الدكتور العراقي والناقد علاء حمد يكتب دراسة نقدية حول ديوان الشاعرة ابتسام حوسني الشعرية "عقيدة القبل " بين سلطة النصّ واللغة السيميائية علاء حمد – عراقي مقيم في الدنمارك ليس هناك مايسميه بعض المختصين بالنصّ المغلوق ، فتقريبا كلّ النصوص مفتوحة ، وهي تملك السلطة في اتخاذ قراراتها ، وهناك عدة تأويلات لقراءة النصّ الشعري الواحد من خلال القصيدة ، وجلّ مايفرحني أن يتحوّل الشاعر الى قارئ لقصائده ، ولكن هذه العملية والرحلة نحو الفضاء تحتاج الى دراية عظيمة ، والخوض من الذاكرة الى الذاكرة ، أما عن المعنى أهو لسلطة النص أم لسلطة القارئ ، فيضرب كروسمان مثالا حيّا بعد أن يقرّ بأنّ القارئ ضروري لإنتاج المعنى ولكنّه مقيّد بالنص ، كما أن الماء الساخن ضروري لطبخ الشاي ، ولكن مزيجا من أوراق الشاي والماء ينتج الشاي فقط ، ولا ينتج القهوة أو الكاكاو ، وهذا مستندا إلى وجهة نظر الفكرة القائلة بأنّ النص نفسه يعني شيئا ما وأنّ القارئ يستخرج هذا المعنى. وهذا القول بأحادية المعنى أو بأنّ تأويلا صحيحا واحدا هو الممكن لأي نص أدبي كما يقول هيرش يرفضه كروسمان ويردّه ليقول بتعددية التأويلات ، وأن القارئ هو صانع المعنى ، وكذلك المؤلف حين يتحوّل إلى قارئ. ويلعب عنصر الزمن ، دورا صميما في تحديد نوع القراءة وتوجيه شعرية التلقي ، فلكلّ نص أفق إنتاج وأفق تلق ، وهذا الأفق هو الذي يحدد آليات الانفتاح أوالانغلاق للنص وللقراءة معا ، فإن كان الإبداع فعلا فرديا ذا سمات خصوصية متميزة فإنّ القراءة يحدّها عاملا الزمان والمكان بخصوصيتهما ، فكل قراءة هي حصيلة رؤى تندرج في =نسق قيمي ومعياري وتصوري لجماعات اجتماعية معينة تجمعهم علاقات تلقي أدبي وثقافي مشروطة بظروف تاريخية معطاة ، تجيب عن انتظارات جمهور قارئ أو جماعات في مرحلة تاريخية معينة .. مجموعة الشاعرة المغربية ابتسام حسني ، بين يدي ، وهي تنطق بالايحاء الدلالي وباسلوبية تصبّ في سيمياء اللغة الشعرية التي اعتمدها الشاعرة ، وهنا تكمن المحسوسات الذهنية ، كي تعطينا الموروث من مفردتها الشعرية : على خدّه ... كان ينام يسجد عند شفتيه يركع له ويصلّي صلاة القيام !! ...... يقدم بين يديه العسل بشهده مرّة واحدة بالعام .. من قصيدة عصيان ص 19 لو نلاحظ الحركة السيميائية للغة ومدى ارتباطها وديموتها بشكل متواصل ، فهنا نستطيع أن نلتفت حول الرؤيا ومايدور في داخل الشاعرة من رؤية ، استطاعت أن تحرّك الفعل ، وتنتمي الى المخيلة .. هنا تكمن حركة للخيال ومازالت ( هي ذاتها ) تنتظر الاكثر ، لانها لم تفرغ نواياها الشعرية من خلال قصيدة .. فتشتغل هنا السيميائية معتمدة على البديع من الكلام ، ومدى حركة المفردة الشعرية ومؤثراتها على المتلقي ... ولكن هذا المنهج على ما يقدمه من آليات في الاشتغال، إلا انه لا يستطيع بمفرده أن يحيط بالبديع ومباحثه المعقدة التي لا تتضح دلالتها من استجلاء النص وحده من دون النظر الى أثر هذه المباحث في متلقي النص والمقام الذي قيلت فيه، ولذلك فهو بحاجة الى تعاضد الاسلوبية التي تنظر الى البديع من زاوية المتلقي ،أي أن الأسلوبية تنظر إلى البديع بوصفه أسلوبا أدبيا جماليا، يمكن النظر إليه من زاوية المتلقي ، لأننا بإزاء دراسة في البديع،ونعلم أنّ التحسين والجمال ليس صفة في الأشياء أو في الأعمال الفنية بل هو عبارة عن تجربة شعورية يمرّ بها السامع أو المتلقي ، ولمّا كانت مباحث البديع يقصد بها التأثير في المتلقي بالدرجة الأساس،احتجنا إلى عرض المقاربة الأسلوبية التي تتصل بالمتلقي بوصف الأسلوب مثيراً له،وتنعقد العلاقة بينهما ويحدث تأثيره المطلوب ، من خلال التفاعل بينهما. لوذهبنا بعيدا عن أحضان القصيدة ، ودخلنا من الباب الأوّل / كمفردة شعرية / كخيال ومايصاحبه / ك الأنا في نسج الجملة / كالاخر ودوره بين ذاتية الشاعر والشخص المتلقّي ، هنا سندخل الى ثلاثة أشخاص ، ومن الطبيعي جدا ، سوف ننحاز الى الشخص الثاني لانه سيكون الاقرب الى النصّ .. الشاعرة ابتسام حسني تقودنا الى خصحصة الشخصية من خلال العنونة التي اعتمدتها في الولوج والانتماء الى معان ، تريد منها أن تحرّكها في مجالات عدّة ... فلو دخلنا من الغلاف الى الغلاف ، لفتحنا بوابة المجموعة الشعرية الاولى ( عقيدة القبل ) امرأة تحمل بين مخيلتها الكثير الكثير كي تزرع فينا بعض الامل من خلال مطالعها الشعرية .. لقد أولت السيميوطيقا أهمية كبرى للعنوان، وذلك باعتباره مصطلحا إجرائيا ناجحا في مقاربة النص الأدبي، و نظرا لكونه مفتاحا أساسيا، يتسلح به المحلل للولوج إلى أغوار النص العميقة، وذلك بغية استنطاقها و تأويلها. وبالتالي، يستطيع العنوان أن يقوم بتفكيك النص من أجل تركيبه، وذلك عبر استكناه بنياته الدلالية و الرمزية، وأن يضيء لنا، في بداية الأمر، ما أشكل من النص و غمض. فالعنوان- إذاً- هو مفتاح تقني يجس به السيميولوجي نبض النص، و يقيس به تجاعيده، ويستكشف ترسباته البنيوية وتضاريسه التركيبية، وذلك على المستويين: الدلالي و الرمزي. هذا، وقد أظهر البحث السيميولوجي، بشكل من الأشكال، أهمية العنوان في دراسة النص الأدبي، وذلك نظرا للوظائف الأساسية المرجعية والإفهامية و التناصية التي تربطه بالنص و بالقارئ، و لن نبالغ إذا قلنا: إن العنوان يعتبر مفتاحا إجرائيا في التعامل مع النص في بعديه: الدلالي والرمزي. وهكذا، فان أول عتبة يطؤها الباحث السيميولوجي هو استنطاق العنوان، و استقراؤه بصريا ولسانيا، أفقيا و عموديا، " ولعل القارئ يدرك مقدار الأهمية التي يوليها الباحثون المعاصرون لدراسة العناوين، خاصة وأنه قد ظهرت بحوث و دراسات لسانية و سيميائية عديدة في الآونة الأخيرة، وذلك بغية دراسة العنوان، و تحليله من نواحيه التركيبية والدلالية والتداولية". يعد العنوان من أهم العناصر التي يستند إليها النص الموازي(Paratexte)، وهو بمثابة عتبة تحيط بالنص، بله عن كونه يقتحم أغوار النص، وفضاءه الرمزي الدلالي . عقيدة القبل ، هي الجمل المستعارة والتي تحمل التأويل في منطوقها ، وكذلك لو دخلت الى داخل المجموعة الشعرية ، لشاهدّت المشهد الالسائل للعنونة ، توزّع على صفحات الكتاب ، ليحضن القصائد من هنا وهناك .. عصيان / براءة أنابيل / تاتواج / مملوكة / ليله .. كان لي / خلقها الله بمزاج عال وأخيرا عقيدة القبل .. العديد من الوقفات والعناوين التي تثير الاسئلة لدى الاخر / الشخص الثاني وهو المتلقي .. ثمَّ إن النص ليس له وجود خارج سياقه. وكلّ قراءة للنصّ، تفسير له وليست مظهراً ثقافياً. وهو بذلك يشترط عناصر هي: الفعالية، الخلق، المعاني، والإنتاج: ثمَّ التعدّدية مستنتجاً أن ممارسة القراءة هي تفاعل بين فعل القول وفعل التلقي والتأويل، وخضوع المعنى لنية المؤلف، أمَّا الدلالة فهي ما يفهم القارئ من النص. براءة من الله على كلّ الّذي نزع منّي وردي .. ساعة جني الحامض بحوضه دون ساق وهيّج نهدي .. من قصيدة براءة أنابيل ص 29 الصورة الشعرية تنقلنا من حالى الأنا الى حالة الجسد ، فالشاعرة هنا بإحساس ليس مقيّا ، وإنما كان النصّ له سلطته الادارية في عملية التكوين ... السلطة الادارية في تكوين المخيلة والابحار بها ، هي احدى عوامل المحسوسات التي يملكها الشاعر في تثبيت القصيدة ، وهنا تلعب تجربة الشاعر الشعرية والحياة ومدى دخوله سلطة النصّ وبثّ الحكم من خلاله الى المتلقي .. وهنا يتزاحم في القصيدة احدى عناصر الجسد وربطه مع عقيدة القبل ( لذلك نقول دائما ونشيد بأهمية العنونة والانطلاق منها ) وتبقى الاستعارات التي تعتمدها الشاعرة تؤلف لنا شأنا شعريا مع الصورة الشعرية التي تعتمدها باتخاذ الهدف الذي نتوصّل اليه .. إن امتزاج الذات بالقصيدة ، هنا نتيجته النصيحة التالية: لا تقترن بالمرأة لأن المرأة تقتل موهبتك. وعلى الرغم من هذه النتيجة المقنعة والمطمئنة للشاعرة إلا أن موقفاً درامياً كان قد كشف عنه قبل الوصول إلى هذه النتيجة ويتمثل هذا الموقف في كون الشاعرة ستظل حاملة جرحها بيمينها ولذلك أسألها ذلك السؤال المخيف: أين تمضي؟ وكيف تمضي؟ وقصائدها ضارعات ببابها بوصفها ملهمة الذات والمفردة التي تعتمدها ، وهنا تتجلى دراما الشاعرة متمثله في الصراع بين الذات والقصيدة. لاتزول أبدا تخلّد للعشق الرحيم فتذوب في هوى عشيقها عشقا .. لاتحيد عنه لوجهة .. أرقى .. حراك واضح بين المخيلة والخيال الذي تعتمده الشاعرة ، وهي بين الانا وال هو .. الانا وال هي ، هي ذاتها ، وذاتية المفردة التي اعتمدها ، كباثة تعلن وجهها بين الجميع ، لتقول هاهنا يرتقي الجمال ، أين انتم منه ؟! ابتسام حسني ، ومن خلال متابعتي لكثير من قصائدها المتمردة تارة وتارة تعلن عن هيجان ثورية ، لتعتمد الخطابية في التأليف والمنظور الشعري .. وهنا تلعب الالوان الحارة دورها ، في تزيين لوحتها الشعرية ، أما مايخصّ التمرّد ( وهذه من الحالات النادرة واعتماد القصيدة المتمرّدة ) لانها لاتدخل العقل ومساوة اليدين في البث والاعلان عن ذلك ... إنّ التشاكل في الأسلوب الفني لايؤدي بالضرورة إلى التشاكل في الموقف الجمالي. معالعلم أن هذا الموقف هو الأساس في التباين المدرسي في الفن. أقولذلك، على الرغم من كونه بدهية في الدرس الجمالي للفن. غير أن هذه البدهية كثيراًمايتمُّ تناسيها، حين يذهب بعض النقاد إلى تصنيف شعر الحداثة العربية تحت هذهالمدرسة أو تلك، ولاسيما الرمزية. إنإطلاق مصطلح التيار الرمزي على شعر الحداثة يغفل أن ثمة تعارضاً. بل تناقضاً، علىصعيد الموقف الإجتماعي الجمالي، بين كل من الرمزية وشعر الحداثة. ومن هذا المنظور الجمالي والرمزية التي تشغل بعض النصوص لدى الشاعرة المغربية ابتسام حسني ، تستمرّ حفريات التنقيب عن المعاني التي تعتمدها وفنّ النظم : جسد الدولة بدين ... في مقدمة رؤوسه سلسلة طولها سبعون ذراعا وصراط مستقيم . من قصيدة سادية ص 80 فالواقع هو المجال الحيوي الذي يتحرك فيه هذا الشعر، وهو المعنيّبالتقويم والتغيير، لا المثال أو الجمال المجرد، كما هي الحال في الرمزية. ولهذافإن شعر الحداثة قد زجَّ بنفسه في أتون الصراع الاجتماعي، رافضاً أن ينكفئ على ماهوذاتي أو شكلي أو وهمي . أي أن لهذا الشعر وظيفة اجتماعية جمالية ذات مضمون ثوريتغييري. وهو مايعني أن صفة "الثوري" هي التي يفخر بها الشاعر الحداثي، لا صفة "المنحطّ". وذلك بصرف النظر عن طبيعة تلك الثورية. وهل هي طبيعة سياسية أو فكرية أوقيمية... وهناك الكثير من الشعراء ثاروا برمزيتهم وقصائدهم ، أمثال بالو نيرودا وكذلك من العرب أمثال الماغوط ، والقائمة طويلة في الساحتين العربية والعالمية .. ابتسام حسني توظّف مفردتها الرمزية بين سيرورة الفلاش باك ويرورة الواقع الّذي تعيشه على المستوى المحلي وكذلك العربي ، وفي جميع الاحوال لها نظرتها الاممية وما تحمله من أفكار لتوظيف الجمل الشعرية ، بالربط بين الحياة والحياة الخاصة التي يعيشها المرء : ترحم السائل من صلاة الدهر ، وتشفع له كي يدخل الجنة بلا حساب .. فكلّ حسابه مدفوع مقدما بدفتر شيكات .. من قصيدة فياغراعيشية ص 102 بين النقد الخارجي والحالات البورجوازية التي يتمتّع بها الاخر ، هنا تظمّ الى خاصيتها ، الغائب والحاضر ، كي يدخل نصّها بشكله المفتوح مع نصوص أخرى ... لقدطبعت صفة الثورية شعر الحداثة بطابع صدامي مع كل مايتنافى والقيم الجمالية التييدافع عنها أو يسعى إلى طرحها. ولهذا لاغرابة في أن تتصدّر قيمة البطولي HEROIC لائحة القيم المطروحة. إذ إن البطولي هو المعادل الجمالي للثوري. ولاغرابة أيضاً فيأن يتصّف الجمال، في شعر الحداثة، بطابع صدامي. بل حتى مفهوم المغترب المعذب الذيكثيراً مانواجهه في هذا الشعر، لايقوم على ماهو وجودي، كما في الرمزية، وإنما يقومعلى ماهو اجتماعي وسياسي وقيمي ذو طابع صدامي أيضاً. والحقيقة أن دراسة القيمالجمالية التي طرحها شعر الحداثة تؤكّد بمالايدع مجالاً للشك أن هذا الشعر علىتناقض مع الرمزية بوصفها موقفاً اجتماعياً جمالياً. غير أن هذا التأكيد لاينفيإفادة هذا الشعر من الرمزية بوصفها أسلوباً فنياً. وقد أدخلتنا الشاعرة المغربية ابتسام حسني ، بعوامل رمزية تماشيا مع الجمالية في القصيدة ، وهذا مايبرز لنا مدى حرص الباث في التأليف والولوج الى تقنيات وأدوات شعرية يتم استخدامها ، وما تتحلّى المدرسة الرمزية من جمال ، وضرورة الانتماء اليها ، لانها ستمثّل العين الباصرة ، مابين البصر والبصيرة .. جسد الدولة بدين ... في مقدمة رؤوسه سلسلة طولها سبعون ذراعا وصراط مستقيم . تنتج القصيدة في عموم المخيلة لحظة الاتكاء على الحدث اللحظوي ، والمرور بالزممكانية في توريث المفردة والاعتماد عليها ، فالشعر يقيم بنيته وليس برهنته ، كما يعتقد بعض المنظمين للشعر الحديث ، فالحداثة أخذت مسارها وتشعبت بمدارس عدة ، لليحلولة مع القصيدة الجديدة .. لو نلاحظ حركات القصائد لدى الشاعرة ابتسام حسني سنلاحظ حلاكة الافعال لها حضورها بين المفردات الشعرية ، وهذه الحركة هي القائد العام للادوات الشعرية التي يستخدمها الباث في فنّ النظم .. لقد اعتمدت الشاعرة ابتسام حسني على عنونة مجموعتها الشعرية باحدى القصائد التي وضعتها آخرقصيدة من مجموعتها ، لكي تجعل الاخر أن يتابع مجموعتها الشعرية من الغلاف الى الغلاف ... في مدفع مختل لاترمها بقارورات غازية قابلة للانفجار في سلّة القتل .. من قصيدة عقيدة القبل ص 133 .. المراد هنا هو البحث عن الاخر وربطه بالاخرين ، باسلوبية شعرية أرادت أن تكوّن نتائجها بين ألانا الناطقة وبين الجماعة ، دون ذكر الاخر وهو الحاضر معها في قلب الحدث .. ابتسام حسني .. شاعرة تملك من الادوات الشعرية لتسخرّها للاخر بمفاتيح ، لاينظر اليها الا من خلال قصيدة .. وهنا تلعب البصرية لدى الشاعرة في تحييد الاسلوبية وكيفية النطق بها ... عقيدة القبل مجموعة شعرية للشاعرة المغربية ابتسام حسني الغلاف : مصطفى العرش الناشر : دار الجندي للنشر والتوزيع / القاهرة / مصر تقع المجموعة ب 143 صفحة حجم وسط ... المصادر : شعرية التلقي بين سلطة النص وحرية القارئ / سميرة قروي السيميائية والأسلوبية والتداولية: المفهوم والاشتغال / د.خالد كاظم حميدي/العراق. السيموطيقيا والعنونة / د . جميل حمداوي مفهوم الشعر .. الدكتور فاهم علاق سيمياء الحداثة في قصيدة النثر الدكتور فرحان بدري الحربي