انقسام وطني جديد حول وثيقة المبادئ فوق الدستورية التي وضعها الدكتور أسامة الغزالي حرب بتكليف من المجلس العسكري ..الانقسام جاء هذه المرة متساويا بين القانونيين الكبار والإسلاميين من جانب وبين ثوار الميدان والقوي الليبرالية من جانب آخر. لا أحد يعرف كيف يمكن علاج هذا الانقسام ..حتي المجلس العسكري لايمكنه ولا يستطيع في ظل حالة الغضب من أدائه أن يجمع الفرقاء علي وثيقة مبادئ مجمعة يتفق عليها المصريون. لكن هل تحتاج مصر الي وثيقة مبادئ فوق دستورية تضمن حقوق المواطن بشكل لا يمكن التلاعب فيه؟.. الحاصل أن غالبية الدول الكبري في العالم وضعت هذه المبادئ ضمن وثيقة فوق دستورية وحصنتها من التغيير في أي وقت لأن الدساتير يمكن تغييرها لكن المبادئ التي تتفق الأمة عليها لايمكن تغييرها مثل وثيقة الماجنا كارتا البريطانية، ولائحة الحقوق المدنية في الولاياتالمتحدة، وإعلان حقوق الإنسان والمواطن في فرنسا، وإعلان الحقوق الخالدة في ألمانيا أما باقي دول العالم فتتضمن دساتيرها هذه المواد إذا كانت دساتيرها غير قابلة للتعديل. لكن الخلاف هذه المرة علي وثيقة الدكتور الغزالي جمعت فرقاء عديدين بينهم الإسلامي والقومي وإن كانت قد حصلت علي تأييد الليبراليين. ولأن الخلاف تزايد لأن الإسلاميين قالوا إن الوثيقة لم تتضمن أن الدولة مدنية ذات مرجعية إسلامية حسبما يرون رفضوا الوثيقة مثلما رفضوا اجتهادات سابقة قدمها عدد من المفكرين لأنها لم تتضمن ما يريدون. وكشف الدكتور ممدوح حمزة المتحدث الرسمي باسم المجلس الوطني، أن اختيار الغزالي حرب لوضع الوثيقة لا خلاف عليه، وأنه سيتم أخذ وثيقة المجلس الوطني كأساس يتم البناء عليه ضمن وثائق أخري، خاصة أن وثيقة المجلس حصلت علي توافق 2700 شخصية سياسية وأعدها 40 قانونياً، بالإضافة إلي قراءة الوثائق التي تقدمت بها بعض القوي السياسية، منها الوثيقة التي قدمها البرادعي والوثيقة التي قدمها الأزهر، مع حق الغزالي في طرح تعديلات ومواد جديدة تضمن كافة حقوق المصريين. وتتضمن الوثيقة التي وضعت تحت عنوان "إعلان حقوق الشعب المصري"، مقدمة و12 بندا، وأنها جزء لا يتجزأ من الدستور، والحقوق الواردة فيها غير قابلة للإلغاء أو التنازل أو التعديل أو التقييد، ويحق لكل مصري التمتع بها دون أي تمييز أو تفرقة، ويشكل انتهاك أي من هذه الحقوق أو التحريض علي انتهاك أي من هذه الحقوق جريمة ضد الدستور، سواء تم هذا الانتهاك بخرق القانون أوالدستور أو بتغيير أو محاولة تغيير أي منهما، ويحق لكل مصري دون تمييز اللجوء إلي القضاء لوقف مثل هذا الانتهاك أو التحريض علي مثل هذا الانتهاك ومعاقبة مرتكبيه.وتنص الوثيقة علي أن المصريين جميعا مواطنون أحرار، متساوون في الحقوق والواجبات والحريات أمام القانون والدستور، دون تمييز بسبب الدين أو الجنس أو الانتماء الإقليمي أو الطبقي أو الاجتماعي أو أي سبب آخر، وكرامة الإنسان المصري غير قابلة للانتهاك، والحفاظ عليها مسئولية سلطات الدولة، وحرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي حق لكل مصري، علي أن يمارس هذا الحق دون الإخلال بحقوق الغير، وحرية العقيدة مكفولة، ولكل مواطن الحق في اعتناق العقائد والمذاهب وحرية ممارسة الشعائر الدينية، علي أن تمارس هذه الحقوق دون الإخلال بحقوق الغير". وتقضي بأن لكل مصري الحق في حرية الإقامة والتنقل، ولا يجوز القبض علي أي مواطن أو احتجازه بدون سند من القانون أو تعسفاً، وكل متهم بجريمة يعتبر بريئاً إلي أن تثبت إدانته قانوناً بمحاكمة علنية أمام قاضيه الطبيعي، تؤمن له فيها كافة الضمانات الضرورية للدفاع عن نفسه.وتقر الحق لكل مصري حق التملك بمفرده أو بالاشتراك مع غيره، ولا يجوز تجريد أحد من ملكه بدون سند من القانون أو تعسفاً، والحق في العمل مكفول، وتلتزم الدولة ببذل أقصي جهد ممكن لتوفير العمل لكل مصري بشروط عادلة دون تمييز، وبأجر يكفل له ولأسرته عيشة لائقة بكرامة الإنسان، وبالعمل علي حمايته من البطالة. ولكل مصري الحق في إنشاء والانضمام إلي نقابات حماية لمصالحه وحقوقه". وتؤكد علي أن الحقوق الاجتماعية مكفولة، وتلتزم الدولة ببذل أقصي جهد ممكن لتكفل لكل مصري مستوي من المعيشة يوفر الصحة والرفاهية له ولأسرته، ويتضمن ذلك التغذية والمسكن والعناية الصحية وتأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والشيخوخة وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن إرادته، ولكل مصري الحق في التعلم، وتلتزم الدولة أن يكون التعليم في مؤسساتها التعليمية في مراحله الأولي والأساسية علي الأقل بالمجان، وأن يكون التعليم الأولي إلزامياً، وأن يكون القبول للتعليم العالي علي قدم المساواة التامة للجميع وعلي أساس الكفاءة وبصرف النظر عن القدرة المالية.كما تؤكد علي أن لكل مواطن الحق في المشاركة في الحياة الثقافية بتنوعاتها المختلفة، ويتضمن ذلك الحق في حرية الاختيار وحرية التعبير في الحياة العامة أو الخاصة وحرية ممارسة الأنشطة الثقافية وإنتاج الخدمات الثقافية ونشرها وحرية تنمية المعارف والبحث عن المعلومات وتلقيها ونشرها والاستفادة من وسائل الإعلام والاتصال المختلفة، ولكل مصري الحق في التمتع بحرمة حياته الخاصة، بما يشمل حياة أسرته ومسكنه ومراسلاته وشرفه وسمعته، وأن يخضع لقانون الأحوال الشخصية الذي يتفق ومعتقداته دون الإضرار بحقوق الآخرين، ولكل شخص الحق في حماية القانون لهذه الحرمات. ويعلق الفقية الدستوري الدكتور إبراهيم درويش علي الوثيقة بقوله إنه لايوجد مايسمي بالمبادئ فوق الدستورية معتبراً أنها نوع من العبث والالتفاف حول مشروع الدستور لافتاً أن الحالة الوحيدة التي طبقت فيها هذه الفكرة كانت في تركيا عام 1982 ووضع العسكر هذه الوثيقة لضمان تدخلهم في السياسية وحماية النظام، مؤكداً أنه لابديل عن وضع الدستور قبل إجراء الانتخابات. اما الدكتور محمود غزلان المتحدث الإعلامي باسم جماعة "الإخوان المسلمين" فيري أن شعار "مدنية الدولة" مجرد كلمه يتخفي وراءها العلمانيون قاصدين منها تحويل مصر لدولة علمانية علي حد قوله ويخافون من قول ذلك صراحة حتي لايقابلوا برفض شعبي مؤكدا أن وزن المطالبين بمدنية الدولة منعدم علي أرض الواقع، مقارنة بالقطاع الأكبر من المصريين المؤمن بالمرجعية الإسلامية للدولة. وفتح المتحدث باسم "الإخوان" الباب أمام إمكانية التعاون بين جماعته والقوي الإسلامية الأخري في مصر، مؤكدًا أن "الإخوان" يفتحون أذرعهم للجميع ودون استثناء للحوار والنقاش في مختلف القضايا، ومن بينها البحث في إمكانية التنسيق المشترك، لمواجهة محاولات "علمنة الدولة"، والتصدي لهذه الدعوات التي تطل برأسها من وقت لآخر. ومن جانبه أيد سامح عاشور رئيس الحزب الناصري خطوة المجلس العسكري لاختيار أفضل المبادئ في هذه الوثائق، لتكون معبرة عن كافة الفصائل والقوي، موضحا أنهم يفضلون وثيقة المجلس الوطني . وأشار عبد الغفار شكر، إلي أن كافة القوي السياسية كانت تطالب بوضع المبادئ الحاكمة للدستور لإزالة المخاوف من سيطرة تيار واحد علي مجلس الشعب المقبل، مع توضيح طبيعة الدولة وهوية المجتمع وعلاقة مؤسسات الدولة ببعضها وعلاقتها بالمواطنين، ليعبر الدستور الجديد عن كافة التيارات والقوي الوطنية ويضمن المساواة بين الجميع، وأن تكون الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع مع إضافة تمتع غير المسلمين بشرائعهم في أحوالهم الشخصية، وحرية العقيدة والعبادة والحريات العامة. ويؤكد الدكتور عماد جاد الخبير بمركز الدراسات السياسية بالأهرام قال إن الوثيقة التي شارك في إعدادها دكتور محمد نور فرحات ودكتور أسامة الغزالي حرب بتكليف من المجلس العسكري مفيدة جداً لأنها جمعت القواسم العامة لكل الوثائق المقدمة من القوي السياسية المختلفة في مبادئ رئيسية حاكمة تكون جزءا من الدستور المصري، لافتا إلي أنها تساعدنا للانتقال لمرحلة تالية تنهي جدل الانتخابات أم الدستور أولا لو تم اعتمادها كجزء من إعلان دستوري بحيث تمثل الضمانة الكافية لكل القوي السياسية. واتفق معه المستشار زكريا عبد العزيز- رئيس نادي القضاة الأسبق - في ضرورة أن تتم عملية توحيد الوثائق علي يد فقهاء دستوريين لا يكون لهم انتماءات سياسية أو حزبية معترضا علي أن يكلف دكتور أسامة الغزالي وحده بهذه المهمة، والأهم - بحسب عبد العزيز - هو الاتفاق علي المواد محل الجدل وليس المتفق عليها من الجميع كإلغاء مجلس الشوري أو الإبقاء عليه، العمل بالنظام البرلماني أو الرئاسي أم الجمع بينهما، تحديد سلطات رئيس الجمهورية والفصل في تعيين نائب رئيس أو ترشيحه مع الرئيس مقترحاً عرض هذه المواد علي الشعب في استفتاء قبل إجراء الانتخابات يصوت فيه علي كل مادة علي حدة، مؤكدا أن ذلك لن يستغرق أكثر من شهر ولن يؤخر إجراء الانتخابات البرلمانية. أما عبدالجواد أحمد - المحامي بالنقض ومدير المركز العربي للمحاكمة العادلة وحقوق الإنسان فيري أنه في حال توافق كل القوي الوطنية علي هذه الوثيقة فإنها ستلبي احتياجات الشعب المصري وخاصة الثوار المطالبين بمبادئ حاكمة للدستور قبل الانتخابات البرلمانية تنهي مشكلة الدستور أولا أم الانتخابات أولا ويحدث نوع من الاطمئنان للشعب بألا يحتكر فصيل واحد سلطة وضع الدستور مؤكدا أن القوي الوطنية متوافقة علي هذه المباديء إلا أن هناك بعض المعارضين لها مثل جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين والجماعات الإسلامية الذين يحاولون إعاقة هذا التوافق علي إيجاد مبادئ فوق دستورية قبل الانتخابات البرلمانية. وأضاف عبدالجواد أنه علي المجلس العسكري أن يجعل القوي الوطنية تقدم له أوراق عن مبادئ استقلالية القضاء والإعلام والداخلية مشيرا إلي أن تكليفات المجلس العسكري في الفترة الأخيرة كانت تضر المجتمع ولم تفده.