يحيى قلاش يكتب: فقط لا غير.. استبداد السمع والطاعة! يحيى قلاش أحسب أن استقالة عضو قيادي أو غيره من أحد الأحزاب من الأمور العادية في العمل السياسي، وهي في أي مجتمع ترسخت فيه التقاليد والثقافة الديمقراطية لا تشين صاحب الاستقالة، ولا تنال أو تدمر سمعة الحزب. فحق الاختلاف مشروع وحق أعضاء الحزب بل والرأي العام في أن يعلم ويتابع ويحاسب ويقتنع يرقي لمرتبة التقديس. وتزداد أهمية هذا الأمر كلما كان الحزب في موقع مسئولية تسمح له بأن يكون شريكا في إدارة شؤون البلاد، واتخاذ القرارات المؤثرة في مصائر الشعوب. والدول التي دفعت أثمانا غالية حتى وصلت للخيار الديمقراطي في الحكم، أدركت أن الحرية هي القاسم المشترك بين بشر يعيشون في مجتمع واحد لكنهم مختلفون في المصالح والأفكار والتوجهات والانتماءات والعقائد والأجناس والأعمار. وأن احترام هذه القيمة هو الذي يولد المسؤولية الصارمة في وضع القواعد، وفي حماية الحقوق الخاصة والعامة، وفي إدارة كل مناحي الحياة، وهنا لا يعتبر الاعتراف بالأخطاء وإعلانها والمحاسبة عليها مجرد شجاعة فردية بل واجب يرقى لمستوى السلوك اليومي، ويرتبط بها كذلك حق كل مواطن في معرفة ما يدور في حزبه وحكومته ووطنه حتى يكون شريكا ومؤثرا في اتخاذ القرارات وإدارة شئون بلاده. في هذه الدول إيمان حقيقي بتداول السلطة عبر الآليات الديمقراطية، وفيها احترام لإرادة الشعب، الأغلبية تحكم، والأقلية أو المعارضة يتم احترامهما لأنهما ليستا مجرد ديكور تتجمل به الأنظمة الديكتاتورية، بل مشروع مؤجل لأغلبية قادمة. لذلك حرصت الديمقراطيات الراسخة التي ودعت الاستبداد والفاشية على أن تحفظ للأقلية حقها في التعبير والدفاع عن وجهة نظرها، وحماية كل من يقول "لا" في وجه من قالوا "نعم"، لأنها وعت أنه قد كان وراء كل التغييرات الكبرى في تاريخ البشرية قلة عارضت السائد والمألوف والحاكم، وكانت على استعداد لأن تدفع الثمن لتفتح أفقا جديدا لمستقبل أوطانها. السؤال: هل كانت دماء وتضحيات الآلاف من الشهداء والمصابين في مصر وخروج الملايين كافيا لاستئصال الاستبداد الذي ترسخ على مدى عقود طويلة ماضية؟! الجاري حولنا يقول إن أمامنا مشوارا طويلا وأن الاستبداد انتشرت خلاياه السرطانية والخبيثة، من نظام بائد إلى كل القوى السياسية والتيارات والأحزاب التقليدية، التي ترث الآن مؤسسات النظام السابق، وتتصدر في المجمل العام المشهد السياسي ولا أستثني من ذلك أحدا، وربما لا يتسع المجال للتدليل على ما قصدت إلا للإشارة إلى واقعة جرت مؤخرا، وهي استقالة الشيخ محمد سعيد عبد البر أحد علماء جماعة الإخوان المسلمين والعضو بها منذ أكثر من 25 عاما، التي أعلنها "أداء للأمانة وقياما بواجب البيان وحق النصيحة" على حد قوله، وأشار فيها إلى أن القيادة الحالية انحرفت عن فكر مؤسسها وتسربت إليها مفاهيم الفكر القطبي والوهابي، وأصبحت الآن تضيق بالنقد وتتبرم بالرأي المخالف وتقسو على الأفراد وتشهر في وجوههم سيف السمع والطاعة، وأصبح التنظيم فوق مبادئ التربية والتوجيه، وانفصل أبناء الجماعة عن العلماء، ويتم السكوت الغريب على وقائع محددة ذكرها أصحابها مؤيدة بالأدلة، وتستعمل المبادئ الثلاثة العتيدة الطاعة والثقة والكتمان في كبت كل رأي وقمع كل اعتراض، وجعلت مهمة الفرد الحقيقية هي حشد الناس للانضمام للجماعة. وأخطر ما قاله الشيخ عبد البر في نص الاستقالة هو اتهام قيادة الإخوان باتخاذ مواقف تؤدي بالجماعة إلى الانفصال التام عن النسيج الوطني، والمسارعة غير المبررة وغير المفهومة لدعم "العسكر"، وترسيخ سلطتهم على حساب الممارسة الديمقراطية الحقيقية، والاستغناء الكامل عن القوى السياسية الأخرى، والحرص الشديد على إيقاف الحالة الثورية، والسعي لتهدئة الأوضاع ولو على حساب ما يمكن انتزاعه لصالح الشعب وكذلك العيش في وهم التمكين والتصرف على أساس حصوله بالفعل علما بأنه تمكين وهمي لا أساس له. أتصور أنه لم يعد مقبولا الآن أن يتصرف من يحكم أو يشارك في الحكم على أساس ثقافة التنظيم السري أو الخاص، ومن حقنا وليس من حق الشيخ عبد البر فقط أن يتم التحقيق في أسباب استقالته وإعلان نتائجها، تعالوا نجرب الخروج من عباءة الاستبداد.