عرضنا في الحلقة السابقة الجزء الأول من الحديث الصحفي المطول للعالم الاقتصادي والمحلل السياسي «بيتر كونيج» مع مندوب المركز الكندي للبدائل السياسية الذي شرح فيه الأوضاع الاقتصادية العالمية والمصير المظلم للدولار الأمريكي الذي أوضح فيه النظام البديل الذي تعده دول بركس «البرازيلوروسياوالصين والهند وجنوب أفريقيا» لإسقاط الدولار كعملة عالمية، يستطرد مندوب المركز الكندي سؤاله قائلاً: كيف سيكون نظام بركس أفضل للجزء الجنوبي من العالم عن النظام الأمريكي؟.. فيرد كونيج قائلاً: إن نظام البركس يستطيع تقديم بديل صحي للنظام الدولاري شديد المديونية والعجز، حيث تطبع النقود حسب مزاج السلطة، وسيكون نظام بركس منفصلاً عن شارع المال الأمريكي «وول ستريت» ونظامه للمقاصة، وسيسمح بالتعامل بين الدول بعملاتها الوطنية حسب اتفاقات بنوكها المركزية، فاليوم ورغم التراجع المستمر فمازال معظم التعامل يتم مبنياً علي الدولار وضرورة مروره من خلال بنك أمريكي ونظام المقاصة الأمريكي الذي يخضع العملات الأجنبية والذهب لسعر صرف وفائدة يحددها حسب رغبته، فمثلاً فقد الروبل الروسي 22٪ من قيمته منذ بداية عام 2014 و15٪ خلال ربع السنة الأخير فقط، وليس هناك سبب اقتصادي لذلك سوي حملة العداء لروسيا والتلاعب بالعملات، لأن الاقتصاد الروسي رغم العقوبات الشاذة التي وقعها الغرب عليه قائم علي أساس أكثر رسوخاً من الاقتصاد الأمريكي، ويريد الإعلام الغربي من الناس أن تصدق أن ذلك كان نتيجة الأزمة الأوكرانية التي سببتها روسيا مما دفع المستثمرين للفرار، ويستمر الإعلام الغربي في تجاهل حقيقة أن عصابة الحكم النازية في كييف هي من صنع واشنطن التي تؤيدها وتمولها. وفي هذه الأثناء فإن دول بركس وبعض الدول الأخري وضمنها الأرجنتين قد بدأت في التعامل التجاري بعملاتها الوطنية منذ فترة، وبهذا تتجنب التعرض لنظام الدولار الزائف، ولذا فعملة بديلة قوية أخري قد تكون عملة عالمية احتياطية، وهو أمر طالما نادت به الدول حول العالم، خاصة الصينوروسيا والهند. ومؤخراً عرضت الصين علي دول الاتحاد الأوروبي التعامل معها مباشرة من خلال بنوكها المركزية وعملاتها الوطنية متجنبة بذلك مخالب الدولار العدوانية، ولم يكن محتملاً أن يحدث مثلاً العقاب الاستفزازي الذي وقعته أمريكا علي بنك باريباس بغرامة تسعة مليارات دولار لتعامله مع إيران الموقع عليها عقوبات غربية، لم يكن محتملاً أن يوقع هذا العقاب علي البنك الفرنسي لو لم يكن ملتزماً بالتعامل من خلال البنوك الأمريكية. فيسأل مندوب المركز الكندي: ما قدرة عملة دول البركس علي الحلول محل الدولار الأمريكي؟ فيرد كونيج قائلاً: الفرصة قوية في أن عملة تنشؤها دول البركس، ولنسميها العملة البديلة القوية المستندة إلي مجموع اقتصادات دول قوية ستحل محل الدولار كعملة عالمية، وتكون عملة الاحتياطي العالمي الرئيسية، وعندما تنشأ العملة الجديدة علي نظام قوي وسعر تحويل ثابت ستحل محل الدولار في دول كثيرة لا تجرؤ حالياً علي مواجهة الدولار وتجنب التعامل به خوفاً من العقوبات، ستجد هذه الدول في العملة الجديدة بديلاً آمناً، وكما قلت سابقاً فقد حان الوقت لإسقاط العملة العدوانية العالمية - الدولار - التي نهبت العالم وكانت أداة إشعال حروب عديدة وإرهاب اقتصادي، حان وقت استبدالها بعملة سلمية تراعي مصلحة الدول وسيادتها الوطنية وتعمل من أجل الشعوب وليس من أجل قلة مسيطرة. وعندما سأله مندوب المركز الكندي: إلي أي مدي ستهز الصفقة التي عقدتها روسيا مع الصين بشأن الطاقة مركز الدولار؟ فكان رد كونيج: إن صفقة الطاقة بين روسياوالصين وقيمتها 400 مليار دولار التي عقدت في مايو عام 2014 ستتم بموجبها وحتي عام 2018 نقل نحو 38 مليار متر مكعب من الغاز عبر خط الغاز المسمي «الوعاء المقدس» من أكبر منتج للغاز في العالم وهو روسيا إلي أكبر مستهلك للغاز في العالم وهو الصين، وهي خطوة رمزية في طريق فصل التعامل بين الدول عن الدولار في مجال الطاقة حيث ستتم حساباتها بالعملات المحلية الروسية والصينية، وتنحي جانباً التسوية بالدولار، وللعلم فحجم تعامل روسيا سنوياً في الطاقة يبلغ حوالي تريليون دولار، وصفقة الغاز الروسية - الصينية هذه تظهر للعالم أن الدولتين اللتين كانتا علي وشك الحرب خلال ستينيات القرن الماضي تتحولان إلي تحالف اقتصادي قوي وتحالف سياسي وعسكري، وبهذا المعني فالصفقة تهز عرش الدولار فعلاً.. وقبل توقيع صفقة الغاز وخلال اجتماع خاص في 24 أبريل الماضي أعلن إيجور شوفالوف نائب رئيس وزراء روسيا أنه في المستقبل ستكون المشروعات الاقتصادية الروسية متعاملة بموجب قانون عملة تبني بموجبة التعاقدات بالروبل بنسبة معينة، أما متي تصل النسبة إلي 100٪ من التعاقدات فمسألة حسب رغبة المتعاملين، وقد تعزز هذا القانون بإعلان البنك المركزي الروسي أن الروبل مسنود كلية بغطاء الذهب. وسأل مندوب المركز الكندي: ماذا يعني إنشاء بنك تنمية بين دول البركس برأسمال مائة مليار دولار؟.. هل سيحل محل البنك الدولي؟.. وكيف سيكون البنك الجديد أفضل لدول نصف الكرة الجنوبي من البنك الدولي القائم حالياً؟ كان رد كونيج: حالياً هذه خطوة رمزية للابتعاد عن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي اللذين تسيطر عليهما أمريكا بنظام الليبرالية الجديد في التمويل التنموي، وخطوة نحو الابتعاد عن خصخصة السلع والخدمات العامة مثل الماء والتأمين الصحي والتعليم، فبنك التنمية الذي أنشأته دول بركس لم يبدأ عمله بعد، وحسب علمي فإنه سيركز نشاطه الأول علي تنمية البنية التحتية من نقل وتوزيع طاقة ومواصلات ونحوها، وقد يعمل بنك بركس مبدئياً كبنك مركزي للدول الأعضاء، خاصة في حالة إصدار عملة جديدة مشتركة، وربما يأخذ بعض المهام التي يمارسها صندوق النقد الدولي حالياً مثل المساعدة في ميزان مدفوعات الدول الأعضاء، ونتمني أن يكون ذلك بأسلوب آدمي وليس بوحشية صندوق النقد الدولي الحالية. وعلينا أن نتذكر أن الصين حالياً في مقعد القيادة لدول بركس، ولها مصلحة كبيرة في أن تجني ثمار تقدم مجموعة دولها، وهي مجموعة دول مختلفة في ثقافاتها بعيدة عن بعضها جغرافياً، والتعاون المشترك بينها سيكون أكثر فائدة لكل دولة من أعضائها لو بقيت وحدها في تعاملاتها. ويتوقف حلول بنك بركس محل البنك الدولي والصندوق علي الكيفية التي ينظر البنك الجديد بها للتنمية الاقتصادية، وما إذا كانت سياساته المالية ستكون جذابة لأعضائه مراعية مصالح شعوبهم، فلا تجد الشعوب ما يحدث من فساد حالي في خصخصة المرافق العامة والعلاج الطبي وغيرهما من الخدمات العامة بحيث تزداد الأقلية الفاسدة الحاكمة ثراء، بينما تشرب الشعوب ماء ملوثاً ولا يتم علاج مريض لا يملك نفقات العلاج، أو تستنزف موارد الدول بمعرفة احتكارات أجنبية، ويستمر لصوص الليبرالية الغربية الجديدة في نهب شعوب العالم. ونقف عند هذه الفقرة من هذا الحديث العميق، ونستأنف في المقال التالي باقي أسئلة مندوب المركز الكندي وردود كونيج عليها. نائب رئيس حزب الوفد