السيد الأستاذ رئيس المعارضة فى البلاد .. أرسل لكم خطابى الأول عسى أن ينفس عما فى نفسى وما بات يتصارع فى صدرى فأنا أعترف لكم بأنى نحس .. لا تستغرب .. نعم أنا نحس .. أعيدها مرة ثانية وثالثة وإن شئت رابعة .. لا أخجل وأنا أكررها .. ولماذا أخجل من شئ بات لصيق بى بل يتخللنى بل ويدوب فى جسدى .. وإن شئت أيضاً قل يجرى مجرى الدم فى جسدى .. نعم هى حقيقة قد وصلت إليها ولا مناص منها بعد عناد كبير.. حقيقة بت مقتنع بها بعد أن رفضتها كثيراً وأنكرتها طويلاً وحاربتها ونافرتها وهجوتها بل وبعدتها عنى بألصاقها بكل من يتهمنى بها .. فأهب فى وجهه صارخاً .. بل أنت النحس الشؤم وأذكر له مواقف وحوادث حدثت دون سبب معلوم أو داعى لها تحدث فجأة .. هل جربت مرة أن تكون جالس بجوار زميلاً لك يلعب الدومنو على القهوة فيصاب بخيبة وقد كان قبل أن تجلس بجواره فى الحظ لا يبارى .. أسمعك تقول عادى .. ولو تركته لمدة خمس دقائق مدة ذهابك لشراء سجائر فيعطيه الحظ كما لو كان لا يعطى أحد غيره فيأخذ عشرتين فى أقل من ثلاث دقائق ثم يعود الحظ فيخيب معه بعد عودتى الجلوس بجواره. لماذا أراك يا سيدى تنظرى إلى هكذا .. أرى لسان حالك يقول مالى أنا وفسافس الأمور .. يا سيدى أنا أضرب لك الأمثال وأقرب لك الأمور .. ماذا تقول فى أسهم العز بن العز للحديد والتحديد .. نعم هى كذلك أغلى أسهم فى البلد بل هى الأسهم الوحيدة التى فى صعود دائماً .. لذلك تجد سهمها فى العالى دائماً .. أصابنى الله بعض المال وأقول أصابنى لأنه لم يكن لى دخل فى أتيانى هذا المال وقل قد ألقوا فى حجرى كما يقال بالبلدى .. أصابنى الله بعض المال وأحترت ماذا أفعل بهم .. فما ملكت من مال فى حياتى لذلك كانت حوسه كبيرة لى فتركتهم فى منزلى بعض الوقت لا أقترب منهم ولا أنظر إليهم أخاف أن أفكر انظر إليهم فقد يكون هذا المال حلم فأستيقظ فلا أجدهم وأجد نفسى كنت أحلم .. لكنى وجت أنى سوف أفقدهم فكل يوم تزداد المصاريف لى ولأولادى ولتعليمهم خاصة بعد قرارات الوزير الجديد بمنع الكتب الخارجية فأصبح الكتاب الذى كنت أشتريه بأثنى عشر جنيهاً يصعد إلى أكثر من ستون جنيهاً .. فهدانى تفكيرى أن أضع ما أملك من مال فى البورصة وأشترى أسهم فيها وخاصة فى شركة العز بن العز للحديد والتحديد حتى ينوبنا من العز عز .. لكن يا سيدى ما أن أشتريت أسهم حتى أصابت الأسهم الطاعون فأخذت تتساقط ويهبط مؤشرها هبوطاً عجيباً ففى خلال أسبوع هبط سعر السهم حتى النصف .. فأصبت بفزع رهيب وأحترت ماذا أفعل فهدانى تفكيرى بما أن سعر الأسهم هبط فأكيد سعر الحديد أيضاً قد هبط وأنه إن لم أكسب من الأسهم فسوف أكسب من الحديد نفسه فبعت كل ما أملك من أسهم مكتفياً بما لحقنى من خسائر متمنياً أن أعوضها فى الحديد فبحثت عن قطعة أرض أشتريها وأقوم ببنائها وفى خلال أسبوع أيضاً قضيتها فى البحث عن أرض مناسبة وبعد أن أنهيت عقد ملكيتها وشرعت فى البناء ممنياً نفسى بتعويض الخسارة التى منيت بها فى أسهم العز بهبوط سعر بيع الحديد فما أنتهيت من حفر الاساسات وبحثت عن الحديد فلم أجده فقد علا سعره فجأة أيضاً فجشع فيه التجارة والشركة يخزنونه فى المخازن ويمنعوا بيعه حتى أصبح سعره ضعف ما كان عليه وقت عزه. لماذا تقول عادى .. هل لأن هذا طبع البورصه يوم فى صعود وعشرة أيام فى هبوط لكن تعلم أنه لم يكن يجرى هذا على أسهم العز .. مٌصر على أنها صدفة .. حسناً أكمل لك .. بجوارنا فرن أعرفه وأوعى عليه من وأنا طفل لم يخرب يوم ولم يتعطل يوم ولم يأخذ أجازة يوم غير يومين فى السنه أول يوم فى العيد الصغير والعيد الكبير .. أصبحت صديقاً لأبن صاحب هذا الفرن بعد أن مات أبوه وورثه .. فعرضت عليه أن أشاركه رفض بأصرار لأنه لا يحتاج لشريك وما هناك حاجة لذلك .. فألححت عليه وأقترحت عليه إن لم يجعلنى شريك فليشغل مالى عنده ويعطينى ما يدر عليه من ربح كل شهر ولن أسئله عن قدره فأنا راضى بما قسمه الله لى .. فرضى صديقى بهذا الأقتراح على أن له حق ان يفسخ هذا العقد فى أى وقت يراه .. ورضيت أنا بهذا أيضاً .. وأدر علىّ الفرن أول شهر مبلغاً لا بأس به وكان ثانى شهر هو الشهر الكريم شهر رمضان والعمل فيه يكون كثير والأرباح تكون مضاعفة والخير كثير وهذا ما كان يقوله لى صديقى من قبل وأعاده على مرة أخرى بعد أن أعطيته مالى .. والعجيب أن أول يوم كان فوق الرائع وأشتغلت الفرن بأقصى طاقتها لكن ما حدث ثانى يوم بعد أن ذهبت أنا لشراء العيش بما أنى مشارك لصاحبها .. فلما رأنى صديقى دعانى للدخول فهمت أن أدخل بالفعل ووضعت قدمى اليمين داخل الفرن والأخرى خارجه وفجأة تذكرة حالتى التى أحدثك عنها وقد بدأت ألتفت لها وأسجلها وأقتنع بها .. أنى نحس .. فسحبت قدمى فى سرعة وأعتذرت له مبتسماً أنى فى عجلة من أمرى .. وأخذت العيش ولم يأخذ صديقى منى ثمنه وهذا الشئ الوحيد الذى كسبته من هذه الفرن فما كدت أعود إلى بيتى حتى دوت صفارات سيارت الأطفاء فى الحيى ورأيت الناس من حولى تجرى بإتجاه الفرن فوقع فى قلبى أن حادث جلل وقع .. وقد وقع للفرن فلم أحرك ساكناً وتسمرت فى مكانى وسمعت الناس تقول أن الفرن قد أحترقت عن أخرها وأن صاحب الفرن صديقى قد مات. هل مازلت تشكك فى كلامى .. بل أشعر بك تبعد الخطاب عنك مخافة أن تصيبك لعنتى .. لا تخف فلقد كنت حريصاً عليك .. ولقد بخرت هذا الخطاب بكل أنواع البخور وقرأت عليه كل الآيات الطاردة للأرواح الشريرة والعكوسات وخلافه مما تخاف منه وأخاف منه .. أراك لا تصدقنى بعد أن بدأت عيناك تدمع فأطمأنك إما هذا من رائحة البخور الذى بخرت بها الخطاب أو من ردائة خطى وهذا فى الغالب. إنك تتسائل الأن وما دخلى أنا بهذا الأمر؟ فأنا لم أذكر لك أنى عضواً فى حزبك أو من مؤيديك .. أنا أقول لك بأنه سوف يكون لك أكبر فائدة من هذا الأمر .. لا تندهش .. فبعد أن شاع فى الحى صفتى الكئيبة وبات الناس يتهامسون بها وأخذت الصبية فى الحى يضايقون أولادى بها وينعتونهم بأنهم أولاد الرجل النحس .. بالفعل أنا نحس عليهم .. ليس لكل ما حكيته لك لكن لأنى لم أترك لهم ما يرثوه عنى غير ذلك اللقب القبيح .. فلا مال ولا أرض ولا عقار ولا شئ يفيدهم فى هذه الدنيا .. ورأيت أنى نحس على نفسى وعليهم فى حياتى وبعد موتى .. وبعد أن أقتنعت بأنى نحس فعلاً وأصبحت أومن بتلك الصفة وأنه لا مناص منها .. فلقد جربت كل ما ممكن وكل ما هو غير ممكن حتى تزول عنى تلك الصفة لكن كل محاولاتى بائت بالفشل .. فهويت فى بأر عميق من الحسرة والألم والندم .. وبت كئيباً حزيناً أسفاً على حالى .. حتى لمعت فى عقلى فكرة لا أخالها تهدم كل نظرياتى وكل أيمانى وأعتقادى فى نفسى فقط .. بل فكرة سوف تجعلنى فى مصاف السعداء ووجه الخير والسعادة ليس لى فقط بل وعلى البلاد كلها. أراك تتعجب مما أقول .. لكنك لن تعجب مما فعلت .. وما سينالك منه نصيب لذلك أدعوك أن تدعونى من أعضاء حزبك السعيد وتشهر للناس جميعاً بأنى رمز الوطنية للبلاد كلها وأنا صاحب السعد عليهم جميعاً .. فبعد تجربة أنضمامى لأحد أحزاب المعارض الذى كان يرمز للغد والمستقبل وعلمتم جميعاً ما حدث له من أحداث مفجعة وكلمكم ذهبتم فيها مذاهب شتى من تعارض مصالح أوتحالف مع الحزب الحاكم على دسائس ومؤمرات .. لكنكم أبداً لم تذهبوا إلى السبب الحقيقى ألا وهو أنا .. نعم .. ففى لحظة من لحظات تفكيرى فكرت أن أنضم إلى حزب من الأحزاب ووقع أختيارى على هذا الحزب وتعلمون أنتم ما حدث له .. لماذا أشعر فى تلك اللحظة أنك تبعد الخطاب عنك وتحدثك نفسك بأن لا تكمل قرأته .. لا أرجوك أكمله لأنى أريد أن أحدثك فى أمر مهم قد توصلت إليه .. نعم أهم مما قلت .. بل أهم من حزبك السالف وإن شئت قل أهم من كل أحزاب المعارضة .. تسألنى لماذا؟ أقول ذلك .. لأنى سوف أثبت لك أنى لست نحس فعلاً .. وأن كل ما حدث ما هو إلا قدر ومسطور أما ما سأفعله فهو إثبات أكيد بأنى لست نحسا بل أنا وش السعد .. تتسائل كيف .. لقد قررت الأنضمام للحزب الوطنى الذى يحكم البلاد من أكثر من ثلاثون عاماً أمد طويل .. والذى بقى ثابت ثبات الأهرام لا يتأثر بأى عوارض مهما كانت قوتها .. فلن يؤثر فيها وجودى فبعد أنضمامى إليه إذا ظل ثابت فقد سقطت نظريت النحس اللاصق بى وأثبت بالدليل أنى لست شؤم ولا نحس والحزب الوطنى يثبت ذلك .. أما أذا قدر وأنهار هذا الهرم الرابع الذى بات راسخ أكثر من الأهرم الثلاث .. فقد أثبت لكم أيضاً أنى لست نحس بل أنا وش السعد على البلاد كلها ورمز للوطنية