تشهد الساحة السينمائية جدلا واسعا اليوم حول الممارسات الاحتكارية في مجال صناعة السينما من بعد أن تقدم الأستاذ عمرو عثمان صاحب دور العرض السينمائي بشكوي لجهاز حماية المستهلك حول قيام شركات الإنتاج الكبري بالقيام بممارسات تحكمية مبنية علي وضعها الاحتكاري في سوق توزيع الأفلام السينمائية.تتمثل تلك الممارسات في عدم منح السيد عمرو عثمان أفلام من قبل بعض الشركات لعرضها في صالات العرض الخاصة به وبالتالي فان استثماراته في مجال دور العرض تتعرض لمخاطر لعدم استغلاله دور عرضه استغلالا أمثل. وجاءت الردود علي هذا الطلب الجاري التحقيق فيه اليوم من قبل الجهات المعنية علي صفحات الجرائد متباينة بين معسكر الفنانين وجبهة المنتجين والموزعين. فهناك من يري انه ليس هناك اي شبهة احتكار وأن البلاغ كيدي, حيث أن الشركة المعنية لم تمنح السيد عمرو عثمان أفلاما لأنه تأخر في سداد ما عليه من ديون سابقة للشركة, وكان رد السيد ممدوح الليثي رئيس جهاز السينما علي دعوي الاحتكار بأن المشكلة ليست في منع منح أفلام سينمائية لبعض دور العرض تحت دعاوي استخدام السلطة الاحتكارية للشركات السبع الكبري في المنع والمنح بل ان المشكلة تكمن في انهيار صناعة السينما بسبب الأزمة العالمية وبالتالي عدم توافر أفلام في السوق أصلا. بل ان هناك من يري أن السيد عمرو عثمان طلب أفلاما بعينها لعرضها في صالات عرضه وأن الشركة الموزعة فرضت عليه بعض الأفلام التي يراها غير جماهيرية كشرط لأعطائه الأفلام التي يريدها. بل أن هناك من يري أن الأمل الوحيد لإنقاذ السينما المصرية من عثرتها يكمن في قيام الكيانات الكبري بل وتجمعها معا للوقوف في وجه تكتلات رؤوس الأموال التي تتولد في الخليج في مجال صناعة السينما( وكأن تلك الشركات المصرية بعيدة كليا عن رؤوس الأموال الخليجية). أولا يجب لنا أن نعرف بعيدة عن صحة واقعة شكوي السيد عمرو عثمان وماتعرض له من ضغوط احتكارية من عدمه, أن التكتلات الاحتكارية هي مفهوم اقتصادي إداري مؤسسي موجود في علم الاقتصاد وهو يمارس في جميع مجالات الاقتصاد وهو إما عرضي أو رأسي أو الاثنان معا. العرضي( صناعة الحديد كمثال) أن يكون هناك من يملك مناجم استخراج الحديد ومناجم استخراج الفحم المستخدم في صناعة الحديد ثم مصانع لصناعة الحديد. أما الاحتكار الرأسي فيتمثل في امتلاك مصانع لصناعة الحديد أو شركات لاستيراده وأسطول لنقل الحديد( المقصود هنا حديد التسليح) ومنافذ تسويق لبيع الحديد وبالتالي فانه يتحكم في سعر الحديد رأسيا من المنتج للمستهلك أما في الحالة الأولي فإنه يتحكم في كل مدخلات صناعة الحديد حتي خروجه في شكله النهائي, وبالطبع ممكن الجمع بين الحالتين. في مجال السينما فأنك حين تملك الاستوديوهات والمعامل وتقوم بالإنتاج والتوزيع وتملك دورا للعرض فانك تملك عصب الصناعة, ومن الممكن أن يكون هناك تحالف مصالح احتكارية بين من يملكون الاستوديوهات والمعامل ومن يقومون بالإنتاج والتوزيع في نفس الوقت يملكون دورا للعرض وهنا يجب أن تقوم لجان مكافحة الاحتكار بالتحقيق لبيان ما إذا كانت هناك شبهات احتكارية( في الممارسات) بالرغم من أن الكيانات مختلفة. هذه التكوينات الهيكلية هي التي تشير إلي وجود احتكار في صناعة ما من عدمه وليس نيات مالكي تلك الكيانات...بمعني أننا لا يمكن أن نقول أنه بالرغم من وجود كيانات ذات سمة احتكارية الا أنه ليست هناك ممارسات احتكارية فالمهم هو البناء المؤسسي( هل هو موجود أم لا). ان من يقوم بالتحقيق في هذا ليست هي غرفة صناعة السينما, والتي لو نظرنا لتكوينها فاننا سنجد أسماء الكثيرين ممن تتناولهم الشكوي( إسعاد يونس حسن رمزي هشام عبدالخالق فاروق صبري...الخ) وبالتالي لايمكن أن تكون خصما و حكما في نفس الوقت. بل يجب أن تكون لجنة من قبل الدولة محايدة تبحث الأمر قانونيا واقتصاديا وإداريا أولا, ثم بعد ذلك تحقق في الأمر وفقا لوقائع وممارسات محددة لكن هل هذا ممكن في ظل عدم تفعيل قانون للاحتكار علي المستوي القومي وفي كل المجالات الاقتصادية؟ وقد يقول البعض مايهمنا نحن في هذا الصراع الدائر بين ديناصورات صناعة السينما الباحثين عن الربح,فهو لا يتعدي صراعا للقوي بين الراغبين في السيطرة علي السوق من أباطرة السوق ولا يهتم أحد منهم بالسينما كفن. يخطيء من يظن أن الأمر كذلك فان اختفاء المنتج الصغير والذي كان من الممكن أن يضفي بعد التنوع علي النمط السينمائي السائد( كوميديا عنف غنائية) يرجع لكون أن السوق مسيطرة عليه من قبل تكوينات تفرض نمطها السائد دون أن تمنع علنا أي أحد من الإنتاج في السينما وهو ما يعرف بالديكتاتورية الناعمة, حيث أن أي عمل مخالف لن يدر قدرا من الأرباح بنفس قدر أفلام النمط السائد والمسيطر بالتالي سيلقي مقاومة في توزيعه وعرضه, هذا بالإضافة الي أن النمط السائد سيشكل أذواق واهتمامات الفصيل الأكبر من الجمهور بحكم فرضه علي الأسواق لعدة سنوات وبالتالي فان قبول المختلف سيصبح أمرا صعبا من قبل الجمهور. ونحن علي أبواب عودة لدخول الدولة من جديد مجال الإنتاج السينمائي يجب أن يتم كسر السمة الاحتكارية تلك( مؤسسيا علي الأقل) قبل أي طرح لهياكل سينمائية من قبل الدولة, بمعني أن يمنع الجمع بين الإنتاج والتوزيع وملكية دور العرض حتي لاتكون الكلمة العليا في مجال السينما محصورة في أيدي قلة قليلة ممن يسيطرون علي السوق ويجنون أرباحها وفي نفس الوقت يشكلون عقل الأمة. [email protected]