من أبرز أنواع الفوضي التي اجتاحت المجتمع في الأعوام الأخيرة، ما له علاقة مباشرة بالإعلام، سواء المرئي أو المكتوب، حيث باتت الساحة خلال السنوات الماضية أيضاً خصبة لنشر الفتنة والعمل علي تفتيت الكتلة الصلبة في المجتمع بدعم خارجي في بعض الأحيان، أسفرت عن فوضي ظهرت علي الساحة الإعلامية والإلكترونية إثر ثورة يناير، فمن الزخم الإعلامي والقنوات الفضائية وبرامج التوك شو التي لا حصر لها إلي السوشيال ميديا المتمثلة في مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية المزيفة التي لا تعد ولا تحصي، التي أصبحت أداة في نشر الأخبار الكاذبة، بات المواطن علي إثرها يتعرض لتحرش لفظي شبه دائم، سواء من مذيعي برامج التوك شو، أو مروجي الشائعات والأخبار عبر السوشيال ميديا. وصار طبيعياً أن تتواصل حفلات «الردح» في أغلب الفضائيات، سواء أكان الموضوع الذي تناقشه سياسياً أو اقتصادياً أو فنياً أو اجتماعياً أو حتي رياضياً. قبل ثورة يناير كانت هناك 10 قنوات هي التي تسيطر علي الإعلام المرئي وسرعان ما زادت إلي 100 قناة حتي الآن، لكل منها هدف خاص، ورغم أن أموال تلك القنوات محل تساؤل، خاصة مع تراجع نسبة الإعلانات التي تعد المصدر المالي الرئيسي لوسائل الإعلام، فالاستثمار في مجال البث المرئي زاد بصورة خيالية، خاصة بعد تصريح السفيرة الأمريكية في مصر سابقاً «آن باترسون» بأن بلادها دعمت وسائل الإعلام في مصر ب 40 مليون دولار، ورغم وجود عدد من المعايير التي وضعها مجلس إدارة المنطقة الإعلامية الحرة لإلزام أصحاب القنوات الفضائية بضرورة تحقيق الانضباط الأخلاقي للقنوات، تزدهر يومياً آفة السب والقذف من مذيعين بحق آخرين، وأصبحت القنوات ساحة عراك يومي بين أصحاب المصالح. أما عن السوشيال ميديا، التي زاد انتشارها في الفترة الأخيرة، أحدثت نوعاً من الفوضي، خاصة حين تم نشر أرقام تليفونات وعناوين بعض الشخصيات المهمة، فيما تحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلي وسيلة إدمان للعديد من المتابعين الذين وجدوا أنفسهم مسلوبي الإرادة أمام تلك الوسائط الحديثة، ولأن قوانين الطبيعة تؤكد أن لكل فعل رد فعل مساوياً له في المقدار ومضاداً له في الاتجاه، فكان حتمياً أن تظهر فوضي الإعلام والسوشيال ميديا علي المواطن في الشارع المصري. المال السياسى رأس الحربة منذ انطلاق الفضائيات المصرية في عام 1990 لم يكن هناك ضرورة لوضع ميثاق شرف إعلامي، خاصة أن أغلب الفضائيات مملوكة للدولة، إلا أن الوضع الحالي أفرز مقدمي برامج اتبعوا الميل والهوي في نشر الشائعات التي أصبحت معلومة مؤكدة عند متلقيها، ويبقي السؤال متي تنتهي تلك الفوضي الإعلامية والتجاوزات الصادرة بصورة يومية أمام أعين المشاهدين؟ الدكتور صفوت العالم، أستاذ الإعلام السياسي والرأي العام بإعلام القاهرة، رئيس لجنة تقييم الأداء الإعلامي في مصر، يتحدث عن الفوضي الإعلامية، قائلاً: «الفوضي الإعلامية من المتوقع أن تتزايد في الفترة القادمة، خاصة مع مناقشات البرلمان والمداولات سواء كانت مع الحكومة أو في مناقشة التشريعات، ومع استمرار الوضع بتلك الصورة، خاصة أن هناك نواباً لهم علاقة بالإعلام سيكون الوضع الإعلامي سيئاً، وينبغي علي الدولة أن يظهر تواجدها بوضع تشريعات إعلامية». ويضيف صفوت العالم: إن جزءاً من الفوضي يتمثل في تكفل رجال الأعمال بسفر الإعلاميين مع الرئيس وهو ما جعل الإعلاميين يكتسبون مكانة خاصة من خلال وجودهم بجوار الرئيس السيسي. وأشار صفوت العالم إلي أن دور رجال الأعمال في الفوضي الإعلامية وأنهم هم المتحكمون الفعليين في تلك الفوضي، حيث إن ملكية القنوات الإعلامية لهم للتعبير عن آرائهم السياسية سبب رئيسي للفوضي. وأوضح أنه للخروج من تلك الأزمة يجب أن يمتلك الإعلاميون والعاملون بالقنوات 50٪ من أسهم القناة، حتي لا يفرض ملاك القنوات سياستهم علي المذيعين، إلي جانب تحديد مجموعة من المرتكزات للمرحلة، يتناولها الإعلام وتكون محور الحديث، وتأسيس نقابة للإعلاميين لوضع ميثاق شرف إعلامي لمنع المهزلة الإعلامية التي تحدث يومياً، وتفعيل القوانين التي وضعتها لجنة خبراء الإعلام في عهد حكومة محلب. السوشيال ميديا سلاح جديد ظهر علي الساحة وأثر بشكل كبير في الشارع المصري، الذي يدعو للدهشة هو قدرة تلك التكنولوجيا علي تجنيد العملاء والإرهابيين، فصفحة المتحدث الرسمي لجيش الاحتلال الإسرائيلي «أفيخاي أدرعي» تتحدث يومياً عما يحدث في مصر، والغريب هو تفاعل بعض المصريين والعرب مع الصفحة، التي وصل عدد المعجبين بها إلي مليون شخص، إلي جانب تنظيم الدولة المعروف ب «داعش» الذي استطاع استقطاب عدد كبير من الجهاديين علي مستوي 80 دولة، حيث أشارت منظمة اليونسكو المعنية بالثقافة والتربية في إحصائية لها إلي أن هناك 1٫2 مليار شاب في العالم تتراوح أعمارهم ما بين 15 و24 عاماً في وضع اقتصادي سيئ، ما يعني أن هؤلاء أهداف لوباء السوشيال ميديا، وتشير الإحصائية إلي أن هؤلاء أكثر الناس تعرضاً للضرر من الشائعات التي يتم نشرها علي وسائل التواصل الاجتماعي دون تحرٍ لمصدر الخبر، كما تفعل صفحات الإخوان بنشر الشائعات والأكاذيب لجذب أكبر عدد من الشباب لتأييدها. حملات شنها نشطاء السوشيال ميديا، لمقاطعة برامج ومذيعين ومنتجات كان أقربها برنامج «صبايا الخير» علي قناة «النهار»، تسجيلات لرشاوي يتقاضاها مسئولين تنشر علي مواقع التواصل وفيديوهات لمقتل جنود خارج مصر وتصويرها أنها حدثت داخل الأراضي المصرية، وهو ما دعا أحد النشطاء إلي تأسيس صفحة «ده بجد» علي موقع التواصل الاجتماعي لمواجهة الكم الكبير من الأخبار والمعلومات المغلوطة المنتشرة علي الشبكة العنكبوتية. الدكتور عبدالحميد زايد، أستاذ الاجتماع السياسي، يقول: السوشيال ميديا كان من المفترض ظهورها لفك العزلة التي يعيشها الإنسان الأوروبي، لأن العلاقات هناك فردية ولا توجد بها القيم الاجتماعية الموجودة في مصر، وهي فكرة قائمة علي تواصل مجموعة من الأشخاص بهدف تقليل العزلة والاندماج مع بعضهم، ولكن كما هو معروف فالاحتكاك الثقافي ينقل العناصر الثقافية، ولكن في مصر أخذ شكلاً مغذياً للعادات السلبية كجلسات النميمة والغيبة تماماً، كالجلوس علي المقاهي دون إحياء قيم للحوار والتسامح، وانتشار الظاهرة قد يؤدي إلي مزيد من الانحراف، خاصة أن هناك من يخشي تلك المواقع بسبب انتشار صور لشخصيات عامة يمكن استغلالها في إثارة الرأي العام.