مع النصر ينتظر … لا … لن يغادر قبل أن يرى تباشيره … ويعيش أفراحه … سيحمل الراية هو … سيرفعها بيديه … بعضديه … سيعض عليها بنواجده … لم يغدرهم النصر وعنهم لم يتأخر … وفياً كان … حل في بلادهم … ونزل بينهم … كبيراً كما وعدهم … عظيماً كما توقعوه … هنيئاً لصانعي النصر ومستقبليه، وللمحتفلين به والمرحبين بقدومه … ولمن كان له فيه سهمٌ ودور … عشت يا وطني فرحاً سعيداً رغم أنف من قاتلوك … ومن تآمروا عليك وخانوك … افرح كما أرادت مقاومتك أن تفرح … وكن سعيداً كالشهداء ولا تحزن … فهم اليوم في الجنان يحبرون، ومع الأنبياء والصديقين يجتمعون … مرحى بالنصر … أهلاً بالانتصار … مرحى بالشمس الطالعة … والنجوم الساطعة … إنها شمس بلادي علينا تشرق، وعلى العالمين من أرضنا تشرق … لن تغرب بعد اليوم … لا لن تغيب … لن يزول ضياؤها .. ولن تبرد حرارتها … ولن تنطفئ أشعتها … إنها شمس غزة … شمس الغزيين والفلسطينيين .. شمس العرب والمسلمين … شمس الغيارى والمخلصين … إنها شمسنا … نعم شمسنا … شمس الأحرار والثائرين … شمس الصادقين والمقاومين … ستبقى فلسطين وسنبقى … وستبقى شمسنا وسنبقى …