اهتم المسرح منذ نشأته بنقل الخبرات الإنسانية والقيم الثقافية والمعارف والإرشادات الأخلاقية والسياسية والاتجاهات، وجعلها هدفا أساسياً له في تثقيف وتنوير الشعوب، فالكتاب المسرحيون منذ «سوفو كليس» وحتي «بريخت» وإلي الآن استخدموا تلك القدرات التي يمتلكها المسرح في تحقيق التواصل الإنساني. كما أن المسرح الإغريقي كان له دور علاجي، تماما كالمستشفي والمعبد والملاعب، حيث كان يُطلب من المريض أن يشاهد عرضا مسرحيا كجزء من العلاج. لا يقتصر دور المسرح علي مخاطبة الكبار، إذ شهد الواقع المسرحي اعتبار الطفل كمشاهد محور العملية التعليمية وهو المبدأ الفلسفي الذي نادي به «جان جاك روسو» حيث قال.. لا يجب أن نعامل الطفل بوصفه كائنا صغيراً، بل يجب أن نفهم احتياجاته واهتماماته، وبالتالي ننطلق من هذه الاحتياجات والاهتمامات التعليمية، باعتبار أن الطفل هو محور العملية التعليمية، وهذا يؤكد أن مسرحة المناهج تعد جزءا مهما من الفلسفة التربوية العامة. ولا شك أن المسرح يساعد المشاهد علي استكشاف العالم من حوله وتعديل سلوكه، وهو ما أشار إليه «أرسطو» من خلال مشاهدة المسرحيات التراجيدية يندمج المشاهد في الأحداث والانفعالات مما يشعره بالرضا وإزاحة التوتر». هذه الخواطر والمخزون الثقافي بالذاكرة حول المسرح وأهميته، ربما راودت الفنان فتوح أحمد فور توليه رئاسة البيت الفني للمسرح وسط هذه الظروف الصعبة غير المسبوقة وهذا الزخم من الأحداث - ليحدث نقلة نوعية في تاريخ المسرح المصري عبر تاريخه الطويل، فتبني مبادرة «المسرح المصري لكل مصري» في محاولة جادة لإعادة الجماهير إلي المسارح، مؤكداً أن المسرح نافذة ثقافية ورئة حضارية. تقوم المبادرة وهذا ليس إعلانا - علي فكرة دعم الخدمة المسرحية من جانب الدولة والذي لا يقل عن دعم رغيف الخبز، ليحصل المواطن علي حقه الفني والثقافي، نظير مبلغ زهيد لا يتعدي الخمسين جنيها، لمشاهدة العروض المسرحية من خلال سبعة عشر مسرحا بالقاهرة والإسكندرية والمنصورة، لمدة عام كامل. من المؤكد ان مبادرة المسرح المصري لكل مصري ترسخ للعديد من القيم في مقدمتها: رغم ما تعانيه مصر حاليا: هناك عين علي الحاضر وأخري علي المستقبل، إلي جانب المساهمة في حل بعض المشكلات الاقتصادية، والرقي بأذواق الجماهير عامة والنشء خاصة باعتبارهم أعمدة المستقبل وهذا سر تخفيض قيمة الاشتراك إلي عشرين جنيها للأطفال. الكرة الآن في ملعب المواطنة، فمع الاستقرار الأمني والسياسي، وفي ظل مواجهة ارتفاع أسعار دخول المسارح، عليه أن يحمي حقه الدستوري في الدعم الثقافي، وفي المقابل علي الفنان فتوح أحمد أن يعلن قريبا عن مبادرة «المسرح المدرسي وبناء المواطن» من خلال توظيف طاقات البيت الفني للمسرح في خدمة الطلاب واستثمار طاقاتهم الفنية، خاصة أن المسرح المدرسي في مصر الآن في حالة يرثي لها، لا طعم ولا لون ولا رائحة، بعد أن كان في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي مركزا للإشعاع الثقافي ومعملا لتفريخ النجوم. وأخيراً.. أتذكر ما قاله الدكتور رشاد رشدي في إهدائه لمسرحية اتفرج يا سلام «من واجب كتاب المسرح عندنا أن يعاونوا هذا الشعب العظيم علي التخلص من القيم الفاسدة التي ترسبت في أعماقه علي مر السنين، وأن يذكروه بكل ما هو مجيد في ماضيه لكي يكون هذا حافزا له علي دوام التقدم. فليس من الفنون ما هو ألصق بالمجتمع من المسرح يستمد كيانه من الشعب لكي يخاطب الشعب». أعان الله فتوح أحمد ورفاقه.