كامل الشناوي الذي مرت أمس خمسون عاماً على رحيله - واحد من قلائل تمكنوا من تثوير القصيدة العربية في مصر كان لا يكتب القصيدة بل كانت هي التي تكتبه - على حد قوله عن نفسه - ولهذا ظلت هذه القصائد حية نابضة لا تذبل أبداً.. كان يودعها دمه وإخلاصه وتفاعله مع الاحداث، في كل قصيدة كانت تبرق همومه وتعلو فوق آلام نفسه لترسم لنا هذا العمق الآسر الصادم «عدت يا يوم مولدي.. عدت يا أيها الشقي» إلى أن يصل الى خاتمة المطاف «ليت يا يوم مولدي كنت يوماً بلا غد».. ثورة 23 يوليو وعمله الصحفي أثرا في إبداعه، تفاعل مع التغيير وقتها وعاش أحلامه في قرارات الثورة وكتب «أنا الشعب» و«علي باب مصر» وكتب أوبريت «جميلة بوحريد» تمجيداً لبطولات المناضلة جميلة الجزائرية.. ولعلها من بين ما كتب عن جميلة من قصائد أن تكون الاولى.. حيث ربط فيها بين أربع قضايا، أولها قضية الاغتراب النفسي لمواطنة تعيش غريبة في بلادها ولا تجد نفسها أمام أكاذيب المحتل وتدفع شبابها وزهرة صباها ثمناً للدفاع عن الجزائر، ثاني القضايا: قضية الثقافة العربية وشموخها وكيف حاول المستعمر أن يطيح بها ويلوي عنقها ويهزأ بلغتنا العربية، ثالث القضايا: قضية القومية العربية هي القضية الضائعة التي فتح ملفاتها كبار مفكرينا حتي حاول تنفيذها جمال عبد الناصر لولا التحديات الغربية التي نخرت في عظام الامة وتمكنت من ابتذال هذه الصحوة في الستينيات.. فقضمت كل أحلامنا حتى وصلنا الى مانحن فيه، أما رابع القضايا فهي قضية الوطن الغائب.. حتى حين يعود لأبنائه وتتوالى الطعنات من المستعمر في مظاهر حصار اقتصادي أو منع أو قهر الطموح القومي. لم يراهن كامل الشناوي على محبوبته في قصائده بل كان يراهن على المجهول كان يراهن على الخيانة باعتبارها هي أساس القضايا وأن الحب الخالد انما هو مجرد وهم لايرقي الى مرحلة التجسيد.. كتب الشناوي «حبيبها أنت قلبي، لا تكذبي، لا وعينيك» ومفرداتها تعج بالتمرد على القلب المخلص الدافئ.. تمرد على الرومانسية وعلى التقاليد الصادقة.. لم تبق من قصائده سوى الخيانة وتعاظم الطعنات والمكائد!!