مازلت تقف بمفردها للمطالبة بثأر أبيها،بل وتصر رغم مرور السنوات على أن اغتياله كان مؤامرة كبيرة حدثتنا عن يقينها من أن مبارك كان شريكا فى الجريمة بالتآمر من جانب وبإخفاء المعلومات من جانب آخر، وحكت عن زيارة مبارك السرية لقيادات البنتاجون قبل أيام من اغتيال السادات، وتساءلت: أين اختفت حقيبة الرئيس بعد اغتياله وبها قرار إقالة مبارك من منصبه كنائب للرئيس؟ هذا اهم ما قالته لي السيدة رقية محمد أنور السادات وانأ اجلس معها في منزلها بجاردن سيتى وكان الزمن عادى بى واجلس مع والدها بطل الحرب وشهيد السلام،وتوقفت كثيرا عند هذا المقطع من الحوار"كتب أبى قرار إقالة حسنى مبارك من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية وكان معه فى حقيبته الخاصة صباح يوم السادس من أكتوبر عام ???? حتى لحظة خروجه من القيادة العامة متوجهاً للمنصة للاحتفال بذكرى النصر، واختفت تلك الحقيبة كلها ولم يُعثر عليها بعد اغتياله، هذا القرار يدمر شرعية حكم مبارك طيلة ?? سنة، وهناك غموض رهيب مازال يحيط بمقتل أبى وأطراف كثيرة لديها مصلحة في إخفاء الحقيقة!" فتذكرت على الفور التراجيديات الإغريقية لأبطالها من أنصاف الآلهة من شخصيات قوية وغريبة ومغامرة، وحوادث إنسانية مصيرية هائلة عادة ما تتضمن القتل والتآمر،ولما لا وقد بدأ السادات حياته السياسية بسلسلة من الأنشطة التي أودعته السجن لأكثر من مرة بين عامي 1941 و 1943 حيث اتهم بالتآمر والاتصال بدول المحور التي كانت في حرب ضد انجلترا. الملفت أن دهاءه السياسي والانسانى ظهر مبكرا اذ استطاع الهرب من سجنه مع صديقه حسن عزت وعمل عتالا على سيارة نقل تحت اسم مستعار هو "الحاج محمد" ! وبعد انتهاء الحرب العالمية وسقوط الأحكام العرفية عاد الى بيته بعد ثلاث سنوات من المطاردة والتخفي،ومالبث ان اختلط باعضاء الجمعية السرية التى قررت اغتيال امين عثمان باشا وزير المالية فى حكومة الوفد ورئيس جمعية الصداقة المصرية البريطانية المعروف بتعاطفه الشديد مع الانجليز،وقد اتهم السادات فى حادثة الاغتيال بأنه كان متورطا بشكل عملي أساسي في هذه العملية،وكان انضمامه بعد ذلك إلى جماعة الضباط الأحرار اثر بالغ في تطور الأحداث على الساحة المصرية. من المؤسف حقا أن معظم الذين يختلفون مع السادات سياسيا بسبب معاهدة كامب ديفيد على الأخص يتمادون في خصومتهم معه إلى حد ابخساه حقه في التقدير والاشاده لاتخاذه قرار بدء حرب العبور وإدارته العبقرية هو وفريقه العسكري لهذه الحرب منذ سنوات الإعداد لها وحتى اكتمالها في نصر عسكري مذهل أصبحت تدرسه الأكاديميات العسكرية في العالم كله،لقد تناسوا ما ورثه السادات من تركة بالغة الثقل حين تسلم السلطة بعد رحيل عبد الناصر فى سبتمبر 1970 ولم يكن قد مر على اكبر هزيمة مصرية وعربية سوى حوالي ثلاث سنوات،بل بدأ السادات في خطة إعادة تسليح الجيش بأحدث الأسلحة مع بناء مقاتل جديد تماما تحت قيادة تعتمد أساليب الحرب الحديثة. لقد استطاع السادات أن يبدأ الحرب فى الوقت المناسب بالضبط، وأن يوقفها في الوقت المناسب بالضبط،بعد أن قامت إدارة الرئيس نيكسون بإعادة إمداد الجيش الاسرائيلى بالدبابات والمدرعات عن طريق جسر جوى مستمر بلا حدود كانت تتدفق عبره المعدات الحربية إلى سيناء نفسها للاشتراك الفوري فى المعارك،وهكذا يتضح لكل محلل منصف أن اتهام السادات بالتخاذل لعدم الاستمرار بالتوغل في سيناء هو اتهام باطل بل وجاهل،فالحرب لم تكن هدفا في حد ذاتها وإنما هي مجرد وسيلة لتحقيق الهدف الأبعد وهو تحرير سيناء. وما أن صدر قرار وقف إطلاق النار في حرب أكتوبر – والذي خرقته إسرائيل باستمرارها فى توسيع الثغرة لمدة يومين بعد ذلك بمؤامرة مع هنرى كسنجر – حتى بدأ السادات فى مشوار المفاوضات المضنية مع أكثر الشخصيات السياسية دهاء وهو كسنجر ،وكان من حسن الحظ ان تغيرت الإدارة الأمريكية بعد خروج نكسون وانتهاء فترة رئاسة نائبه فورد وجاء جيمى كارتر، وهو رئيس امريكى يتحلى بقدر عال من الأخلاق والمصداقية واستطاع بذلك أن يمارس ضغوطا ضخمة على إسرائيل لقبول الانسحاب من سيناء،وهاجمت معظم الدول العربية الرئيس المصري لقراره زيارة إسرائيل وقاطعوا مصر لتوقيعها معاهدة السلام واتهموا مصر والسادات بتهمة الخيانة،رغم إصراره على إشراك الفلسطينيين معه في المفاوضات ولكن الفلسطينيين هم الذين رفضوا الحضور رغم رفع علمهم الفلسطيني إلى جوار العلم المصري على فندق مينا هاوس بسفح الهرم والذي كانت ستعقد فيه المفاوضات مع الإسرائيليين وظل مقعد فلسطين شاغرا لعدم حضورهم. الم يثبت التاريخ ان بقية الدول العربية التي قاطعت مصر وهاجمت السادات إنها هي المتخلفة عن العصر التي لم تفهم لغة الحاضر المختلف ولا استطاعت استشراف المستقبل وتخيل أبعاده ومستجداته والدليل أن الأردن بعد السادات بربع قرن راحت تفعل ماسبقها السادات بفعله بتوقيع معاهدات السلام مع إسرائيل،او تقديم مشروع للسلام والاعتراف بإسرائيل كما فعلت كل الدول العربية بموافقتها على المبادرة السعودية،لم تفهم الدول العربية أنها كانت في اقوي أحوالها بعد انتهاء حرب العبور مباشرة وأن ذلك كان الوقت المناسب بالضبط للتفاوض مع إسرائيل من موقع القوة المنتصرة. أهدروا هذه الفرصة التي لأتأتى سوى مرة واحدة فى التاريخ بينما قفز عليها السادات واقتنصها بيديه لهذا يستحق أن يوصف بأنه بطل السلام ، كما كان بطلا للحرب،كما استحق جائزة نوبل التي كان أول عربي يحصل عليها،ولقد تبرع بكاملها لقريته ميت أبو الكوم،وخرج من الحياة يوم عرسه يوم السادس من أكتوبر كما ولدته أمه لم يترك جنيها واحدا لأسرته،نم قرير العين في جنات الخلد أيها المصري الأصيل. وائل مصباح عبد المحسن فيلسوف الثورة المصرية