«مصر القادمة» هي الغنيمة الكبري.. هكذا يبدو المشهد السياسي بين القوي والتيارات السياسية المختلفة في معركتها الممتدة حول المبادئ الحاكمة للدستور الجديد. الصراع المحتدم بين القوي المدنية التي تري ضرورة وضع مبادئ فوق دستورية تعتبر جزءاً لا يتجزأ من الدستور والحقوق الواردة فيها غير قابلة للإلغاء أو التنازل أو التعديل أو التقييد ويحق لكل مصري التمتع بها دون أي تمييز أو تفرقة. وإزاء معركة حقيقية ومفصلية يتوقع أن تمتد أجواؤها وآثارها لحين الاستقرار علي وضع دستور جديد، ويري العديد من الخبراء وفقهاء القانون الدستوري أن مصر دخلت مرحلة التخوين بين قواها السياسية المختلفة.. والتفتيش في النوايا وهي التي توحدت لإسقاط نظام «حسني مبارك» وتفرقت إزاء كل ما جاء بعده!! ففي حين أن المبادئ فوق الدستورية أو المبادئ العلوية حسبما أطلق عليها البعض ليست لها سابقة دستورية في مصر علي امتداد تاريخها ومطعون في شرعيتها قبل وضعها لعدم معرفة من الذي سيقوم بوضعها، ومن سيلتزم بها، وما هي شرعيته؟ خصوصاً أن الدستور لا تكتبه إلا جمعية تأسيسية منتخبة علي درجتين من برلمان منتخب ثم استفتاء شعبي علي جمعية تأسيسية. وأن السابقة عليها هي الماجنا كارتا البريطانية ولائحة الحقوق المدنية في الولاياتالمتحدةالأمريكية وإعلان حقوق الإنسان والمواطن في فرنسا فإن قيام المجلس الأعلي للقوات المسلحة بالإعلان في بيانه الأخير علي لسان اللواء محسن الفنجري عن نيته إعداد وثيقة مبادئ حاكمة لاختيار الجمعية التأسيسية لإعداد دستور جديد للبلاد وإعلان د. أسامة الغزالي حرب، رئيس حزب الجبهة الديمقراطية، عن مشروع وثيقة موحدة للمبادئ الحاكمة للدستور الجديد تحت عنوان إعلان حقوق الشعب المصري بتكليف من المجلس العسكري له، قد أشعل المعركة ليكشف عن تخوفات حقيقية بين «طرف مدني» يعترف بنفوذ طاغ للإسلاميين في الشارع ويعتبر أن الانتخابات البرلمانية المقبلة، ستكون فرصته الحقيقية للخروج من «القمقم».. وتأكيد هويته الإسلامية المتشددة تجاه الأقباط والأقليات وشكل الدولة القادمة في مصر.. وطرف إسلامي يعتبر أن العلمانيين يريدون أن يقيدوا حركته فيما بعد بمبادئ حاكمة لن يستطيعوا الالتفاف عليها حتي لو أخذوا أغلبية في البرلمان القادم. لتتحول القضية من معركة حول مبادئ دستورية علوية حاكمة إلي أرضية يبدو الصدام فيها قريباً من شكل الاقتتال الداخلي كما حدث في العباسية وفي الإسكندرية وفي السويس في معارك تفرق دم ضحاياها. فإلي أين تقودنا هذه المعركة؟ وما مدي دستورية وشرعية مطالب المدنيين والإسلاميين في هذه القضية.. يري الفقيه الدستوري د. ثروت بدوي أن الدستور هو المكون لكل من السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية وسلطة رئيس الجمهورية ومن ثم فإن المنطق والعقل كانا يقتضيان القيام بوضع الدستور أولاً يحدد كيفية تكوين كل سلطة وكيفية العلاقة بين السلطات الحاكمة المختلفة.. ولكن إزاء الإصرار علي عدم البدء بإعداد دستور جديد التقت إرادة الجميع سواء إرادة المجلس العسكري أو إرادة القائلين بوضع الدستور أولاً أو القوي المختلفة بوضع مبادئ أساسية حاكمة تتصل بحقوق وحريات المواطنين ومبادئ عامة تقيد سلطات الحكام وتوضح الضمانات الأساسية التي تكفل الحفاظ علي حقوق وحريات المواطنين جميعاً علي اختلاف انتماءاتهم واتجاهاتهم لأنها مبادئ عليا تحمي الجميع ويرتضيها الجميع وسواء كانت مبادئ فوق دستورية أو تحت دستورية حسب قول الفقيه الدستوري د. ثروت بدوي فهي مبادئ عامة تقوم عليها الأنظمة الديمقراطية مهما اختلفت أشكالها مثل مبادئ الحرية والمساواة والعدالة. ويشير بدوي إلي أنه لا يفهم سر هذا الصراخ الذي تطلقه بعض التيارات وترفض وضع هذه المبادئ لافتاً إلي أنها تحاول أن تفرض بالقوة وبالوعيد والتهديد علي الشعب المصري ما يتفق وتمكينها من الاستئثار بالسلطة وحدها، مؤكداً أن هذه القوي تختفي وراء شعارات «الوصاية» وغيرها ولا تجرؤ علي الاعتراض صراحة علي مبادئ الحرية والعدالة والمساواة. مشيراً إلي أن الاعتماد علي الاستفتاء ونتيجته كلام فارغ، لأن الشعب لم يطلب منه في الاستفتاء الدستور أولاً أم الانتخابات أولاً، مؤكداً أن عدم وجود سابقة دستورية لنا في مصر يعود إلي أن النظام الديكتاتوري الاستبدادي كان يملك مقاليد الحكم طوال 60 سنة في مصر، وعلي النقيض يري القيادي الإخواني سعد خليفة، عضو لجنة الفتوي والتشريع بمجلس الشعب السابق. إنه لا يوجد شيء اسمه مبادئ فوق دستورية والدستور عبارة عن توافق مجتمعي لإدارة شئون البلاد أما مقولة مبادئ فوق دستورية فهو اختراع من أولئك الذين لم يوافقوا علي الاستفتاء علي حد قوله ويتغنون بالديمقراطية لكنهم لا يعترفون بنتائجها، مشيراً إلي أن ما يحدث هو محاولة انقضاض علي الاستفتاء ولا يوجد شيء فوق الدستور إلا القرآن الكريم، مؤكداً أن المجلس العسكري لم يعلن موافقته علي إعداد مبادئ فوق دستورية ولكن ضوابط للأفراد الذين يختارون أعضاء الجمعية التأسيسية للدستور، ويتساءل خليفة: عما إذا كانت المجموعة الموجودة في ميدان التحرير والمكونة من 2 إلي 3 آلاف شخص هي التي تعبر عن جموع الشعب المصري فإن مليونية غداً الجمعة 29 يوليو ستكون خير رد علي هؤلاء وإيضاح حجمهم! مؤكداً أن الإخوان والإسلاميين يؤمنون بالحرية والعدالة والمساواة، أما هؤلاء فإن تمسكهم بمبادئ فوق دستورية فإنهم سيذهبون بالبلد إلي غير رجعة. وفي موقف محايد بين الطرفين، يؤكد الفقيه الدستوري د. عاطف البنا رفضه وضع مبادئ عليا أو فوق دستورية لأن الدستور حسبما يعرف تضعه جمعية تأسيسية منتخبة علي درجتين، كما أنه لا يعرف من الذي يقوم بوضع هذه المبادئ فوق الدستورية، ومن الملزم بتطبيقها، وهل هم مجموعة من واضعي القوانين والمثقفين، مشيراً إلي أن التخوف من أن تأتي أغلبية برلمانية تضع الدستور كما تريد تخوف غير حقيقي لأنه لن يحصل حزب ما بمفرده أو تيار ما علي أغلبية في البرلمان. كما أن مشروع الدستور الذي ستضعه الجمعية التأسيسية سيكون محل نقاش مجتمعي علي مدي شهور وضعه وتحت أعين وسائل الإعلام والرأي العام. مؤكداً أنه ليس من حق أحد أن يضع مبادئ أو قواعد ويقول إنها تمثل الشعب المصري لأنني لا أعرف تمثيلاً للشعب المصري من غير استفتاء لجمعيته المنتخبة لوضع الدستور الجديد.