ذات ليلة.. فوجئت باتصال تليفونى من الصديق والكاتب الصحفى محمد أمين.. وإذا به بعد وصلة هزار وسب اعتدنا عليها.. فى علاقتنا الأخوية.. فوجئت به يقول لى خد ياعم.. أهو واحد.. بيقول فيك قصايد وأشعار.. وبيقولى أنا عايز أسلم على الأستاذ.. ومنح الهاتف لشخص آخر لم يذكر لى اسمه.. وهنا فوجئت بالمتحدث يسلم على قائلاً: أهلاً يا أستاذ عصام.. أنا المستشار زكريا عبد العزيز.. فرحبت به الترحيب اللائق بمكانة الرجل.. وأثنى الرجل بكرم زائد على مقالاتى.. وأحاديثى الاعلامية فى الاذاعة والتليفزيون.. وتواعدنا على اللقاء فى أقرب فرصة. كان ذلك منذ أكثر من ثلاثة أعوام.. وللأسف حتى الآن لم أشرف بلقاء الرجل.. ولكنى مدين أمام الله ورسوله بشهادة فى حق هذا القاضى. فزكريا عبد العزيز - مع حفظ الالقاب والمقامات - قيمة قضائية معتبرة..فمن منا ينسى قيادته لتيار الاستقلال.. ونزوله على رأس كوكبة من كبار أساطين القضاء إلى الشارع حاملين أوشحتهم.. ومن قبلها حملوا أرواحهم على أكفهم.. متصدين لغطرسة وغرور الحاكم.. الذى اراد وأد الحريات.. وادخال القضاء الى بيت الطاعة الرئاسى.. ليكون مجرد غانية فى بلاط السلطان.. فصرخ رجال القضاء صرخة.. هزت عنان السماء.. وشقت سكون الكون.. وأدخلت الرعب فى قلب الحاكم وعصابته.. وكان زكريا عبد العزيز رئيس نادى القضاة وقتها.. على رأس هذه الثورة القضائية.. والتى دقت اول مسمار فى نعش النظام الحاكم..وكانت بمثابة البروفة «الجنرال».. لثورة يناير العظيمة! ومن هنا اكتسب الرجل محبة وثقة ملايين المصريين. ولذلك عندما قامت ثورة 25 يناير كان من الطبيعى ان يكون زكريا عبد العزيز فى مقدمتها.. لم لا وهو صاحب أول شرارة فيها.. وقائد لموقعة كانت أول نذرها.. إذن الرجل ليس مجرد قاضى منصة عادى.. منفصل عن مجتمعه وهموم بلده.. ولكنه قاض زعيم من أسلاف القضاة العظام امثال سعد باشا زغلول وممتاز نصار ويحيى الرفاعى.. وغيرهم.. هؤلاء القضاة الذين تعدت زعامتهم حدود المنصة التقليدية.. إلى جعل البلد كلها منصة.. وساحة نضال.. لتحقيق العدل والمساواة! زكريا عبد العزيز.. الذى سار من حلمية الزيتون إلى ميدان رمسيس.. وهو يبكى وينتحب.. لأنه فشل فى الالتحاق بالجيش لعيب فى قوة ابصاره.. ومع ذلك يهرول للتطوع بمجرد أن قام ناصر بفتح باب التطوع للمدنيين.. أثناء حرب 5 يونيو 67.. وكان يحفر الخنادق والمخابئ لرجال القوات المسلحة الشرفاء. تصوروا معى زكريا عبد العزيز.. الذى كان يحفر الأرض بالفأس.. ويحمل على ظهره «مقطف» التراب.. من أجل بلده.. هو نفس الرجل الذى تتهمه السلطة.. الآن بحرق أمن الدولة في مدينة نصر. ولم تكن هذه هى التهمة الوحيدة.. التى أصابت الرجل.. ويحال بسببها للصلاحية.. بل سبقتها مرة أخرى منذ أقل من عام.. ونجا منها بأعجوبة.. ويكاد قاضينا الجليل أن يكون القاضى الوحيد فى التاريخ المصرى الذى يحال للصلاحية مرتين فى عام واحد. أيضا اتهموه بالأخونة.. وهم يقصدون وجوده فى جماعة قضاة من أجل مصر.. والتى أعلنت فوز مرسى قبل اعلان النتيجة الرسمية.. وهم لايعلمون أن انحياز الرجل لم يكن لمرسى.. ولكنه كان ضد أحمد شفيق.. والذى كان بالنسبة لهم يمثل النظام السابق الذى ثار عليه الشعب بكل مساوئه.. تماما كما فعل الاعلامى حمدى قنديل والكثير من رموز الوطن.. ومعهم شباب الثورة.. ولم يكن هذا الموقف غريبا على وطنية زكريا عبد العزيز.. والذى كان يعتبر ابنا شرعيا لميدان التحرير وثورة 25 يناير.. بل لا أبالغ إذا قلت ان ميدان التحرير.. اختلف على كل رموز وقيادات الوطن.. ومن يكون وطنيا اليوم.. يصمونه بالخيانة غدا.. إلا زكريا عبد العزيز.. ذلك الخطيب المفوه.. الذى كانت تتفتح له القلوب قبل الآذان.. بمجرد أن تمسك يداه الميكروفون. واليوم هذا الرجل بشحمه ولحمه.. مهدد بالفصل من عمله القضائى. زكريا عبد العزيز.. قائد تيار «الاستقلال» يفصل.. ويبقى تيار «الاستغلال».. بكل جبروته وفحشه. زكريا عبد العزيز الذى قاد هو وزملاؤه النضال ضد بطش وجبروت نظام مبارك.. فى حين كان المناضلون الجدد الآن.. نائمين فى حضن السلطان.. ومتمتعين فى نعيمه.. ومنفذين لأوامره.. ورهن اشارته. قديما قالوا ان الثورات تأكل أبناءها.. ولهذا لم استغرب ما يحدث للرجل من بطش وتنكيل.. فهذا هو اختيارك يا سعادة المستشار.. ولابد أن تتحمل تبعاته.. لك الله يا مصر!