تستقبل دور العرض السينمائي فيلم «سعيكم مشكور يا برو» بعد عودته من مهرجان الإسكندرية السينمائي، الذي بدأ العد التنازلي لانعقاد دورته ال31، والفيلم يحمل توقيع المخرج عادل أديب، الذي يعود به بعد غياب عن الإخراج السينمائي منذ فيلم «ليلة البيبي دول»، مع ما أثاره من جدل واسع عقب عرضه، لتعرضه للصراع بين الشرق والغرب، وماهية صناعة الإرهاب العالمي، ولكن عادل أديب، يعود للسينما هذا الموسم للسخرية من مسلماتها، إن لم يكن يسعي لتوجيه قذائف سخريته لصناع السينما المصرية أيضاً، مع البيان الذي سبق الفيلم وقال فيه انه تعمد تقديم فيلم «هايف»، ومسروق من فيلم أجنبي قدم ب4 نسخ عالمية مختلفة، كما أشار إلي أن العمل يحمل ما تيسر من إيحاءات جنسية، واعتمد علي ميزانية محدودة وأبطال من الوجوه الجديدة، ليثبت أن صناعة السينما لا تحتاج أكثر من علم وضمير لتقديم إنتاج جيد، وهو ما نناقشه مع عادل أديب، للوقوف علي طبيعة التجربة، ومواجهته بما حمله البيان من هجوم علي السينما المصرية وصناعها من خلال هذا الحوار... البيان الصادر بخصوص فيلمك الجديد «سعيكم مشكور» يحمل نبرة سخرية من السينما المصرية وصناعها فما مبررات انتقادك للسينما خاصة وأنك انسحبت من منظومة الإنتاج السينمائي؟ - تحدثت كثيراً عن حال السينما المصرية، وما آلت إليه بعد ثورتين ولم يستمع أحد، وقبل تفكيري في تقديم تجربة سينمائية جديدة، حاولت أن أعيد صناعة السينما المصرية للمهرجانات الدولية، وأسهم في توزيع الفيلم المصري خارجياً، لأعيد لمصر ما تستحقه كهوليوود الشرق، وارتفع سعر تسويق الفيلم المصري في الخارج، بعد أن كنا نبيع أفلامنا ب «ملاليم»، وتغير شكل النجم المصري عربياً، ولكن المشروع توقف لأننا نعمل ضمن سوق احتكاري، بعد أن رفعت الدولة يدها عن السينما، وهو ما يمثل كارثة سكتت عنها طويلاً لأنني تركت شركة الإنتاج، وحتي الآن، لا استجابة تجاه أزمات الصناعة، وأعلم أن الدولة عليها أعباء كثيرة، ولكن إذا كان الإعلام يُسقط دولاً ويرفع أخرى، فما بالك بالسينما، لهذا أردت تقديم تجربة تعتمد علي تكلفة قليلة، في الوقت نفسه تعتبر رسالة لجهات الإنتاج، التي لا تحرك ساكناً في السوق المصري. وهل استغرقك التحضير لهذا العمل وقتاً طويلاً خاصة وأنك تصفه بكونه رسالة لمنتجي وموزعي السينما المصرية؟ - فكرة الفيلم لم أكن أرتب لها قبل وقت طويل، ولكنها جاءت بعد لقاء مع صديقي مهندس الديكور عادل المغربي، الذي اقترح أن يقوم بإنتاج فيلم سينمائي، فسألته: لماذا يريد أن يقوم بهذا الأمر في سوق احتكاري؟! فنحن نعمل بنفس قوانين السبعينيات، ففكرت في تقديم فيلم يتغلب علي ما يدعونه من احتياج السينما لميزانيات كبيرة، فهو فيلم يكسر فكرة النجم الأوحد، ويعتمد علي 14 وجهاً جديداً، ويصور في 14 يوماً، ويقدم موضوعاً بسيطاً أو «هايف» بالمعني الدارج، مأخوذ من فيلم أجنبي، وتعمدت منافسة الأفلام العشوائية، بتقديم استكتشات كوميدية، ولا مانع من إيحاءات جنسية قبيحة، ولكنها تقدم بشكل «شيك»، فأنا في هذا الفيلم لا أدعي تقديم فن أو إبداع، ولكني أقدم عملاً بعلم وضمير، وعرضت الفكرة علي عادل المغربي فتحمس لها، إلي جانب حماسة طارق التلمساني، والشاعر سيد حجاب، والمطرب مدحت صالح، والموسيقار نبيل علي ماهر، الذين وافقوا علي خوض التجربة. ولماذا صدرت فكرة أن الفيلم مسروق في بيانك رغم خبرتك بأن هناك فارقاً بين سرقة عمل كامل أو تمصيره؟ - قررت الاعتماد علي موضوع فيلم أجنبي، قدم في أربع نسخ مختلفة من قبل، وبالطبع تعاملت معه وقمت بتمصيره، ولكن كل من يشاهد فيلماً يدعي بأنه مسروق، لتشابه في «التيمة» أو الموضوع، فأردت أن أقطع الطريق علي ذلك، ولكن الجميل في الفيلم أنه يتعرض لفلسفة الموت، في الوقت الذي تحمل فيه مواقع التواصل الاجتماعي أهات التعجب لاختطاف الموت لمن حولنا، رغم أنه حقيقة مسلم بها، كما اكتشفت من خلال تحديث المعطيات السياسية والمجتمعية، أن هذه الثقافة ترجع للإخوان الذين أسسوا لثقافتهم من خلال الموت والجنس، والفيلم في نسخه الأجنبية لا يحمل نفس الشخصيات التي قدمتها في «سعيكم مشكور»، كما أنه ليس سرقة كما ذكرت في البيان الصحفي للعمل، ولكنه تمصير بالأسلوب الذي لم يعد موجوداً منذ رحيل جيل العظماء من الكتاب، أمثال أبو السعود الإبياري، وبهجت قمر، وعبد الحي أديب، وغيرهم ممن تصدوا لتمصير عدد كبير من الأعمال العالمية، وتقديمها في رداء مصري خالص، وبالفعل كتبت النص السينمائي، وبدأت في اختيار الممثلين من فرقة أشرف عبد الباقي المسرحية، وورشة المخرج خالد جلال، ومواهب مسرح أوبرا ملك. هاجمت السينما التي يقدمها «السبكي» رغم أنه أكثر صناع السينما إنتاجاً في الفترة الأخيرة فما ردك علي ذلك؟ - لم أهاجم «السبكي»، لأنني لا أحمل له ضغينة، أو واجهت معه مشكلة ما، كما أنه «شاطر» علي مستوي الإنتاج، ولكن الخلاف قد يكون ثقافياً، رغم أن الأزمة ليست في «السبكي» أو ما يقدمه، ولكن الازمة في عدم توافر وجبات درامية أخري أو نوعيات مختلفة، وهي ليست مسئوليته، فالسوق أصبح مثل الصحراء التي لا تضم سواه، كما أنه استطاع مخاطبة طبقة رفضنا جميعاً وجودها، والدليل أن هناك 30 مليوناً ذهبوا إليه، والثورة كشفت الكثير من الأخطاء، فنحن أصبحنا شعباً فاسداً وهؤلاء هم الناس الموجودة في الحقيقة. وهل تتوقع استقبالاً جيداً للفيلم من نقاد السينما مع كل ما قلته حول موضوعه وطريقة تنفيذه؟ - النقد السينمائي يمر بأزمة لا تقل خطورة عن أزمة السينما المصرية، خاصة وأن دارسي السينما من النقاد لم يعد لهم تواجد علي صفحات الجرائد المصرية، وطالبت من قبل بالكشف علي شهادات كاتبي النقد السينمائي، وأرجو من الصحف عدم إتاحة مساحات كبيرة، لأي شخص يقوم بسرد حكاية الفيلم دون وعي بآليات النقد السينمائي، وهو الأمر الذي كان ضرورياً فيما يخص أفلام المهرجانات العالمية قبل دخول الإنترنت، لإتاحة هذه الأفلام للجمهور المصري، فكان علي الناقد أن يقوم بسرد أحداث الفيلم الذي شاهده خارج مصر، للجمهور الذي لم يشاهد الفيلم، ولكن رغم انتفاء السبب فما زال أغلب النقاد يقومون بانتهاج نفس الأسلوب، ولا أعلم هل استقبالهم للفيلم سيكون جيداً أم لا، ولا أهتم بهذا الأمر، خاصة وأنني اعتدت علي الهجوم، حتي مع تقديمي لفيلم بقيمة «ليلة البيبي دول»، فوجئت ب12 مقالاً نقدياً مختلفاً يهاجم الفيلم، وبعد حصوله علي جائزتين دوليتين، لم أجد في هذه الإصدارات الصحفية خبراً صغيراً يمنح العمل حقه، والأزمة أن كثيراً من هؤلاء يعملون كمنسقين لشركات الإنتاج، وهو ما ينفي عنهم صفة الموضوعية، فكيف تعمل في شركة وتتقاضي منها أموالاً، وترفض أن تعلن ذلك علي الملاْ، في الوقت نفسه تكتب عن أفلامها وأفلام المنافسين. وكيف تري تعامل الدولة مع السينما في ظل حكم «السيسي» بعد المؤتمرات التي عقدت لحل مشاكلها؟ - إذا ما نظرنا لحال مصر التي تعاني الإرهاب طوال 4 سنوات ماضية، سنكتشف أنه لا عقل للدولة، خاصة وأنها لم تسع لتقديم عمل سينمائي واحد يناقش قضايا الإرهاب، ونعلم تمام العلم أن الدولة مكبلة بكثير من القيود، وتواجه عشرات التحديات و«البلاوي» علي الحدود، وفي الداخل من معاناة في توفير الخدمات الأساسية للمواطنين، ولكن وسط هذه المعاناة، لم يقم أحد بلفت نظر الدولة إلي أن السينما سلاح، قد يكون أقوي من ترسانة أسلحة الجيش بأكملها، وميزانية السينما الأمريكية توازي ميزانية «البنتاجون»، بفارق ضئيل تزايد مع الأزمة المالية العالمية خلال السنوات القليلة الماضية، فالسينما أمن قومي، وما لا تستطيع أن ترد به علي دولة ما، يمكنك أن توجهه من خلال فيلم سينمائي، وهو ما حاولنا فعله بتصحيح صورة الإسلام في أفلام سابقة، ولم نلق سوي اتهامات بأننا ممولون من الأمريكان، حتي أن رئيس تحرير جريدة قومية كتب مقالاً، وأفرد صفحتين للهجوم علي شركتنا والأفلام التي نقدمها، وذكر أحداث ووقائع من نسج خياله، ولكننا ترفعنا عن مقاضاته. وكيف تفسر انسحاب شركتك من منظومة الإنتاج السينمائي؟ - السينما المصرية تغيرت منذ عرض «عمارة يعقوبيان»، كما تغيرت بعد «إبراهيم الأبيض»، وحالنا لا يختلف عن غيرنا من الشركات التي توقفت عن الإنتاج مثل «آل العدل»، أو «كنج توت»، وغيرهما من الأسماء التي برزت ثم أغلقت أبوابها لأننا نعمل في مناخ احتكاري، والموزع يلقي بالافلام للجهات المختلفة ثم يطالبك بمقاضاة الشيخ صالح كامل، أو الوليد بن طلال، فمنذ عملنا في الإنتاج ونحن نحاول تصحيح المنظومة ولكننا داخل حرب كبيرة، فقد صنفنا الأفلام المصرية وسعرناها بثلاثة أضعاف ثمنها، ولكننا توقفنا بعد تراكم مديونيات بلغت 9.5 مليون دولار في السوق الخليجي، والمماطلة هنا ليست ناتجة عن التعثر، ولكنها طريقة لتركيع جهات الإنتاج الوطنية، والاحتكار بجعل دور العرض تحصل علي 50% من الإيرادات، والموزع يحصل علي 15% ويذهب الباقي للمنتج الذي يتحمل كل شيء، ناهيك عن سرقة الإيرادات داخل دور العرض، وتأجيل حصتك من الإيرادات، ولا قانون يحمي حقوقك، ولا الدولة تلتفت للثغرات التي تدمر الصناعة، فالسينما لقيطة ولا تجد لها ملاذاً، وأتحدي أن يعلم رئيس الوزراء عدد السينمات في مصر، فنحن نعمل في مصر ب«البركة»، والسينما ممزقة بين عدد كبير من الوزارات، وهذا التشرزم وراء أزماتها المستمرة. ولكن الشركة وجهت إليها اتهامات بغسيل الأموال في السينما وبرر البعض توقفها بتوقف الجهات الممولة لها فما ردك علي ذلك؟ - الاتهام بغسيل الأموال ليس الوحيد، ولكننا واجهنا اتهامات كثيرة ومختلفة، هدفها تشويه المنجز الذي حاولنا القيام به، فنحن متهمون بالتبعية للمخابرات الأمريكية، أو أننا نستثمر أموال شيوخ الخليج، ولكن ما قيل حول غسيل الأموال سببه أن بدايتنا في الإنتاج كانت مختلفة وغير مألوفة، فقد قلت للموزعين إذا لم يعجبنا سعر البيع سنترك الفيلم دون أن نوزعه ونشاهده نحن، وبدأنا مع فيلم «حليم»، وما صاحبه من مرض الراحل أحمد زكي، فطلبنا منهم عدم دفع أي مبالغ لشراء الفيلم، إلا في حالة اكتماله لنتحمل نحن المخاطرة منفردين، ونتفق بعدها علي السعر، وبعد أن انتهي الفيلم وتكلف 22 مليون جنيه، قالوا بأن هذه النوعية من الأفلام لا تحقق ربحاً، في محاولة لتخفيض سعر البيع، فرفضت تخفيض المبلغ المطلوب، وقمت ببيع الفيلم لمحطات تليفزيونية غير مصرية، فردد الموزعون أننا ننتج لغسيل أموال غير معلومة، وما جعلهم مقتنعين بهذا الأمر هو انتاج فيلم «مرجان احمد مرجان»، وطلبوا شراء الفيلم فتعاملت بنفس الطريقة وضاعفت سعر الفيلم، وبالفعل تم بيعه فعوضت مكسب فيلم حليم إضافة إلي مكسب فيلم مرجان، فصناعة السينما ليست مجرد حرب وتنتهي، ولكنها معارك متوالية، وأنا لست ممن ينظرون تحت أرجلهم، وهو ما جعلهم يقولون أننا ممولون من الأمريكان واليهود، لمجرد أننا قدمنا فيلم «ليلة البيبي دول»، وعندما أشاعوا بأننا نعمل بأموال الشيوخ العرب، سألتهم هل توجه الدولة ضد الاستثمار الخليجي في مصر، وهل هذه الأموال صرفت علي رفاهيتي أم صرفت في صناعة تدر علي الدولة والعاملين بالصناعة دخلاً.