يتحدث الكاتب المغربي محمد بازي، في كتاب له عن أهمية العنوان في الثقافة عامة، ويركز على أهميته في الثقافة العربية. وفي النتائج التي توصل إليها نجد أنفسنا أمام المثل الذي يقول إن المكتوب يقرأ من عنوانه فالعنوان هو -أو يجب أن يكون- خلاصة المادة التي يتحدث عنها وتحريض على الخوض فيها. وتحدث بازي عن الطريقة الحديثة في موضوع العنوان كما تناول موضوع العنوان في الشعر القديم وركز على أهمية المطلع في هذا المجال.
عنوان كتاب محمد بازي هو "العنوان في الثقافة العربية .. التشكيل ومسائل التأويل"... وقد ورد في 96 صفحة متوسطة القطع، وصدر عن (منشورات الاختلاف) في الجزائر وعن (الدار العربية للعلوم ناشرون) في بيروت.
وفي فصل عنوانه "في نظرية العنوان الحديثة" يقول المؤلف: "يعتبر العنوان في نظريات النص الحديثة عتبة قرائية وعنصرًا من العناصر الموازية التي تسهم في تلقي النصوص وفهمها وتأويلها داخل فعل قرائي شمولي يفعل العلاقات الكائنة والممكنة بينهما.
"وهو عند جيرار جنيت مجموعة من العلاقات اللسانية... التي يمكن أن توضع على رأس النص لتحدده وتدل على محتواه لإغراء الجمهور المقصود بقراءته.
"يحدد العنوان هوية النص ويشير إلى مضمونه كما يغري القراء بالاطلاع عليه.. على أن وظيفة التحديد تظل هي الأهم من غيرها؛ فالعنوان المثير قد لا يربطه بما يعنون أي رابط. "كما أن العلاقة بين مادة العنوان ومواد النص ليست دائما مرآوية، بحيث يكشف ظاهر العنوان بواطن الكتاب، إذ من الممكن أن نجد عناوين فارغة أو دالة على الشكل أكثر مما تدل على المضمون.
"لذلك فالعنوان باعتباره اسما للكتاب أهم محدد ومميز له عن هويات أخرى وان كنا نجد بعض العناوين مبنية بطريقة رمزية أو مجازية مما يدفعنا للتأويل لإيجاد ألوان من التطابق أو شبه التطابق بين النص وعنوانه، خاصة في الكتب ذات الطبيعة النظرية أو الفكرية.
أما عناوين الدواوين الشعرية والروايات والقصص والمقالات -الحديثة على الخصوص- فهي تقوم في أغلب الأحيان على المراوغة والإيحاء."
أضاف يقول: "يختصر جنيت أهم وظائف العنوان في: وظيفة التحديد والوظيفة الوصفية والوظيفة الإيحائية والوظيفة الإثارية - الإغرائية، وكما هو واضح فهذه الوظائف تضمنتها الاستعمالات الدلالية المختلفة لكلمة العنوان في الثقافة العربية".
وفي مجال الحديث عن العنوان في اللغة والاصطلاح في العربية، قال بازي "العنوان... إظهار خفي ورسم للمادة المكتوبة، إنه توسيم وإظهار فالكتاب يخفي محتواه ولا يفصح عنه ثم يأتي العنوان ليظهر أسراره ويكشف العناصر الموسعة الخفية أو الظاهرة بشكل مختزل وموجز".
وفي فصل عن "العنوان في القصائد العربية القديمة الصناعة والتأويل"، قال الكاتب: "لم تعرف القصائد الشعرية القديمة بعناوين محددة مثلما هو الحال اليوم في انتقال النصوص وتداولها وتأويلها.
وظلت عناية الشعراء محصورة في تجويد المستويات البنائية والجمالية لنصوصهم.. مقابل هذا لم يول الخطاب النقدي القديم أية أهمية لمكون العنوان في حدود ارتباطه بالقصيدة.
"السؤال الذي نحاول الإجابة عنه: كيف أن العرب سموا كل شيء ولم يعنوا بعنونة قصائدهم؟ وكيف كانت تتداول النصوص الشعرية دون أسماء أوعناوين مميزة لها في ثقافة تنتج النصوص باستمرار؟ وكيف عاشت وعمرت الأشعار دون شواهد ميلاد ودون تسميات؟".
أضاف يقول: "لم يحفل النسق الثقافي القديم في المجال الشعري بمسألة العنونة.. فقارىء الدواوين الشعرية القديمة يجد نصوصها مرتبة ترتيبا أبجديا اعتمادا على رويها ويجد إشارت إلى المناسبة التي قيلت فيها.. غير أن بعض النصوص اشتهرت بين الناس بأسماء خاصة وهي تعكس جانبا دلاليا أو بنيويا أو جماليا فيها أو خاصة بارزة".
وتساءل قائلا "وفي غياب العنونة إذا.. أليس بوسعنا اعتبار المطالع بديلا للأسامي والعناوين؟ إذ كثيرا ما تعرف القصائد ببداياتها فهي دالة عليها ولعدم وجود عناوين فإن الإشارة إلى القصائد تتم من خلال مطالعها فهي الدليل عليها، ومن هنا وجدنا الشعراء قديما يعنون بتجويد مطالع نصوصهم وبنائها بناء إيقاعيا جذابا وفق قواعد مخصوصة، لأنها واجهة القصيدة، وأول ما يظهر منها للعين أو يصل الأسماع".
وفي مجال الحديث عن الشعر الحديث من خلال قصيدة "الباب تقرعه الرياح" للشاعر العراقي الراحل، بدر شاكر السياب، وحديثه عن نص مصغر في البداية ثم يجري التوسع فيه رأى أن للعنوان أهمية كبيرة الآن.
وقال: "إن ما يجعلنا نهتم بالعنوان اليوم –أكثر من ذي قبل- هو المكانة الهامة التي يحتلها في تفكير الكتاب والمؤلفين والناشرين ولما له من أثر على تداول الكتاب وقراءته ورواجه، إضافة إلى كونه مرتكزًا لبناء المعنى عند المتلقين للنص ودارسيه في إطار من التعاقد التأويلي الذي تسهم فيه جهات متعددة".
وقال إنه استنادا إلى الأسس التي أوردها في الكتاب ومن "هذا المنظور اعتبرنا نص الفاتحة عنوانا للقرآن الكريم لتضمنها كليات ما ورد فيه معتمدين في ذلك على أقوال المفسرين وعلماء القرآن".
وخلص إلى القول: "فالعنوان بمثابة الرأس للجسد وفي الرأس تختبيء أسرار الجسد، بل هو الموجه والمتحكم في تداول النصوص ثم تأويلها".