بقلم د. رفيق حاج على وسائل الاعلام ادراك دورها الهام في بناء وتصميم شخصية الانسان العربي في هذه البلاد. ان الافراط في نشر ظواهر التمييز والاوضاع المزرية التي نحياها قد يفضح سياسة الحكومة لكنه يؤثر سلبيا عل نفسيتنا ومزاجنا ورغبتنا في إصلاح ذاتنا. هنالك طفرة من الأخبار والمقالات وكم هائل من الريبورتاجات الصحفية التي تنقلها الينا وسائل الإعلام المحلية حول موضوع التمييز والإجحاف اللاحق بنا كأقلية عربية في هذه البلاد بالإضافة الى أخبار القتل والدهس والتفجير والتنكيل والحكم بالسجن والاعتقال. لقد بات موضوع التمييز يتصدر عناوين جميع صحفنا المحلية بغض النظر عن المجال الذي نتحدث عنه سياسيًا ام اقتصاديا ام اجتماعيًا ام ثقافيًا ام رياضيًا ام فنياً. نحن نتطرّق ايضا الى موضوع التمييز في ابحاثنا ودراساتنا واصبح حديث الساعة في صالوناتنا وقد تبنته جمعياتنا وأحزابنا ليكون البند الرئيسي في دساتيرها ومخططاتها وفعالياتها. هنالك عدد لا يُستهان به من العاملين في حقل الإعلام الدؤوبين على عرض معالم التمييز ضد الأقلية العربية في اسرائيل والذين "امتهنوا" هذا المجال ووصلوا به الى مراتب ودرجات تكاد تفوق إلمامهم في الإعلام. لكي لا يسيء احدكم الظن فيما اود طرحه, أنا لا أنكر أهمية الموضوع ولا أشك بتاتا بمصداقية ووطنية الصحفيين وكاتبي المقالات والإذاعيين الذين يتطرقون في كتاباتهم الى موضوعي التمييز والصراع العربي الاسرائيلي واعتبرهما وجهين لنفس العملة, كما اني أعي تماما أهمية التطرق اليهما لفضح سياسة الجكومة والحفاظ على شعلة النضال ملتهبة لدى شبابنا الناهض. لذا رجاءً لا تضعوني في خانة "ناكري التمييز" على غرار "ناكري الكارثة". كل ما اريد قوله ان الإفراط في التطرق الى هذا الموضوع يصبغ حياتنا بألوان قاتمة وداكنه وهو قادر على ادخال اليأس والاحباط الى قلوبنا وأذهاننا. ان رفع شعار التمييز ومنحه المكانه الأولى في وسائل الاعلام هو سلاح ذو حدين فمن جهة نجده يفضح "وينشر عرض" الحكومة وسياستها العنصرية تجاهنا لكنه يؤثر على نفسيتنا ومزاجنا وثقتنا بأنفسنا ورغبتنا في المبادرة لإصلاح حالنا. صحيح ان المسؤول عن التمييز هي الحكومة وليست وسائل الإعلام التي تنشر اخباره, لكن من يعمل في هذا المجال عليه ادراك اسقاطاته السلبية على قراراتنا واختياراتنا وطموحاتنا ورغبتنا في تحقيق احلامنا . على إعلاميينا إدراك أهمية ما ينشرونه ويبثونه في وسائل الإعلام من مواد شكلاً ومضمونا وأن يراعوا بعض الاصول المهنية عند تطرقهم الى موضوع التمييز وأهمها هو إظهار كل جوانب القضية وسماع كل أقوال "الأطراف المعنية". صحيح إن أغلب المسؤولية عن الغبن اللاحق بنا جاء من سياسة الحكومة تجاهنا, لكن هذا لا يبرئ ساحتنا ولا يعفي مواطنينا وقادتنا ورؤسائنا من مسسؤوليات للحالة الصعبة التي نعيشها. قلما رأينا تقريرا صحفيا مهنيا وموضوعيا يحمّل رئيس بلدية عربية المسؤولية في تقصير معين, وإن رأينا كهذا وحاولنا التحقق من هوية كاتب المقالة او صاحب الصحيفة لنجدهم دائما معدودين على "الطرف الآخر" والمناوئ للرئيس "المتهم" مما يفقد التقرير مصداقيته. أود بالإشارة أيضا ان الافراط في نشر المواد الصحفية حول التمييز يفقده تأثيره بعد فترة زمنية ما, لكونه مفهوما ضمنا ولأن المفردات التي يستعملها "كتابنا" تكاد تكون نفسها ورحنا نقرأها دون ان نعي مفهومها وعمقها وهذا طبعا لا يصب في مجرى ما نود تحقيقه. لكثير منا, مصطلحات على غرار "التمييز العنصري" و "سياسة الاضطهاد" و "الإجحاف" و "الغبن" باتت لا تعني شيئا لقارئها من شدة تكرارها في كتاباتنا ولم يبقً أمامنا سوى أن نلحنها لتصبح انشوده يرددها تلاميذنا في طابور الصباح. ما اكثر المقالات التي تتطرق الى الظواهر الهدّامة التي تعاني منها الاقلية لعربيه في هذه البلاد كالعنف والطائفية والحمائلية والتشرذم الاجتماعي وغياب القيادية الجماهيرية وانعدام الروح التنظيمية وضعف السلطات المحلية واستباب الفوضى في شوارعنا والضوضاء في اجوائنا وعن غياب روح المبادرة وتفضيل المصلحة الذاتيه على المصلحة الجماعية وما اكثر التقارير لتي تُعنى بتحليل اوضاعنا الاقتصادية المنهارة وبابراز ظواهر التمييز في الميزانيات واماكن العمل والخدمات التعليميه والصحيه. هناك الآلاف المؤلّفة من المقالات والابحاث والتحاليل والكتب والدراسات والندوات التي تتطرّق الى "تحليل اوضاعنا" وكأن ذلك بخافٍ على أحدٍ. ان عرض هذا الكم الهائل من أخبار "عجزنا" و"تقصيرنا" و"فشلنا" ينخر في عظامنا ويسبب لنا الاحباط. من المؤسف جدا ألاّ تتبع هذا الزخم الهائل من التحليل طروحات لحلول ممكنه, وان كان هناك تطرّق لحلول يكون واهيًا أو عامّاً او مبهماً او غير واقعي, وكأن كاتب المقالة او مُعدّ البحث يقول لنا "أنا اللي علي عملته..وخلّي الحلول عليكم..". السؤال الذي يطرح نفسه "وماذا بعد؟" وماذا بعد التشخيص؟وماذا بعد التحليل؟ وماذا بعد المسح والتصوير؟ هل من اقتراحات عينية لحل مشاكلنا المستعصية؟! هنالك ايضا أخبار "سارة" تخص الوسط العربي ينبغي نشرها عن جمعية نجحت بتحقيق أهدافها, وعن فتيات وصلن الى مراكز مرموقة بفضل عزمهن ومثابرتهن, وعن رجال اعمال ناجحين وعلماء وباحثين تحولوا الى قصة نجاح في مجالاتهم فلماذا لا نتلقف أخبارهم وننشر صورهم ليكونوا حذوة للآخرين؟! بإمكان القراء ارسال ردود فعلهم الى البريد الالكتروني:[email protected]