مصر في حرب.. تواجه عدواً خسيساً، يتلقي دعماً مالياً ومعلوماتياً وحربياً من دول عديدة ومنظمات شتي وأجهزة مخابرات أجنبية. والحرب ليست مقصورة علي منطقة معينة، فليست في سيناء وحدها، ولا بطول حدودنا الغربية والجنوبية فقط، ولكنها تمتد بطول البلاد وعرضها، وتستهدف استنزاف الدولة وإضعافها وتفتيتها. وأسلحة الأعداء في تلك المعركة ليست فقط صواريخ وقنابل، ومتفجرات، وإنما أيضا فتن وشائعات وأكاذيب وحرب نفسية. وفي الحروب لا تقتصر المعارك علي جبهة القتال وحدها، ولا تكون المواجهة مقصورة علي قوات الجيش والشرطة وحدهما، فهناك جبهة أخري لا تقل أهمية وخطورة عن خط النار، وهي الجبهة الداخلية. والجبهة الداخلية -حسب توصيف خبراء الاستراتيجيات العسكرية- مصطلح يشير إلى القوة المدنية الشعبية للدولة أثناء حالة الحرب، ويؤكد ذات الخبراء أن تلك القوة تمثل عاملاً مهماً في تحقيق النصر في جبهات القتال.. والسؤال كيف حال جبهتنا الداخلية حالياً؟ الإجابة: جبهتنا الداخلية في خطر وتعاني اختلالات مخيفة. وهذه ليست إجابتي وإنما إجابة خبراء متخصصين في الاجتماع السياسي وفي العسكرية وفي العمل العام. فطبقاً للحسين حسان مؤسس «حملة مين بيحب مصر» فإن قطاعات عديدة من المصريين ليست لديها قناعات قوية بأن مصر تخوض حربا، ولا يهمها سوي تحقيق مصالحها الخاصة حتى لو كانت علي حساب الصالح العام.. وقال «حسان»: أكثر من 90% من الإعلاميين والصحفيين، و80% من رجال الأعمال، و85% من المثقفين أو النخبة، و70% من موظفي الحكومة، و95% من الفنانين، وأغلب الأحزاب السياسية وكذلك من يطلق عليهم اسم «نشطاء»، وأيضاً كل الوزارات ما عدا الدفاع والداخلية من وجهة نظره.. كل هؤلاء لا يشعرون بأن مصر في حرب، وبالتالي لا يقومون بالدور الوطني المطلوب منهم في زمن الحروب». وأضاف: «أكثر المصريين الذين يشعرون بصدق أن مصر في حرب هم البسطاء والفقراء والمهمشون، وفي المقابل نجد أكثر من 60% من رجال الأعمال لا يهتمون سوي بتحقيق مصالحهم الخاصة، بل إن ما لا يقل عن 50% من موظفي الحكومة لا يزالون يطبقون بإخلاص شديد وبهمة كبيرة سياسة «الدرج المفتوح» وهو ما يمثل قمة الاستهانة بالفترة الحرجة التي تعيشها مصر حاليا». وواصل «الحسين حسان»: عندما تتباري المواقع الإخبارية في نشر بيانات وأرقام مغلوطة عن شهداء الجيش في العملية التي شهدتها سيناء قبل أيام، دون أن تحاول تدقيق هذه الأرقام، واستقاء المعلومات من مصادرها الرسمية، فهذا دليل واضح علي أن الإعلام المصري والصحفى لا يدرك حجم المخاطر التي تعيشها مصر، وثم عندما يزور الرئيس عبد الفتاح السيسي زيارة جنود مصر علي خط النار،ثم يحول نخبة مصر هذا الأمر إلي معركة حول البدلة العسكرية التي ارتداها الرئيس في هذه الزيارة وما إذا كان القانون يبيح له ارتداء بدلة عسكرية، وينتهي الأمر عند هذه المعركة، فمعني ذلك أن نخبة مصر في حالة شتات غريبة، وأنها لا تدرك أن مصر في حالة حرب، والغريب أن ذات المعركة اشتعلت علي الفيس بوك وكأنها معركة المصير! وواصل: «وعندما لا نسمع صوتاً لمن يسمون أنفسهم نشطاء، حول الحرب التي تخوضها مصر الآن، فليس لهذا الصمت سوي معني واحد وهو أنهم لم يدركوا بعد أن مصر في حرب، وعندما يدير وزراء الحكومة، ما عدا الدفاع والداخلية، شئون البلاد بنفس الطرق العتيقة، والأفكار القديمة، فهذا دليل علي أن هؤلاء الوزراء لا يشعرون بأن مصر تعيش مرحلة فارقة، وأياماً تاريخية ستحدد مصر المنطقة كلها لعدة عقود». وأضاف: الجبهة الداخلية بهذا الحال تكون في كارثة، ونحن أحوج ما نكون إلي دروس في الانتماء الوطني. رب ضارة نافعة وفي ذات الاتجاه يؤكد الدكتور سعيد صادق، أستاذ الاجتماع السياسي، أن اغتيال النائب العام هشام بركات ثم الهجوم الإرهابي الضخم علي الشيخ زويد بعد ساعات قليلة من هذا الاغتيال كان له تأثير إيجابي علي الجبهة الداخلية المصرية.. ويقول «رب ضارة نافعة».. فرغم توالي العمليات الإرهابية التي استهدفت منشآت حيوية، مثل أبراج الكهرباء وقطارات السكة الحديد وغيرها،إلا أن الكثيرين كانوا يتصورون أن الأمر مجرد محاولة من جماعة إرهابية لاستعادة حكم مصر بالقوة والإرهاب، ولكن بعد اغتيال النائب العام ثم بعده بساعات وقع الهجوم الضخم علي الشيخ زويد من إرهابيين مسلحين بأسلحة متطورة، بدأ كثير من المصريين يدركون أن مصر تواجه حربا شرسة وأن هناك دولاً وأجهزة مخابرات دولية تساند الإرهابيين وأن الإرهابيين يستهدفون المجتمع كله وليس فصيلاً معيناً, وأن الإخوان وغيرهم من الإرهابيين ليسوا سوي حصان طروادة يستغلهم أعداء مصر للنيل منها، وهناك أجهزة إعلام كثيرة تعمل كبوق دعاية للإرهابيين وأكبر دليل علي ذلك قناة الجزيرة التي كانت علي علم بموعد الهجوم الإرهابي علي الشيخ زويد بدليل أنها أعدت قبل يومين من الهجوم برنامجاً خاصاً بعنوان «من يزرع الشوك في سيناء» ونوهت أنها ستبثه هذا البرنامج يوم الأربعاء وهو ذات اليوم الذي شهد الهجوم الإرهابي». وأضاف: «رغم شعور الكثيرين بخطورة المرحلة الحالية، فإن الكثيرين لا يترجمون هذا الشعور في تصرفاتهم وشئون حياتهم المختلفة وسلوكياتهم المختلفة بدليل أننا ما زلنا نغرق في مسلسلات رمضان وما زلنا نستورد بسفه ونستهلك بسفه في كل شيء». وواصل: «في وقت الحروب، لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، والمجتمع كله يضاعف من إنتاجه وينبذ خلافاته ويصطف خلف قواته المسلحة ويكون سنداً للوطن ويكون هدف الجميع تحقيق الانتصار علي أعداء الوطن، ولكن هذا لا يحدث في مصر حالياً، فما زالت الفرقة سائدة بين كثيرين من فئات الشعب , ولا زال هناك من يختلق معارك وهمية يشغل فيها المجتمع، ولا زال هناك من يهاجم الدولة لأسباب واهية بزعم الدفاع عن حقوق الإنسان، أو الدفاع عن الحريات، وإثارة مثل تلك المعارك في زمن الحروب، يشتت قوي الوطن ولا يخدم سوي أعدائه». وأكد الدكتور سعيد صادق أن كثيراً من المصريين سقطوا في فخ الدعاية السوداء والحرب النفسية التي يشنها الإرهابيون علي مصر.. وقال: «هذا السقوط بدا واضحا جدا عندما نشرت الصحف والمواقع الإخبارية أخبارا مغلوطة عن ضحايا العملية الإرهابية الأخيرة في سيناء، وكان مصدر تلك الأنباء المغلوطة الجماعات الإرهابية، وبالتالي تحول الإعلام المصري نفسه إلي بوق للجماعات الإرهابية،وللأسف هذا يتكرر في أحيان كثيرة، فبعض الصحف تطلق علي إرهابيى سيناء اسم «ولاية سيناء» وهو نفسه الاسم الذي يطلقه الإرهابيون علي أنفسهم، وهذا خطأ كبير، فعندما تستخدم نفس المصطلحات التي يستخدمها الإرهابيون فهذا يمثل نجاحاً كبيراً لهم». وانتقد الدكتور سعيد صادق عدم وجود استراتيجية متكاملة لمواجهة الإرهاب الذي يواجه مصر حالياً.. وقال: «للأسف كل وزارة تعمل بمعزل عن الأخرى، وكل جهة تواجه الإرهاب بطريقتها الخاصة، ومثل هذه الطرق تمثل تبديدا للوقت وتمنح أعداء الوطن فرصة كبيرة لتحقيق بعض النجاحات هنا أو هناك، لأن الدولة لا تعمل بطريقة «الأوركسترا» التي يعرف كل فرد فيها دورة المحدد بدقة ولهذا تكون النتائج جيدة، أما ما يجري في مصر الآن فمحصلته «نشاز» لأن كل واحد يعزف علي هواه دون التزام بخطة عامة واضحة ومحددة». وأضاف: «مصر بحاجة إلي استراتيجية متكاملة تخوض بها الحرب الحالية مع الإرهابيين وقوي الشر، وهذه الاستراتيجية يجب أن تحدد دور كل جهة في الدولة في تلك الحرب وبدون ذلك فإن جهوداً كثيرة تذهب سدي». وواصل: «عندما تعرضت أمريكا لأحداث 11 سبتمبر الشهيرة وضعت خطة من 12 صفحة رسمت فيها دور كل جهة لمواجهة الإرهاب، ومصر الآن أحوج ما تكون لوضع استراتيجية مماثلة تحدد دور الجميع في الحرب الحالية التي تخوضها البلاد». مطلوب فوراً وشدد اللواء نصر سالم الرئيس الأسبق لجهاز الاستطلاع بالقوات المسلحة علي ضرورة أن ينسي كل المصريين خلافاتهم ويصطفوا خلف الدولة المصرية.. وقال: «ليس هذا وقت الخلاف، وعلي الجميع أن يدرك أن قوي الشر تريد لمصر أن تتقاتل وتتفتت مثلما جري في العراق ومثلما يجري حاليا في سوريا، وهذا السيناريو لم ينجح في الدولتين إلا بعد بث الفرقة في صفوف أبنائها، ولهذا علينا أن ننحي خلافاتنا جانبا، مهما كان حجمها أو نوعها ونتفرغ لمواجهة قوي الشر التي تريد إفناء كل المصريين وليس جزءاً منه». وأضاف: «علي كل مصري أن يعلم أن الإرهابيين يتلقون دعماً مالياً ضخماً ودعماً معلوماتياً رهيباً وأسلحة من كل شكل ولون من أجل إسقاط مصر وجيشها، وهذا ليس كلاماً يقال، لمجرد الكلام ولكنه الحقيقة التي يجب أن ننتبه لها جميعاً». وحذر اللواء نصر سالم من التهاون في المعركة الحالية التي تخوضها مصر.. وقال: «مصر تخوض حربا خطيرة، حرباً ستحدد مصرنا، ومصير العرب جميعاً، ويقدم الجيش المصري تضحيات هائلة في تلك الحرب، ويكفي مثلا أن نشير إلي أن الجيش المصري سجل رقماً قياسياً عالمياً في مواجهته للعملية الإرهابية التي شهدتها الشيخ زويد قبل أيام، فهناك قاعدة عالمية تقول إنه في المعارك تكون نسبة الضباط الذين يسقطون إلى نسبة الجنود تعادل 1 إلي 30 أي أنه عندما يسقط 31 مقاتلاً يكون من بينهم 30 جندياً وضابطاً واحداً، ولكن جيش مصر العظيم حطم هذه القاعدة في حرب أكتوبر وكان كل 12 جندياً يستشهدون في المعركة يستشهد معهم ضابط، وقبل أيام سطر رجال القوات المسلحة رقماً قياسياً جديدا، فمن بين كل 4 شهداء سقطوا في صد الهجوم الإرهابي علي الشيخ زويد كان فيهم 3 جنود وضابط وهذا يعكس حجم التلاحم والتكاتف بين جنود وضباط القوات المسلحة». وواصل: «الجيش يقوم بدوره في الحرب علي أتم ما يكون وكذلك تفعل قوات الشرطة وبقي علي كل مصري أن يقوم بدوره في هذه الحرب بالوقوف سنداً للدولة وبزيادة الإنتاج ونبذ الخلاف وبالعمل علي مساندة الدولة بكل سبيل ممكن في حربها ضد الإرهاب».