كامشاتكا الروسية تسجل 44 هزة ارتدادية خلال 24 ساعة وتحذير من ثوران بركان كليوتشفسكوي    وزير خارجية فرنسا: ترامب وعد بالمساهمة في الضمانات الأمنية ل أوكرانيا    حساب تشيلسي يسخر من فوز باريس سان جيرمان على تشيلسي في السوبر الأوروبي    "سيدير مباراة فاركو".. أرقام الأهلي في حضور الصافرة التحكيمية لمحمد معروف    كمال درويش: لست الرئيس الأفضل في تاريخ الزمالك.. وكنت أول متخصص يقود النادي    تأخر عن زيارتها واستفزها في الرد، سيدة تنهي حياة ابنها ب"شومة" في كرموز بالإسكندرية    ب3 سيارات إطفاء.. السيطرة على حريق داخل شقة في منطقة النزهة    انطلاق بطولتي العالم للشباب والعربية الأولى للخماسي الحديث من الإسكندرية    إسبانيا تستنجد بالاتحاد الأوروبي لمواجهة الحرائق    مصر ودبلوماسية السدود فى دول حوض النيل    طقس المنيا اليوم.. العظمى 43 وموجة شديدة الحرارة تجتاح المحافظة    تفاصيل استقبال وكيل صحة الدقهلية لأعضاء وحدة الحد من القيصريات    مجلس الأمن يرفض حكومة "الدعم السريع" الموازية ويحذر من تهديد وحدة السودان    محمد سعيد يكتب: «خدامين» الاحتلال    محافظ قنا ووزير البترول يبحثان فرص الاستثمار التعديني بالمحافظة    وداعًا لرسوم ال 1%.. «فودافون كاش» تخفض وتثبت رسوم السحب النقدي    بعد رقصه بالعصا على المزمار البلدي.. وفاة أحد أقارب عروسين بقنا    سعد لمجرد يحيي حفلًا ضخمًا في عمان بعد غياب 10 سنوات    زي الفل وبكرة يوم حاسم، محمود سعد يطمئن الجمهور على صحة أنغام    بدائل الإيجار القديم.. فرصة ذهبية قبل الطرد و90 يومًا فاصلة أمام المستأجرين    محافظ الغربية يعلن حصول مركز طب أسرة شوبر على شهادة «جهار»    طريقة عمل كفتة داود باشا أكلة لذيذة وسريعة التحضير    الاختبار الأخير قبل مونديال الشباب.. موعد المواجهة الثانية بين مصر والمغرب    موعد مباراة الترجي ضد الاتحاد المنستيري في الدوري التونسي والقنوات الناقلة    شيخ الأزهر يدعو لوضع استراتيجية تعليمية لرفع وعي الشعوب بالقضية الفلسطينية    عيار 21 يتراجع لأدنى مستوياته.. أسعار الذهب اليوم الخميس بالصاغة (محليًا وعالميًا)    نائب محافظ الجيزة تتابع استعدادات استقبال المهرجان الدولي للتمور 2025    رئيس الأركان الإسرائيلي: اغتلنا 240 من عناصر حزب الله منذ وقف إطلاق النار مع لبنان    البحيرة: ضبط المتهمين بقتل شخصين أخذا بالثأر في الدلنجات    تحديد هوية المتهمين بمضايقة فتاة على طريق الواحات.. ومأمورية خاصة لضبطهم (تفاصيل)    القمر الدموي.. موعد الخسوف الكلي للقمر 2025 (التفاصيل وأماكن رؤيته)    فوز مستحق.. ريال مدريد يهنئ باريس سان جيرمان بالفوز بكأس السوبر الأوروبي    وزير السياحة يوقع مذكرة تفاهم مع عمدة سراييفو لتعزيز التعاون بين البلدين    اختبار في الثبات على المبادئ.. برج الجدي اليوم 14 أغسطس    أبرز أخبار الفن على مدار الساعة.. تعرض ليلى علوى لحادث سيارة بالساحل الشمالى.. نقابة المهن التمثيلية تحول بدرية طلبة للتحقيق لما صدر منها من تجاوز.. والفنانة الكويتية حياة الفهد تدخل العناية المركزة    رسميًا الآن.. بدء تسجيل رغبات تقليل الاغتراب 2025 لطلاب تنسيق المرحلتين الأولى والثانية (الرابط الرسمي)    المركز الإفريقي لخدمات صحة المرأة يحتفل باليوم العالمي للعمل الإنساني تحت شعار "صوت الإنسانية"    الجامعة البريطانية في مصر تستقبل الملحق الثقافي والأكاديمي بالسفارة الليبية لتعزيز التعاون المشترك    ذروة الارتفاع بالحرارة.. نصائح جمال شعبان لتجنب الجلطات    تداول طلب منسوب ل برلمانية بقنا بترخيص ملهى ليلي.. والنائبة تنفي    ما قبل مجازر (الفض).. شهادات لأحياء عن "مبادرة" محمد حسان والمصالحة مع "الإخوان"    أحمد صبور: تحديات متعددة تواجه السوق العقارية.. ومصر قادرة على جذب الاستثمارات الأجنبية    د.حماد عبدالله يكتب: دور الدولة المتعدد فى الإقتصاد الحر !!    حنان شومان: "كتالوج تناول نادر لفقد الزوج زوجته.. وأجاد في التعبير عن مشاعر دقيقة"    صبا مبارك تنشر جلسة تصوير من كواليس "220 يوم".. ونجوم الفن يعلقون    ياسين السقا يكشف تفاصيل مكالمة محمد صلاح: "كنت فاكر حد بيهزر"    في ذكراها ال12 .. "الإخوان": أصحاب رابعة العزة، "قدّموا التضحيات رخيصة؛ حسبةً لله وابتغاء مرضاته وحفاظًا على أوطانهم    السفير محمد إدريس: العلاقات مع إفريقيا استراتيجية ويجب تفعيلها    الرياضية: بسبب أمم إفريقيا.. أهلي جدة يسعى لضم حارس سعودي    العثور على جثة شخص مجهول الهوية مخبأ داخل جوال بقنا    رياضة ½ الليل| إنجاز فرعوني جديد.. مصر تحصد الذهب.. مكافأة استثائية.. استلام المسار السريع.. وباريس سوبر أوروبا    حدث بالفن | أزمة نجمة واحالتها للتحقيق ووفاة أديب وفنانة تطلب الدعاء    نجاح فريق طبي بمستشفى النيل في إنقاذ مريضة تعاني من ورم الخلايا العملاقة    زوجي رافض الإنجاب مني لأن لديه أبناء من زوجته الأولى.. فما الحكم؟.. وأمين الفتوى ينصح    ما حكم من يحث غيره على الصلاة ولا يصلي؟.. أمين الفتوى يجيب    أمين الفتوى بقناة الناس: المتوفى يشعر بالزائر ويستأنس به    خالد الجندي يوضح أنواع الغيب    خالد الجندي ل المشايخ والدعاة: لا تعقِّدوا الناس من الدين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الناقد سعد الساعدي يكتب عن : نونة النص الشعري ودلالاته .. العنوان و رمزيته ..قراءة نقدية تجديدية لأشعار الفيس بوك
نشر في الزمان المصري يوم 04 - 04 - 2019

عند كتابة القصيدة الشعرية ، يُعدّ العنوان عتبة النص كما هو متعارف عليه ، أي انه الخطوة الاولى في العمل والبناء ، ولنقل الأساس الاول . أول درجات السلّم هي العتبة رقم واحد ، وفي النص الشعري فان العنوان هو الخطوة الأولى ، والتي ينبغي فيها على النّاص ان يوافق بين المعنى ، وما يليه من سردٍ كي يخرج العمل الفني بحلّة جديدة متلونة بألوانها البراقة .
ان فقد العنوان يؤكد فقدان علو بناء عظيم بحاجة ماسة له ، كونه تكثيف مختزل لذلك البناء الذي يحتاجه ، لكن الملفت للنظر ان بعض القصائد المعنونة تأخذ شكلاً رمزياً احياناً بعنوانها حين يعتليها بيت كامل من الشعر (في الشعر العمودي) او جملة اسمية ، او فعلية تامة البناء والمعنى كرمز دلالي لما يأتي بعدُ من تدرّج في كلمات النص ، وهذا كثير الملاحظة في القصيدة النثرية ، او قصيدة السرد التعبيري كما في قصائده الشاعر العراقي كريم عبد الله ( أقسمتُ انْ اتوضّأ بثغرك ) و
(تعدّدَ التفاح في سلالك العذبة ) و ( طعنّي صمتك ان افتح مغاليق نوافذ احلامي ) و ( ألذُّ صباحاتي انوثتك اليانعة ) . والشاعر عدنان جمعة نجده في ديوانه ناي قلق يختار عناوينه بكلمات قليلة أو كلمة واحدة أحياناً : ( انهيار .. أوراق .. محاولة .. راشيل.. إغفاءة شفاه … ) وغيرها ، وغيرهما آخرون .
وفي سؤال منّي شخصياً للأديب البروفيسور مديح الصادق استاذ اللغة العربية ، عن العنونة الطويلة أجابني :
( مسالة عنوان القصيدة لم يكن موجوداً في الشعر القديم ، وهو حالة مستحدثة ) .. اما بالنسبة لرأيه الشخصي فيجيب : ( ان عنوان القصيدة هو المدخل لها ، وهو بمثابة الموجز لمضمونها ، وربما تكون ظاهرة جديدة يُعلن عنها فيما بعد … الاختزال جوهر اللغة العربية ، وهو اساس البلاغة ، حيث عُرفت العربية بانّها لغة الاختزال . الاختزال واحد من اركان الجمال ، ومن يطيل في العنوان فإنما يسهب بلا مبرر ، والاسهاب بغير ضرورة إضاعة للجمال ) .
الشاعرة والناقدة رشا اهلال السيد احمد في حواري معها عن ذلك قالت :
( العناوين المطولة تشتت القارئ برأيي وتبعثر المضمون .. لذا اجد البعض يعجز عن العنونة التي تشير للعمل بشكل كامل ، فيأتي العنوان شارحاً والذي يجب ان يكون مقتضباً جداً ودالاً على المحتوى برمزية القول ) .
وعن كثرة القصائد طويلة العنوان التي ظهرت في الآونة الاخيرة تقول :
( كثرت مثل هذه القصائد ، لان الشاعر يريد ان يقول في عنوانه أكثر من مختصر، يريد ان يجعل القارئ يخوض في أعماق النص مباشرة ليكوّن دهش شعري اكثر. وتضيف عن القصائد الخالية من عنوان : ( اولاً القصيدة بلا عنوان تترك للقارئ التفكير بعنوان ملائم حين يستنبطه بشكل تلقائي القارئ ، ومن جهة ثانية الغموض في القصيدة يفتح باب التأويل ).
اما الناقد مالك مسلماوي في كتابه البياض في شعر عصام عيّاد والذي قدّم له الاستاذ باقر جاسم محمد يقول في الصفحة 32 :
( غير ان علاقة العنوان بالمتن غالباً ما تكون اتصالية ، ونادراً ما تكون إحالية غير مرئية ) . ويضيف : ( العنونة جزء من المثيرات البصرية غير آثارها الدلالية..)
من مجموع تلك الآراء الحداثوية نرى ان عنونة النص شيء مهم ومن ضرورياته ، وحين يتخلى عنها كثيرون فانهم يصنعون نصاً كجسدٍ مقطوع الرأس مع ما بها من جماليات انفعالية ، ورمزية متأنقة تسرّ المتلقي بقدر معانيها الجميلة ، في حين نجد عنونة النصوص السردية متقنة بحرفية شاعر مبدع يحيل الارض اليباب الى حدائق غنّاء لاسيما ما كان منها مختزَل العنوان ، مختزَل الجمل والكلمات المرصوفة في متن كتلوي متسق البناء ؛ متصاعد باختزاله وسيميائية رمزيته غير المبعثرة ، بل تتصف بنسغ منتظم متزن القدرة بمثيرات طالما تستهوي القارئ ، وكثيراً ما يبحث عن مثلها .
من خلال استعراض بعض النصوص الشعرية الفيسبوكية كونها الأكثر انتشاراً الان نجد ان الوجدان والعواطف ، والمشاعر الناطقة من أرواح أصحابها متدفقة بالحب؛ حب الوطن ، وحب الانسان ، والأرض والطبيعة ، وهي انفعالات صُبّت على الورق الرقمي بدلاً عن ورق الدفاتر . فمنهم من يكتب قصيدته آنيّاً مرتجلاً ، ويقوم بنشرها على صفحات الفيسبوك ، ولاحقاً يسجلها على أوراقه ودفاتره . ومنهم من يتركها كما هي ، ومنهم من يعاود التصويبات والتنقيحات ، ومنهم من يكتبها عمودية السرد ، وفي مكان اخر يضعها بكتلة واحدة كأنها مقطوعة انشاء ، أو قصة قصيرة.
هذا التنوع لم يصنع اختلافاً محدداً في معاني النصوص بقدر ما خلق قصيدة جديدة، أو تشكيلاً آخر بروح العصر والتجديد ، فيه اشراقات منيرة في البيان الشعري رغم أن البعض يدّعي بان الحركة الشعرية تمرّ بحالة ضعف ، أو تشتت يتلاشى معه الذوق ، ويتشظى به المعنى ، وهذا يجانب الحقيقة إلاّ في حالات وإن كان فيها قصائد تائهة لكنها ليست المقياس الحقيقي والمعيار العام للجودة ، والرصانة ؛ لان القصائد المتينة في البناء واللغة والعنوان ، أثبتت جدارتها من خلال أصحابها في كل بقاع الأرض .
وعلى سبيل المثال من بعض النصوص خالية العنوان نجد الجمالية المائزة في الكثير منها . فمثلاً الشاعر والناقد التونسي الطاهر مشي نجده لا يكتب شعره خالياً من عنونة موضوعية جميلة إلاّ مقطوعاته القصيرة التي تعد ومضات شعرية باذخة فعلاّ لجمالية ما تحوي من بيان وتراتبية مبهرة ووجدانيات بعواطف جياشة فيقول مثلاً :
( وضاع الهوى في تقاسيم ليلى .. وشريان قلب دماء تُراق
فلن تشرق الشمس فوق الهضاب .. ولن يولد الحب دون الوفاق
عسى وجدها يلتقيني بفجر .. وبالوصل يحي عليل الفراق ) .. انتهى النص
وكذلك الشاعر المصري وائل سعيد بما عرف عنه كتابة الشعر العامي ايضاً فهو يكتب بلا عنونة للنص في بعض مما يكتب . ومن قصيدة فيسبوكية له تميزت بكلمات ومعانٍ جميلة يقول فيها :
( سجنوني صبياً ولا أدري .. هل صرت طليقاً
أم دمت سجيناً ؟ .. سطا السّجان على فكري
وترك الجثمان أميناً .. وضع الأغلال على قلبي
علمني صمت الصامتين ..علمني الخوف من غدي
فضاعت آمالي .
بوجود نصوص شعرية متكاملة خالية من عنوان خاص بها مع هذا الكم الهائل اليومي من الانتاج الشعري لا يمكن الوقوف عند صور إبداعية متكاملة ولو بشكل جزئي ، ما يعني الان ان تلاشي عنونة النص الشعري تعني فقدانه لدلالات مكثفة تميزه ؛ يُحرم منها المتلقي أحياناً ؛ فتجميع هذه الاختزالات بكلمة ، أو عدة كلمات هو الصورة والاختزال الحقيقي للرسالة المطلوب ايصالها بشكل تدريجي يبدأ من العنوان .
فالعين هنا تندهش باثارة العنوان لها قبل الدخول بالتفاصيل اللاحقة ، في المساحة التي ستمتلئ بالمعاني والرموز السيميائية ، ومختلف التدرجات النصية . ان انعدام وجود عنونة مهيأة ، ومعدة بحرفية متقنة ستحول الدهشة البصرية الى جدار بلا ظلّ، وحديقة خالية من الازهار .
وما تحمله النصوص من اختزال لابد منه بعيداً عن مطولات العناوين صار من الأمور المسلم بها في عصر الحداثة وما بعدها حسبما نرى ، بعد ان كنا لا نعرفه في الشعر القديم كما جاء في البحوث ودلت عليه نصوص الأقدمين .
هذا الاستحداث كأنه أوجب على الشاعر وضع عناوينه الخاصة كي يميز بها نصوصه ، ومع هذا تخلى كثيرون عن ذلك وبقيت النصوص كجسد مقطوع الرأس رغم انها ليست كذلك أحياناً لان القارئ تعود مشاهدة نصوص مبنية بالكامل بعنونات تامة ، ومع كل ذلك تبقى جمالية النص هي التي تفرض نفسها .
في القصيدة الفيسبوكية خالية العنوان هناك قيمة ضاعت ربما عن النص ( المتن ) الناشئ برمزية غامقة ، أو بسيطة ، أو سرد مفتوح الاتجاهات والمعاني بتسلسل اعتباري موضوعي واضح غاية الوضوح بجزيل العبارات ، أو لنقل : الوضوح التفصيلي المباشر بجمالياته الواسعة الابعاد في النظم والوصف والاختزال حتى .
إن افرازات القيم الحضارية الجديدة القت بظلالها على الشعر ايضاً ، فالحركة المتسارعة بكل شيء ، جعلت من بعض الشعراء يدخل هذا المدخل بقصدية تستدعيها الضرورة حسب ظنه ، مضافاً الى قلة كلمات النص أو مساحته الصغيرة بالقياس للنصوص الطويلة ، والطويلة جداً التي تدفع المتلقي بكل تأكيد للابتعاد ، أو عدم الاهتمام بمتابعة ما يقرأه للنهاية ، وهذا يحسب على الشاعر قبل النص ، باعتباره هو الناصّ .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.