لست مع الذين يتصيدون الأخطاء لحزب الحرية والعدالة أو جماعة الإخوان لمجرد ممارسة هواية الخلاف السياسي، ولست من الذين يمسكون الساعة الميقاتية للرئيس محمد مرسي كي أحسب له ما فعل وما لم يفعل خلال المائة يوم الأولى، لأنني أعلم أن حسابات الواقع ومشاكله أعقد بكثير من الوعود الانتخابية، ولم أكن يوما منكرا على أحد حقه في المشاركة لصنع حاضر ومستقبل أفضل لوطن حاصره الاستبداد والقهر والفساد لعقود طويلة، لكنني ممن يتعجبون الآن من هذه النغمة التي تتصاعد وتستنكر على البعض حق الاختلاف، حتى لو اتسم بالشطط، ومن أصوات تقول لكل من يبدي رأيا مخالفا لاجتهاد جماعة الإخوان أو مكتب إرشادها أو ينتقد قرارا للرئيس: أين كنتم قبل الآن.. ولماذا لم يكن يسمع أحد أصواتكم في مواجهة نظام مبارك.. وهل كنتم تجرءون على نقد الرئيس وأركان نظامه.. وهل حرية الإعلام تعني التطاول والانفلات ونشر الأكاذيب؟! والحقيقة أن هذه الأسئلة وعلامات التعجب هي التي تعكس في واقع الأمر إنكار قيام ثورة وتضحيات شعب، بل وتستهدف إعادة إنتاج أو استبداد النظام السابق، وأنها تغفل أن كل القوى السياسية الفاعلة ومؤسسات ورموز من قيادات المجتمع المدني قد كشفت فساد هذا النظام وفضحته، وأن الشباب الذي انسد أمامه أفق المستقبل قد أبدع من الوسائل وتحدى بصدور عارية شراسة نظام كان يدافع عن وجوده واستمراره حتى أسقطه بتضحيات آلاف الشهداء والمصابين. لقد أدركت الدول التي دفعت أثمانا غالية حتى وصلت للخيار الديمقراطي في الحكم، أن الحرية هي القاسم المشترك بين بشر يعيشون في مجتمع واحد لكنهم مختلفون في المصالح والأفكار والتوجهات والانتماءات والعقائد والأجناس والأعمار. وأن احترام هذه القيمة هو الذي يولد المسئولية الصارمة في وضع القواعد، وفي حماية الحقوق الخاصة والعامة، وفي إدارة كل مناحي الحياة، وهنا تأتي أهمية الممارسة الديمقراطية متمثلة في أساس يحميه قضاء مستقل وإعلام حر وحق كل مواطن في معرفة ما يدور حوله وأن يكون شريكا ومؤثرا في اتخاذ القرارات وإدارة شئون بلاده. وهنا فقط نستطيع أن نقول إنه قد أصبح لدينا إيمان حقيقي تعززه الممارسة بتداول السلطة عبر الآليات والثقافة الديمقراطية، واحترام لإرادة الشعب، الأغلبية تحكم، والأقلية أو المعارضة مصانة ويتم احترامها، لأنها ليست مجرد ديكور تتجمل به الأنظمة الديكتاتورية، بل مشروع مؤجل لأغلبية قادمة. لذلك حرصت الديمقراطيات الراسخة التي ودعت الاستبداد والفاشية على أن تحفظ للأقلية حقها في التعبير والدفاع عن وجهة نظرها، لأنها وعت أنه كان وراء كل التغييرات الكبرى في تاريخ البشرية قلة عارضت السائد والمألوف والحاكم، وكانت على استعداد لأن تدفع الثمن لتفتح أفقا جديدا لمستقبل أوطانها. لكن الجاري حولنا يقول إن أمامنا رغم الثورة والدماء وأحلام ملايين المصريين مشوارا طويلا لاستئصال الاستبداد الذي ترسخ على مدى العقود الماضية وانتشرت خلاياه السرطانية والخبيثة، من نظام بائد إلى نظام يحاول تكريس ثقافة السمع والطاعة، ولم يخرج بعد من عباءة التنظيم المغلق إلى أفق حكم شعب متنوع الأفكار والمصالح والثقافات. تنظيم لم يكن صدره يتسع للخلاف مع بعض أبنائه فما بالك بغيرهم! ففي استقالة الشيخ محمد سعيد عبد البر أحد علماء الجماعة منذ عدة شهور، قال: إن الجماعة أصبحت الآن تضيق بالنقد وتتبرم بالرأي المخالف وتقسو على الأفراد وتشهر في وجوههم سيف السمع والطاعة، وأصبح التنظيم فوق مبادئ التربية والتوجيه. وقال المهندس هيثم أبو خليل، القيادي السابق بالجماعة، إن أخطر ما تعانيه الجماعة هو أنها لا تستطيع التعامل مع مخالفيها خاصة من أبنائها، وأنه يتم تعمد بذر مفاهيم مشوهة تجعل كل من خرج من الجماعة مجرد مجموعة من المارقين ذوي الهوى تحركهم الأنا وغواية والشيطان. والقائمة طويلة لم تنج منها د.هبة رءوف أستاذة العلوم السياسية وذات التوجه الإسلامي لمجرد توجيه انتقاد للسيد خيرت الشاطر، من قبل كان د.عبد الستار المليجي الذي وجه انتقادات حادة للممارسة السياسية لتنظيم الإخوان. الديمقراطية ليست وصفة من عند العطار أو جرعة من دواء.. بل هي طريقة حياة تستحقها الشعوب التي تضحي من أجلها وتدفع ثمنها.