واحدة من ثلاث بنات أنجبهم الرئيس الراحل محمد أنور السادات من زوجته الأولى إقبال ماضي، التي انفصل عنها ليتزوج من جيهان السادات، عملت سفيرة للنوايا الحسنة والمفاوضات لشئون الشرق الأوسط قبل أن تقعدها ظروفها الصحية عن العمل، إنها بنت البطل كما يلقبها كثيرون، ويعد الشعب المصري بالنسبة لها «ولاد أبوها» مثلما تردد هى دائماً، إنها الدكتورة كاميليا السادات، وبمناسبة مرور 41 عاما على انتصارات أكتوبر قررت عمل لقاء صحفى معها، وعلقت فرحة ب «مجلة بابا» فور علمها أنى صحفى بمجلة أكتوبر، حيث قالت «بابا كلف عمو أنيس بتأسيسها في 31 أكتوبر 1976». وفي منزلها الذي حولته ل متحف خاص بتاريخ السادات كان اللقاء، حيث استقبلتنا بحفاوة شديدة وهي تردد «أهلا بأولاد أبويا» وما أن دخلنا صالة الاستقبال وجدنا أنفسنا وسط ذكريات الحرب وصور الأبطال. وقبل أن تستهل حديثها معنا أسرعت الدكتورة كاميليا تجاه غرفتها وعادت فى حضنها صورة كبيرة لعمها عاطف السادات وطلبت منا أن نحيى هذا البطل صاحب أول طلعة جوية فى حرب أكتوبر، لم أوجه إليها أى أسئلة بعدما استشعرت أنها تريد أن تبدأ بالحكى والسرد عن ذكرياتها مع الحرب، فقالت: عارفين مين دا؟ فأجبناها إنه الشهيد عاطف السادات، وهنا كادت الدموع أن تنزرف من عيونها ثم صاحت «أيوا دا الشهيد الذى أصر أن يقود أول طائرة فى معركة العزة والكرامة، بعدما رفض قائده وقتها محمد حسنى مبارك بشدة خروجه فى الضربة الجوية الأولى، لكنه أصر وطالب الرئيس السادات بالتدخل لإقناع قائده بالسماح له، وهو يقول الطلعة الأولى يا فندم مكررها عدة مرات، وبعد أن تحققت أمنيته نال الشهادة وعلمت الأسرة بذلك عندما سمعوا بيان القوات المسلحة من الإذاعة فى الساعة الثانية ظهر، ونصه:«جاءنا البيان التالى من قواتنا المسلحة، قامت طائرات العدو بالإغارة على القناة وردت قواتنا الجوية على الضربة بهجمة وعادت جميعها سالمة إلى قواعدها ما عدا واحدة» وهنا صرخت كاميليا ورددت قائلة عاطف مات. ونحن نترقب وننتظر ما سيكشف عنه الصندوق الأسود لطائرة البطل عاطف، قالت كاميليا سمعنا صوته يقول «الله أكبر الله أكبر.. ضربت مركز القيادة، وبعدها اختفى صوته، واستُشهد وهو فى الرابعة والعشرين من عمره. وواصلت كاميليا قائلة «تأثرت لاستشهاده لأنه لم يكن عمى فقط ولكنة بمثابة بالنسبة أخى وصديقى، لم يدفن الشهيد عاطف السادات فى مقابر العائلة لأننا لم نتسلم جثمانه إلا بعد 8 أشهر بعد أن تلقى الرئيس السادات خطابا من جولد مائير رئيس الحكومة الإسرائيلية وقتها، يفيد أن إسرائيل على استعداد لسداد أموال مقابل الحصول على جثث قتلاها ال 13 لدفنهم بالأراضى اليهودية، فقام «السادات» بإرسال جثث الجنود الإسرائيليين قائلاً: «نحن لا نبيع جثث»، وتم الالتزام بالبروتوكول، وإرسال الجثث بصناديق ولكن بدون تقاضى مال من اليهود، وبناء عليه أرسلت إسرائيل ما تبقى من عظام عاطف والسلسلة الخاصة التى تحمل رقمه العسكرى والطبنجة والخوذة، وبعدها تلقت الأسرة اتصالاً من الرئاسة طالبته خلاله بسرعة التوجه لميت أبوالكوم لتشييع الشهيد عاطف السادات فى جنازة عسكرية لمثواه الأخير. شركاء النصر ثم انتقلت الدكتورة كاميليا لتكشف ما قاله لها والدها عن ملحمة العزة والنصر قائلة: إن والدها كثيراً ما كان يؤكد أنه لم يقيد المعركة بمفرده وكان بجانبه كل من الملك فيصل وهوارى بومدين رئيس الجزائر. وذكرت كاميليا أنه فى يوم 2 أكتوبر 1973 قام الرئيس الجزائرى هوارى بالاتصال بوالدها، وسأله احنا جاهزين؟ ورد السادات قائلاً: مش باين؟ سأله الرئيس الجزائرى لماذا؟ رد عليه السادات بأن الاتحاد السوفيتى كان يأخذ القطن كله مقابل توريد السلاح، ولكن هذه المرة نريد الفلوس كاش، وفى اليوم التالى دخل الحارس على السادات ليبلغه أن الرئيس هوارى أبو مدين منتظر على الهاتف، وأبلغه هوارى أنه فتح البنك المركزى وسحب مبلغ 100 مليون كاش، وظل بومدين واقفاً على المينا وعلى اتصال بالسادات لمدة 6 ساعات حتى مرت آخر دبابة، فخاطبة السادات قائلاً على حد رواية الدكتورة كاميليا «انت تعبت النهاردة يا بومدين، عود لمنزلك لتستريح، فجاء رد الأخير، أنا ما بروح إلا لما تقولى إنهم وصلوا المياه الإقليمية المصرية». سر الأكشن واستطردت كاميليا حديثها عن ذكريات الحرب قائلة: على الرغم من كونى ابنة بطل الحرب والسلام إلا أننى لم اشعر بأى تحركات عسكرية، سوى متابعة والدى للأفلام الأمريكية بطريقة ملفته للنظر لمدة 6 أشهر وأفلام الحرب العالمية الثانية،وكان عقله يذهب لما أبعد من ذلك وكأنه كان يستوحى من مشاهداته خطة تدمير خط بارليف وكثيرا ما كان يداعبنا ويقول لنا أن الفنانة أسمهان هى فتاة أحلامه، وتوقفت الدكتورة عن الكلام وابتسمت وكأن شيئًا ما يضحكها ثم عاودت الحديث مرة أخرى قائلة: كان السادات وهو فى منزله يعامل إسرائيل على قدر عقل قادتها الذين كانوا شغوفين بجلب المعلومات عن مصر فأعطى أوامر للمخابرات بتزويد إسرائيل بالمعلومات الخطأ وعمل طلعات جوية وقام بقياس قناة السويس والكبارى اللازمة لها وتجهيز المضخات وشراء المخلفات العسكرية من روسيا لإيهام إسرائيل بأننا لا نستطيع الحرب بهذه المعدات! ثم وقفت الدكتورة كاميليا بجوار صورة والدها وهى تشير إليه قائلة: لقد كان شخص لديه إستراتيجية وخطط وهذا ما تعلمته منه حتى أضمن النجاح، ومثلنا مثل الشعب المصرى علمنا من الإذاعة خبر النصر وحاولنا الاتصال به لكنه كان دائم الانشغال والتواجد فى غرفة العمليات بقصر الطاهرة، ولم يظهر قائد النصر سوى يوم 18 أكتوبر ليقدم الصور الموثقة إلى الملك فيصل وبعدها أطلقت جولد مائير صرختها التاريخية المعروفة «أنقذوا إسرائيل» فأرسلت أمريكا الغطاء الجوى الجاهز للحرب مباشرة وأرسل الرئيس السادات خطابا إلى هنرى كسنجر رئيس وزراء أمريكا وقتها يُطالب بوقف إطلاق النار، فرد عليه «مبدأ الحرب أن من يطلقها لا يملك أن يوقفها» نهضة مصر وأخذتنا كاميليا إلى ما بعد نصر أكتوبر حيث قالت «ابويا كان طول عمره عاوز يبنى ومش غاوى حرب، كان هدفه السلام»، وفى عام 1974 قرر السادات رسم معالم جديدة لنهضة مصر وذلك بانفتاحها على العالم اقتصادياً. وفى 19 نوفمبر 1977 اتخذ السادات قراره الذى أذهل العالم بزيارته للقدس ليدفع بيده عجلة السلام، وقد قام فى عام 1978 برحلته إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية من أجل التفاوض لاسترداد الأرض وتحقيق السلام كمطلب شرعى لكل إنسان، وخلال هذه الرحلة وقع اتفاقية السلام فى كامب ديفيد برعاية الرئيس الأمريكى جيمى كارتر. وبحلول خريف عام 1981 قامت الحكومة بحملة اعتقالات واسعة شملت المنظمات الإسلامية ومسئولى الكنيسة القبطية والكتاب والصحفيين ومفكرين يساريين وليبراليين ووصل عدد المعتقلين فى السجون المصرية إلى 1536 معتقلاً، وذلك على إثر حدوث بوادر فتن واضطرابات شعبية رافضة للصلح مع إسرائيل ولسياسات الدولة الاقتصادية. لحظة لن أنساها ومن اللحظات والمواقف التى لن تنساها هى اللحظة التى حظيت فيها بالشرف العظيم، هكذا وصفتها كاميليا لكونها أول سيدة تصل أرض سيناء عقب انتهاء الحرب مباشرة بعد أن أعلنت المخابرات بأن الطريق أصبح آمنا إلى سيناء، وأضافت أنها أرسلت طلبا إلى المخابرات من الشركة الألمانية التى كنت تعمل بها هى وباقى زملائها وذُيل الطلب بإسمها، فرفضت المخابرات بحجة الأمن وتحايلت على الأمر بإرسالها طلب آخر وضعت فيه اسمها ثلاثى فقط ووسط الأسماء فسمحوا لها بالسفر وقالت إنها شعرت بفرحة لا تُوصف وهناك تذكرة دماء الشهداء الطهارة ومنهم عمها الشهيد عاطف السادات. السادات والربيع العربى وعن ذكاء والدها الخارق وقدرته على قراءة الأحداث المستقبلية، قالت كاميليا إن والدها تنبأ بثورات الربيع العربى قبل حدوثها ب 58 عاماً، فحينما أرسل سكرتير المؤتمر الإسلامى خطابين إلى الدكتور طه حسين عميد الأدب العربى طالبه فيهما بضرورة عمل كتاب أو اثنين لتحذير العرب من مطامع الغرب، وإنتاج أفلام توضح أن العرب تخلص من مطامع الاستعمار العسكرى ويتبقى أمامهم مطامع الدخول عن طريق الدين الإسلامى وطوائفه، مثلما يحدث الآن فى أغلب الدول العربية من تفرقة عن طريق الدين، مثلما حدث مع شاه إيران عام 59 فدائما ما كان يقول السادات «اللى متغطى بأمريكا عريان» فهى التى أحضرت الإمام الخمينى لمحاربة الشاه لأنها كانت ترى أن دوره إنهاء إثارة الفتنة فى المنطقة ما بين السنة والشيعة فأمريكا تحارب الآن داعش التى صنعتها بنفسها، فى مراكز تدريب بتركيا وإيران. يوم الفرح والحزن هكذا ترى الدكتورة كاميليا السادات يوم 6أكتوبر عندما تتذكره فهو بالنسبة لها خليط من المشاعر بين الفرح والحزن فهو عيد ميلاد لأنه يوم انتصار مصر بقيادة السادات، وحزن لأنه نفس اليوم الذى استشهد فيه والداها وعمها عاطف وخالها فتحى، ويغلب الآن عليها انتصار أكتوبر العظيم الذى هو فرحة للمصريين جميعاً بعدما كان يغلب عليها الحزن حينما كانت تذهب لزيارة قبره فى السنوات الأولى من وفاته.