للواقع : محمد خليفة بعدما نجح أمن قصر الاتحادية وبعض المارة فى إنقاذ حياة عرفة كامل خليفة، الموظف فى شركة كهرباء مصر العليا، فى أثناء محاولته الانتحار بإشعال النيران فى جسده بعد رفض طلب إعادة تعيينه فى الشركة التى فصل منها عام 2009، أوضح لوسائل الإعلام أن اليأس والإحباط يمتلكانه بعدما فشل فى إيصال شكواه إلى المسؤولين وأن المحطة الأخيرة لديه كانت الاتصال ب«ديوان المظالم» الذى أطلقه الرئيس مرسى فى يوليو الماضى للتواصل مع مشكلات المواطنين، لكن دون جدوى، مما دفعه إلى إشعال النيران فى جسده أمام قصر الرئاسة لعل أحدًا يستجيب، فى نفس الأسبوع دخل ثلاثة مواطنين فى إضراب مفتوح عن الطعام أمام القصر، حتى يسمح لهم بلقاء الرئيس مرسى أو الدكتور ياسر على المتحدث الرسمى للرئاسة، كل هذه الأحداث دفعتنا إلى فتح ملف «ديوان المظالم» وحقيقة دوره كأداة فى التواصل بين المواطنين والمسؤولين. فى البداية خرج ديوان المظالم للتخفيف من حدة المظاهرات والوقفات الاحتجاجية التى استقبلت الرئيس الجديد فى مقر رئاسة الجمهورية منذ اليوم الأول لتوليه حكم البلاد، وصاحب افتتاح ديوان المظالم صخب إعلامى واسع، رفع توقعات المواطنين بشأن دور الديوان فى حل مشكلاتهم من خلال التواصل الحقيقى مع المسؤولين، وبدأ الديوان عمله فى يوليو الماضى، بافتتاح مكتب فى قصر الاتحادية، ومكتب فى قصر عابدين، إلا أن التواصل الأساسى كان من خلال الاتصال تليفونيًا بخدمة الخط الساخن «16980»، خصوصا مع اتجاه أغلب الذين لديهم شكاوى من المحافظات البعيدة إلى التواصل مع ديوان المظالم عبر الاتصال التليفونى. تتبعنا العمل داخل خدمة الخط الساخن الذى كان يتلقى يوميًا آلاف المكالمات التى تنوعت بين شكاوى ومقترحات لأفكار مشاريع، لنعرف مصير شكاوى المظلومين وأحلام الكادحين. مبدئيًا هناك تصور خاطئ لدى قطاع كبير من المواطنين، أن الشكاوى التى يتلقاها الخط الساخن فى ديوان المظالم تمر على رئاسة الجمهورية، وفى حقيقة الأمر ديوان المظالم الإلكترونى منقطع الصلة تمامًا بالرئاسة، وأن وزارة الاتصالات اتفقت مع شركة «راية» لتقديم خدمة «الكول سنتر»، أى أن المسؤول فنيًا عن استقبال المكالمات عبر الخط الساخن شركة «راية» من خلال عدد كبير من الموظفين الشباب، غالبيتهم من طلاب الجامعات الذين يعلمون خلال الإجازة الصيفية. تبدأ المكالمة، باستفسار الموظف عن اسم المتصل، والرقم القومى، والغرض من الاتصال، ثم يتم منح المتصل رقمًا مسلسلًا، بحيث عندما يعاود الاتصال مرة أخرى يستفسر عن مصير شكواه من خلال الرقم المسلسل، بعد ذلك يقوم الموظف بتفريغ نص المكالمة وتحويلها إلى الجهة المختصة من خلال برنامج إلكترونى، وتتنوع المكالمات حيث يحمل بعضها طلب تعيين، وشكوى من وجود إشغالات معينة مثل وجود أكشاك تعترض الطريق العام والباعة الجائلين، واتصالات أخرى تحمل أحكام قضائية غير منفذة المواطنون يطالبون بتنفيذها، بالإضافة إلى أن هناك اتصالات تحمل أفكارًا ومقترحات ومشاريع فنية حيث يتصل على خدمة «الكول سنتر» أساتذة من الجامعات أملاً فى أن تصل أفكارهم ومشاريعهم إلى من يهمه الأمر، وهناك مشكلات تتعلق بالأمن يتم تحويلها مباشرة إلى وزارة الداخلية، أو أى وزارة أخرى، ويتم هذا داخل برج التطبيقيين بالعباسية. المشكلة هنا أن رئاسة الجمهورية لم تصبح طرفًا فى ديوان المظالم الإلكترونى، ولا تعرف ما يحدث أو يدور داخل خدمة الخط الساخن لديوان المظالم، ولا يرسل إليها أى تقارير عن سير العمل ومدى استجابة الجهات المختصة التى ترسل إليها الشكاوى، وهو ما دفع تلك الجهات إلى مزيد من التجاهل التام لكل ما يرسل من ديوان المظالم. أحد الشباب العاملين فى الخدمة، تحدث معنا بحزن بالغ عن مصير شكاوى المصريين التى تتطاير إلكترونيا فى هواء الشبكة العنكبوتية، وأخبرنا أنهم يكتفون بتحويل المشكلات إلى الجهات المختصة، وأنهم يتعرضون لحرج بالغ عندما يعاود المواطنون الاتصال عدة مرات للاستفسار عن مصير شكواهم، وفى النهاية ينفجر المواطنون غضبًا فى الموظف. قررت الذهاب إلى برج التطبيقيين فى العباسية. سألت رجل الأمن الجالس أمام بوابة البرج عن ديوان المظالم؟ فنفى وجوده فى البرج، سألت أكثر من شخص، نفى الجميع، فسألت عن مقر شركة «راية» فقالوا لى فى الطابق العشرين. صعدت للطابق العشرين، وطلبت مقابلة المسؤول عن خدمة الخط الساخن لديوان المظالم، وفى أثناء ذلك، دخلت البوفيه الذى يمضى به الموظفون فترة الراحة، وسألت أكثر من شاب، هل تعمل فى خدمة الخط الساخن فى ديوان المظالم؟ فوجدت البعض يعمل فى خدمة الخط الساخن لتنسيق الثانوية العامة وخدمات أخرى، حتى وجدت بعض الشباب الذين يعملون فى الخط الساخن لديوان المظالم، وكان سؤالهم لى عرفت منين؟! سألتهم عن سير العمل بالخط الساخن، فرفض غالبيتهم الحديث معى، والرفض جاء انطلاقًا من أن ما لدى هؤلاء الشباب من تجربة فى العمل بالخط الساخن لديوان المظالم هو فضيحة بكل المقاييس، وأنهم اكتفوا بالاحتفاظ بها دون التفوه بها لأى وسيلة إعلامية، حرصًا على أكل العيش، وحتى من تحدث لم يضف جديدًا فى ما ذكرته عن أن دورهم ينحصر فى تحويل الشكاوى إلى الجهات التى تتجاهل تمامًا الرد على الشكاوى مما يعرضهم إلى إهانات شديدة من قبل المواطنين عندما يعادون الاتصال فى مرات أخرى. فى أثناء ذلك جاءت المسؤولة ورفضت أى حديث للجريدة، وأكدت أنه غير مصرح لها بالحديث مع وسائل الإعلام، وأن رئاسة الجمهورية وحدها المخولة بالرد على كل الأسئلة المتعلقة بديوان المظالم. تجاهل ديوان المظالم لمشكلات المواطنين إلى هذا الحد، يتطلب ضرورة إعادة النظر مرة أخرى فى فكرة ديوان المظالم وفتح نقاش من جديد حول الأسلوب الأمثل فى تواصل أجهزة الدولة مع المواطنين. فكثيرًا ما اُتهمت الفكرة فى البدايات بالوهمية وأن الهدف منها إعلامى فى المقام الأول، وهو ما تحقق مع إطلاق المشروع، لكن فشله وغضب المواطنين يزداد كل يوم عن الآخر.