نوال سيد عبدالله عندما اختار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ولاية ألاسكا لعقد قمته مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين أمس لمناقشة الحرب فى أوكرانيا، اعتبر أنصاره أن الموقع يرمز إلى براعة الصفقات. فالولايات المتحدة اشترت هذه الأرض من روسيا عام 1867 بما يقارب سنتين للفدان. لكن استبعاد أوكرانيا من المفاوضات، تماماً كما تم تهميش السكان الأصليين فى ألاسكا حين جرى نقل أرضهم، أعاد إحياء نقاش يرى فيه بعض الباحثين أن ترامب وبوتين يتقاسمان فى جوانب عديدة ذهنية إمبراطورية، وفق ما جاء فى تحليل نشرته صحيفة نيويورك تايمز أمس. هذا المصطلح كان قد شاع أول مرة بفضل المؤرخ الأمريكى الأرمنى جيرارد ليباريديان، الذى استخدمه فى خطاب عام 2014 فى إنجلترا للإشارة إلى إمبراطوريات سابقة مثل إيران وتركيا وروسيا، وهى تحاول التأثير فى الدول التى كانت تحت سيطرتها فى الحقبة السوفييتية. وفق رؤيته، يصف هذا المصطلح عقلاً سياسياً يربط بين حنين ساذج إلى العظمة المفقودة وبين إيمان راسخ بحق السيطرة على الشعوب الصغيرة والجيران الأضعف. اقرأ أيضًا | أوكرانيا.. الضمانات الأمنية «كلمة السر» ورغم تناقضاته، حيث أدان مراراً التدخلات الخارجية و»الحروب الغبية»، بينما فى الوقت نفسه قصف إيران وأبدى فتوراً تجاه التحالفات الأمريكية والدفاع عن ديمقراطيات مهددة مثل تايوان، إلا أن حديثه عن «تبادل أراضٍ» لإنهاء الحرب فى أوكرانيا رغم اعتراض كييف يعكس بوضوح سلوكاً إمبراطورياً، أو على الأقل نسخة جديدة من تصرفات القوى العظمى. يقول المؤرخ دانييل إيمرفاهر من جامعة نورث وسترن: «لقد كان هناك معيار قوى لزمن طويل بأن الدول لا تحل خلافاتها عبر الضم، وبوتين يتحدى هذا بشكل صريح. وترامب يبدو مرتاحاً جداً للعودة إلى القواعد القديمة». ولا تقتصر الذهنية الإمبراطورية، بالطبع، على العقارات أو الحدود، بل هى إطار ذهنى للسياسة وإسقاط القوة. إنها منظومة اعتقادية ذات قائمة طويلة من الممارسات. ويرى مؤرخون ودبلوماسيون أن قمة ألاسكا قد شرعت بالفعل ثلاثة أفكار إمبراطورية اعتقد طويلاً أنها طويت: أولا: المركز مقابل الأطراف.. وصفت القمة بأنها مغلقة بين زعيمين فقط: لم تدع أوكرانيا ولا القادة الأوروبيون. هذا الاستبعاد أشعل أسبوعاً من الدبلوماسية المحمومة، مع وعود من ترامب بأنه سيستمع أكثر مما سيقرر. لكن الاجتماع الثنائى بقى كما هو. الاتحاد الأوروبى تراجع إلى مرتبة ثانوية، فيما يخشى كثيرون تكرار سيناريو يالطا عام 1945 عندما قسمت القوى العظمى أوروبا بعد هزيمة ألمانيا النازية دون إشراك الدول الأكثر تضرراً. بولندا نفسها كانت قد تعرضت للتقسيم ثلاث مرات بين 1772 و1795 على يد روسيا والنمسا. ثانيا: التفوق وتمجيد الذات.. منذ الحملات الصليبية وحتى الأباطرة الآسيويين، ارتبطت الذهنية الإمبراطورية دائماً بالإيمان بالتفوق الثقافى وأحياناً العرقي. قدم القادة الإمبراطوريون أنفسهم كمخلصين أو حماة للقيم، وفى الوقت نفسه كرموز فوق بشرية تمثل مجد الأمة. وشبه بوتين نفسه مراراً بالقيصر بطرس الأكبر، وروج لفكرة «الإمبريالية الرسالية» التى ترى فى أوكرانيا وغيرها أجزاء طبيعية من «روسيا الكبرى. أما ترامب، فمع أنه ركز أكثر على الداخل، إلا أنه شجع الخلط بين الوطنية وشخصه. من بيع العملات التذكارية بوجهه، إلى حفل تنصيبه الثانى الذى شبهه البعض بعودة ملك، وحتى العرض العسكرى الضخم فى عيد ميلاده ال79 الذى اعتبره كثيرون استعراضاً لتمجيد الذات أكثر من كونه احتفالاً بجيش البلاد. ثالثًا: الاقتصاد كأداة إمبراطورية.. لطالما ارتبطت التجارة بالإمبراطوريات: من شركة الهندالشرقية البريطانية إلى تدخلات واشنطن فى أمريكا اللاتينية لحماية شركاتها الكبرى مثل «يونايتد فروت».