ها هو يشيح عنا بوجهه العجوز المرتسمة تعاريجه فينا، وقد أشحنا مسبقاً عنه بوجوهنا وتمنينا أن يفارقنا، لأنه كان كئيباً حزيناً ألبسنا أغلب أيامه السواد، بما صنعه فيه وفينا الخونة الجهلة.. أهل الحقد.. أعداء الحياة من قتل وإرهاب وتخريب، وها هو يلملم أوراقه وأقلامه السود ويرحل مخلفا فينا ندبة اسمها «2014»، يرحل وإلهى «ما ترجع أيامه»، فقد كورت لأجل القادم إرادة عمل وحياة ونجاح زينتها بالأحلام ودعمتها بدعاء الخالق المجيب للدعاء، ليكون الوافد احلى وأروع لكم ولى، إرادة تتسع معها آمالى وآمالكم -إن كان فى العمر بقية- فكلما اتسعت الآمال كانت الحياة أجمل، وكانت الآلام والصدمات أكثر احتمالاً. نعم قررت أن أضع لنفسى خارطة طريق اسمحوا لى أن أضعها أمامكم كهمسة حياة، وأدعوكم معى للسير عليها، أول الخارطة خط واضح اسمه «لن أخاف» لن أخاف الغد أو المجهول، لن أخاف فى الحق لومة لائم، لن أخاف فى فضح أى فساد ومواجهته باليد.. باللسان.. وقد لا ألجأ لتغييره بالقلب، فالمؤمن القوى خير من المؤمن الضعيف، لن أخاف من صاحب سلطة أو نفوذ، وسأقول للأعور «انت أعور» فى وجهه بلا تزييف أو مجاملة، حتى يعرف كل إنسان عيوبه ويتعامل معها ويعالجها. ثانى خط فى خارطتى، لن أتلكأ فى واجبى، فى عملى، سأعمل بكل ما أوتيت من جهد فى مجالى وفى كل مسئولياتى، لن أدخر وسعاً يمكن أن أبذله لخدمة الآخرين وإسعادهم، فكل ما سندخره من طاقة وصحة مصيره «دود القبر»، ولا أرغب فى أن أكون وليمة له، سأنتزع كل الأشواك عن دربى، ولن أسمح لأحد بأن يعرقلنى، سأزرع مكان الشوك ورداً، لأنعم به وينعم به كل من حولى. ثالث خط، سأسعى لتغيير من حولى للأفضل، سأبث فيهم روح العمل والاجتهاد وعدم الاستسلام لليأس أو لأى منظومة فساد «كلكم راع وكل راع مسئول عن رعيته»، سأشكل معهم جبهة للعمل والتقدم والرقى بما نعمل، سأسعى معهم لإطلاق إشارات التنوير، لمحاربة الفكر الأسود المتخلف ومطاردة خفافيش الظلام، لن أتوانى فى كشف المستور، وإبراز الحقائق للنور، وسأتمسك دوماً بحقى بالعيش فى ستر وأمان، ولن أسمح لأى قوة غاشمة أن تسلبنى هذا الحق. رابع خط، لن أعترف بالمستحيل، فلا مستحيل أمام إرادة إنسان مؤمن يعمل لإيمانه بأن الله ورسوله يراقبان عمله، ما نراه نهاية طموحاً أو أملاً يمكن أن يكون بداية، والمستقبل لكل من يؤمن بقدراته وبجمال أحلامه، لن أيأس إذا تعثرت أقدامى، وسأبدأ دوماً بإذن الله من جديد، ففكرى وإرادتى شيئان لا يمكن أبدا انتزاعهما منى، حتى وإن سعى أعداء الحياة والنجاح إلى مصادرة بعض أحلامى، فكلما سقطت فى حفرة سأخرج منهما أقوى، الضربة التى لا تقتل تقوى، وكلما حاصرتنى تلال الجليد سأزرع من أفكارى وعملى ربيعاً، وأفتح نوافذى لنسمات الهواء النقي، وأنظر بعيداً لأسراب الطيور وهى تغنى، وسأرى الشمس الذهبية بين الغيم تمنح الغذاء للأرض البور لتخضر، وسأشعر دوما بأن الله معى، فنهاية أى شىء حلمنا به أو تمنيناه ليس نهاية العالم، فلن أقف طويلاً على الأطلال لأنعى حظى، فالأطلال تسكنها الخفافيش والأشباح وقتلة الأرواح، ووراء كل ليل صباح. رابع خط فى خارطتى لن ألوم من خذل حلمى، بل سألوم نفسى لأنى اعتمدت على غيرى لتحقيق ذاتى، ولم أشحذ أدواتى وأعد آلياتى لأنجح، وتركت لغيرى تحديد مسار أحلامى، سأجعل من لحظة الانكسار بداية حلم جديد، وستثقلنى التجربة لأفرق بين من وضع حلمى بين عينيه وبين من داس عليه، سأطوى الأوراق التى بهتت ألوانها، والكلمات التى تآكلت حروفها، وتاهت سطورها، فهذه السطور ليست أجمل ما كتبت، وهذه الأوراق لن تكون آخر ما سطرت، لن أكون مثل مالك الحزين، هذا الطائر الذى يغني أجمل ألحانه وهو ينزف حتى لحظة الموت -فلا تستعذب المالك-، حتى لا يستعذب الآخرون عذابك ويعيشون على لحنك وأنت تموت، ليس من البطولة أن تترك رأسك تنقره الغربان لتسمن هى، وتعتقد فى نفسك الشهادة. خامس خط، لن أبكى على اللبن المسكوب، ما فات مات، لن أحمل بؤس الذكريات على كتفى كالعلب الصدئة، ل«تكركب» أصواتها وتربك خطواتى، فالماضى عمر سقطت أوراقه ولن تعود، الماضى الحزين فاصل، سأتركه وأواصل، فالعيش فى الماضى كالمسافر فى صحراء يبحث عن جنة من الأشجار، ولن يجد فى صحرائه إلا الوحشة والألم، إذا كان الأمس ضاع.. فبين يديك اليوم، وإذا كان اليوم سوف يجمع أوراقه ويرحل.. فلدينا الغد، سأنظر للحالى، من حولى، للمستقبل، لكنى سأتعلم من حسابات الأمس، حتى لا أخسر من جديد. سادس خط، لن أضيع لحظة من عمرى فى الانتقام أو حتى التفكير بالانتقام ممن أساء إلىَّ أو أضرنى، لأنى أنا من تركت له الفرصة ليفعل، وأعطيت الأمان لمن لا يستحق، فمن غرس في قلبى أو حلمى سهماً، سأتركه يمضى عسى أن يتعذب بضميره، لأعالج جرحى بسرعة فلا أتركه ينزف ويترمم مع انشغالى بالانتقام، الانتقام نيران تحرق صاحبها قبل أن تحرق الآخرين. هذه هى خارطتى فى عام 2015، هذا إن أحيانى الله، وأهديها لكم جميعا، ليكون عاماً جميلاً مختلفاً، أفضل مما مضى مهما رأينا فيه من مفاجآت وصدمات، علينا أن نحيا الأيام القادمة بالعمل والأمل والتكاتف من أجل أمن واستقرار وطننا الحبيب، الأمل كالزهرة التي تبث إلينا حلاوة ريحها وتسحرنا برونق منظرها وعلينا التمسك بها حتى لا ننتحر بعذابنا.. أو نسير أحياء مقتولين باليأس.