مع استقراره عالميًا.. تعرف على أسعار الذهب اليوم في مصر    رئيس هيئة الرعاية الصحية: سنناقش مع المستشفيات الجامعية الاستفادة من المشروعات اليابانية القادمة    الجزار يوجه بعدم التهاون مع المقاولين في معدلات التنفيذ وجودة تشطيبات وحدات سكن لكل المصريين    الأحد 12 مايو 2024.. البنك المركزي يطرح أذون خزانة ب 60 مليار جنيه    تبكير مواعيد مرتبات صرف يونيو للعاملين بالدولة بمناسبة إغلاق السنة المالية وعيد الأضحى    إذاعة الاحتلال: إصابة نائب مراقب المنظومة الدفاعية    بركات: الزمالك يستطيع التتويج بكأس الكونفدرالية    غرفة العمليات الرئيسية بتعليم الوادي الجديد تواصل متابعة سير امتحانات النقل    «الإفتاء» تستعد لإعلان موعد عيد الأضحى 2024 ووقفة عرفات قريبا    السيطرة على حريق شب بسوق السد العالي في البساتين    إصابة 4 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بمنطقة البدرشين    مواعيد القطارات من القاهرة إلى الإسكندرية واسعار التذاكر اليوم الأحد 12/5/2024    السيسي: لدينا خطة كبيرة لتطوير مساجد آل البيت والصحابة    إيرادات فيلم السرب تتخطى 23 مليون جنيه و«شقو» يقترب من 68 مليون جنيه    «السياحة» تفتح المتاحف مجانا أمام الزوار في اليوم العالمي للمتاحف    محافظ القليوبية ورئيس جامعة بنها يشهدان توقيع بروتوكول تعاون بين الجامعة ومديرية الشباب    أبو مسلم: العلاقة بين كولر وبيرسي تاو وصلت لطريق مسدود    وزير الأوقاف يوجه الشكر للرئيس السيسي لافتتاحه مسجد السيدة زينب    رئيس الوزراء: الدولة تستهدف مشاركة القطاع الخاص بنسبة 65% السنوات المقبلة    يؤديها 35 ألف طالبًا وطالبة.. انتظام امتحانات نهاية العام بالوادي الجديد (صور)    كاميرون: يجب تنفيذ وقف مؤقت للقتال في غزة    إجلاء أكثر من أربعة آلاف شخص من منطقة خاركيف الأوكرانية    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل سائق «التوكتوك» وسرقته بالفيوم    نقل 11 مصابا في حادث سير لمستشفى ديرب نجم    صحيفة بحرينية: نأمل أن تكون المنامة نقطة انطلاق جديدة للعمل العربي المشترك    20 صورة ساحرة.. ماذا فعلت العاصفة الشمسية في الأرض؟    «صناعه الشيوخ» تناقش تطوير المنطقة الصناعية بعرب أبو ساعد بالجيزة    أسامة كمال عن أزمة تصوير الجنازات: هل المواطن يستمتع ب مشاهدة الصراخ والبكاء؟ أين حُرمة المتوفي واللحظة؟    حكم أخذ قرض لشراء سيارة؟.. أمين الفتوى يوضح    تأهل 4 لاعبين مصريين للجولة الثالثة من بطولة العالم للإسكواش    حارس باريس سان جيرمان يعلن الرحيل رسميًا    تفاصيل مصرع ربة منزل وطفلتها في انقلاب موتوسيكل بترعة بأطفيح    مصر لديها أكبر عدد للواعظات فى العالم بواقع 691 واعظة .. الوعظ النسائى قصص وحكايات ترويها واعظات الأوقاف    الدفاعات الأوكرانية تدمر خمس طائرات استطلاع روسية في خيرسون وميكوليف    الرئيس الأمريكي يعزي البرازيل في ضحايا الفيضانات    وزير التعليم العالي : 7 مستشفيات تابعة للجامعات الخاصة في مرحلة متقدمة من الإنشاء والتجهيز    حظك اليوم وتوقعات الأبراج 12 مايو 2024: مشاكل ل«الثور» ومكاسب مالية ل«الحوت»    أسعار السلع التموينية اليوم الأحد 12-5-2024 في محافظة قنا    خريطة دينية للارتقاء بحياة المواطن التربية على حب الغير أول مبادئ إعداد الأسرة اجتماعيا "2"    المالية: تبكير مواعيد صرف مرتبات يونيه للعاملين بالدولة    «صحة مطروح» تطلق قافلة طبية مجانية بقرية زاوية العوامة بالضبعة.. غدًا    اليوم .. وزارة الداخلية تُعلن شروط قبول الدفعة العاشرة من معاوني الأمن (تفاصيل)    ترتيب الدوري السعودي الإلكتروني للعبة ببجي موبايل    اليوم.. «تضامن النواب» تناقش موازنة المركز القومي للبحوث الجنائية    السيسي: أهل البيت عندما بحثوا عن أمان ومكان للاستقرار كانت وجهتهم مصر (فيديو)    أخبار مصر: رد إسلام بحيري على محمد حسان وعلاء مبارك، نجاة فتاة بأعجوبة من حريق بالأميرية، قصة موقع يطارد مصرية بسبب غزة    الرئيس السيسى من مسجد السيدة زينب: ربنا أكرم مصر بأن تكون الأمان لآل بيت النبى    إسلام بحيري يرد على سبب تسميه مركز "تكوين الفكر العربي" ومطالب إغلاقه    رئيس جامعة حلوان يفتتح معرض "الإبداع في التصميم التنفيذي للمنشآت الخشبية الخفيفة"    مش هروحه تاني، باسم سمرة يروي قصة طريفة حدثت له بمهرجان شهير بالسويد (فيديو)    ما حكم الحج عن المتوفى إذا كان مال تركته لا يكفي؟.. دار الإفتاء تجيب    وزير الرياضة يفتتح أعمال تطوير المدينة الشبابية الدولية بالأقصر    ما التحديات والخطورة من زيادة الوزن والسمنة؟    علي الدين هلال: المصلحة الوطنية لكل دولة عربية الحفاظ على استقرار المنطقة    عمرو أديب ل إسلام بحيري: الناس تثق في كلام إبراهيم عيسى أم محمد حسان؟    الصحة تعلق على قرار أسترازينيكا بسحب لقاحاتها من مصر    ملف رياضة مصراوي.. مذكرة احتجاج الأهلي.. تصريحات مدرب الزمالك.. وفوز الأحمر المثير    يا مرحب بالعيد.. كم يوم باقي على عيد الاضحى 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علي الراعي.. أرسطو المسرح العربي
نشر في القاهرة يوم 02 - 02 - 2010

عندما كتب أرسطو كتابه «فن الشعر» وقام بتقسيم الجنس الشعري إلي أنواع أساسها الشعر الملحمي والتراجيدي والكوميدي والديثرامبي، وأرجعها رغم اختلافها إلي نظرية المحاكاة، فإنه حينما تناول نشأة التراجيديا والكوميديا رأي أنها ترجع إلي فنون الارتجال، منها مرتجلات قادة جوقات الأناشيد الديثرامبية القديمة ومرتجلات قادة الأغنيات والرقصات التي كانت تؤدي في احتفالات عيد الإله ديونيزيوس، ولا شك أن المحاولات التراجيدية الأولي كانت بسيطة وبدائية غير أن تجارب الشعراء وتحسيناتهم المتتالية كانت عوامل فعالة أفضت إلي تطوير التراجيديا والكوميديا وإيصالها إلي صيغتها الصحيحة الحالية. من هنا نستطيع أن نقول إن الدكتور علي الراعي رأي فيما قاله أرسطو عن أصول فنون الارتجال التي أفضت إلي الفنون الدرامية التراجيدية والكوميدية مدخله إلي دراسة الدراما المسرحية في عالمنا العربي وكأنه بالفعل يقوم بنفس الدور الذي قام به أرسطو في العصر الإغريقي أو بمعني أصح إن علي الراعي كان بمثابة أرسطو المسرح العربي في وقتنا الحاضر، فكيف كان ذلك؟
النواة الأولي
لقد كانت الأغنيات والاستعراضات الجماعية والمهرجانات الشتوية للإله ديونيزيوس هي النواة الأولي للشعر الدرامي حيث كانت تمتزج الأغاني والرقصات ببعض الأقوال والنكات والتعليقات التي يرتجلها قائد الموكب لتسلية المشاهدين سواء في هيئة مونولوج بمفرده أو ديالوج مع بعض المغنين من صحبته، ومن هذا الخليط والارتجال نشأ فن الكوميديا، كذلك الحال في التراجيديا التي نشأت في مهرجانات ديونيزيوس الربيعية والتي كانت تعبر عن أسطورة هذا الإله في أسلوب غنائي وبوسائل التنكر أو المحاكاة بالكلمة والحركة في هيئة ساتيرية بملابس الماعز أو الأقنعة إلي أن جاء «آريون» الذي يعد أشهر عازف للمزمار في زمانه وأدخل أجزاء حوارية ارتجالية وأحاديث متبادلة بين الحين والآخر أثناء الغناء والاستعراض، ثم كان يصعد فوق منصة كانت البداية الأولي لخشبة المسرح وبتبادل الحوار مع بقية أفراد الجوقة وبذلك كانت هذه الأحاديث المتبادلة بذرة التراجيديا كما يقول أرسطو إلي أن جاء «ثيسبيس» وأدخل الممثل لأول مرة في مقابل المغني أو الراقص أو قائد الجوقة ثم جاء من بعده كتاب الإغريق المعروفين وأضافوا الممثل الثاني ثم الثالث وهكذا نشأ الحوار المسرحي.
الناقد الأول
من هنا نستطيع أن نقول إن أرسطو هو أول ناقد أدبي وفني يرصد تطور التجربة المسرحية الإغريقية منذ نشأتها في إطار الارتجال حتي اكتمالها في إطار التراجيديا والكوميديا. هذا هو ما فعله أرسطو بعبقريته الفذة في عصره حين كتب كتابه عن «فن الشعر» الذي حفظ به التجربة الدرامية الإغريقية وأصل لها ووضع القواعد النقدية التي مازلنا نعيش عليها حتي الآن. تري ما الذي فعله علي الراعي مع التجربة الدرامية المصرية والعربية وجعلنا نصفه بأنه أرسطو المسرح العربي المعاصر؟
المسرح الارتجالي
لعله من سوء حظنا نحن المثقفين العرب أننا مررنا علي الظاهرة المسرحية في تاريخنا العربي مرور الكرام دون أن تستوقفنا بذورها الجنينية التي كانت تظهر بين آن وآخر ودون أن نلتفت إليها، مثلما اهتم بها المثقفون الإغريق، كانت هناك أيضًا ظواهر مسرحية ارتجالية في عصورنا العربية المختلفة، ولكن الفارق بين الظاهرتين، أن الظاهرة المسرحية الإغريقية توفر لها الكثير من الاهتمام والرعاية علي المستوي الرسمي والمستوي الشعبي، حيث كانت السلطات الحاكمة في بلاد الإغريق تهتم بمثل هذه الظواهر الاحتفالية وتشجعها وترعاها وتغدق عليها الكثير، كما أن النخبة المثقفة من المجتمع الإغريقي كان لديه الاهتمام بها والتحمس للمشاركة فيها وتدعيمها بالخلق والإبداع وكان الشعراء والفلاسفة والمفكرون يشاركون فيها ويحتفون بها ويتحمسون لها بينما نحن للأسف الشديد، كانت السلطات الحاكمة لدينا تخشي من هذه الظواهر الاحتفالية التي تحتشد فيها الجماهير مما يسبب لها الذعر والتوجس من أن تتحول هذه الجماهير إلي ثورة أو فتنة خصوصًا أنها سلطات تتسم بالديكتاتورية والحكم الأوتوقراطي والثيوقراطي، ولهذا فإنها كانت تحتفي فقط بفنون القول لا فنون العرض، لأن فنون القول فنون فردية تتم في الحجرات المغلقة التي يمكن السيطرة عليها سواء في ديوان الحكم أو مجلس الشراب حيث الجواري والقيان والاكتفاء بقصائد المديح والهجاء والفخر والرثاء والحصول علي منح من صرر الدراهم والدنانير. لقد كانت هناك فرصة ذهبية لحكامنا في الأندلس لكي يطلعوا علي فنون العرض المسرحية في أوروبا، فإن حكمهم الذي قارب الثمانمائة عام أليس غريبًا أن يتجاهل الحكام العرب في الأندلس الظاهرة المسرحية الأوروبية ولا يذكرونها هذه المدة الطويلة دون أن يفكر أحد منهم في شأنها، بل والغريب أن النخبة المثقفة من الشعراء والمفكرين والفلاسفة والمؤرخين العرب لم يفكروا مجرد التفكير أو مجرد الحديث عن هذه الظاهرة المسرحية وكأنها رجس من عمل الشيطان. كما أننا لنعجب أن تظهر ظاهرة فن خيال الظل في بغداد ثم في القاهرة علي يد ابن دانيال ولا تهتم بها السلطات الحاكمة إلا في أضيق الحدود، بل إن الحكام المماليك توجسوا منها خيفة وأمروا بإغلاقها وتحريمها. أيضًا فإن النخبة المثقفة ومن بينهم الشعراء لم يلتفتوا إلي أهمية هذه الظاهرة.
تطورات الظاهرة
وقد كان من الممكن لو أنهم اهتموا بها لتطورت الظاهرة علي أيديهم تطورًا طبيعيا يؤدي في النهاية إلي ظهور فن الشعر المسرحي العربي خصوصًا أن فن خيال الظل كان يعتبر من ضمن فنون الشعر، فقد كان ابن دانيال شاعرًا وله دواوين شعرية لو أن زملاءه من الشعراء تنبهوا له لكان لفن خيال الظل شأن كبير.
أنه لما يؤسف له حقًا أن فيلسوفًا ومفكرًا كبيرًا مثل أرسطو يهتم بفنون المسرح الشعبية منظرًا ومؤصلاً وناقدًا بينما لا نجد لدينا شاعرًا أو ناقدًا أو حتي متذوقًا يهتم بفن خيال الظل، بل وينظر إليه نظرة احتقار وازدراء، وكأنه فن لا يليق بشاعر أو أديب، أو باعتباره من فنون العامة والدهماء.
أخطاء النخبة
من هنا أخذ الدكتور علي الراعي علي عاتقه مهمة التكفير عن أخطاء اقترفتها النخبة العربية المثقفة علي مدي التاريخ العربي كله ضد فنون العرض الشعبية التي تعالت عليها وتجنبت الخوض فيها والحديث عنها. وكما فعل أرسطو في كتابه فن الشعر حين بحث في الظاهرة المسرحية من بدايتها في صورتها الارتجالية حتي اكتملت في صورتها المعروفة لدينا، فإن علي الراعي أخذ هو الآخر يبدأ من نفس البداية وكتب ثلاثيته المهمة عن المسرح «مسرح الشعب» والغريب أن نخبة من المثقفين وقفوا نفس الموقف المتعالي الذي وقفه نخبة المثقفين العرب قديمًا، وكان منهم لويس عوض وتوفيق الحكيم ونعمان عاشور، ولم يتفهموا الهدف الذي كان يسعي إليه وهو التأصيل للظاهرة المسرحية الشعبية.
انعزال الكتاب
يقول علي الراعي في مقدمته «لا شيء يبرر انعزال الكتاب عن كوميديا الشعب- ومن ثم عن الشعب نفسه- سوي عدم معرفتهم بالتراث الكبير الذي تجمع للشعب في هذا المجال الفتان، ومن ثم أخذت علي عاتقي هذه المهمة الثقيلة- مهمة أن أصل ما بين الكتاب المثقفين وبين تراث الناس في المسرح بأمل أن يتبينوا- كما أتبين أنا- أنه لا مستقبل حقيقي لكوميدياتهم ما لم تتصل أسبابها بفن الكوميديا الشعبية- نأخذ منه- ونصحح فيه ونعلم ونتعلم.
الكوميديا المرتجلة
بدأ علي الراعي ثلاثيته بكتاب «الكوميديا المرتجلة» مؤكدًا أنه مثلما كان الارتجال عنصرًا مؤسسًا للمسرح الإغريقي فإنه يعتبر أهم عنصر من عناصر المسرح الشعبي في مصر ويدلل علي ذلك بما أورده «إدواردلين» عن مسرح المحبظين، وفيما أورد «يعقوب صنوع» عما كان يجري في مسرحه من أحداث مضحكة وكذلك ما يروي عن فنان الارتجال «ميخائيل جرجس» في الموالد الشعبية، و«محمد فريد المجنون» والفنان «محمد ناجي» صاحب الفصول المضحكة، وما كان يفعله «جورج دخول» و«أحمد المسيري» و«علي الكسار» من تناول شخصيات يعتمد فيها الضحك علي اللهجة الغريبة كالبربري والخواجة والتركي. هناك أيضًا الفنان «محمد المغربي» و«سلامة القط» و«محمد كمال المصري» المعروف «بشرفنطح» وغيرهم، ثم يشير علي الراعي للمحاولات التي قام بها كل من «يوسف إدريس» في الفرافير و«توفيق الحكيم » في قالبنا المسرحي و«شوقي عبدالحكيم» عن الحكايات الشعبية، ثم يتساءل عن سر هذا الاهتمام بالمسرح المرتجل ويجيب بأن هذه الصيغة ليست بدعة وإنما هو اتجاه بدأ ينتشر في العالم كله وضرب مثلاً علي ذلك بتجربة «جوون ليتلوود» في مهرجان أدنبرة سنة 1963 وتجربة فرقة المسرح الحي في أمريكا ومسرح «أرتو» الذي نظره في كتابه «المسرح وقرينه»، ومعمل الفنون، ومصنع المسرح في لندن.
إن علي الراعي يري مسرح الارتجال مغنمًا كبيرًا للمسرح المصري ويدعو إلي أن يقوم مسرح الجيب أو الطليعة فيما بعد بهذا الدور حيث يري أن علي المسرح أن يوجه نشاطه التجريبي إلي البحث عن صيغة مصرية للمسرح، وقال إن هذه الصيغة يمكن تحقيقها بنجاح في الأقاليم وليس في العاصمة حيث البكارة والأصالة.
المسرح الشعبي
تري هل تحققت هذه الدعوة التي أطلقها في الستينات؟ أعتقد أنها تحققت إلي حد كبير علي يد الجيل الثالث للمسرح بعد جيل الرواد وجيل الستينات، ويمكن الإشارة في ذلك إلي ما قدمه مسرح الطليعة إبان إدارة المخرج الكبير سمير العصفوري حيث أعتمد فيما قدمه من عروض علي مفردات المسرح الشعبي والتراث الشعبي والسير الشعبية فضلاً عما تحقق من إنجازات في نفس المجال علي يد المخرج الكبير عبدالرحمن الشافعي في مسرح السامر، وما قدمه الكثيرون من كتاب ومخرجي مسرح الثقافة الجماهيرية في الأقاليم الذين كانوا يقومون بالتجريب المسرحي في إطار البحث عن الصيغة الشعبية في المسرح المصري والتي أصبحت سمة أساسية من سمات المسرح الإقليمي، ولعلنا نذكر تجربة من أهم التجارب التي قدمها المخرج سعد إدريس لكاتب هذه السطور وهي مسرحية «مآذن المحروسة» التي أعتمدت علي مفردات شتي من مفردات المسرح الشعبي لدرجة أن ناقدًا كبيرًا هو فؤاد دوارة كتب يقول إنه لم يهتد إلي ظاهرة الارتجال والتشخيص الشعبي إلا حينما اكتشفهما فيما يشبه الحدس أثناء متابعته لعرض «مآذن المحروسة» في ساحة وكالة الغوري في رمضان سنة 1983. كما أشير في هذا المقام إلي ما قدمه كتاب من الجيل الثالث ما بعد الستينات من اجتهادات مهمة في إطار البحث عن صيغة للمسرح المصري والعربي معتمدين فيها علي التراث الشعبي الذي ذكره علي الراعي في كتابه الثاني عن «فنون المسرح والكوميديا الشعبية»، ابتداء من فن المقامة العربية وخيال الظل ومسرح الأراجوز ومسرح السامر في الأسواق والشوارع والأفراح والسرادقات، ويضرب أمثلة علي ذلك من تطبيقات وتجارب مسرحية من يعقوب صنوع وعثمان جلال ومحمد تيمور وعلي الكسار ونجيب الريحاني حتي عبدالمنعم مدبولي.
رصد الظاهرة
وإذا كان علي الراعي قد فتح الطريق أمام الجيل الثالث من كتاب المسرح ومخرجيه للولوج إلي عالم المسرح الشعبي، فإن هذا الجيل بما قدمه من اجتهادات قد تعدت بمراحل ما ارتآه علي الراعي وأخشي ما أخشاه أن تيار هذا الجيل الذي تبلور في تيار التراث الشعبي قد يواجه بنفس التجاهل الذي وقفه المثقفون القدامي وأن تظل الحركة النقدية الحديثة والمعاهد الفنية غير معنية به ولا تواكبه أو تدعمه أو تعمل علي تطويره وترشيده.
وختاما إننا بالفعل في حاجة ماسة إلي ناقد كبير ومفكر مسرحي يستكمل ما بدأه علي الراعي حين رصد الظاهرة المسرحية الشعبية ودرسها ونظر لها في المرحلتين السابقتين (مرحلة الرواد- مرحلة الستينات) وأن يقوم برصد ودراسة تيار الجيل الثالث واجتهاداته في مجال التراث قبل أن يخبو هذا التيار وتبتلعه دوامات الحركة المسرحية العشوائية التي يتسم بها المشهد المسرحي الآن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.