على خطى نيل مصر الواعد الممتد من أقصى الشمال إلى آخر نقطة في الجنوب، وتحت سماء حانية على أبنائها تارة وقاسية متلبدة بسحبها الكثيفة تارة أخرى، تتربع الدولة المصرية ما بين شعب وحضارة ولت وحضارة أخرى تشق طريقها إلى النور، فضلاً عن جانب كبير من مهملات شعب لا يهمه سوى مكان الفتات من الخبز الذي يتربحه في اليوم، وما سيمثله الغد من شقاء وعناء ليوم آخر. في خضم كل هذا تسعى الأنظمة إلي وضع بصمتها على الطريق المصري، من بناء المؤسسات وشق الطرق والصعود بالكباري لتأدية جزء من دورها المنوط بها، نظام يبني ونظام يأتي بعدها ليهد بإهماله ما قام به الآخر حتى وصلنا إلى ما يسمى "بشبه حضارة" فالمؤسسات قائمة لكنها متخبطة في أداء أدوارها، والطرق موجودة ولكن لا بأس من حفرة هنا أو "مطب" هناك، فضلاً عن أكوام القمامة التي تزين كل شارع في مصر كبصمة شعبية مصرية من الدرجة الأولي. وللتسول قصة أخرى.. فما بين ليلة وضحاها انتشر ذاك الداء بشكل لا يصدق بين أبناء الشعب، فلا يخلو زقاق من شارع ولا مربع من قطعة أرض بدون متسول يقوم بما عليه بطريقة أو بأخرى من ذاك الفن الذي أبدعه في تنوع طرقه، حتى إن ذلك النوع من "الحاجة" لم يقتصر على عجوز أو أرملة أو مريض وحده، بل امتد إلى كل الأعمار من جنسي الشعب المصري لتسجل بصمة أخرى تخجل المصريين بين أشقائهم التي تستضيفهم بلد الأمن والأمان في ظل غياب هذا الأمن وذلك الأمان. ومن هنا حاولت كاميرا "بوابة الوفد الإلكترونية" إلقاء الضوء عليها لتسجيل جزء من الواقع المصري ومحاولة إيلام الشعب بمسئوليه على تلك الصورة التى ستسجلها كتب التاريخ لشعب ثار على النظام ولم يستطع الثورة على نفسه، تم رصد الواقع المصري من تحت الكوبري، فكل كوبري في مصر حكاية، ولما أسفله حكاية أخرى، قصة تروى هوية أشخاص أو ما يأملونه من النظام القائم، وقصة أخرى يندى لها الجبين خجلاً. كوبري الجلاء من أسفل كوبري الجلاء رسم الواقع المصري في لقطات مكتوبة أو مرسومة بأقلام الثوار، فعلى جدران الكوبري من أول سلمات صعوده، أو على الأعمدة الرافعة إياه، رسمت حركات المعارضة التي ظهرت في الفترة الأخيرة في أوائل عام عام 2011 قصصها التي وقفت في الميادين لساعات لتشدو بها، فعلى جدران الكوبري تمثلت الهتافات المعارضة لحكم مبارك مطالبة إياه بالرحيل، وعلى عمود آخر رسمت بعض الصور لشباب وقفوا في الميدان ثائرين حتى نالتهم رصاصة غدر لم تعرف كنيتها ولا من أين أتى السلاح حتى تلك اللحظة. ولمشهد آخر تمثل حتى كل الكباري المصرية كان للباعة الجائلين الذين افترشوا ببضاعتهم في الفراغ الذي وجدوه خاليًا دون مراعاة للشارع ولا للقانون ولا حتى لما يمثله عملة من إعاقة لحركة الطريق المار من تحت هذا الكوبري، وعن السلع نفسها فقد تنوعت ما بين جلود لأحزمة أو محافظة أو حتى "حظاظات"، وبائع آخر ينادي على بيع ساعاته أو أقلامه وكرارسيه أو حتى "ذراه المشوي" الذي سيدفئ المارة من غدر أي أي مناخ بارد. الغريب في الأمرين منطقة وسط البلد قد شهدت منذ 3 أشهر ولت حملة لإزالة الإشغالات والباعة الجائلين المخالفين لاحترام الطرق العامة وعدم التعدي على مباني الدولة وافتراش البضاعة بجانبها، ولكن تلك الحملة لم تمتد إلى منطقة رمسيس وما يشهده كوبري الجلاء من امتداد أسواق كاملة دون تصاريح، رغم ما تشهده تلك المنطقة من تراص المؤسسات الحكومية المختلفة التي لا تجملها تلك المفروشات.. كوبري أكتوبر وعن الكوبري المتواجد بجانب ميدان عبد المنعم رياض في وسط البلد فقد تزينت جدرانه أيضًا بكتابات أخرى وصور لشهداء الثورات، فضلاً عن كتابات معارضة للنظام القائم وتتهمه بالانقلاب على النظام الذي سبقه، إلى جانب كتابات تعبر عن هوية أحزاب أو حركات انطلقت من رحم الثورة لتشق طريقها إلى النور منتهجة شعاراتها المختلفة من ليبرالية وديمقراطية إلي يسارية معارضة، وغيرها من المناهج التي يسعى البعض إلى فرضها على الواقع السياسي بطرق مختلفة. ومن صورة مطابقة لكوبري المشاة المتواجد بشارع الخليفة المأمون والرابط بين حرمي جامعة عين شمس، تكررت نفس الصورة بكلمات مختلفة تعبر عن حالة الغضب التي عايشها الشباب في تلك الفترة، وتعكس المراحل التي مر بها الطلاب في ذاك الوقت من مقت النظام البائد والثورة علي ما تلاه ونقد ما مرت به مصر في الثلاث أعوام الماضية. كوبري أبو الفدا وعن كوبري أبو الفدا الواقع في منطقة الزمالك فيشهد صورة أخرى من الإهمال، فأسفل الكوبري تراصت أكوام القمامة، في شنط سوداء تتكوم بها مخلفات المنازل، تلك الشنط التي التفت حولها حيوانات الشارع من القطط أو الكلاب للبحث عما تقتات به، فتركت الشنط مفتوحة تنوء بما في داخلها، في مشهد جدير بتسجيل مصر ضمن دول العالم الثالث عن جدارة. ومن هنا يعلو التساؤل الذي دار بخلد الكثيرين، هل اعتزم سكان الزمالك علي تشويه منطقتهم التى هي من أرقى المناطق في مصر كلها بهذا الشكل، أو أن هناك دخلاءً يحاولون الثورة على الطبقية بذلك الشكل المخزي، وبالرغم من كون غرابة تلك الأسئلة إلا أن الواقع أغرب بشكل أكبر كما رصدت الصورة المذكورة. ومن جانب آخر، تربعت "متسولة متخفية وراء نقاب" أسفل الكوبري على مقربة من القمامة المذكورة سلفًا لاستعطاف المارة ببكاء أو بدعوة قد تحنن قلوب العابرين. إلى جانبها وقفت بائعة للترمس وبائع للدرة فى مشهد لا يخلو منه أي كوبري، كوسيلة للبحث عن العيش المستحق في الأرض. الكوبري الدائري وعن الكوبري الدائري فقد رصدت كاميرات الإعلام منذ سنوات مشاهد متنوعة من الإهمال أسفل الكوبري من غرق الأرض في برك المياه لانفجار ماسورة صرف صحي، فضلاً عن الجانبين اللذين تتراص أكوام القمامة عليهما في مشهد لا ينسى. واليوم وعند ذهاب كاميرا الوفد لتفقد الوضع من هناك فقد رصدت مشهدًا آخر، فتحت الكوبري نظيف تمامًا علي غير المتوقع إلا عن بعض الأكياس الورقية للسلع الخفيفة في فرق شاسع عن المشهد الأول، تلك الصورة التي بثت الأمل في نفوس المارة وفي نفوس الفريق نفسه. وعند المغادرة وصعود الكوبري في طريق الرحيل، رصدت عيون الموجودين قبل الكاميرا نفسها تراص شنط الزبالة على الكوبري نفسه، لذلك المشهد المفجع الذي تخطى فيه أبناء المنطقة كل الخطوط الحمراء، بتسجيل صورة من شأنها أن تحط من شأن تلك الدولة بين أقرانها من الدول.