بعين إخراجية مبدعة وأخرى إنتاجية ماهرة قدم لنا عددا من أشهر أفلام السينما المصرية خلال الأعوام الماضية، التى نذكر منها: «هستيريا»، «ليلة البيبى دول»، «يعقوبيان»، «حسن ومرقص».. وغيرها من الأعمال السينمائية التى سواء اتفقنا معها أو اختلفنا، فهى أعمال لها بصمتها فى السينما المصرية ولدى الجمهور الذى طالما أشاد بها وبصناعها، فهو مخرج فنان، منتج دارس، مبدع مطّلع، صانع سينما متطور، ظل يبحث ويفتش عبر أعوام طويلة بالخارج والداخل عن سبل تحقيق حلمه برؤية صناعة سينما مصرية يفخر بها المصريون أمام العالم، صناعة مؤثرة فى العقول، تأخذ بأيدينا من عالم الظلمة إلى عالم النور. متعته الرئيسية فى الحياة لا تخرج عن اثنين: السينما والطبخ، ومن وجهة نظره المبدع لابد أن يكون له نفس، حتى يصنع من الفسيخ شربات، وحتى بلجوئه إلى عالم الفيديو كانت له بصماته من خلال «باب الخلق»، «جبل الحلال»، «مكان فى القصر».. إنه المخرج الكبير والمتحدث الرسمى باسم شركة جود نيوز للإنتاج السينمائى عادل أديب الذى أجاب وصرح، أكد وفسر لنا الكثير من التصريحات والشائعات والأخبار من خلال الحوار التالى. • دفعة 1986 • فى البداية دعنا نتحدث قليلا عن دفعة 1986 بمعهد السينما، وما أضافته لك هذه المرحلة من حياتك؟ - تخرجت فى المعهد واقتحمت سوق العمل أنا وزميلى المخرج شريف عرفة، والحقيقة أننا كنا فارقين عن السوق، لما تميزنا به من تنوع، فقد كان المتعارف عليه هو التخصص إما مخرج أفلام، أو مخرج إعلانات، إلا أننا فاجأنا الجميع بأننا نغزو أى شكل من أشكال الإخراج، بل نضيف إليه، فقد جمعنا بين الأفلام، الإعلانات، العروض المسرحية، حتى البرامج، وبالنسبة إليْ فلطالما حلمت بالعمل الموسيقى إلا أن هذا الحلم لم يتحقق إلا مع أنوشكا من خلال بعض أعمالها، حقيقة كنا جيلا متطورا، أتيحت لنا الفرصة للاطلاع على العالم الخارجى، والاستفادة منه، إلى أن اكتسبنا الخبرة، التى قمنا بتطبيقها على السينما، ليلمس الجميع الفرق، تدريجيا إلى أن بدأت مرحلة جديدة فى حياتى توليت خلالها الإشراف على أعمال شركة جود نيوز. • جود نيوز • إذا انتقلنا إلى تجربتك مع الإنتاج باعتبارك المتحدث الرسمى باسم شركة جود نيوز للإنتاج السينمائى.. ماذا عنها؟ - منذ بداية هذه المرحلة وأنا مدرك لحقيقة واحدة ألا وهى أننا نعمل وفق طبيعة سوق يعمل بال«غيظ»، الجميع به ينقم على الغير، لذلك كان قرارنا أن نغيظ الجميع وقد كانت البداية من خلال «يعقوبيان»، ثم عقب ذلك قدمنا «حليم ومنه إلى «حسن ومرقص» و«ليلة البيبى دول»، كانت هذه الأعمال بمثابة الضربات القوية، عقب ذلك كان اهتمامنا بعناصر أخرى مثل الريد كاربت ومنه إلى افتتاح الفيلم، وغيرها من العناصر التى كنا بالفعل قد افتقدنا وجودها، وللعلم عودتها فى النهاية لن تفيد ولن تضيف إلا لصناعة السينما المصرية بشكل عام، أيضا من خلال جود نيوز أعاد الجميع التفكير فى كيفية التعامل مع النجم، على أن يكون التعامل معه باعتباره قيمة، نجم فى السماء، ليس من السهل الوصول إليه، بالإضافة إلى الكثير من الإنجازات التى تحسب لصالح «جود نيوز» هذا الكيان الذى أعاد إحياء الموتى، عندما أتى بنجوم كان قد لفظهم السوق إلا أننا أتينا بهم فى عمل واحد بسعر نجم واحد ممن هم موجودون على الساحة وأجورهم بالملايين اليوم، هذا الكيان أيضا استطاع أن يرفع من سعر الفيلم المصرى إلى ثلاثة أضعاف، كل هذا ما هو إلا جزء من أهم ما نجحت جود نيوز فى تقديمه لصناعة السينما المصرية عقب رصيد فنى لم يتجاوز الثمانية أفلام فقط. • شائعات • على الرغم من الإنجازات العديدة التى تحسب لصالح جود نيوز، إلا أن هناك العديد من الشائعات التى طاردتها على مدار أعوام؟ - لكم أن تتخيلوا كم القضايا التى رفعت ضد الشركة مقابل ثمانية أفلام فقط هو رصيد إنتاج جود نيوز السينمائى، ما يقرب من سبعة وتسعين قضية كان أشهرها قضية قام برفعها أحد مالكى البارات يدعى أن البار الذى ظهر بفيلم «يعقوبيان» هو باره وأنه بار محترم لا يقدم نساء، سواء اتفقنا أو اختلفنا حول هذه الأفلام، فلنعد خطوتين إلى الوراء لنكتشف أثر تلك الثمانية أفلام من إنتاج الجود نيوز فى قيام الثورة، نظرا لما تناولته من موضوعات حيث الفقر، البلطجة، عالم رجال الأعمال، الأديان، النجوم وأيام الحرب والبطولة، والتعليم، وغيرها من القضايا التى أثيرت من خلال الثمانية أفلام، وفى النهاية يقال إننى مع الدولة أو مع النظام، ولدى تمويل أمريكى، وتمويل خليجى، لذلك قررنا التزام الصمت لا لكوننا لم نستطع الرد، بل لسبب آخر إلا وهو أن الردود فى النهاية ستكون موجعة ومؤلمة، لأن ببساطة من يهاجم عليه قبل أن يهاجم أن يحاسب نفسه، ما هو تاريخه ومن أين له هذا «رأس المال» وقتها فقط يجوز له الهجوم ويجوز له إثارة الشائعات. • البعض أرجع هذه الشائعات إلى طبيعة الإيرادات التى حققتها أفلام جود نيوز والتى كانت أقل بكثير من تكلفتها الإنتاجية نظرا لأسماء نجوم تلك الأفلام وأجورهم الضخمة، على سبيل المثال حليم للنجم أحمد زكى والذى على الرغم من تكلفته الضخمة إلا أنه لم يحقق الإيرادات المتوقعة؟ - بالمناسبة أنا من كان يقوم بتوقيع العقود بشركة جود نيوز، لذلك فالكلمة الأولى والأخيرة بهذا الشأن تعود إليّ، فإذا تحدثنا عن حليم، فقد كنا على دراية تامة أثناء تصويره بالحالة الصحية للنجم أحمد زكى، لذا قررنا أن نعقد صفقة مع الموزعين وهى الاتفاق على سعر البيع إلى أن يتم الانتهاء من العمل تماما، حتى ذلك الوقت لن يتم الحديث فى موضوع التوزيع منعا للمخاطرة بأموالهم، ونحن لسنا على ثقة أننا سنستطيع الانتهاء من تصوير جميع مشاهد الفيلم، ولكن الحمد لله بالفعل تم الانتهاء من التصوير، وهاهو الفيلم جاهز لعملية التوزيع، لنفاجأ باعتراض جماعى، مبرهنين اعتراضهم بأن احتمال الخسارة أكبر من المكسب من خلال هذه النوعية من الأفلام، هنا بدأت التساؤلات والاتهامات تنهال علينا، فيلم ب 22 مليونا لم يبع، وبدأت الشائعات تتردد، إلى أن قدمنا «مرجان أحمد مرجان»، وكان من المفترض أن يباع بعشرة، ولكن مع إصرارى الشديد تم بيعه بعشرين، وما هو إلا توفيق ربنا لنا، حيث تعويض خسارة حليم وتحقيق المكسب المطلوب من «مرجان أحمد مرجان»، ببساطة سوق السينما يوم لك ويوم عليك فهى معركة عليك أن تتحمل عواقبها. • انفراد • من خلال حديثك لمست بعدا فنيا خاصا ومزيجا بين العين الإخراجية «عين المبدع» والعين الإنتاجية «عين المنتج الدارس والمطلع» هل هذا صحيح؟ - هذا البعد لن تجده إلا فى اثنين فى الشرق الأوسط المنتج جابى خورى وأنا، نظرا للخبرة المكتسبة من الاحتكاك بالعالم الخارجى والاطلاع على التطور الدائم فى كل ثانية، فى حين تجد الباقية توقفوا بعلمهم عند حد معين، دون أن يسعوا ولو للحظة إلى اكتساب الخبرة والاطلاع والخروج من العالم الصغير إلى العالم الكبير، فأنا أراهن أن يكون أحد من المنتجين على الساحة الآن يتقن لغة، فدائما وأبدا العلم والتطور فى حاجة إلى دراسة، وخاصة صناعة السينما التى أجدها أصعب بكثير من تطور صناعة السلاح، بل أقوى منه، فهى أمن قومى وليست مجرد عمل فنى وإيرادات كما يعتبرونها الأغلبية. • بدون سابق إنذار • فجأة وبدون سابق إنذار قرر المخرج والمنتج عادل أديب التحول عن صناعة السينما، ليبدأ مرحلة جديدة من خلال التليفزيون ومجموعة من الأعمال الدرامية لكبار النجوم حيث «باب الخلق»، «جبل الحلال»، ثم «مكان فى القصر»، لماذا هذا التحول المفاجئ؟ - ليس بمزاجى، ولا بمزاج العدد الكبير من المخرجين أو الفنانين ممن هجروا السينما إلى الفيديو، فى النهاية هو أكل عيشهم، فالفنان بطبعه لا يقوى على المكوث بالبيت طويلا، ومع تقارب كاميرا السينما والفيديو، والمعدات والإضاءة، كان الفيديو الملجأ الوحيد لكل هؤلاء فى ظل الحالة البائسة التى تعيشها صناعة السينما خلال الأعوام الماضية. • جبل الحلال • بمناسبة الحديث عن الفيديو حدثنى عن فكرة «جبل الحلال» وأحدث أعمالك الدرامية وثالث تعاون يجمعك بالساحر محمود عبدالعزيز؟ - قبل العمل على «جبل الحلال» بدأنا فى التفكير فى نوعية العمل الذى ينبغى أن نقدمه، فقد سبق أن قدمنا مشكلة الشرق والغرب فى «ليلة البيبى دول»، وآخر عشر سنوات ما قبل الثورة فى «باب الخلق»، لنقف ونقول ماذا بعد؟!، لنقرر أن نقدم تفاصيل البشر، وذلك من خلال بيت كبير يرمز كل سكانه إلى كل أشكال البشر وكأنه عالم صغير يرمز لمصر العالم الكبير، وفى الخارج «كين» الذى يرمز إلى كل أشكال الشر من اليهود والأمريكان، وتحليل تفصيلى للبشر الذى يحلل الحرام، وتفصيلة إنسانية فى البشر نبعث من خلالها برسالة إلى الجميع ألا وهى لا يجوز أن تكون أعمى سواء فى الزواج، العمل، جميع التعاملات الحياتية، لأن إصلاحها يعنى إصلاح البلد بالكامل، عم محمود عبدالعزيز المعروف عنه أنه حريص على تقديم عظة من أعماله، وبالنسبة لى هو ممثل جيد للبشر، والحمد لله العمل نجح، وكلما تمت مشاهدته كلما اكتشف المشاهد جوانب جديدة من الشخصية التى يقدمها ومن العمل ككل، كل هذا صب فى مصلحة العمل الذى اجتهدنا جميعا من أجله. • أخيرا من خلال المسلسل ظهرت عين المخرج عادل أديب السينمائية حيث الإضاءة والصورة هل هذا صحيح؟ - هذه العين ليست عين عادل أديب فقط، بل جميع أفراد فريق عمل «جبل الحلال»، ولأننى عاشق للسينما ودائما ما أعمل بمزاجى رغما عن كل الصعاب تظهر رؤيتى التى هى فى النهاية رؤية كل فرد شارك فى العمل عقب العديد من المشاورات حول رؤيتى الخاصة، فالجميع يضيف إلى العمل إلى أن نصل إلى الشكل النهائى الذى ظهر على الشاشة، فأنا بالفعل أسعى إلى تقديم عمل مختلف برؤية سينمائية ولكن بطعم مختلف، حيث العديد من النجوم الذين كانوا قد اتخذوا القرار بالاعتزال حتى أتيت بهم لأقنعهم بالعودة من جديد مثل طارق التلمسانى، فوزى العوامرى، حمزة الشيمى، ليلى جمال، والكثير من الفنانين الذين رفضت أن يمكثوا بالمنزل، فلابد أن نبحث دائما عن الفنانين لأن ببساطة الغرض من العمل أسمى بكثير من العمل نفسه.•