مجلس جامعة مطروح يناقش الاستعدادات النهائية لامتحانات الفصل الدراسي الثاني    كيفية التسجيل في شقق الإسكان الاجتماعي 2024    «بينها 8 محروقات».. إدخال 50 شاحنة مساعدات إلى غزة عبر معبر رفح (تفاصيل)    حكم مباراة ريال مدريد وبايرن ميونخ في دوري أبطال أوروبا    رسائل تهنئة عيد شم النسيم 2024.. أجمل الكلمات ل «حبايبك»    أمير الكويت يصل مطار القاهرة للقاء السيسي    مدير تعليم دمياط يشهد ختام ورش عمل الأنشطة الطلابية    هل يواصل ميتروفيتش تفوقه أمام اتحاد جدة بكلاسيكو كأس الملك السعودي؟    إحالة 4 متهمين في حريق استوديو الأهرام للمحاكمة الجنائية    وزير الأوقاف : 17 سيدة على رأس العمل ما بين وكيل وزارة ومدير عام بالوزارة منهن 4 حاصلات على الدكتوراة    ريم بسيوني ومصطفى سعيد يتسلمان جائزة الشيخ زايد للكتاب    قبل عرضه .. تعرف على قصة مسلسل «انترفيو» ل رنا رئيس    وزير الصحة يبحث مع وزيرة التعاون القطرية الاستثمار في المجال الصحي والسياحة العلاجية    غدًا.. «بيت الزكاة والصدقات» يبدأ صرف الإعانة الشهرية لشهر مايو    رئيس وزراء بيلاروسيا: مستعدون لتعزيز التعاون الصناعي مع مصر    كيف تجني أرباحًا من البيع على المكشوف في البورصة؟    جهاز مشروعات التنمية الشاملة ينظم احتفالية لحصاد حقول القمح المنزرعة بالأساليب الحديثة    دوري أبطال أوروبا، إنريكي يعلن قائمة باريس سان جيرمان لمباراة دورتموند    "دمرها ومش عاجبه".. حسين لبيب يوجه رسالة نارية لمجلس مرتضى منصور    المقاولون: حال الكرة المصرية يزداد سوءا.. وسنتعرض للظلم أكثر في الدوري    لبيب: نحاول إصلاح ما أفسده الزمن في الزمالك.. وجوميز أعاد مدرسة الفن والهندسة    رئيس "كوب 28" يدعو إلى تفعيل الصندوق العالمي المختص بالمناخ    حملات مكثفة بأحياء الإسكندرية لضبط السلع الفاسدة وإزالة الإشغالات    «الداخلية»: تحرير 495 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة وسحب 1433 رخصة خلال 24 ساعة    سرعة جنونية.. شاهد في قضية تسنيم بسطاوي يدين المتهم| تفاصيل    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    موعد غلق باب التقديم للالتحاق بالمدارس المصرية اليابانية في العام الجديد    محافظ بنى سويف: توطين الصناعة المحلية يقلل الفجوة الاستيرادية    وزير التنمية المحلية يُهنئ الرئيس السيسي بمناسبة الاحتفال بعيد العمال    تجارة القناة تكرم الطلاب المتفوقين من ذوي الهمم (صور)    الليلة.. حفل ختام الدورة العاشرة ل مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير    مستشار زاهي حواس يكشف سبب عدم وجود أنبياء الله في الآثار المصرية حتى الآن (تفاصيل)    بالصور- هنا الزاهد وشقيقتها في حفل حنة لينا الطهطاوي    ساويرس يوجه رسالة مؤثرة ل أحمد السقا وكريم عبد العزيز عن الصديق الوفي    الاتحاد الأوروبي يخصص 15 مليون يورو لرعاية اللاجئين السوريين بالأردن    لحظة إشهار الناشط الأمريكي تايغ بيري إسلامه في مظاهرة لدعم غزة    رئيس الوزراء الفلسطيني: لا دولة بدون قطاع غزة    الصحة: الانتهاء من مراجعة المناهج الخاصة بمدارس التمريض بعد تطويرها    كيف علقت "الصحة" على اعتراف "أسترازينيكا" بوجود أضرار مميتة للقاحها؟    استشاري طب وقائي: الصحة العالمية تشيد بإنجازات مصر في اللقاحات    عشان تعدي شم النسيم من غير تسمم.. كيف تفرق بين الأسماك الفاسدة والصالحة؟    ماس كهربائي.. تفاصيل نشوب حريق داخل شقة دون إصابات في فيصل    المهندسين تبحث في الإسكندرية عن توافق جماعي على لائحة جديدة لمزاولة المهنة    إصابة 4 أشخاص بعملية طعن في لندن    "عايز تتشهر ويجيبوا سيرتك؟".. متحدث الزمالك يدافع عن شيكابالا بهذه الطريقة    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    أقدس أيام السنة.. كيف تحتفل الكنيسة الأرثوذكسية بأسبوع آلام السيد المسيح؟    رئيس اقتصادية قناة السويس يناقش مع «اليونيدو» برنامج المناطق الصناعية الصديقة للبيئة    «التنمية المحلية»: بدء تحديد المخالفات القريبة من المدن لتطبيق قانون التصالح    اليوم.. آخر موعد لتلقي طلبات الاشتراك في مشروع العلاج بنقابة المحامين    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    كينيا تلغي عقد مشروع طريق سريع مدعوم من البنك الأفريقي للتنمية    واشنطن: وحدات عسكرية إسرائيلية انتهكت حقوق الإنسان قبل 7 أكتوبر    هل ذهب الأم المتوفاة من حق بناتها فقط؟ الإفتاء تجيب    الإسماعيلي: نخشى من تعيين محمد عادل حكمًا لمباراة الأهلي    المتحدث باسم الحوثيون: استهدفنا السفينة "سيكلاديز" ومدمرتين أمريكيتين بالبحر الأحمر    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور مصطفى يوسف اللداوي يكتب عن : مسؤوليةُ الفلسطينيين عن جرائمِ التوقيعِ وموبقاتِ التطبيع
نشر في الزمان المصري يوم 17 - 08 - 2020

ما كان سرياً لسنواتٍ أصبح علنياً اليوم، وما كان يوصف بالعيب والخزي والعار، بات يوصف بالشرف والسيادة والمصلحة، وما كان جريمةً وحراماً أصبح مشروعاً ومباحاً، وما كان إخوةً وتضامناً أصبح منافع ومصالح، ما يعني أننا دخلنا مرحلةً جديدةً تختلف كلياً عن المراحل السابقة، وإن كانت تتفق معها في الجوهر والحقيقة، ولكن ما يتم في الليل ويحاك في الظلام ويجول في السر وينفذ بكتمان، يختلف تماماً عما يتم في وضح النهار وينسج تحت ضوء الشمس، ويبوح به فاعلوه ويجاهر في تنفيذه مرتكبوه.
قصدتُ بما أسلفتُ ووصفتُ محاولاتِ التطبيع العربية، واللقاءات الرسمية السرية، والاتفاقيات الخفية التي كانت تتم تحت الطاولة ووراء الكواليس، وغيرها مما كانت تخجل منه الأنظمة العربية وتخاف، ومما كانت تنكره وتخفيه، حيث كانت تدافع عن نفسها، وتنفي الاتهامات الموجهة إليها، بل وتهاجم من يعلن تطبيعه مع العدو، أو يجاهر بعلاقاته معه، وتعتبر فعله جريمةً وخيانةً، وطعنةً للقضية الفلسطينية والقومية العربية في الظهر، وكانت تدعو جامعة الدول العربية إلى اجتماعاتٍ عاجلةٍ لمناقشة جريمة الخروج على الإجماع العربي، وكبيرة الاعتراف به والاتفاق معه.
كانت الأنظمة الرسمية العربية تخاف وتنافق، وتجبن وتتردد، وتتخفى وتتلصص، ربما ليس حباً في فلسطين وإيماناً بقدسيتها وعدالة قضيتها، وحرصاً عليها وسعياً لتحريرها واستنقاذها من براثن العدو الصهيوني، بل كانت تخشى مجابهة شعوبها والاصطدام مع مواطنيها، الذين كان ولاؤهم للقضية الفلسطينية بلا حدود، وحبهم لأهلها إلى أبعد مدى، وقد ترجموا مواقفهم الأصيلة تجاه فلسطين دعماً مادياً، ومؤازرةً شعبية، ومظاهراتٍ ومسيراتٍ عامةً، ومساهمةً في صفوف المقاومة قتالاً وتدريباً، وارتقى منهم على مدار سني الثورة الفلسطينية مئات الشهداء من مختلف البلاد العربية القريبة والبعيدة، وأسر المئات منهم في سجون العدو الإسرائيلي.
في تلك الفترة كانت الشعوب العربية كلها مع القضية الفلسطينية وما زالت، إلا أن حجم تعاطفها مع الفلسطينيين تراجع، ودرجة تفاعلهم مع قضيتهم قد خفت، ولم يكن مرد ذلك إلى ضعف عقيدتهم، أو انهيار مفاهيمهم، أو تصدع قيمهم، بل كان مرده السلوك الوطني القيادي الفلسطيني، على مستوى القيادة الرسمية الممثلة في السلطة الفلسطينية، وقوى المقاومة الفلسطينية جميعها، على امتداد قوسها الفكري والعقائدي، حيث خذل الفلسطينيون شعوب أمتهم إذ اختلفوا وانقسموا وتشتتوا وتشرذموا، ووقعت بينهم خصوماتٌ ونزاعاتٌ ومواجهات، الأمر الذي أدى إلى تشويه صورة الفلسطينيين وتردي قضيتهم، وانفضاض الشعوب من حولهم، وتراجع التأييد القديم الموروث الذي كان لهم.
رغم الصورة المشينة التي رسمها الفلسطينيون عن أنفسهم من خلال مشاحناتهم الداخلية وخلافاتهم الحزبية، إلا أنها لم تنجح في إقصاء شعوب أمتنا العربية والإسلامية، حيث حافظت على دعمها للقضية الفلسطينية، واستعدادها للتضحية في سبيلها، ولعل الصفحات المشرقة التي رسمها الفلسطينيون خلال حملات دفاعهم عن المسجد الأقصى وحرمته، وإفشال محاولات العدو إغلاق أبوابه وفرض بواباتٍ إليكترونية عليه، إلى جانب جولات الصمود وصولات القتال التي خاضتها المقاومة الفلسطينية خلال العدوان الإسرائيلي المتكرر على قطاع غزة، كان لها أثرٌ بالغٌ ودور مشهودٌ في دفع شعوب الأمة إلى الالتفاف حول الفلسطينيين وتأييدهم، والاصطفاف معهم والدعوة إلى نصرتهم ومساعدتهم.
أما الجريمة الكبرى التي ارتكبتها القيادة الفلسطينية في العام 1993، فإنها اتفاقية أوسلو للسلام مع الكيان الصهيوني، التي بموجبها اعترفت منظمة التحرير الفلسطيني بدولة إسرائيل، ونكثت ميثاقها واعتبرته لاغياً، وتخلت عن العديد من ثوابتها، وقبلت بالتنازل عن ثلثي أرض فلسطين التاريخية للعدو الصهيوني، الذي عاهدته ووثقت به، والتزمت معه تنسيقاً أمنياً ومفاوضاتٍ مفتوحةٍ بلا حدودٍ، أباحت فيها التنازل عن المقدسات، وأبدت ليونةً في الثوابت الوطنية والأصول التاريخية، ولانت في خطابها مع قادة الكيان الصهيوني، ونشأت بينهم صداقةً ومودة، وجمعتهم سهراتٌ ولقاءاتٌ، ورحلاتٌ ومفاوضات، وخلدتها صورٌ ووثائق، ومحاضرٌ وتسجيلاتٌ، جعلت من الصعب على أي عربيٍ أن يصدق أن الذي يجلس مع الطرف الإسرائيلي إنما هو عربيٌ فلسطيني، صاحب القضية والأرض والوطن.
لهذا فإن الفلسطينيين يتحملون كبيراً جزءاً من المسؤولية عن جرأة بعض الأنظمة العربية ووقاحتها، فهم بخلافاتهم البينية وتناقضاتهم اليومية، وبسابقتهم المشؤومة المسماة أوسلو، قد دفعوا البعض إلى اليأس منهم وعدم الإيمان فيهم، وإلى ألا يكونوا ملكيين أكثر من القيصر، أو فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم، وألا يتمسكوا بما فرط فيه أصحاب الشأن وأهل القضية.
ولعل هذا المنطق قد ساد بينهم وانتشر، ووجد مكانته وشغل حيزاً من تفكيرهم، ووجد له مناصرين ومؤيدين على امتداد الوطن العربي كله، في أوساط المثقفين والعامة، ولدى النخبة والخاصة، وساعدهم على ذلك تمادي السلطة الفلسطينية في مواقفها المعلنة، سواء بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، أو بلقاء قادة العدو الصهيوني من المجرمين السياسيين أو القتلة العسكريين.
لا أبرر ما ارتكبته الأنظمة العربية من جرائم التطبيع والاعتراف بالكيان الصهيوني، ولا أدافع أو أخذل عنها، ولا أمهد للباقين المضي على طريقهم، بل أوكد أنهم جميعاً ومن أيدهم من الفلسطينيين وسبقهم بالاعتراف والتوقيع، على الضلال المبين والباطل المشين، فهم جميعاً شركاء في الجريمة ومتشابهون في المصير والخاتمة، وعليهم تنصب لعنات الله ورسوله والمؤمنين بقضيتنا في الدنيا والآخرة، إذ لا يجيز لهم الحرامَ كثرةُ مرتكبيه، ولا يحلل لهم المنكرَ كثرةُ آتيه، فالحلالُ بَيَّنٌ والحرامُ بَيَّنٌ، والحق حقٌ وإن قَلَّ المؤمنون به، والتمسك بالحقوق والثوابت هو سبيل النجاة وإن قل سالكوه، ولا تكون فلسطين إلا عربيةً وإن استعلى فيها العدو وتكبر، وستكون يوماً بإذن الله حرةً مستقلة وإن بطش فيها العدو وبغا أكثر.
بيروت في 17/8/2020


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.