بعد سنة حرصت فيها إسرائيل وحماس على خوض مواجهة مضبوطة دون كسر القواعد، علق الطرفان أمس في دوار غير مخطط. فالصاروخان اللذان أطلقا نحو تل أبيب سيستوجبان تغييراً جذرياً في الوضع سيتضمن على أي حال بضعة أيام من القتال. لم يكن واضحاً أمس من أطلق الصاروخين نحو غوش دان. ومع أن حماس سمحت في الأسابيع الأخيرة بإطلاق معين من الصواريخ إلى أراضي إسرائيل للتأشير إلى أزماتها، ولكنها حرصت على أن تكون النار نحو بلدات الغلاف المجاور لحدود القطاع فقط وحتى هذا بتقنين. ويحدق التهديد المركزي من البالونات المتفجرة ومن المظاهرات على الجدار، حين تحرص حماس على عدم رفع مستوى الاحتكاك كي لا تجر إسرائيل إلى رد قاس. بل وحاول الطرفان في الأيام للوصول إلى توافقات تمنع المواجهة، وفي هذا الإطار سمحت إسرائيل هذا الأسبوع بدخول نبضة أخرى من المال القطري إلى القطاع. من حاول تحدي سياسة حماس المعتدلة نسبياً (وسياسة إسرائيل) هو الجهاد الإسلامي، الذي بالقيادة الجديدة لزياد نخالة يتخذ خطاً صقرياً وأكثر عنفاً، تضمن أيضاً حدث القنص الذي نجت فيه حياة قائد سرية في المظليين حين أصابت الرصاصة الخوذة التي يعتمرها. ولا يزال، في الجهاد أيضاً يعرفون بأن النار نحو غوش دان، ليست الدرجة الأولى، بل الأخيرة؛ ليس لأن دماء سكان تل أبيب أكثر إحمراراً، بل لأن مثل هذه النار هي إعلان حرب لا يمكن لإسرائيل أن تتجاهلها. إذا كان الجهاد مسؤول عن إطلاق النار حقاً، يحتمل أن يكون من دفعه نحو العمل هي إيران، سيدته، على خلفية الضربات التي تلقتها مؤخراً من إسرائيل. أمس لم يكن لذلك تأكيد بعد، ولكن معقول أن تبذل الاستخبارات جهداً عظيماً في محاولة لربط طهران بالحدث، في إطار الصراع متعدد الجبهات الذي تخوضه إسرائيل ضدها. إيران في هذه اللحظة هي وجع الرأس الصغير لإسرائيل. المشكلة الأساس هي ما العمل مع غزة. منذ بدأت المواجهات على الجدار في القطاع في 30 آذار من العام الماضي بذلت إسرائيل كل شيء كي تمتنع عن مواجهة واسعة: من إدخال الأموال والبضائع إلى القطاع، وحتى توسيع تصاريح العمل والصيد. كما أن إسرائيل تجلدت على المس المنهاجي بسيادتها في أثناء إطلاق البالونات والطائرات الورقية ونار الصواريخ انطلاقاً من الفهم بأن مواجهة عديمة الهدف الواضح من شأنها أن تجر إسرائيل إلى ورطة غير مرغوب فيها، تجبي ثمناً باهظاً دون أن تؤدي إلى تغيير في الشروط الأساسية في غزة. النار إلى تل أبيب ستلزم إسرائيل بالخروج عن هذه السياسة، و ليس بسبب فترة الانتخابات التي سيصعب على الحكومة فيها أن تبدو واهنة بعد تجلد طويل تجاه حماس. فالنار نفسها في ساعة متأخرة من المساء، من اللامكان وبلا سبب ظاهر للعيان لا يمكنها أن تبقى دون رد قاس وغير متوازن؛ إسرائيل لا يمكنها بعد اليوم أن تكتفي بالهجوم على أهداف فارغة. ستكون مطلوبة عملية واسعة، أليمة، سيكون لها ثمن، وبالتأكيد لن تبقي الطرف الآخر غير مبال وستلزمه بالرد. من هنا فإن من شأن هذه المعركة ان تتطور تقريباً في كل طريق واتجاه. صحيح أن هناك في الميدان غير قليل من اللواجم (ليس فقط المصالح الأساسية لاسرائيل وحماس التي تستبعد المواجهة، بل وأيضا جملة الوسطاء من مصر وحتى قطر ومبعوث الأممالمتحدة)، ولكن مشكوك أن تكون هذه ناجعة في الساعات القريبة القادمة. معقول أن تعمل إسرائيل بشدة لم تر في غزة منذ حملة الجرف الصامد في 2014، وتدخل في استعداد متسارع لأن تتعقد المعركة وتستوجب عملية برية. بالتوازي، ابتداء من يوم أمس، كان الجيش الإسرائيلي مطالباً بدفاع قوي. في الاستخبارات قدروا أن النار نحو غوش دان ممكنة، ولكن المواجهة مع حماس تستوجب نشاطاً أوسع بكثير من الدفاع عن عدد كبير من البلدات في وجه الصواريخ وحتى انتشار منظومة دفاعية كثيفة في منطقة الغلاف لأجل منع محاولات التسلل إلى البلدات والمس بالمدنيين وبالجنود. صحيح أن الجيش الإسرائيلي أكمل نحو نصف العائق التحت أرضي حيال القطاع، ولكن ليس بوسعه استبعاد إمكانية أن تحوز حماس أنفاقاً تسللية أخرى قد تستخدمها الآن. كل هذا معناه واحد: إعداد للمعركة. ليس ثمة شخص يعنى بالموضوع الغزي لم يقدر على خلفية التفجر المتواصل في القطاع بأن من شأن هذا أن يحصل، بل وبالمدى الزمني الفوري ولا يزال فاندلاعها أمس لاقت إسرائيل في مفاجأة وضعية تتطلب صحوة سريعة تسمح بجباية ثمن من الطرف الآخر. إن الشكل الذي ستعمل فيه إسرائيل في الساعات الأولى سيقرر أيضاً سياق الطريق؛ الواضح هو أن هذه المرة توجد فرصة لخلق واقع جديد حيال غزة وهي ستجد صعوبة في الشرح إذا ما فوتتها. يوآف ليمور