بقلم د. رفيق حاج ان اقتراح الحكومة الاسرائيلية بمنح صلاحيات "أمنية" موسعة لبوابي المدارس اسوة برجال الشرطة لمعالجة العنف هو تكملة لسياستها الضحلة والعشوائية والعبثية المعتمدة على مبدأ القوة بدل التوعية وعلى العقاب بدل تذويت القيم والأخلاق لقد هالني ما قرات في صحيفة "يديعوت احرونوت" في السادس من يوليو 2011 عن قيام الحكومة بطلب سن قانون يمنح صلاحياتٍ لبوابي المدارس والمؤسسات التربوية كتلك التي تُمنح لرجال الشرطة والتي تشمل امكانية استعمال القوة ضد التلاميذ والقدرة على ايقافهم على ذمة التحقيق. على ما يبدو هنالك احتمال كبير ان يُسنُّ مثل هذا القانون نظرا لكون الجهة المبادرة اليه هي الحكومة ذاتها. ارجو ان توافقوني الرأي ان الأمر لا يخلو من الطرافة والهزلية وبنفس الوقت فهو مدعاة للقلق وشهادة على قلة الحيلة. ان الحل المقترح من قبل الحكومة يُذكرني بالنتيجة التي توصلت اليها ادارة احدى البلديات من إثر وقوع حوادث طرق خطيرة ومتكررة من جراء حفرة كبيرة في احد الشوارع الرئيسية للمدينة, والتي أدّت الى سقوط عدد كبير من الضحايا, حيث أوعزت بإيقاف سيارة اسعاف متأهبة للإنطلاق بمقربة من مكان الحفرة ليتسنى لطاقمها الطبي نقل الجرحى الى المستشفى بأسرع وقت ممكن. بعد تطبيق هذا الحل نجحت ادارة البلدية بتقليل عدد الضحايا لكن عدد الحوادث زاد يوما بعد يوم, وفي اجتماع صاخب اشترك به اعضاء الإئتلاف وبحضور مختصين وخبراء "متعددي المواهب" كاد أن يُتخذ قرار بنقل المستشفى الى جانب الحفرة لتقصير المسافة بينه وبين الحفرة اللعينة, ولكن في اللحظة الأخيرة انقذ رئيس البلدية الموقف وقام بتقديم أقتراح فذّ لم يسبق له مثيل والذي حظي بموافقة جميع الحاضرين, ومفاده ان تقوم البلديه بنقل الحفرة الى جانب المستشفى لأن ذلك أقل كلفة. ليس جديدا علينا ان تقوم حكومات اسرائيل بالتطرق في علاجها للمشاكل الى النتائج الظاهرة للعيان بدل المسببات التي ادت الى حصول تلك المشاكل, فهي تقوم بقصف غزة بالأسلحة المدمرة والفتاكة اعتقادا منها بأن ذلك يُبطل ظاهرة اطلاق الصواريخ على شدروت, وتقوم ببناء جدار عالي من حولها لتفادي دخول "المخربين" اليها, وهي لا تحاول معالجة الأسباب والمحفّزات لمثل تلك الأعمال, ولذا تراها عاجزة عن تحقيق "انجازات" ذات قيمة في هذا الصدد وما زالت بعيدة جدا في نظري من الوصول الى حالة أمن مُستقرة لكونها تعالج القشور بدل الخوض في صلب الموضوع ومثلها مثل النعامة التي تغطي راسها بالرمل. ان اقتراح الحكومة الاسرائيلية بمنح صلاحيات "أمنية" موسعة لبوابي المدارس اسوة برجال الشرطة هو تكملة لسياستها الضحلة والعشوائية والعبثية المعتمدة على مبدأ القوة والردع والعقاب بدل التوعية والإرشاد والتربية الصحيحة وتذويت القيم الأخلاقية لدى التلاميذ. بإعتقادي, ان التجاء الحكومة الى هذا المقترح يدل على افلاسها وعلى عجز وزارة التربية والتعليم في معالجة المشكلة من جذورها ومن منبعها لأن ذلك يتتطلب منها تخصيص ميزانيات وتأهيل كوادر مهنية ونصب خُطط عمل جدية لمعالجة هذا الموضوع الذي يتطلب التعاون بين المدرسة واولياء امور الطلاب والسلطة المحلية ولجان الطلاب. تخيلوا ان تنجح الحكومة في نهاية الأمر في مساعيها لسن قانون يحوّل "بوابي المدارس" الودودين والمُسالمين والذين نناديهم غالبا بلقب "العم" "أو "الخال" و"ابو فلان وأبو علاّن" الى رجال شرطة صعبي المراس متجهمي الوجوه ومتقلدي المسدسات والقيود الحديدية ومعتمري الخوذ والنظارات السوداء يتخاطبون عبر اللاسلكي بلغة مشوشة ويتشاورون فيما بينهم كيف سيقوموا هذا الصباح باقتحام الصف التاسع (أ) الذي قام تلاميذه بأعمال شغب ومضايقات ضد معلمة اللغة الإنجليزية, أو نراهم يهرولون في باحة المدرسة للحاق باعضاء لجنة الطلاب الذي يحرضون التلاميذ على التظاهر ضد معلم الرياضيات, او نشاهدهم يلقون الغاز المُسيل للدموع ضد طلاب العواشر المتظاهرين من أجل تأجيل موعد الامتحانات او تغيير مدير المدرسة او اطلاق النار في الهواء او غيرها وغيرها من المشاهد المعهودة. في رأيي لن يمرّ وقت طويل لكي تقوم "شرطة المدرسة" ايضا بتجنيد "متعاونين" من داخل التلاميذ والمعلمين لكي تنجح في مهمتها. من يعمل في حقل التعليم يعي تماما معالم وأبعاد الوضع المزري التي آلت اليه مدارسنا من حيث استبباب ظواهر العنف والفوضى والشغب والطعن بالسكاكين وإعاقة عمل المدرسين والمدرسات والتدخين وتعاطي المخدرات في الساحات الخلفية والتحرش بالبنات والغش في الامتحانات وغيرها وغيرها من الظواهر المقززة الى حولت بعض مدارسنا الى مؤسسات مهزوزة وهزيلة وغير قادرة على حمل الرسالة التربوية. لا أظن ان حل المشكلة يتم عن طريق اقامة "مركز للشرطة" في مدارسنا او بناء "ثكنة عسكرية" حولها او اسناد "كتيبة انقاذ" لمديرها مهما بالغنا في تقدير قوتها على لجم الشغب وإحلال الأمن والإستقرار. المدرسة كانت وستظل مؤسسة تربوية تهدف الى بث العلم والمعرفة وتعنى ببناء الأجيال وتثقيفها وهنالك من يسمي مبانيها وساحاتها حرما اسوة بالاماكن المقدسة, وكما يدرك الجميع ان الدخول الى تلك "الحرمات" محظور على رجال الشرطة والجيش والأمن كما هو محظور عليهم في المساجد والكنائس وأماكن العبادة. هنالك العديد من يحسب ان استعمال القوة والعقاب هو الحلّ الوحيدٍ لردعٍ الذين لا ينصاعون للقانون او للتعليمات ويرون به اداة ناجعة لضبط النظام واجبار الآخرين على القيام بواجباتهم, لكن هذا النهج يفقد فاعليته بعد فترة قصيرة من الزمن لأن "مبدأ القوة" المتمثّل باستعمال العقاب كوسيلة للردع او الالزام يعمل على شريحة محدّدة من الناس وليس عليهم جميعا ولا يمكن استبدالة بمبدأ التوعية والتذويت الذي يعمل الى المدى البعيد. البريد الالكتروني لكاتب المقالة: [email protected]