قبل 1050 عاما ميلاديا و 1078 عاما هجريا سطع في سماء قاهرة المعز نجم من نجوم الإسلام الزاهرة ، ألا وهو الجامع الأزهر الشريف، والذي أصبح فيما بعد نجم نجوم الإسلام والدعوة الإسلامية. أصبح المسجد والجامعة الملحقة به شمس العلوم الإسلامية التي تنير العالم كله ، شعوبا ودولا، شمسا يمتد نور علمها من القاهرة شرقا وغربا وشمالا وجنوبا ليست هناك بقعة على الأرض إلا وفيها أحد أبناء الأزهر وكتابا من كتبه شمسا لا ينقطع عطاؤها، ربما يقل في بعض الأحيان ، وربما تحاول بعض سحب أن تغطيه ، لكن هيهات فشمس الأزهر والإسلام الحنيف أبدا لا تغيب. منذ اليوم الأول لإفتتاح الجامع الأزهر في 7 رمضان عام 361ه والأزهر يضطلع بدور هام في نشر الدعوة الإسلامية والعلوم الدينية المرتبطة به من فقه وتفسير وتوحيد وعبادات ومعاملات وهو بمثابة المنارة التي تضيء عقول المسلمين في كل عصر وحين. الجامع الأزهر الجامع الأزهر (359 – 361 ه) / (970 – 972 م).[1] هو من أهم المساجد في مصر ومن وأشهر المساجد في العالم الإسلامي. وهو جامع وجامعة منذ أكثر من ألف سنة، وقد أنشئ على يد جوهر الصقلي عندما تم فتح القاهرة970 م، بأمر من المعز لدين الله أول الخلفاء الفاطميين بمصر، وبعدما أسس مدينة القاهرة شرع في إنشاء الجامع الأزهر، ووضع الخليفة المعز لدين الله حجر أساس الجامع الأزهر في 14 رمضان سنة 359 ه – 970م، وأتم بناء المسجد في 7 رمضان سنة 361ه – 972 م، [2] فهو بذلك أول جامع أنشى في مدينة القاهرة المدينة التي اكتسبت لقب مدينة الألف مئذنة، وهو أقدم أثر فاطمي قائم بمصر. وقد اختلف المؤرخون في أصل تسمية هذا الجامع، والراجح أن الفاطميين سموه بالأزهر تيمنا بفاطمة الزهراء ابنة النبي محمد وإشادة بذكراها.[3] بعد الانتهاء من بناء المسجد في 972، وظفت السلطات 35 عالم في مسجد في 989، ويعتبر المسجد ثاني أقدم جامعة قائمة بشكل مستمر في العالم بعد جامعة القرويين وقد اعتبرت جامعة الأزهر الأولى في العالم الإسلامي لدراسة المذهب السني والشريعة، أو القانون الإسلامي.[4] أُمِّمَت جامعة متكاملة داخل المسجد كجزء من مدرسة المسجد منذ إنشائه، وعينت رسميا جامعة مستقلة في عام 1961، في أعقاب الثورة المصرية لعام 1952. صلاح الدين الأيوبيوالسلاطين الأيوبيون السنيون الذين أتوا من بعده تجنبوا الأزهر على مدى تاريخ طويل، وقد أهمل المسجد بالتناوب وبشكل كبير؛ لأنه تأسس باعتباره مؤسسة لنشر المذهب الإسماعيلي، وقد أزيلت مكانته باعتباره مسجدًا شيعيًّا وحرم الطلبة والمدرسون في مدرسة الجامع من الرواتب في عهد السلطنة المملوكية عُكِسَت هذه التحركات، حيث بلغ الاهتمام بالأزهر ذروته، وكان ذلك بمنزلة العصر الذهبي للأزهر، وقاموا بالعديد من التوسعات والتجديدات التي طرأت على البنى التحتية للمسجد، كما أظهر الحكام في وقت لاحق من مصر بدرجات متفاوتة الكثير من الاهتمام والاحترام للمسجد، وقدمت على نطاق واسع مستويات متفاوتة من المساعدة المالية، على حد سواء إلى المدرسة وإلى صيانة المسجد اليوم، لا يزال الأزهر مؤسسة لها تأثير عميق في المجتمع المصري ورمزاً من رموز مصر الإسلامية. لمحات من تاريخ الأزهر: الجامع الأزهر : من أشهر مساجد القاهرة ، بناه جوهر الكاتب الصقلي (إلياس الصقلي) قائد جند أبي تميم المعز لدين الله الفاطمي بعد عام من فتح الفاطميين لمصر، وبعد أن أنشأوا قاعدة ملكهم الجديدة مباشرة. وفتح للصلاة في شهر رمضان عام 361ه ( – يوليو سنة 972) وبني المسجد في الجنوب الشرقي من المدينة علمقربة من القصر الكبير الذي كان موجوداً حينذاك بين حي الديلم في الشمال وحي الترك في الجنوب. سمي بهذا الاسم نسبة إلى السيدة الزهراء وهو لقب فاطمة بنت الرسول محمد (ص) التي سميّت باسمها أيضاً مقصورة في المسجد. اهتمام الولاة والحكام بالأزهرالشريف : وزاد كثير من ولاة الفاطميين في بناء المسجد وحبسوا عليه الأوقاف، نضرب مثلاً لذلك العزيز نزار (365-386ة 976 – 996م) فقد جعلة معهداً علمياً وأنشأ به ملجأً للفقراء يسع 35 شخصاً. ويروى أن البناء الأول للمسجد كان به صورة طيور منقوشة على رأس ثلاثة أعمدة حتي لا يسكنة طير ولا يفرّخ به. ولما جاء الحاكم بأمر الله (386-411ة 996-1020م) زاد في بناء المسجد وحبس الأوقاف عليه وعلى غيرة من المساجد. وفي عام 519ه (1125م) أنشأ العامر فيه محراباً وحلاّة بالنقوش الخشبيّة. وقد زاد المستنصر والحافظ في بناء المسجد شيئاً قليلاً. وتغيّر الحال في عهد الأيوبيين، فمنع صلاح الدين الخطبة من الجامع وقطع عنه كثيراً مما أوقفة عليه الحاكم وانقضى نحو قرن من الزمان قبل أن يستعيد الجامع الأزهر عطف الولاة ووجوة البلاد عليه. ولما جاء الملك الظاهر بيبرس زاد في بنائه وشجّع التعليم فيه وأعاد الخطبة إليه في عام 665ه = 1266-1267م وحذا حذوه كثير من الأمراء ومنذ ذلك العهد ذاع صيت المسجد وأصبح معهداً علمياً يؤمه الناس من كل فجّ، ولقي الأزهر من العناية الشيء الكثير. وزاد في مجده أن غزوات المغول في المشرق قضت على معاهد العلم هناك، وأن الإسلام أصابه في المغرب من التفكك والانحلال ما أدي إلى دمار مدارسة الزاهرة. وفي عام 702ه (1302-1303م) خرّب زلزال المسجد، فتولّي عمارته الأمير سهاد ثم جددت عمارة الجامع في عام 725ه (1325م) على يد محتسب القاهرة محمد بن حسن الأسعردي (من سعرد في إرمينيه) وحوالي ذلك العهد بني الأميران طيبرس وأقبغا عبد الواحد مدارس بالقرب من الأزهر، إذ بني طيبرس المدرسة الطيبرسنية عام 709ه (1309-1310م) وبني أقبغا عبد الواحد المدرسة الأقبغاوية عام 740ة (1340م) وقد ألحقت هاتان المدرستان بالأزهر فيما بعد. وقد جدّد الطواشي بشير الجامدار الناصري بناء المسجد وزاد فية حوالي عام 761ة (1360م) ورتب فية مصحفاً، وجعل له قارئاً، ورتّب للفقراء طعاماً يطبخ كل يوم، ورتّب فيه درساً للفقهاء من الحنفية، وجدد عمارة مطبخ الفقراء. وقد سقطت منارة الجامع عام 800ه (1397-1398م) فشيّدها في الحال السلطان برقوق وأنفق عليها من ماله. وسقطت المنارة مرتين بعد ذلك (817ه-1414م-1415 و827ه -1423-1424م) وكان يُعاد إصلاحها في كلّ مرّة وحوالي ذلك العهد أنشأ السلطان برقوق صهريجاً للماء وشيّد سبيلاً وأقام ميضأة. وشيّد الطواشي جوهر القنطبائي مدرسة بالقرب من المسجد. وكان قايتباي أكثر الناس رعاية للجامع الأزهر في القرن التاسع الهجري، فقد أكمل ما زادة في بناء المسجد عام 900ة (1494-1495م) أي قبل وفاتة بوقت قصير. وكان له الفضل كذلك في إقامة منشات للفقراء والعلماء وبني قانصوة الغوري اخر المماليك (906-922ة 1500-1516م) المئذنة ذات البرجين. وفي العهد العثماني كان الفاتح سليم شاة كثيراً ما يزورة ويصلّي فيه، وقد أمر بتلاوة القران فية وتصدّق على الفقراء المجاورين طلبة العلم الشرعي . وتجدر بنا الإشارة إلى الزاوية التي أقيمت ليصلّي فيها المكفوفون وسمّيت بزاوية العميان، فقد بناها عثمان كتخدا القزدوغلي (قاصد أوغلي) في عام 1148ه (1735-1736م). وكان عبد الرحمن كتخدا المتوفي (عام 1190ه-1776م) من أكثر الناس إحساناً إلى الأزهر. فقد بنى مقصورة وأحسن تأثيثها، وأقام قبلة للصلاة، ومنبراً للخطابة، وأنشأ مدرسةً لتعليم الأيتام، وعمل صهريجاً للمياه، وشيّد له قبراً دفن فيه. ولم تكن النهضة في عهد محمد على تعطف على الأزهر أوّل الأمر ولكن الخديويين في العهد الأخير بذلوا جهدهم للإبقاء على ما لهذا الجامع من مجد وصيت . أقسام الأزهر وأروقتة ومنشاتة كانت بالأسماء الآتية: 1- الترك. 2- الشوام. 3- الكرد. 4- المغاربة. 5- البخارى. 6- الصعايدة. 7- الريافة (أهل الدلتا) أو المنايفة (أهل المنوفية) أو الشيخ الشنواتي. 8- البحاروة (أهل البحيرة). 9- الشيخ الباجوري. 10- المدرسة الإبتغاوية. 11- الفلاثة (أهل أفريقية الوسطى). 12- الشيخ ثعيلب. 13- الدناشرة (أهل دنوشرة وما جاورها). 14- ابن معمّر. 15- المدرسة الطيبرسية. 16- الشرقاوي. 17- الشبراخيتي. 18- الهنود. 19- البغدادية. 20- الدمنهوري. 21- البشابشة (أهل بشيبش وما جاورها). 22- الدكارنة أو الصليحية. 23- دارفور. 24- اليمنية. 25- البرابرة. 26- الجاوة. 27- العمارة الجديدة أو محمد المغربل. 28- السليمانية. 29-. عيسي أفندي. 30- الجبرتية. ويقدّر عدد الكتب التي في الأزهر بنحو ثمانية الاف مصنف تتضمن ألف مصنف هي عبارة 19 ألف مجلّد و قد تطوّر هذا حتماً فيما بعد بشكل كبير. الدور السياسي للأزهر: وقد لعب الأزهر أدوارا كبيرة في الحياة السياسية المصرية ، وخاصة منذ قدوم الحملة الفرنسية إلى مصر عام 1798م؛ حيث كان مركزا للمقاومة الشعبية ضد الإحتلال ومنة خرجت ثورات القاهرة بين أعوام 1798 و 1801 وفي أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 أعلن الزعيم المصري الراحل “جمال عبد الناصر” من على منبر الأزهر أن مصر لن تستسلم لقوى العدوان وأن مصر ستقاتل حتي تدحر العدوان. وقد لقي الجامع الأزهر إهتماما كبيرا من زعماء مصر وتم تجديدة أكثر من مرة في السنوات الستين الماضية تزامنا مع الإحتفال بألفية الأزهر عامي 1969 و1983 واخر مرة تم تجديد المسجد كان في عام 1998 في عهد الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك ، ونلاحظ ذلك من خلال النقوش المكتوبة على الباب الداخل إلى المحراب الرئيسي للمسجد . وفي مارس 2018 إفتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي وولي العهد السعودي وفضيلة الأمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر الدكتور أحمد الطيب أعمال أحدث عمليات ترميم الجامع الأزهر الشريف قلعة الإسلام الحصينة. الدور التنويري للأزهر: إن مرور 1080 عاما هجريا على بدء العمل في إنشاء صرح الإسلام العظيم الممثل في الأزهر الشريف و 1078عاما على إفتتاحه للصلاة خير مناسبةً للحديث عن مكانة الأزهر وعن دوره في حماية الهوية الثقافية العربية الإسلامية، والدفاع عن قيم الوسطية والاعتدال في الفكر الإسلامي، ونشر العلوم الشرعية واللغة العربية، والتصدّي لتيارات التطرف والغلوّ التي تشذ عن صحيح الدين وتنحرف عن جادة الحق ومحجة الصواب، فالأزهر مؤسسة تعليمية ثقافية علمية ومجمع للعلوم الإسلامية وللبحوث والدراسات التي تخدم الثقافة والفكر الإسلاميين، والتي تقدم زاداً معرفياً روحياً للمسلمين في كل مكان، وهو إلى جانب ذلك كله منتدى لأعلام الدعوة وشيوخ العلم وأقطاب الفكر والثقافة الإسلامية، فمن هيئاته الرئيسَة، مجمعُ البحوث الإسلامية، وهيئة كبار العلماء، والمجلس الأعلى للأزهر، إلى جانب جامعة الأزهر، التي تضم أكثر من خمسين كلية تستوعب الآلاف من الطلاب، وشبكة واسعة من المعاهد الأزهرية، وهي المدارس الدينية التي منها ينتقل الطلاب إلى جامعة الأزهر، ويبلغ عددها الألاف من المعاهد، تغطي مختلف أنحاء مصر وللأزهر حضورٌ واسعٌ في عدد كبير من دول العالم، في آسيا وأفريقيا وأوروبا والأميركتين وأستراليا، من خلال المئات من المبعوثين من الوعاظ والأئمة والمدرّسين وخريجي الأزهر من أبناء تلك البلاد الذين ينقلون ثقافة الاعتدال والوسطية إلى العالم، وينشرون التعليم العربي الإسلامي على نطاق واسع. وهو اليوم قلعة متقدمة للدفاع عن مبادئ الشريعة الإسلامية السمحة والفكر الإسلامي المستنير وعن القيم الراقية في الثقافة والحضارة الإسلاميتين، وللوقوف في وجه الاستبداد بكل أشكاله، سواء أكان ذا طابع سياسي أم فكري ثقافي، أم يرتدي مسوحاً دينياً، فهو يقف في وجه الهجمات التي تستهدف تمزيق النسيج الوطني المصري ونشر الفتنة الطائفية، كما يتصدّى، وبالمنهج الإسلامي السليم، للتيارات السياسية والدينية التي تهدد استقرار المجتمع ويسعى مَن يقف وراءها إلى الزجّ بمصر في دوامة العنف. كما يقوم الأزهر الشريف بدور بالغ الأهمية في مقاومة الفكر المضلل الذي ينشر المبادئ الطائفية المتعصبة، والذي تتولى إيران الترويجَ له. ويستمدّ الأزهر الشريف قيمته العليا ومكانته المتميزة من العقيدة الصحيحة التي يدين بها وينشرها ويعلمها للأجيال في داخل مصر وخارجها، وهي عقيدة أهل السنة والجماعة، التي تحض على الوحدة والتآلف والتآزر والتعاون، وتنهى عن الشقاق والخلاف والصراع ونقض ميثاق الأخوة الإسلامية. وشيخ الأزهر إنما هو الرئيس الأعلى لهذه المؤسسة، له مقامه الرفيع ومكانته السامية، وله رأيه الراجح المسدد بالضوابط الشرعية، والذي يستند فيه إلى رصيده العلمي الذي يشهد له به جمهور العلماء، وهو لذلك بمثابة كبير العلماء، و «شيخ الجماعة» بالاصطلاح القديم واللقب الذي يحمله (الإمام الأكبر)، ليس له من دلالة سوى تلك التي أشرنا إليها، لأن مفهوم الإمام عند أهل السنة والجماعة يختلف اختلافاً كبيراً عنه لدى أتباع المذهب الشيعي، فشيخ الأزهر يرأس هيئة كبار العلماء، لأنه أولاً عضو عامل فيها، ويرأس مجمع البحوث الإسلامية بصفته مفكراً وباحثاً في العلوم الإسلامية، ويرأس المجلس الأعلى للأزهر باعتباره شيخاً وإماماً للأزهر وتوضيح هذه الأمور من الأهمية بمكان، رفعاً لأي التباس، وتوضيحاً لحيثيات الوظيفة السامية التي يشغلها شيخ الأزهر الشريف. ومن حسن حظ الأزهر أنه يوجد على رأسه في هذا الزمن العصيب، شخصية علمية رفيعة المستوى، واسعة الخبرة، عميقة الثقافة، منفتحة على العصر ودارسة للفكر الإنساني ومحيطة بتياراته، فالدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، من العلماء الفضلاء، ومن المفكرين المستنيرين، ومن العاملين المخلصين في سبيل نشر الفكر الإسلامي الصحيح المبرأ من الغرض والهوى والغلوّ والتشدّد، فهو وسطيٌّ في أفكاره وآرائه، ووسطيٌّ في سلوكه وممارساته، ووسطيٌّ في إدارته للأزمات التي عصفت – ولا تزال – بمصر، وفي مساعيه المتتالية لجمع كل الأطراف حول مائدة الحوار تحت قبة الأزهر. وحيث إنَّ العالم الإسلامي يتعرض اليوم لموجات من العنف والتطرف التي تهدّد استقرار المجتمعات الإسلامية والأمن القومي للدول العربية والإسلامية، فإن تقوية التعاون الفكري والثقافي وجعله أساساً متيناً للتعاون على المستويات كافة، واجبٌ وضرورة ومسؤولية يتحمّلها الجميع، وفي طليعتهم المؤمنون بمبادئ الأخوة الإسلامية من منطلق العقيدة الإسلامية الصحيحة التي تتعارض كلياً مع العقائد المنحرفة، ومع الطائفية المتعصّبة التي تتناقض جملة وتفصيلاً مع حقائق الدين الحنيف المبنية على القرآن الكريم والحديث النبوي الصحيح، فالبناء على هذه القاعدة الراسخة هو البناء السليم، لأن العقيدة الصحيحة هي الأساس في العمل الإسلامي المشترك الهادف إلى النهوض بالشعوب الإسلامية، وإلى ردّ العدوان على الأمة. وللأزهر الشريف دور فاعل ومستحق في تعزيز وشائج الأخوة الإسلامية الحقيقية، لا المتوهمة والمفتراة، وفي تقوية التعاون العلمي والفكري والثقافي بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وفي نشر حقائق الدين والردّ على أباطيل دعاة التفرقة الذين يتاجرون باسم الدين، خصوصاً في هذه المرحلة التي ينشط فيها تجار المشروعات الطائفية المقيتة التي تضعف في الأمة مناعتها وقدرتها على المواجهة، وتمزّق وحدتها. ولذلك، فإن من أول الواجبات على دول العالم الإسلامي وقياداته وعلمائه ومؤسساته الثقافية والتربوية والإعلامية، دعم جهود الأزهر الشريف ومساندة رسالته السمحة، ليبقى دائماً حصناً منيعاً من حصون الأمة الإسلامية، يصدّ عن دينها وهويتها وسلامة كيانها هجمات المبطلين ودسائس الكائدين، وينشر رسالة الإسلام السمحة في الآفاق تهدي العقول والنفوس إلى الصراط المستقيم، وإلى ما فيه الخير والصلاح «لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد». ولقد تمكن الإمام الأكبر منذ توليه أمانة المسئولية من إعادة الأزهر وعلمائه إلى مكانتهم التي يستحقونها وإستطاع إكتساب إحترام وثقة كبار قادة العالم ، ليس فقط من الدول الإسلامية ، من العالم الغربي الذي كان يناصب المسلمين العداء وايتهمهم بالإرهاب. فقد حقق فضيلته مكاسب جمة للأزهر من خلال زياراته الخارجية المتعددة لدول العالم شرقا وغربا وجنوبا وشمالا . نلاحظ أيضا حرص قادة العالم السياسيين على زيارة مشيخة الأزهر ضمن برنامج زياراتهم لمصر وأبرزهم أمين عام الأممالمتحدة والمستشارة الألمانية “ميراكل” ورئيس البرتغال وكافة الرؤساء الأفارقة والأسيويون ومن خلال ست جولات خارجية زار فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر عدة دول أوروبية منها فرنسا وإيطاليا والفاتيكان وسويسرا وألمانيا والبرتغال وأعاد للغرب ثقته في الأزهر منبع الوسطية الدينية الإسلامية التي تناقض وتحارب الفكر الدموي لجماعات الإرهاب التي أساءت للإسلام كثيرا. وإمتدت جولات فضيلته من أوروبا إلى أفريقيا وأسيا لدعم أبناء المسلمين في تلك الدول وترسيخ مكانة الأزهر التي لم تهتز أبدا في نفوسهم . وفي كل مكان كان يحل فيه شيخ الأزهر ، كان يلقى إستقبال زعماء الدول ليس فقط من رؤساء تلك الدول ورؤساء وزرائها وكبار المفكرين بل أيضا من أبناء الشعب الذين كانوا يلتفون حوله يرحبون به حاملين أعلام مصر ويغنون نشيد مصر الوطني. وقد تجلى هذا التأثير الكبير لفضيلة الإمام الأكبر في اختياره الشخصية الإسلامية الأكثر تأثيرا في العالم للعام الثاني على التوالي، وبات العالم يدرك الدور المحوري للأزهر في مواجهة الإرهاب وترسيخ السلام العالمي؛ ولذلك شهدت مشيخة الأزهر الشريف توافد العديد من الشخصيات والقيادات السياسية والدينية في العالم، بما يؤكد الدور المحوري والمهم للأزهر الشَّريف على مختلف المستويات. وقد كان لقاء فضيلة الإمام الأكبر مع حضرة البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان، مرتين الأولى في القاهرة والثانية في روما هذا العام، هما اللقاءين الأبرز والأهم خلال هذا العام، باعتبارهما يمثلان أكبر مؤسستين دينيتين في العالم، وخلال اللقاءين كان العنوان الرئيس هو التأكيد على العمل المشترك من أجل السلام الشامل بين جميع البشر. وفي ضوء الانخراط القوي والبارز للأزهر الشريف في محاربة الإرهاب، حرصت العديد من الدول الأوروبية على توثيق علاقاتها بالأزهر الشَّريف، وشهدت مشيخة الأزهر بالقاهرة توافد العديد من الشخصيات والوفود الغربية للقاء فضيلة الإمام الأكبر، من أبرزهم: المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ووفد من مجلس الشيوخ الإيطالي، ومسئولون معنيون بمكافحة الإرهاب من أستراليا، وألمانيا، بولندا، وقد أكدت كل هذه الوفود حرصها على التعاون مع الأزهر الشريف في مجال مكافحة التطرف، ونشر مفاهيم الوسطية والاعتدال، كما أشادت بجهود فضيلة الإمام الأكبر وخطابه العالمي في القمة الإسلامية- الأمريكية بالرياض الذي أسهم في تصحيح صورة الإسلام وتبرئته من ممارسات التنظيمات الإرهابية. ملخص كلمة الإمام الأكبر في القمة الإسلامية-الأمريكية بالرياض في مايو 2017 قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إن الإرهاب قدم الإسلام للعالَم فى صُورة همجية وحشيةٍ لم يعرفها تاريخ المسلمين من قَبلُ، مضيفا يتم استغلال بعض وسائلُ الإعلام والتواصل الاجتماعي بتعمد على تقديم دينِ الرحمة للعالَم في صورة بشعة منفِّرة، لافتا إلى أن هناك موجةً عاتية من ثقافة الكراهية غَزَت عقولَ بعضٍ من شبابنا المُغرَّرِ بهم، وهيَّأتهم لتنفيذ خطَّةٍ خبيثةٍ أُحكِم نَسجُها فيما وراء البحار. وأوضح خلال كلمته بالنسخة الاستثنائية من ملتقى «مغردون» الذى تطلقه مؤسسة ولى ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز «مسك الخيرية»، بحضور عدد من كبار العلماء وزعماء الدول وقادة سياسيين ودبلوماسيين وشباب إلى جانب مفكرين وصناع رأي في مجال مكافحة الإرهاب من أكثر من 40 دولة، بالإضافة إلى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، أن هناك من استغل ما يوجد في سياسات التَّعليم ومُخرجاتِه فى بلادنا من منافذ أو نقاط ضعفٍ نفذوا منها إلى تجنيد بعض الشباب فى يُسْرٍ وسهولة، مشيرا إلى أن الفئة الضالة استغلت تأويلاتٍ وتفسيراتٍ منحرفة وأقوال فقهية وعقدية مرتبطة بنوازل بعينها واتخذت منها نصوصًا محكمةً للتبديع والتفسيق ثم تكفير كل من يخالفها. وأشار إلى أن الفئة الضالة استغلت التقدم التقنى الهائل في ترويج هذه أفكارهم المسمومة بين الشباب، مضيفا أن القراءاتِ الخاطئة لهذا الفكر التكفيري، والتباطؤَ في إدانته إدانةً حاسمةً، كلُّ ذلك ساعد على استفحال هذا الوَباء وانتشاره بين الشباب، موضحا أن الأزهر أنشأ مرصدا إلكترونيا عالميا بهدف وقِفُ الإغراق التكفيرى والمذهبي والطائفى السابح فى الفضاء الإلكترونى. ووجه شيخ الأزهر رسالة إلى شباب الأمة قائلا: «اعلموا أن المتطرف والإرهابي هما أسرع الناس مروقًا من الدِّين، وأن الساعين فى هدم الأوطان سيلعَنُهم التاريخ، وأنهم سيذهبون وتبقى الأوطان شاهدة على انحرافهم، واعلموا أن سبيل نشر الإسلام حددها القرآن الكريم في الحكمة والموعظة الحسنة والحوار بالتي هي أحسن، وليس بالأحزمة الناسفة والمتفجرات». كما وجه شيخ الأزهر رسالة إلى قادة «القمة العربية الإسلامية الأمريكية» وزعماءها: ننتظرُ منكم قراراتٍ حاسمةٍ، تقضي على الإرهاب وتجفِّف مصادره ومنابعه، وتوقِفُ العبثَ بدماء الشعوب وبأمن أوطانها ومقدَّراتها، و تمكنها من حقِّها فى حياة آمنةِ وعَيش كريمٍ، و فلسطين قضية العرب والمسلمين الأولى وننتظر وقفةً عادلةً لتحقِّقُ الأمنَ والسلام والاستقرار لشعب فلسطين ولشعوب العالمين العربي والإسلامي. وفيما يلى نص الكلمة: بسم الله الرحمن الرحيم الحضور الكريم! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.وبعد؛ فأظنكم تتفقون معي في أنه لا وقت لدينا لتَرَفِ المُقدِّمات ومُحسِّنات الألفاظ والكلام المنمَّق وما إلى ذلك مِمَّا تُقيَّم به الكلماتُ والخُطَب في مثل هذه المحافِل المحوريَّة التي ترصُد الواقِع وأزماته ، وقد أحسَنَت مُؤسَّسَة «مِسْك الخيرية» حين أمسَكَت برأسِ الدَّاء ووضعته على طاولةِ البحث، وأخضعته للتفكيك وسَبرِ الأغوار وطرح وجهات النَّظَر، من مختلف الزَّوايا وتباين الآراء والأنظار. أمَّا وجهة نظري التي أسعدُ بالمشاركةِ بها في هذه النَّدوَة الهامَّة فقد تَسْمَحُون لي أنْ أعرضها مُلخَّصة في أيجاز أرجو أن لا يكون مخلا، وأن يعبِّر عن الواقع البئيس الذي يُعاني منه الشَّرق والغَرب الآن، أكثرَ مِمَّا تُعبِّر عن الأماني والآمال التي لا تنزل إلى أرض الواقع، ولا تواجه ما يجري عليه من مصائِب وآلام. – ولعله لا يتمارى أحد – الآن – في أنَّ عِلَّة العِلَل وأصل الدَّاء في أُمَّتنا العربيَّة والإسلاميَّة، هو نسيانُها الدَّائِم المُتكرِّر- عن قصدٍ أو غير قصد – لكتابهم الإلهي الكريم، الذي صنع منهم أُمَّة واحدة قادَت العالَم وأنارته وعلَّمَته قِيَم العدل والأخوَّة والمُساواة، وكيف يمتلكُ عناصر القُوَّة الماديَّة والمعنويَّة. في هذا الكتاب المبين؛ الذي هو حُجَّةُ الله على المسلمين في الدنيا والآخرة، أيةٌ مُحكَمةٌ صريحةٌ تَنهَى المسلمين والقائمين على أمورهم، ومن بينهم: العُلَماءُ الذين هم ورَثَةُ الأنبياء، تنهاهم جميعًا عن التنازُع والتفرُّق والاختلاف، وتحذِّرهم من الفشلِ والوَهْن والهوان الذي ينتظرهم كنتيجةٍ حتميَّةٍ مؤكَّدة، إن هم خرجوا على هذا «القانون الإلهي» الذي عرفت قِيمتَه أمم أخرى استعصمت به وتوحَّدت مصالحها الكُبرى من حولِه رُغمَ تباينهم: لُغةً وعِرقًا وثقافةً ومذهبًا. هذه الأية هي قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ [الأنفال :46] . لننظُر أيهَا السَّادَة من حولنا، هل نجد لهذه الحُروب التي تأكلُ الأخضر واليابسَ من سببٍ غيرَ التَّنازعِ وما أدَّى إليه من فشلٍ وذهابِ رِيحٍ حذَّرنا منهما القُران الكريم! ولننظر كيف أنَّ الحربَ العالميَّةَ الأولى لم يَزِد عُمرها على سنواتٍ أربع، والحَربَ العالميَّة الثانية بدأت وانتهت في غضونِ سنواتٍ سِتٍّ. فكم من سَنَةٍ مضت الآن على الحرب التي اندلعت في منطقتِنا ولم يَخْبُ لها أوارٌ حتى الآن، وكلما أوشَكَت أن تكون وميضًا بُعثت من جديدِ لتكون أذكَى ضِرامًا مِمَّا كانت عليه. وإنه وإن كانت الفُرقة هي أصلَ الدَّاء وعِلَّتَه؛ فإنَّ أمانةَ الكَلِمَة تستوجِب أنْ أضم لهذا السَّبب سببا آخر يَستغلَّ جَوَّ الاختلاف أسوأ استغلالٍ، وهو: الأطماع العالميَّة والإقليميَّة التي لا تزال تُفكِّر بعقلية المُستَعْمِرين، أو عقلية الحالمين باستعادة ماضٍ قام على نزعة التغلب العِرقي والتَّمدُّد الطائفي، وإن كانت هذه الأطماع المريضة مما لا يُقرّها الدِّينُ ولا الخُلُق الإنساني، وتأباها المواثيق الدوليَّة، ويرفُضُها شُرفاء العالَم المتحضِّر وحكماؤه . إن هذا الدَّاءَ الذي أُصيبت به الأُمَّة أخيرًا، وأَطْمَعَ فيها أعداءها والمتربِّصينَ بها، لم يُؤتِ ثماره المُرَّة فقط فيما تركه من تقهقُرٍ وتخلُّف على كافة الأصعدة، وإنما كان له تأثيرُه البالِغُ السُّوء في فهم شريعة الإسلام واضطراب هذا الفهم في أذهان الناس، وبخاصةٍ الشبابَ منهم، هذا الأثرُ الذي تبلورَ أخيرًا في ظاهرة الغلو والتَّشدُّد والتطرُّف ، ثم الإرهاب – الذي استطاع بكلِّ مَرارة وألم – أن يُقدِّم هذا الدين الحنيف للعالَم في صُورة الدين المتعطش للقتل والذبح والدماء، وبصُورةٍ همجية وحشيةٍ لم يعرفها من قَبلُ تاريخ المسلمين الذي بلغ عُمرُه الآن ما يَقرُبُ من خمسةَ عَشَر قَرنًا من الزمان، ولو أن أعدَى أعداءِ المسلمين أراد أن يَكِيدَ للإسلام وينفِّر منه ويصدَّ الناس عنه لما استطاع أن يَبلُغَ عُشْر مِعشارِ تأثيرِ صورة واحدةٍ من صور الذبح والقتل والتفجير في الآمنين، والتي تبثُّها بعضُ سائل الإعلام والتواصل الاجتماعي عَمدًا وإصرارًا على تقديم دينِ الرحمة للعالَم في هذه الصورة البشعة المنفِّرة، وأنها الصورة التي يَجبُ على العالَم الآن أن يتصوَّر الإسلامَ من خلالها، ووراءَ ذلك من خيانة التاريخ والافتراء على الحقِّ والإنصافِ ما يكون عادةً وراءَ الأكَمَةِ عادةً من أيادٍ خفيَّةٍ تَعبثُ بمصائر الشُّعوب ومقدِّرات الأوطان. وإذا كُنَّا بصدد البحث عن أهم أسباب هذه الظواهر الغريبةِ على الإسلام والمسلمين وحضارتهم: شكلًا وموضوعًا وتاريخا؛ فإني لا أرتابُ في أن موجةً عاتية من ثقافة الكراهية غَزَت عقولَ بعضٍ من شبابنا المُغرَّرِ بهم، وهيَّأتهم لتنفيذ خطَّةٍ خبيثةٍ أُحكِم نَسجُها فيما وراء البحار، بعد ما وَجَدَت في سياسات التَّعليم ومُخرجاتِه في بلادنا منافذ أو نقاط ضعفٍ نفذوا منها إلى تجنيد هؤلاء في يُسْرٍ وسهولة ولا أريد أن أتوقَّف طويلًا عند أزمة التعليم في عالمنا العربي والإسلامي، وإنما أكتفي بالقول بأنه تعليمٌ سمحت بعضُ مناهجه بالتوقُّف عند التراكمات التاريخية لنزعات الغلوِّ والتشدُّد في تراثنا، والتي نشأت من تأويلاتٍ وتفسيراتٍ منحرفة لبعض نُصُوص القرآن الكريم والسُّنَّة النَّبويَّة وأقوال الأئمة، أستُغِلَّت في فَرزِ عقائد الناس وتصنيفهم لأدنى سبب أو ملابسةٍ، ودفعت أصحاب الفهوم المعوَجَّة إلى أقوال فقهية وعقدية قيلت في نوازل ارتبطت بفترة زمنية معيَّنة، واتخذوا منها نصوصًا محكمةً وثوابتَ قطعية تُحاكي قواطع الكتاب والسُّنَّة، وجعلوا منها معيارًا للتبديع والتفسيق ثم التكفير. وقد رأينا جماعاتهم يجترئون في اندفاع أهوج، وجهالة عمياء على تكفير الحُكَّام وتكفير المحكومين لأنهم رَضُوا بحُكَّامهم، وكذلك يُكفِّرون العلماء لأنهم لا يُكفِّرون الحكام، وهم يكفرون كلَّ من يرفضُ دعوتهم، ولا يبايع إمامهم، وكلَّ الجماعات التي لا تنضم إليهم «وقد اعتبروا كلَّ العصور الإسلامية بعد القرن الرابع عصورَ كُفرٍ لتقديسها لصَنَم التقليد المعبود من دون الله»([1]). ولست في حاجة إلى تسليط الضوء على العلاقة الوُثقى بين مذاهب التكفير وبين ثقافة الكراهية ورفض الآخر وازدرائه . وقد زاد من نشر هذه الثقافة الكريهة استغلالُ هذه الفئة الضالة التقدم التقني الهائل في ترويج أفكارهم المسمومة بين الشباب، وبأساليب مدروسة تُغري ضحاياها بالارتباط العقلي والعاطفي ثم بالانخراط السلوكي والعملي. أيها الحفل الكريم! أرجو ألا أكون قد كرَّرتُ على مسامِعِكُم كلامًا قد تعلمونه من قبلُ، ولكنه توطئةٌ – لا مَفَرَّ – منها للبحث عن مخرج غير تقليدي لهذه الأزمة التي ألصقت أشنعَ الجرائم وأبشعَها بالإسلام والمسلمين. وأزعمُ أن القراءاتِ الخاطئة لهذا الفكر التكفيري، والتباطؤَ في إدانته إدانةً حاسمةً، كلُّ ذلك ساعد على استفحال هذا الوَباء وانتشاره بين الشباب. ومع كلِّ ذلك فلا أزعمُ أن النَّفَقَ كلَّه مُظلمٌ من أوله إلى آخرِه، فهناك العديد من نقاط الضوء والأمل، إن صحَّ العزم وخلصت النوايا واتحدت الكلمة وتوحَّدت المصلحة. وإذا كنا قد اتفقنا على أن هذا الشباب إنما اختطف من بين أيدينا للأسباب التي ذكرناها، فعلينا أن نعترف في جِدِّية وشجاعة بوجوب إعادة النظر في التعليم ومناهجه بمختلف مراحله، وهذا يتطلب تنسيقًا جادًّا بين مسؤولي مؤسسات التعليم الديني ومسؤولي التربية والتعليم والجامعات، والثقافة والشباب والرياضة، لوضع إستراتيجية تعليمية متكاملة يُقدَّم فيها الدِّين في الصورة التي أرادها الله له: هُدًى ورحمة وتيسيرًا للناس ورفعًا للحرج عنهم، وإرساءً لمبدأ حُرمةِ الدِّماء، وعصمة الأموال والأعراض، وترسيخًا لقيم الأخوة والتسامح . وإذا كُنَّا قد اتفقنا أيضًا على خطر الاستغلال السيئ لوسائل التواصل الاجتماعي في هذه الأزمة، فقد آن الأوان لنفكر جميعا للبحث عن وسيلة توقِفُ هذا الإغراق التكفيري والمذهبي والطائفي والذي يسبح في الفضاء الإلكتروني بلا ضابط ولا رابط، وتردعَ التسابق المحموم في إفساد الشباب، وتمنع المدّ التخريبي الذي يمهِّد لسياسات الاستعمار الجديد ومشاريع التقسيم والتجزئة وإذلال الشعوب. هذا وقد تنبَّه الأزهر الشريف لهذا الخطر المحدِق بشباب الأمَّة؛ فأنشأ مرصدا إلكترونيا لمكافحة الفكر المتطرف، وتصحيح المفاهيم المغلوطة، وتحصين الشباب من ثقافة العنف والكراهية، ويعملُ به أكثرُ من مئة باحث من شباب الأزهر، يبثون رسائلهم بإحدى عشرة لغة، وذلك في إطار إستراتيجية جديدة تستهدف توظيف كافة وسائل الاتصال الحديثة في التصدي للفكر الإرهابي. رسالتي اليوم لبناتي وأبنائي من شباب الأمّة هي: أن يَستمسكوا بإسلامهم الذي يحترم إنسانية الإنسان، ويحرم القتل ويصون العِرض، ويعتزوا بنبيهم الذي أرسله الله رحمة للعالمين، وأخبر عن نفسه صلى الله عليه وسلم فقال: «أيها الناس: إنما أنا رحمة مهداة». واعلموا أيها الشباب أن الناس ينبذون الأديان ويكفرون بها حين يشيع فيها الغلو والتطرف، وحين يكون القتل أداة التعريف بها، وأسلوب الدعوة إليها، واعلموا أن المتطرف والإرهابي هما أسرع الناس مروقًا من الدِّين، وأن الساعين في هدم الأوطان سيلعَنُهم التاريخ، وأنهم سيذهبون وتبقى الأوطان شاهدة على انحرافهم. واعلموا أن سبل نشر الإسلام حددها القرآن الكريم في الحكمة والموعظة الحسنة، والحوار بالتي هي أحسن، وليس بالأحزمة الناسفة والمتفجرات. أيها الشباب المسلم كن سيِّد نفسك ولا تكن عبدًا لما تتلقاه من وسائل التواصل الاجتماعي من أباطيل وأضاليل. واعلم أنك مسؤول يوم القيامة عن «عقلك»: هل ميَّزت به بين الحق والباطل، أو رهنته لآخَرين يعبثون به كما يريدون ووقتما يشاؤون. وختام كلمتي أذكِّرُ قادةَ “القمة العربية الإسلامية الأمريكية” وزعماءها بأن شعوب المنطقة التي مزقتها الحروب، وشرَّدت أهلَها في الفيافي والقفار، وبدَّلت أمنهم رُعبا وفزَعا، وأذاقتهم مرارةَ اليُتمِ والثُّكْلِ والترمُّل وأورثتهم فقرا ومرضا وجوعًا تشريدًا، هذه الشعوب تنتظرُ من هذه القمة التاريخية قراراتٍ حاسمة، تقضي على الإرهاب وتجفِّف مصادره ومنابعه، وتوقِفُ العبثَ بدماء الشعوب وبأمن أوطانها ومقدَّراتها، وأن تضمن لها حقَّها في حياة آمنةِ وعَيش كريمٍ. كما أذكِّر أن القضية الفلسطينية التي هي قضية العرب والمسلمين الأولى تأتي في مقدمة القضايا التي تنتظرُ من هذه القمة العالميَّة وقفةً عادلةً تحقِّقُ الأمنَ والسلام والاستقرار لشعب فلسطين ولشعوب العالمين العربي والإسلامي. الأزهر الشريف حافظ على تراثِ الأمة حفظا ورواية وشرحا وتعليقا ألقى الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، يوم 18 مارس 2018 ، الكلمة الافتتاحية في الندوة العلمية مع كبار علماء الدين في موريتانيا، تحت عنوان “واجب العلماء للتصدي لظاهرتي التطرف والانحراف الفكري، والتي تحمل شعار علماء موريتانيا يحتفون بشيخ الأزهر، والفضائل. وقال: إنَّ القضايا المتداوَلة على السَّاحة الآنَ، أو كما يُسَمُّونها: القضايا السَّاخنة، وهي قضايا الغُلُو والعُنف والإرهاب المسلَّح، وإلصاق المسئوليَّةِ عنها بالإسلام، وأشباهها وما يتوَلَّدُ عنها؛ أصبحت من المعلومِ بالضَّرورةِ عندنا وعندكُم، ولم تعد هناك زيادةٌ لمستزيدٍ، مِن كَثرةِ ما قيلَ فيها حَقًّا أو باطلًا، أو إلباسًا للحَقِّ بالباطل، فمِنَ الحِكمَةِ إذًا – فيما أعتقدُ- أن نَغتَنِمَ فرصةَ المراجعةِ والمذاكَرةِ معكُم فيما يعودُ بالنَّفعِ على مَصلحةِ الأمَّةِ وواقِعِها الملمُوسِ على الأرضِ، بعيدًا عن أحاديثِ الأماني والأحلام، مشيرًا إلى أنَّ أفضلَ ما يُمكِن أن نُقدِّمَه لأمَّتِنا في أزمتها اليوم هو: تعميقُ الصِّلات العلميَّة الأكاديميَّة بين علماءِ الأزهرِ وعُلماء الغرب الإسلامي، مِن خلال المدرسة الشَّنقيطيَّةِ، بما لها من خصائص علمية وتعليمية تميَّزَت بها عن كثيرٍ منَ المدارس الإسلامية في العالَم الإسلاميِّ. وأوضح الإمام الأكبر أن أهم أسباب تميز المدرسة الشَّنقِيطيَّة؛ هو محافظة العلماء على تراثِ الأمَّةِ حِفظًا وروايةً، وشَرحًا وتعليقًا، وهو ما يتسق ورسالة الأزهر الشريف في حِفظِ التراث وتنميَّتِه وتعريف أبناء المسلمين به، متحدثا عن أبرز سِماتِ المنهج الأزهري والتي تتمثل في الجمع بين علوم العقل والنَّقل والذَّوقِ في تُراث المسلمين، وهذا المنهج التَّوفيقي الذي تَصالَح فيه المعقول والمنقول، يَعكِسُ طبيعةَ هذا التراث المتعدِّد الأبعادِ منذُ نشأتِه وعبر تطوُّرِه على أيدي كبار الأئمة وعظماء المجتهدين، وتَشرَّب المسلمون هذا التراث من ينابيع هؤلاء الأعلام كالعَسَل المصفَّى. وبين الإمام الأكبر أن الأزهر كان الحاضن والحافظ لهذا التراث بكلِّ أبعاده التي تَحدَّثنا عنها، ومن العجيب أن الأزهر لم يَقتصِر دورُه على الحِفاظِ على هذا التراث من التَّلَف والضَّياعِ والاندثار، وإنَّما كان له دورٌ آخَر كأنَّ الله اختَّصَه به، وهو دَور إعادةِ الحياة إلى هذا التُّراث، بعد ما أشرفَ على الهلاك بالفعل، مشيرا إلى كلمة الدكتور زكي نجيب محمود التي قال فيها: جاءتِ الحضارةُ الإسلاميَّةُ وكلُّ مسلمٍ يَعرِفُ ما هي مِصرَ بالنِّسبة للحضارة الإسلاميةِ، هي التي حفِظَتِ التُّراثَ الإسلاميَّ كلَّه، ولولا ما عَمِلَه الأزهرُ في القرون: الثانِيَ عَشَرَ، والثَّالثَ عَشَرَ، والرَّابعَ عَشَرَ، والخامسَ عَشَرَ،هذه القرونُ الأربعةُ الميلاديَّة، لما كان هنالك ما يُسمَّى الآن بالتُّراث العربي الإسلامي، وكنَّا أين نَجِدُه والتَّتارُ أحرقوه من هنا – أي من الشَّرق- وفي الأندلسِ ضاعَ من هناك على أيدي الغُزاة، لكن انكبَّ الأزهرُ على التَّجميعِ ، قبل أن يَضيعَ في الهواء، فجُمِّعَ، ولكن أيُّ تجميعٍ؟ تجميعٌ فيه الإيجابيَّةُ، وفيه الإبداعُ، وفيه الهدف، لافتًا إلى أنه حينَ حانت فُرصةُ التَّفرُّد برِيادة التُّراث من جديدٍ، لم ينهجِ الأزهرُ منهجَ الانتقاءِ والإقصاءِ والفَرزِ بين عُلومٍ يَستبقيها ويَسعَى في نَشرِها، وأُخرَى يُعتِّمُ عليها ويُعَرِّضُها لعوامل البلى والهلاك. وأكد أن هذه الأبعاد الثَّلاثة: النَّصُّ والعقلُ والذَّوقُ، قد تعانَقَت وتمازَجَت في مناهج التَّعليم في الأزهر قديمًا وحديثًا، وتلاشت بينها الحواجز المصطَنَعة، وأصبح كلٌّ منها يُغَذِّي الآخَرَ ويَغتَذِي به، ووَقَرَ في ذِهن الطَّالب الأزهري طِوال مراحلِ تحصيلِه العِلم في الأزهر، أنَّ الاختلافات العقَدِيَّة والفقهيَّة والذَّوقيَّة، هي اختلافاتٌ مشروعةٌ، إمَّا للتَّيسيرِ ورفع الحرَجِ ورفع الضَّرَرِ، وإمَّا لأنَّ شريعةَ الإسلامِ لا يُمكِن أن تكون صالحةً لكلِّ زمانٍ ومكانٍ، إلَّا إذا تصالحت في ظلالها مطالب العقول، وإشرافات القلوب، واستشراف الماورائيات، التي تَستمدُّ اليقينَ فيها من نَصٍّ معصومٍ، قد يَعتَلِي على مستوى إدراك العقل، ولكنَّه في كلِّ الأحوال لا يناقِضُ قوانينَه، ولا يصطدم بأوليَّاتِه ، ولا ببدائِهِه، كما هو الحالُ في باب السَّمعيات من أبواب علم الكلام مشددًا على أنَّ الأمةَ ما ابتُلِيَت قديمًا ولا حديثًا بالغُلوِّ والتَّشدُّد وما صاحبهما من فُرقةٍ تمزُّقٍ، إلَّا حين فَرَّطَت في هذا المنهج المتكامِل، وغاب عنها الطبيعة الامتزاجية لهذا التراث التي هي سِرُّ بقائه وخُلودِه وصُمودِه سَنَدًا وظهيرًا لوَحدةِ هذه الأمَّة وتماسُكِها. وتابع الإمام الأكبر: ونحن حين ننادي لعودة الأمة لهذا المنهج، فإننا في الوقت نفسه، ننادي بأن تعود للمذاهب الفقهية الأربعة صدارتها في الفتوى والتشريع، بحسب توَزُّعِها على الأمصار، وأن يُترَك كلُّ مصر وما نُشِّئَ عليه أهلُه، لا يحوَّلُون عنه، لا ترغيبًا ولا ترهيبًا، ولا تبشيرًا، وما خَبَرُ إمامِنا مالك وموطأه مع الخليفة المنصور بخاف ولا بعيد، مؤكدًا على ضرورة أن يعود لمذهب أهل السنة والجماعة ريادته التي ارتضتها الأمة الإسلامية عبر ألف عام وتزيد، وما ذلك إلَّا لأنها وَجَدَت فيه من حقائق الإيمان ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وصحابته والتابعون، ثم إنه المذهب الذي يحقق السلم الاجتماعي بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، وذلك بغَلقِ باب تكفير المسلمين، والقَبول باختلافات المصلِّين، والتمسك بقوله صلى الله عليه وسلم: من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلكم المسلم الذي له ذمة الله ورسوله، لا تخفروا الله في ذمته.